لنا أوطاننا ولكم أرصفة الغرب
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
غالبية الذين ذهبوا إلى الغرب بحجة الفرار بدينهم وحريتهم، أثبتوا وبما لا يدع مجالا للشك أنهم يفعلون كل شيء من أجل تدمير “أوطانهم” التي خرجوا منها، حيث عادوا على ظهور الدبابات بعد أن قضوا على كل مظاهر الحياة، هدمت المباني العامة والخاصة، أغلقت مراكز العلم لسنوات، نُهبت المستشفيات، أُفرغت من محتوياتها، لم يعد التعليم والطبابة والأمن من الأشياء الضرورية، أرجعونا إلى القرون الوسطى، عصور الانحطاط، ولا اعتقد أن هناك انحطاطا أكثر مما نحن فيه.
طيور الأبابيل التي قرأنا عنها والتي أرسلها الرب لردع أبرهة وجنده الذي حاول هدم الكعبة لأن البشر يؤمونها من كل حدب وصوب، بعد أن عجز القائم بالأعمال على أمور البيت العتيق بصد عدوان أبرهة فلا قدرة له بذلك، فللبيت رب يحميه. ألقت الطيور حجارة السجيل فقضت على أبرهة وجيشه، فأصبح الجميع هباءا منثورا تذروه الرياح، الطيور الأبابيل “الاصطناعية” عاودت الظهور في سمائنا، بعضها يمكن رؤيته والبعض الآخر نكتفي بسماع دويه الذي يصيبنا بالصمم، ويحدث لنا ما قاله أحد الشعراء: من تصب تمته ومن لم تصب يعمر فيهرم، ولا اعتقد أن من لم تصبه سيعمر، لأن مخلفات حجارة السجيل ستسرّع من عمره ويلقى حتفه، وقد لا يدفن خشية من أن المرض معد، كما أننا لم نعد في حاجة إلى الاحتفاظ برماد الأعزاء كالهنود، فتلك موضة قديمة، لذلك فلا بأس من استعمال أفران صهر الحديد فلا يبقى للبشر أثر.
لقد أصبح المواطن العربي في حالة يرثى لها، يتحكم بمصيره زمرة فاسدة استقوت بالأجنبي واتخذت من الدين شعارا لها، بدعوى إحياء الخلافة الإسلامية، والقتل على الهوية والابتعاد عن التعاليم السمحاء لديننا الحنيف، فهؤلاء لا يؤمنون بالعيش المشترك وتعدد الأديان، وأن لكل امرئ الحق في اتباع الدين الذي يريد ولا ينظرون إلى المؤمنين غير المسلمين على أنهم أهل ذمة، بل كفرة فجرة تجب محاربتهم، بل وصل بهم الأمر إلى تصنيف المسلمين عدة أصناف جميعها كافرة باستثناء الصنف الذي يتبعونه.
وبعد، أقول للذين ينتشون بنصرهم المزيف ويعيثون في الأرض فسادا، لقد زرعتم الأرض بعظام الشرفاء، غرستم الجماجم التي فصلتموها عن أجسادها لأنكم تخشون عودة الروح إلى الجسد المكتمل، رويتم تربة الوطن بدماء الأبرياء من النساء والولدان وكبار السن، سقيتم أديم الأرض بدموع الأرامل والثكالى واليتامى، فماذا تنتظرون النبت يكون؟ سيحرق أقدامكم وأيديكم التي تمتد إليه، لن يطيب لكم المقام في وطني، بل ستعودون من حيث أتيتم، إلى البلدان التي منحتكم جنسياتها، تمسحون الأحذية، وتنظفون الشوارع وتحملون أمتعة أسيادكم نظير أجر بخس، ستكونون نواذل في الخانات وحراس شخصيين لأسيادكم، وقد لا يسعفكم الحظ فيكون الرصيف ملاذا لكم، الوطن العربي لم يعد وطنكم الأول أو الأخير، بل يجزم المرء أنكم لا تنتمون إليه بأية صلة، فما اقترفتموه من أعمال إجرامية ولا زلتم عليها عاكفين يندى لها كل جبين، جباهكم لم تعد قادرة على مجابهة الشرفاء، لقد أذللتم أنفسكم ومرغتموها في الوحل، تبا لكم من أناس تفتقدون إلى أية صفة من صفات البشر وإن كنتم تتظاهرون بذلك، فلا بأس وسنعاملكم على قدر عقولكم التي نشك في وجودها معكم.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
إقرأ أيضاً:
العيد الذي نحتاجه
د. ذياب بن سالم العبري
مع اقتراب عيد الفطر المُبارك، تبدأ ملامح الفرح تتسلل إلى تفاصيل الحياة من حولنا. نرى ذلك في الأسواق التي تعج بالحركة، وفي الأطفال الذين يختارون ملابسهم الجديدة بحماس، وفي الأمهات اللاتي يُحضّرن الضيافة، وفي الأسر التي تترقب اللقاءات العائلية التي افتقدتها طوال شهور. العيد، كما نعيشه هنا في عُمان، ليس مجرد مناسبة دينية أو عطلة تقويمية؛ بل هو لحظة إنسانية جماعية، فيها شيء من الطمأنينة، وشيء من الدفء، وشيء من العودة إلى البدايات.
لكن وسط هذه الأجواء المبهجة، من المفيد أن نتوقف قليلًا ونتأمل: لماذا يحتفل الإنسان أصلًا بالأعياد؟ وما الذي يجعلها محطات مُهمة في حياته؟ المفكرون والباحثون في علم الاجتماع والأنثروبولوجيا نظروا إلى الأعياد باعتبارها حاجة إنسانية متجذّرة، يتجاوز فيها الفرد تفاصيل حياته اليومية، ليتواصل مع الجماعة، ومع الزمان، ومع الذاكرة. العالم الاجتماعي الفرنسي إميل دوركايم رأى أنَّ الأعياد تُعيد إنتاج الروابط الاجتماعية، وتقوّي الإحساس بالانتماء، لأنها تجعل الناس يفرحون معًا، ويحزنون معًا، ويتشاركون لحظة شعورية موحدة. أما كارل يونغ، فرأى أن الطقوس الجماعية – مثل الأعياد – تُخاطب عمق النفس البشرية، وتعيد للإنسان توازنه الداخلي. ومن زاوية أخرى، حذّر مفكرون معاصرون من انزلاق الأعياد إلى طقوس استهلاكية خالية من المعنى؛ حيث تتحوّل مناسبات الفرح إلى مواسم إنفاق لا أكثر.
في عُمان، ما زالت الأعياد تحتفظ بجوهرها الجميل. نلمس ذلك في تفاصيل بسيطة لكنها عميقة: في تبادل التهاني بين الجيران، في زيارة الأقارب كبار السن، في بساطة الملابس التقليدية، وفي إصرار كثير من الأسر على إعداد القهوة والفوالة بأيديها، رغم توفر كل شيء في الأسواق. هذا الوعي الجمعي بأهمية العيد، هو ما يجب أن نحرص على نقله للأجيال الجديدة، ليس بالكلام فقط؛ بل بالمُمارسة.
العيد ليس في مظهره فحسب؛ بل في أثره. هو لحظة نادرة لترميم العلاقات، ولإعادة الاتصال بالناس الذين باعدت بيننا وبينهم مشاغل الحياة. هو فرصة لنقول "شكرًا" و"سامحني" و"اشتقت إليك" دون حواجز. هو وقت مثالي لأن يفرح كل من في البيت، لا بحسب قدرته الشرائية؛ بل بحسب مكانته العاطفية. ولا تكتمل هذه الصورة إلّا إذا مدَّدنا فرحة العيد إلى من حولنا، ممن قد لا يملكون ما يكفي للفرح، أو ممن يقضون العيد وحدهم، أو تحت ضغط الحياة. العيد الحقيقي هو ذاك الذي لا يُقصي أحدًا، ولا يُشعر أحدًا بأنَّه أقل من غيره.
إننا بحاجة اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إلى أن نستعيد العيد كحالة إنسانية، لا كروتين اجتماعي. أن نعيده إلى سياقه الطبيعي بوصفه استراحة للروح، وتجديدًا للصلة، ومساحة للتأمل والامتنان والبساطة. وليس المقصود أن نبتعد عن مظاهر الفرح؛ بل أن نمنحها معناها الحقيقي، فلا يكون الفرح مسرفًا ولا فارغًا؛ بل واعيًا ومتزنًا.
ولأنَّ كل عيد هو فرصة جديدة، فإنَّ السؤال الذي ينبغي أن نحمله معنا ونحن نُقبِل على عيد الفطر هذا العام هو: هل سنجعل من هذا العيد محطةً للتقارب الحقيقي، والمشاعر الصادقة، والفرح المسؤول؟ أم سنكتفي بالمرور السريع، دون أن نترك فيه أو يأخذ منَّا شيئًا يبقى؟