روسيا تسجل انتصارا جيوسياسيا: جورجيا تعويضا من سوريا
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
في الوقت الذي يواصل فيه الإعلام الغربي تسليط الأضواء على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، واعتباره خسارة جيوسياسية هائلة لروسيا، فإنه يحجب الأضواء عن الانتصار الجيوسياسي الثمين الذي سجلته موسكو في مرمى حلف شمال الأطلسي "الناتو"، والاتحاد الأوروبي خصوصا، حسبما تظهر التحولات السياسية الحاصلة في جورجيا.
والحال أنّه ثمّة الكثير من الروابط بين التطورات الحاصلة في كلا البلدين، والتي تُعد من ثمار العلاقة الوثيقة بين روسيا وتركيا.
تجنب حمام دم جديد
ذهبت الكثير من النقاشات والتحليلات في وسائل الإعلام الغربية الى الحديث عن خسارة روسيا بسقوط نظام الأسد، فيما القليل من التقارير والتحليلات تحلت بالموضوعية وبيّنت أنّ موسكو استطاعت تجنيب سوريا حمام دم قد يكون أكثر فجاجة وقسوة مما حصل على مدار السنوات الفائتة.
ذهبت الكثير من النقاشات والتحليلات في وسائل الإعلام الغربية الى الحديث عن خسارة روسيا بسقوط نظام الأسد، فيما القليل من التقارير والتحليلات تحلت بالموضوعية وبيّنت أنّ موسكو استطاعت تجنيب سوريا حمام دم قد يكون أكثر فجاجة وقسوة مما حصل على مدار السنوات الفائتة
فالإدارة الروسية لم تكن عاجزة عن إرسال بضع طائرات حربية من ترسانتها الشديدة الفعالية، حسبما يظهر في الميدان الأوكراني، لكن تقييمها السياسي المبني على معلومات وخبرات متراكمة، خلص الى أنّ نظام الأسد فَقَدَ هوامش المناورة كلّها، وصار "جثة سياسية"، وليس هناك من عائد جيوسياسي يمكن أن يقدمه، في ظل الجمود الهائل لبشار الأسد، وعجزه عن القيام بأيّ خطوة سياسية مفيدة.
فضلا عن الدور السلبي لإيران، التي سعت على الدوام إلى تقويض أيّ انفتاح على قوى المعارضة وفق مسار آستانة. حينما لجأ الأسد إلى موسكو، أقنعته الأخيرة بأنّ لا جدوى من القيام بأيّ رد فعل عسكري، وألزمته بتسليم السلطة وفق اتفاق مع أنقرة. لكن الأسد كعادته حاول المناورة حتى اللحظات الأخيرة.. وبالكاد استطاعت إخراجه لضمان عدم حصول عمليات انتقامية تأخذ طابعا دمويا، الأمر الذي قد يُفسح المجال أمام اندلاع صراعات طائفية وعشائرية تطيل أمد اللاستقرار، وتؤخر عملية بناء سلطة مستقرة من جديد.
التعاون الروسي - التركي
خيوط التعاون الروسي- التركي لم يبدأ نسجها في الميدان السوري، بل قبل ذلك بكثير، حيث استطاعت موسكو تلقين أرمينيا، ومن ورائها رعاتها الغربيين الجدد، درسا في الجيوبوليتيك، أفقد أمريكا، ومعها حلفاءها في "الناتو"، ورقة جيوسياسية حيوية لممارسة الضغط على روسيا. وبعدما كانت الأخيرة راعية الاستقرار والسلام الهشين بين أذربيجان وأرمينيا لسنوات خلت، رفعت الدعم عن يريفان، مما جعلها تخسر الأراضي التي كانت موسكو وحدها الضمانة لبقائها أرمينية. وأثبتت لرئيس الحكومة الأرمينية، نيكول باشينيان، أنّ اللعب في الجيوبوليتيك له أثمان باهظة.
النتائج الإيجابية للتعاون الروسي- التركي في القوقاز، أفضت إلى تطوير هذا التعاون ليشمل البلقان الذي يوصف ببرميل البارود، حيث تلعب الدولتان دورا بارزا في الحفاظ على السلام المتوتر بين الأعراق المختلفة في البوسنة، وكذلك في كوسوفو، بشكل يَحول دون انزلاق المنطقة نحو صراع جديد، يمنح الغرب فرصة لفرض المزيد من الإملاءات على حكومات دول البلقان، ويُسهم في تقويض سياسات التنمية المتعثرة في تلك الرقعة الجغرافية.
هذا التعاون الروسي- التركي واجه بعض الإخفاق في الميدان الأوكراني، نتيجة الضغوط التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي الذي قاربت ولايته على الانتهاء، جو بايدن، وذلك من أجل إطالة أمد الصراع بشتى الأدوات، ومنها بالطبع حلف "الناتو"، والذي تُعد تركيا من مؤسسيه وعضوا بارزا فيه. إذ استطاعت واشنطن إفشال جهود السلام التركية في أوكرانيا، عبر حليفتها التاريخية بريطانيا. وكلما خبا وهج المعركة وعَلَت أصوات النُخب الأوروبية للمطالبة بوقف الدعم الغربي وإنهاء الصراع، عادت الإدارة الأمريكية لممارسة ضغوطها، وتقديم رزمات دعم هائلة، برغم كل النتائج الكارثية والخسائر الاقتصادية والسياسية، وبالطبع الخسائر بين المدنيين.
جورجيا ميدان تعاون ناجح
مقابل تراجعها في سوريا، فإنّ روسيا تمكنت من تعزيز حضورها في الجيوبوليتيك الأكثر أهمية لها من أجل حماية أمنها القومي بشكل مستدام
ومع ذلك، فإنّ واشنطن لم تكتفِ بالميدان الأوكراني، بل سعت لإغراق عدد من الدول المحيطة بها، أو التي تنتمي الى الفضاء الجيوسياسي الروسي في الصراع، وفي طليعتها جورجيا ومولدوفيا.
في الميدان الجورجي، نجحت موسكو في تقويض آثار الانقلاب السياسي المدعوم من الغرب، من خلال فوز حزب الحلم الجورجي بالأكثرية البرلمانية منذ عام 2012. إلّا أنّ رئاسة الجمهورية بقيت موالية للغرب بسبب القانون الانتخابي، مما أنتج حالة من الاستقطاب الحاد هيمنت على الساحة السياسية.
بيد أنّ روسيا وظفت تعاونها الوثيق مع تركيا لحضّها على الانفتاح على جارتها جورجيا، واتباع سياسات مرنة، كان لها الأثر البالغ في تحقيق عوائد سياسية واقتصادية لصالح "حزب الحلم" الجورجي القريب من موسكو، والذي يتمسك بالروابط التاريخية والجغرافية والثقافية مع روسيا.. وهذا ما أثمر عن تحقيق "حزب الحلم" فوزا مدويا في الانتخابات التشريعية على اتئلاف القوى الموالية لبروكسل، أتبعها بتجميد محادثات الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي حتى عام 2028، وعددا من القوانين التي تحدّ من هوامش تدخل الغرب ومواظبته على انتهاك سيادة الحكومات. كما توّج ذلك كلّه، بانتخاب رئيس جديد للجمهورية الجورجية يعتنق نفس النهج السياسي المنادي بالتحالف مع روسيا.
تمثل التحولات الحاصلة في جورجيا انتصارا جيوسياسيا هائلا لروسيا، وصفعة بارزة لقوى "الناتو" والاتحاد الأوروبي، حيث تُظهر علائم الخسارة واضحة من خلال تصريحات المسؤولين فيهما، ورفضهما الاعتراف بنتائج الانتخابات، حتى لو كان الثمن رمي جورجيا في مهب الفوضى وعدم الاستقرار. ومقابل تراجعها في سوريا، فإنّ روسيا تمكنت من تعزيز حضورها في الجيوبوليتيك الأكثر أهمية لها من أجل حماية أمنها القومي بشكل مستدام.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه سوريا جورجيا روسيا تركيا سوريا امريكا تركيا روسيا جورجيا مدونات مدونات مدونات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی المیدان
إقرأ أيضاً:
كيف قام بشار الأسد بتهريب ثروات سوريا قبيل هروبه إلى الخارج؟
أنقرة (زمان التركية) – كشفت وكالة رويترز للأنباء في تقرير خاص عن تفاصيل تهريب الرئيس السوري المخلوع، بشار الأسد، لثروات سوريا خلال الأيام الأخيرة قبيل هروبه إلى روسيا.
وأشار التحقيق إلى استخدام الأسد طائرة خاصة لتهريب الوثائق والممتلكات الثمنية إلى مدينة أبو ظبي الإماراتية مع اقتراب قوات المعارضة للعاصمة السورية، دمشق، وأن بعض عمليات النقل تمت عبر قاعدة روسية عسكرية داخل سوريا.
وذكر التحقيق الذي استند على 10 مصادر مختلفة أن المستشار الاقتصادي للأسد، ياسر إبراهيم، تولي استئجار طائرة لنقل أملاك الأسد الثمينة وأقاربه ومساعديه وموظفيه من القصر الرئاسي إلى الإمارات.
وأضاف التحقيق أن سجلات حركة الطيران كشفت عن أربعة رحلات متتابعة إلى سوريا لطائرة خاصة من طراز Embraer Legacy 600 خلال 48 ساعة قبل سقوط الأسد، وأن الطائرة مسجلة باسم غامبيا.
وأشار التحقيق الذي استند على مصدر استخبارات جوي سابق مطلع على سجلات الطيران وتسجيلات الأقمار الصناعية والعمليات إلى أن الرحلة الرابعة تمت في الثامن من ديسمبر/ كانون الأول من عام 2024 من قاعدة قاعدة حميميم العسكرية التي تستخدما روسيا بالقرب من مدينة اللاذقية على ساحل البحر المتوسط.
وأكدت رويترز أن الأسد هرب في اليوم نفسه عبر القاعدة العسكرية عينها إلى روسيا.
وأفادت وكالة رويترز أن الطائرة كانت تحمل على متنها حقاب سوداء تضم نحو 500 ألف دولار نقدي على الأقل ووثائق وحواسيب محمولة وأقراص مدمجة بجانب معلومات استخباراتية مهمة بشأن شبكة العمل المعقدة التي تشمل قطاعات الاتصالات والبنوك والعقارات والطاقة وغيرها.
وأضافت رويترز أن بيانات موقع FlightRadar 24 تعكس أن الطائرة الخاصة توجهت في كل رحلة أجرتها إلى مطار البطين في أبو ظبي الذي يتم استخدامه للرحلات الخاصة والمعروف بسريته المشددة.
وفي تصريح للوكالة، صرح مسؤول بارز بالحكومة السورية الجديدة أن الحكومة عازمة على استرداد أموال الشعب التي نُقلت إلى الخارج قبيل سقوط الأسد من أجل دعم الاقتصاد السوري المنهار تحت وطأة العقوبات وندرة النقد الأجنبي.
هذا وأكد المسؤول أن الأسد قام بتهريب الأموال إلى الخارج قبيل سقوط غير أن السلطات لا تعرف كيف تم هذا مشيرا إلى مواصلة المسؤولين العمل على تحديد موقع تلك النقود.
Tags: أبو ظبيأموال سورياالإدارة السورية الجديدةالتطورات في سوريابشار الأسدروسياسقوط بشار الأسدقاعدة حميميم الجوية