سوريا الجديدة وحذاء سيدة صيدنايا
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
في مشهد يلخص ما يخالج مشاعر السوريين، ويعبر عن مكنون رفضهم الدفين لتعاطي الأمم المتحدة والمجتمع الدولي مع مأساتهم، وهي مأساة مركبة، بين قتل، وتعذيب، واعتقال، واغتصاب، وعاهات مستدامة جسدية أو نفسية، وتهجير، وفقْد للأبناء والأزواج الأحباب والأقارب، وقطع للأرزاق، وهدم للبيوت، وتخريب للبنية التحتية؛ مآس بعضها فوق بعض ظلمات.
حظ المبعوث الأممي الخاص إلى سوريا، غير بيدرسون، أن يلقى هذه السيدة المكلومة، وهي ليست الوحيدة، فسمع منها ما لن يسمعه من السياسيين الذين اعتاد أن يلقاهم، ويلقاهم من سبقوه في الأمم المتحدة، في السنوات الثلاث عشرة الماضية، فأصحاب ربطات العنق الأنيقة، والذين عرفوا شكل الدولار، وعرفوا بعده الإقامة في الفنادق الخمس نجوم في أعرق بلاد الأناقة والرفاهية في أوروبا، لا يستطيعون أن يعبروا كما عبّرت سيدة صيدنايا لما يشعر به الشعب السوري أمام الخذلان الذي رأوه من المجتمع الدولي ومنظماته التي قامت لضمان ورعاية الأمن والسلم الدوليين، وصمته المريع أمام البراميل المتفجرة التي تسقط على رؤوس العزّل والسياط التي تسقط على أظهر المعتقلين.
حوَّل المبعوثون الأمميون الأزمة السورية من أزمة سياسية، متناسين المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الشعوب في تقرير المصير، ليختصروها في الملفات الإنسانية، مع فشل ذريع في فرض آليات ضغط جدية على النظام المخلوع وداعميه الروس والإيرانيين، لوقف المجازر، فيما لو اقتصرنا الأزمة في الملف الإنساني، ليتحول الملف الإنساني ويقلص إلى ملف إغاثي
منذ اندلاع الثورة السورية وعسكرتها كرها بإدارة النظام المخلوع ورغبته في جر الشعب للسلاح حتى يبرر القمع والقتل، والمجتمع الدولي بمنظماته المؤتمرة بأوامر أمريكا، والمعطلة بفيتو روسيا، في تبادل أدوار مفهوم؛ عاجز عن كف القتل والتنكيل الواقع على الشعب الذي طالب بالتغيير، متذرعين بتعقيد الأزمة، والتوازنات الدولية، لكن مجمل الأداء الأممي والدولي تجاه الأزمة السورية لم يكن باهتا، بل كان قاتما، سلبيا، تراوح ما بين المماطلة وعدم اتخاذ قرارات حاسمة، وبين الرغبة في إطالة أمد الحرب لإنهاك دولة كبيرة لمصلحة جارة الشؤم إسرائيل.
حوَّل المبعوثون الأمميون الأزمة السورية من أزمة سياسية، متناسين المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على حق الشعوب في تقرير المصير، ليختصروها في الملفات الإنسانية، مع فشل ذريع في فرض آليات ضغط جدية على النظام المخلوع وداعميه الروس والإيرانيين، لوقف المجازر، فيما لو اقتصرنا الأزمة في الملف الإنساني، ليتحول الملف الإنساني ويقلص إلى ملف إغاثي، وتُوجه جهود الأمم المتحدة و"دول أصدقاء سوريا" إلى الحل الإغاثي. وحتى هذا لم يفلح مع تعنت الهارب بشار الأسد من ناحية، وإدراك المنظمة الدولية، وتجار الكوارث من الجمعيات المحلية لحقيقة ما يحتاجه الشعب، من ناحية أخرى. ونضرب في ذلك مثال داريا المحاصرة، والتي جوّعها النظام في 2016، وإذ بالمنظمة الدولية بدلا من أن ترسل الطعام لمن بقي على قيد الحياة، ولم يمت جوعا، ترسل لهم أدوات نظافة شخصية.
منذ أن عُهد لكوفي عنان في شباط/ فبراير 2012 مهمة متابعة الملف، وأصبح مبعوث الأمين العام إلى سوريا والأداء كان ضبابيا، فأطلق خطة من ست نقاط لوقف العنف، منها وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية، لكن الخطة فشلت بسبب عدم وجود ضمانات دولية وإرادة تصحبها كما حدث في البوسنة، أو ليبيا، ليأتي بعده الأخضر الإبراهيمي منذ 2012 وحتى 2014 وكل مساعيه تنصب على جمع أطراف النزاع، ونجح الرجل في إطلاق مؤتمر جنيف، لتظهر طبقة جديدة من الثوار، أو من يتكلمون باسم الثوار من أصحاب الياقات البيض، وتبدأ عملية تبريد الثورة، ليأتي خلفه دي مستورا ليسير على نهجه، ويطلق مبادرات خفض التصعيد في جولات جنيف التي أطلقها سلفه، ليسلم الملف برمته طواعية وبأوامر أمريكية إلى روسيا، لتصبح الخصم والحكم!
ثم يأتي بيدرسون ليقول كلمته، ويدشن لجنة دستورية، ويدخل الجميع في معضلتين يحار فيهما الحكماء، الأولى تعريف ما جرى ويجري منذ اندلاع الثورة، ومن ثم تعريف الطرفين لأنفسهم؛ بشار يعرف نفسه جيدا.. حاكم مستبد ورث الحكم ويدافع عن إرث عائلته، لكن الأزمة في الطرف الآخر، هل هم ثوار أم معارضون؟ فلو كانوا ثوارا فماذا يعني أن ينخرطوا في دستور بإشراف أممي ومشاركة النظام الذي ثاروا لتغييره؟ ولو كانوا معارضين، فلماذا يتمسك هادي البحرة حتى الآن بقرار 2254 رغم سقوط بشار الأسد وهروبه؟!
صرخت سيدة صيدنايا في وجه بيدرسون: "بعد ماذا أتيتم؟ لا نريدكم بعد الآن"، قبل أن تلقي بحذائها على سيارة الأمم المتحدة.. صرختها لها رمزيتها ودلالتها، ففي ظل حالة التسامح التي حملها الثوار مع تحرير دمشق، والتي لا أرى لها محلا في كثير من المواضع
النصائح التي لا تتوقف منذ تحرير دمشق من كل ناصح، وأنا منهم، وكتبت في ذلك مقالا في يوم سقوط الأسد بعنوان "ماذا بعد فرحة سقوط بشار؟!"؛ لا يمكن إغفالها، ومن هذه النصائح للثوار، "لا تتركوا أحدا يقفز على الثورة"، في إشارة من أصحاب هذه النصيحة بألّا تجعلوا الجولاني يختطف الثورة، وكأن الجولاني لم يضحّ، وكأن الجولاني لم يوحّد الصفوف، ولم يقُدْ المشتتين.
ومع تحفظي ومخاوفي، إلا أننا جميعا علينا أن نحترم إرادة الشعب السوري واختياراته، ولأن هذه النصيحة تحمل وجهين، إحداهما مخلص يريد لسوريا أن تمر من هذا النفق بسلام من أجل بناء الجمهورية الجديدة المؤثرة صاحبة المكانة التاريخية، والوجه الآخر خبيث، يهدف إلى دق الإسفين في مفاصل الدولة الوليدة، لاستبعاد تيار شعبي عام صاحب أيديولوجية تقترب أو تبتعد عن أيديولوجية الجولاني، لكنها في إطاراته، ولا تختلف إلا في التفاصيل، وتحل بالمرونة والتقريب، لصالح تيار مقرب من الغرب وينتهج أفكاره.
صرخت سيدة صيدنايا في وجه بيدرسون: "بعد ماذا أتيتم؟ لا نريدكم بعد الآن"، قبل أن تلقي بحذائها على سيارة الأمم المتحدة.. صرختها لها رمزيتها ودلالتها، ففي ظل حالة التسامح التي حملها الثوار مع تحرير دمشق، والتي لا أرى لها محلا في كثير من المواضع، ومع ثلاثة عشر عاما من القتل والقهر والحرب والسياسية، والدبلوماسية، وإدارة المدن المحررة وتنظيم شؤون الناس في تلك المدن، فهل نضجت الثورة بما يكفي لكيلا تخضع؟ أصحاب المكايد وقادة الثورات المضادة على الربيع العربي يتربصون ويجتمعون، ويتلونون، فهل أنتم يا ثوار مستيقظون، وتصرخون كما صرخت سيدة صيدنايا؟
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه صيدنايا سوريا الثورة سوريا الثورة صيدنايا مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة رياضة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الملف الإنسانی الأمم المتحدة سیدة صیدنایا فی الملف
إقرأ أيضاً:
النرويجي غير بيدرسون.. المبعوث الأممي إلى سوريا
غير بيدرسون، دبلوماسي نرويجي ولد عام 1955 في عاصمة النرويج أوسلو، وحصل على درجة عليا في الفلسفة. شغل مناصب عدة في وزارة الخارجية النرويجية، ليبدأ بعدها العمل في الأمم المتحدة عام 2003، ويشغل منصب مبعوث الأمين العام الخاص إلى جنوب لبنان، ثم المنسق الأممي الخاص في لبنان، قبل أن يُعين مبعوثا خاصا إلى سوريا عام 2018.
المولد والدراسةولد غير أوتو بيدرسون يوم 28 سبتمبر/أيلول 1955، في العاصمة النرويجية أوسلو، وحصل على درجة عليا في الفلسفة.
التجربة العمليةبدأ بيدرسون مسيرته في السلك الدبلوماسي عام 1985، وشارك ضمن الفريق النرويجي في مفاوضات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993.
تولى عام 1993 إدارة "مؤسسة فافو" للأبحاث الاجتماعية حتى عام 1995، ثم شغل في عام 1997 منصب مدير قسم في وزارة الخارجية النرويجية، ومن بعدها رئيس ديوان وزير الخارجية النرويجي.
وبين عامي 1998 و2003، شغل بيدرسون منصب الممثل النرويجي لدى السلطة الفلسطينية.
بدأ بيدرسون العمل مع الأمم المتحدة عام 2003، وشغل منصب مبعوث الأمين العام الخاص إلى جنوب لبنان حتى عام 2007، ثم المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان حتى عام 2008.
وعمل بيدرسون مديرا لقسم آسيا والمحيط الهادي في إدارة الشؤون السياسية التابعة للأمم المتحدة.
وعينته الخارجية النرويجية مندوبا دائما لدى الأمم المتحدة في نيويورك بين عامي 2012 و2017، ثم سفيرا للنرويج في بكين حتى عام 2018.
مبعوثا إلى سوريافي 31 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أعلن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تعيين بيدرسون مبعوثا خاصا له إلى سوريا خلفا لستيفان دي مستورا.
إعلانوقال غوتيريش إن بيدرسون سيبذل جهوده للتوصل إلى حل سلمي للصراع في سوريا، وسيتولى قيادة جهود تنفيذ القرار الأممي 2254، وبيان جنيف عام 2012، إلى جانب قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة المتعلقة بهذا الشأن.
بيدرسون شارك ضمن الفريق النرويجي في مفاوضات أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل عام 1993 (رويترز)بعد تعيينه، عقد بيدرسون اجتماعات مع المسؤولين في نظام بشار الأسد، ومع المعارضة السورية، إضافة إلى مشاورات مع المجتمع الدولي، بهدف إيجاد حل سياسي للأزمة في البلاد.
كما دعم بيدرسون "اللجنة الدستورية السورية" التي تأسست في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بعد مشاورات بين الحكومة والمعارضة لإيجاد ترتيبات دستورية جديدة لسوريا.
وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، قال بيدرسون إن "فصل الحرب المظلم ترك آثارا عميقة على الشعب السوري الذي تحمل ما يقرب من 14 عاما من المعاناة المستمرة والخسارة التي لا توصف".
وعبّر بيدرسون عن أمله في فتح فصل جديد من السلام والمصالحة والكرامة، مؤكدا ضرورة دعم السوريين في تحقيق التغيير السياسي، وداعيا إلى محاسبة مرتكبي الجرائم في سوريا.
بيدرسون (يسار) مع القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع يوم 16 ديسمبر/كانون الأول 2024 (رويترز)
وفي زيارة له إلى العاصمة السورية دمشق، في 16 ديسمبر/كانون الأول 2024، التقى بيدرسون القائد العام للإدارة السياسية الجديدة في سوريا أحمد الشرع، الذي دعا الأمم المتحدة إلى إعادة النظر في القرار 2254 بما يتلاءم مع الواقع السياسي الجديد في البلاد.
وأعرب بيدرسون أثناء اللقاء عن أمله في نهاية سريعة للعقوبات على سوريا، مشددا على أن التغيير السياسي في الدولة سيطبقه السوريون مع "مساعدة ودعم" من بقية العالم، داعيا إلى محاسبة مرتكبي الجرائم في البلاد.
إعلان الوظائف والمسؤوليات عضو الفريق النرويجي في مفاوضات أوسلو عام 1993. رئيس ديوان وزير الخارجية النرويجي عام 1997. ممثل النرويج لدى السلطة الفلسطينية عام 1998. مبعوث أممي إلى جنوب لبنان عام 2005. مندوبا دائما للنرويج لدى الأمم المتحدة عام 2012. سفير النرويج في بكين عام 2017. مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سوريا عام 2018.