سيف الحكمة .. عرض يعلي صوت الطبول ليقدم أربعة حكم صينية
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
حلَّت فرقة "مسرح يو" الصينية على أرض سلطنة عُمان، حاملين معهم الطبول الصينية التقليدية مختلفة الأحجام والأنغام، لتقدّم عرضها المسرحي "سيف الحكمة" على خشبة دار الفنون الموسيقية بدار الأوبرا السلطانية مسقط يومي اليوم الجمعة وأمس الخميس، وتميّز العرض المبهر بروعة الأداء الاستعراضي الجسدي وفنون القرع على الطبول متعددة الأحجام، ما بين الكبيرة التي يقرع عليها شخصان من الأمام والخلف، والضخمة التي يزيد طولها على طول الرجل الواحد، والصغيرة التي تُحمل على كفّ واحدة، وغيرها من الأحجام، إلى جانب الأداء الغنائي الصيني بمختلف طبقات الصوت، والضرب بالهراوات على الطبول حينًا، وعلى أرضية الخشبة حينًا آخر، ليمتزج كل ذلك في تجسيد أربعة حكمٍ صينية تقليدية نابعة من المعتقد الديني لديهم، هي حكمة "هراوة واحدة.
وكما جاء في كتيب الحفل، فإن عرض "سيف الحكمة" يحكي عن رحلة المحارب في البحث عن ذاته، حيث يواجه تحديات الحياة التي تثير المخاوف في داخله، وفي هذه الرحلة، ينطلق المحارب للبحث عن الحكمة، ويستخدم السيف كوسيلة لإدراك نقاط ضعفه، وللتحلي بالشجاعة التي تمكّنه من مواجهة العقبات بشجاعة وإصرار، ودار حول حكاية محارب قبل انطلاقته في رحلته بعدة سنوات عاش 36 يومًا في عزلة تامة في منزل قديم على جزيرة نائية، وخلال تلك الفترة، كان يتأمل بعمق، إلى أن واجه رؤيا غيّرت مساره، وتزامنت هذه اللحظة مع دوي الرعد وتسرّب المياه إلى المنزل، مما جعلها محطة فارقة في حياته، ويبرز العرض الثقافة الصينية، منها رمز "الثعبان" الدال على الحكمة والطبيعة البشرية، وهو أيضًا إشارة إلى المكر والعلاقات المتشابكة التي قد تكون حقيقية أو وهمية.
وقد مرّت كل هذه الفنون الأدائية عبر 7 مشاهد، المشهد الأول "انطلاق الرحلة"، وتلخّص في فكرة تحقيق البطل، هو محارب لذاته والبحث عن حقيقتها ومدى طاقاتها الكامنة، فيكتشف نفسه من خلال إطلاق الرحلة التي بدت ضعيفة ومنكسرة إلى نفس غاضبة تبعث في الناس الخوف، بل ويمتلك قدرة على الدخول في عقول الناس أثناء نومهم فيظهر في أحلامهم، أما المشهد الثاني، فيتركّز على دخول البطل في نفسه، ليسأل نفسه السؤال الفلسفي العميق "من أنا؟"، فيجد في داخله أناسًا كثيرة تشبهه بطباع مختلفة، فمن يكون هو الحقيقي! وفي المشهد الثالث المعنون بـ"جزّ العشب للعثور على الثعبان" ويتأكد المحارب أن من رآهم في ذاته هم جميعًا "هو" نفسه التي تظهر في الجسد الخارجي وفق المقتضيات والمواقف، هو الحليم، وهو الغاضب، وهو الطيب، وهو الشرير! بينما ينتقل في المشهد الرابع "مشهد عبور النهر" إلى مواجهة بين نفوسه المتعددة، ليجد نفسه في صراع لا ينتهي، فكل نفس تحاسب الأخرى، أما في المشهد الخامس "مشهد زئير الأسد"، يخرج المحارب من صراعه الداخلي إلى مواجهة الحياة، مستعينًا بجيشه الداخلي الذي وظّفه للتعامل مع الحياة بالشكل الصحيح والصائب، أما المشهد السادس "مشهد سيف الحكمة" فتتركّز فيه فنون الاستعراض، حيث يسير مجاميع العمل الفني بنغم واحد وأداء مبهر لم يعكره خطأ ولو كان بسيطًا، كل يسير في محور ثابت وقرع بصوت واحد على الطبول، وفي المشهد الأخير، يضع المحارب سيفه، في رسالة إلى انتهاء مهمة البحث عن الذات ورسالة يقول فيها: "إني أنا هذا، المتعدد في الطباع، والقوة، والإمكانات، وهي حقيقتي التي وجدتها في تلك الرحلة"، وعرض "سيف الحكمة" هو عرض مسرحي استثنائي يمزج بين فنون الدفاع عن النفس والدراما والموسيقى والرقص الإيقاعي، بفضل سنوات من التدريب المتقن، ويقدّم العرض تجربة فنية متكاملة، حيث أُضيفت الآلات الخشبية والمعدنية لتعزيز التنوع الموسيقي، كما أعطى دمج الطبول مع الرقص الاحتفالي نهجًا فريدًا لفن الأداء الإيقاعي، ويتجاوز العرض كونه مجرد استعراض، ليعبّر عن فلسفة عميقة تجمع بين الحركة والسكون، وبين القوة والمرونة، يحفّز المرء على استكشاف معاني الحياة بأسلوب إبداعي فريد.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المشهد
إقرأ أيضاً:
أسبوع الآلام بين المسيحية وغزة
الفوضى الخلاقة التي أنتجت تفسخًا في الضمير الإنساني، وأحدثت انحرافًا في المفاهيم الدينية، ما زالت تُعيد إنتاج نفسها عبر العصور، ولكن بثوب جديد يتناسب مع أدوات كل زمن. ففي أسبوع الآلام، تُحيي الكنيسة ذكرى أكثر مراحل الألم التي عاشها المسيح، حين حُكم عليه ظلمًا، وضُرب وجُلد وسُخر منه، ثم صُلب على يد اليهود بتحريض واضح وتآمرٍ فجٍّ، في مشهد يُجسّد قمة الخيانة والغدر باسم الدين.
لكن الأمر لم يتوقف عند هذا المشهد التأسيسي في التاريخ، بل كان بداية لمسار طويل من الدماء والخراب، حملت رايته نفس العقلية.
فمنذ لحظة صلب يسوع، لم تكفّ الدوائر المتطرفة من اليهود عن التخطيط لسفك الدم، وإشعال الفتن، وصناعة الانقلابات، وبثّ الفوضى، وقيادة الحروب العالمية، إمّا بتحريض مباشر، أو من خلال اختراق مراكز القرار والتحكم في مفاصل الاقتصاد والإعلام. هم من خططوا وأسقطوا عروشًا، وزرعوا الكيانات المصطنعة، وهجّروا الشعوب، تحت عباءة الديانة والحق التاريخي، بينما هم أبعد ما يكونون عن الدين أو القيم، وفي زمننا هذا، يتكرر المشهد ذاته، ولكن على أرض غزة.
فمنذ أشهر، يعيش الشعب الفلسطيني معاناة تفوق الوصف، في عدوان دموي تقوده نفس العقلية التي حكمت على المسيح بالموت. عقلية الاستعلاء العرقي، والتبرير الديني المزيف، والنزعة التوسعية التي ترى الآخر مجرد أداة أو عائق يجب سحقه.
إن المحطة الأشد ظلمًا في أسبوع الآلام كانت تلك المحاكمة الصورية التي أقامها مجمع السنهدريم اليهودي ضد المسيح، محاكمة افتقرت إلى أبسط قواعد العدالة، وتمّت في الليل خلافًا للتقاليد اليهودية التي تمنع المحاكمات ليلًا، تم استدعاء شهود زور، وضُغط على الحاكم الروماني لإصدار حكم بالإعدام دون إثبات جريمة حقيقية. خالفوا قوانينهم، ودهسوا أعرافهم، فقط ليُنزلوا أقسى العقوبة على رجل لم يحمل سيفًا، بل حمل رسالة محبة وسلام.
وكان دور الحاكم الروماني - بيلاطس البنطي - يمثل الوجه الإمبراطوري المتواطئ مع الباطل، الذي غسل يديه من الدم ظاهريًا، بينما سَلَّمه فعليًا للصلب. تردد في اتخاذ قرار، لكنه في النهاية خضع للابتزاز، واختار مصالح الإمبراطورية على حساب العدالة.
وهذا الدور يتجدد اليوم في صورة الحكومة الأمريكية، التي تمثل الإمبراطورية المعاصرة، وتغسل يديها من دم غزة ببيانات مكررة عن "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، بينما تدعم القتل بالسلاح والفيتو، وتفرض توازنات القوة على حساب الأرواح. إنها بيلاطس الجديد، تلبس بدلة ديمقراطية ناعمة، لكنها تحمل نفس عقلية الإمبراطور الذي يهمّه حفظ النظام الإمبراطوري أكثر من إنصاف المظلوم.
وها هي حكومة نتنياهو تعيد نفس المشهد، بل وبنفس العقلية، وكأن التاريخ لا يتغير بل يعيد نفسه. حكومة تبرر قتل الأطفال بحجج واهية، تُحاصر المدنيين وتمنع عنهم الغذاء والدواء، تُبرر القتل الجماعي بأنه "دفاع عن النفس"، وتُنزل أشد العقوبات على شعب أعزل. إنه مجمع السنهدرين بثوبٍ عصري، يستدعي مبررات قانونية زائفة، ويُفصّل قراراته على مقاس أهوائه السياسية والعقائدية.
يُسفك اليوم دم الأطفال في غزة تحت أنقاض البيوت، وتُباد العائلات بالكامل، وتُرتكب مجازر في وضح النهار، وسط صمت دولي مُخزٍ، وتواطؤ مكشوف من قِبَل من يدّعون الدفاع عن الحقوق والإنسانية.
أسبوع الآلام في المسيحية ليس مجرد ذكرى دينية، بل هو صرخة ضمير تُعيد التذكير بأن الظلم واحد، وأن التضحية والفداء لا تعني الخنوع، بل تعني مقاومة الباطل مهما كانت التكاليف. والمسيح الذي حمل صليبه وسار إلى الجلجثة، هو نفسه الذي قال: "طوبى لصانعي السلام"، لكنّه لم يسكت على الظلم ولم يتملّق السلاطين.
وغزة اليوم، وهي تنزف في كل زاوية، تُجسد المعنى الحيّ لأسبوع الآلام، فكل بيت مهدوم هو صليب جديد، وكل شهيد هو صورة للمسيح المصلوب، وكل طفل فقد عائلته هو صورة حية للمعاناة التي لا يراها العالم إلا كأرقام في نشرات الأخبار.
نعم تغيّرت الأسماء والوجوه، لكن الروح واحدة: روح الظلم والكراهية والاستعلاء. وبينما تحتفل الكنائس بذكرى أسبوع الآلام، لا بد أن نتأمل في الجرح الفلسطيني المفتوح، وأن ندرك أن صلب المظلوم لم يتوقف، وأن القيامة الحقيقية لا تأتي إلا بعد رفض الظلم والوقوف في وجهه.
اقرأ أيضاًفلسطين: اقتحام نتنياهو لشمال غزة وبن غفير للحرم الإبراهيمي يطيل جرائم الإبادة
الإغاثة الطبية بغزة: القطاع يعيش أزمة خانقة منذ 45 يومَا