عندما انطلقت الثورة السورية المعاصرة ربيع العام 2011، كان رفعت مطالب الإصلاح السياسي، الحرية، الديمقراطية، وإنهاء الفساد والاستبداد، في مظاهرات سلمية حضارية، إلا أن رد النظام السوري بقيادة الرئيس المخلوع بشار الأسد كان قمعيًا وعنيفًا، مما أدى إلى تحول الاحتجاجات إلى صراع مسلح وحرب أهلية طويلة الأمد، لم تنته إلا بعد نحو 14 سنة، وقد كلفت الشعب السوري ثمنا باهظا على جميع المستويات.



ربما لن يكون من اليسير على السوريين ولا حتى على العرب والمسلمين والإنسانية، أن تنسى صور التنكيل والتعذيب والمعاناة التي تعرض لها الشعب السوري طوال هذه الأعوام، ليس فقط لحجم الكارثة التي عاشها السوريون وطولها الزمني، وإنما أيضا لبشاعتها حتى أن قصصها استحالت إلى وشم على جبين الإنسانية يصعب محوه مهما تقادم بها الزمن..

وما زاد من عمق المأساة السورية التي حملت الكثير من سمات المآسي التاريخية التي عاشتها شعوب عربية وإسلامية عانت القمع والاستبداد، سواء كان ذلك في العراق تحت الاستبداد أو في ظل الاحتلال الأمريكي الغربي بعده، أو في تاريخ الجزائر التي لا تزال تجربتها في مكافحة الاستعمار الفرنسي تمثل أحد أهم وأنصع الثورات الإنسانية بالنظر إلى عدالتها..  ما زاد من عمق المأساة السورية هو العجز العربي والدولي التام في نجدة الشعب السوري، حتى أمست شوارع عواصمنا العربية تعج باللاجئين السوريين في ظل مضايقات أمنية مشددة عليهم..

بل أكثر من ذلك، فقد عمد خصوم حرية الشعوب إلى وصم الثورة والثوار المنادين بالحرية والكرامة بتهمة الإرهاب، وهو ما أتاح الفرصة الكاملة للمستبد أن يستفرد بالشعب ويثخن في إيلامه وإيذائه بهدف إخماد مطالب التغيير والتوق إلى الحرية..

ومن هنا كانت حتى الكتابة عن الثورة السورية ومعاناة الشعب السوري محاطة بكثير من المخاوف والمحاذير، حتى من باب التأريخ لأكبرنكبة عاشها السوريون في تاريخهم المعاصر..

الكاتب والمفكر الجزائري الدكتور أحمد بن نعمان، كان واحدا من المقفين العرب الذين انحازوا مبكرا لثورة الشعب السوري، وقد رأى أن ثورة الشعب السوري ضد ما يسميه بـ "الاستحلال"، وهي صفة يطلقها على الأنظمة العربية المستبدة التي ورثت الاستعمار الغربي في حكم الشعوب العربية، كانت تشبه في كثير من أسبابها وأدواتها وأهدافها للثورة الجزائرية التي انتها في آخر المطاف إلى طرد المستعمر الفرنسي، وهو ذات ما انتهت إليه الثورة السورية التي أطاحت بنظام الأسد وأنهت بذلك حقبة تاريخية حكم فيها حزب البعث لما يقارب ستة عقود.

في هذه الورقة التي خص بها "عربي21"، يشرح أحمد بن نعمان أوج التشابه بين الثورتين الجزائرية والسورية على الرغم من اختلاف العدو..

من مواجهة الاستعمار إلى مقارعة الاستحلال

تحية من الشعب الجزائري المجاهد ضد الاحتلال الأجنبي سابقا.. إلى توأمه الشعب السوري ضد الاستحلال "العربي" حاليًا! وبالمقارنة تظهر الفوارق والقواسم بين الماضي والحاضر وبين الرجال والأحوال والتخاذل في المواقف مع الخيانة والتلاعب في التصريحات والأقوال المناقضة للأفعال...!!؟ إلى كل الأشقاء الأوفياء أتقدم بتعازيّ الحارة الصادقة، وأنعي لهم هلاك الضمير الإنساني، فضلا عن الإحساس الغريزي الحيواني، في صدور بعض العرب وكل الأعراب، ناهيك عن الأغراب الحاقدين، وخاصة أرباب الفيتو الظالم في بلدان العالم، من المنافقين المجرمين الذين يقولون عكس ما يفعلون بأحلافهم، و يصرحون بأفواههم و أبواقهم، إذا كان الأمر يتعلق بأشباه البشر أمثالنا من ضحايا إرهابهم المشروع، للدفاع عن النفس حسب معاييرهم في مجلس أمنهم المٌرعب لبني الإنسان من أمثالنا، الذين يلاحظ في سلوكهم صدق الإيمان، وفي قلوبهم عقيدة الطاعة لخالق الأكوان، القاهر لفراعنة كل زمان، ويشعرون بالعزة والكرامة، ويتوقون إلى تحرير الأوطان التي يؤمنون أن حبها والتضحية في سبيلها من الإسلام و الإيمان، ويعدون العدة المستطاعة حسب الإمكان، لجهاد الظلم والطغيان، في شام صلاح الدين وما جاوره من البلدان.!

وهذه التعازي أقدمها لنفسي أولا، ولكل من لم يشعر مثلي بأي عيد للأضحى، بل عيد للتضحية بالبشر في حمص وإدلب ودارياّ ودرعا وحلب والغوطة الآن وكل وطن الشعب السوري العظيم، الذي يضحي بأبنائه على كل شبر من ارض أحراره من أصحاب الأخدود الجدد، الذين قالوا منذ بداية المحرقة الصليبية الصهيونية المجوسية ضدهم على امتداد خمس سنوات، وقد أعلنوا في "أوراسهم" بمدينة درعا لكل العالم بأعلى أصواتهم: "يا الله، ما لنا غيرك يا الله.." "واحد واحد، الشعب السوري واحد.." مؤمنين بأن من يتوكل على الله وحده، مخيرًا أو مضطرًا فهو حسبه.

نظرا لطول مدة الثورة الجزائرية وعمقها وأصالتها واتساعها وعدد ضحاياها وقساوة قمعها وقوة عدوها وشراسة قمعه لها في مهدها في مقابل ضعفها وقلة يدها عدة وعتادًا وخبراء وجحافل وأمراء، فإننا يمكن أن نعتبرها كالخلايا الجذعية الجنينية في الكائن البشري ومقارنة بينها وبين الثورات العربية الحالية المنتصرة والجارية، فإنّ لكلّ واحدة منها شبها بثورتنا التحريرية في مرحلة من مراحلها التحضيرية والتصعيدية عبر سنواتها السبع الطوال التي لم تضارعها إلا الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال (وليس الاستحلال) كما هو واقع الحال بالنسبة لثورات الربيع العربي المقصودة بهذا السؤال.ولقد قلت شيئا مدونا منذ أكثر من خمس سنوات، مثلما أكتبه الآن لكم بعصارة قلبي، كأوسط الإيمان وأضعفه، والذي لم يترك لنا أعداء الله والأمة غيره في أوطاننا المستحلة لابتلائنا بحكمته البالغة.! فأجريت حينها مقارنة سياسية واجتماعية وجهادية وعسكرية بين ثورة الشعب الجزائري البطل سابقا، أو المثل التاريخي القديم، مع الموقف البطولي الراهن، والأسطوري النادر المثال للشعب السوري العظيم فعلا و وجدت عدة نقاط التقاء وتشابه، إلى حد التطابق أحيانا، بين ثورتي الشعبين الشقيقين المجاهدين المنطلقين من الصفر، والمعتمدين على الله وحده والإمكانات الذاتية ثانيًا عملا بقول العزيز الحكيم "وأعدوا لهم ما استطعتم!" ولم يقل: "وأعدوا لهم مثلما عندهم من سلاح وعتاد!؟".. والمقابلة منشورة بكاملها في يومية "الجزائر" ليوم 26 نوفمبر 2012مع الصحفي مصطفى بسطامي، ونعيد نشرها حرفيًا فيما يلي :شهدت بعض البلاد العربية "ربيعًا ثوريًا" أطاح ببعض الأنظمة الدكتاتورية هليصح، سيدي، أن نطلق على تلك الحركات "التحررية " اسم الثورات وما هيالثورة الأكثر شبها بالثورة الجزائرية في نظركم؟؟

الجواب: نظرا لطول مدة الثورة الجزائرية وعمقها وأصالتها واتساعها وعدد ضحاياها وقساوة قمعها وقوة عدوها وشراسة قمعه لها في مهدها في مقابل ضعفها وقلة يدها عدة وعتادًا وخبراء وجحافل وأمراء، فإننا يمكن أن نعتبرها كالخلايا الجذعية الجنينية في الكائن البشري ومقارنة بينها وبين الثورات العربية الحالية المنتصرة والجارية، فإنّ لكلّ واحدة منها شبها بثورتنا التحريرية في مرحلة من مراحلها التحضيرية والتصعيدية عبر سنواتها السبع الطوال التي لم تضارعها إلا الثورة الفلسطينية ضد الاحتلال (وليس الاستحلال) كما هو واقع الحال بالنسبة لثورات الربيع العربي المقصودة بهذا السؤال.

ولذلك أستعين في الإجابة والمقارنة بالعودة إلى تشبيه الثورة الجزائرية بالخلايا الجذعية في بداية خلق الجنين، حيث أن كل خلية تتوزع منها خلايا نوعية مختلفة عنها تمامًا كخلايا المخ والقلب والكبد والدم والعين والعظم والظفر والجلد والشعر، التي تختلف في نسيجها ومادتها ولونها وصلابتها ووظيفتها اختلافا جذريًا وكليا مع تكاملها العجيب في الوظيفة الحيوية.. ومن هنا نجد شبيها لها في جميع الثورات الربيعية العربية في الأصالة والشجاعة والإرادة والتعبئة المادية والمعنوية والتصميم والقدرة الفائقة على التضحية ومجابهة كلّ الأخطار الداخلية والخارجية والمناورات والمؤامرات الدولية والثورات المضادة المحلية والجهوية والطوابير الخيانية من الجيران والأشقاء قبل الرفقاء والأعداء بحيث نجد لكل ربيع عربي خانة أو مكانة يملأها في الخريطة الثورية العربية والخريطة مُمتدة أمام القراء كالحصيرة، لكل ذي بصر منهم وبصيرة، ليدرك أن أهم هذه الثورات وأكثرها شبها بالثورة الجزائرية الماضية هي الثورة السورية الحالية أصالة وعمقا وشمولية وعنفاً وشراسة وبجميع المقاييس المتعلقة بمكانة العدو المادية وإرادة الثوار المعنوية ذات المرجعية الروحية التي تجعل الأغلبية مع الثوار والأقلية في صف النظام الحاكم مع خلل صارخ في توازن القِوَى من ناحية الأسلحة المادية والتعبئة العسكرية الأرضية والجوية باستثناء الروح المعنوية التي هي في صالح أصحاب القضية من الثوار والأغلبية الشعبية التي تجابه المدافع والطائرات بالبنادق الفردية مثلما كان عليه الشعب الجزائري الأعزل ضد الجيوش الفرنسية والترسانة الأطلسية (البحرية والبرية والجوية) ولا وجه للمقارنة بين شعب مصمم على الجهاد والتضحية في سبيل تحطيم أغلال الاستبداد والاستعباد وحكم ظالم غاصب بالوراثة لإرادة شعب تواق إلى الحرية والانعتاق وبذل أغلى الأثمان في سبيل كرامته والدفاع عن عرضه على أرضه كإنسان في حضارة هذا الزمان..

وعندي كثير من أوجه الشبه للمقارنة والمطابقة بين الثورة الجزائرية والثورة السورية لا أدري إذا كانت المساحة التي خصصتها جريدة "الجزائر" لهذا الحوار تسمح بذلك!؟ (الصحفي: تفضلوا.... ).... إنّ أهم أوجه الشبه التي أحصيتها إلى حد الآن بين الثورتين تتلخص في النقاط التالية:

الرصاص هو الذي يحسم المعركة.. وأذكر أنّ هذه العبارة قالها وزير الداخلية الفرنسي "فرانسوا ميتيران" في مدينة خنشلة بالأوراس يوم 15 نوفمبر سنة 1954 وقالها أيضا بشارالأسد في بداية الثورة في درعا (أوراس الجزائر) بأن الحسم سيكون على الأرض، وقد أكد هذا الموقف رئيس وزرائه المنشق الدكتور رياض حجاب في تصريح له في الأردن أثناء مقابلة أجرتها معه جريدة "الحياة" اللندنية في حينه.

1 ـ مشاركة المرأة السورية في الثورة جنبًا إلى جنب مع أخيها الرجل في كل الميادينوهو ما تميزت به الثورة الجزائرية بجميلاتها الخالدات جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل في جميع الميادين العسكرية والسياسية والفدائية والإعلامية ..

2 ـ العمق والشمولية لكل أنحاء البلاد وفئات العباد من كلّ الأعمار والمستويات، وهومايطبع الثورتين بطابع لا يخطئه نظر أيّ مُتتبع لتطور الأحداث في سوريا بجيشها الحرولجانها الشعبية، ومظاهراتها اليومية والأسبوعية في كل مكان.

3 ـ الاعتماد على النفس وهو الطابع الذي ميّز الثورة الجزائرية التي كانت تدبر أمر تسليحها بكل الوسائل وهو نفس الشيء بالنسبة للشعب السوري الذي حرمه كل الأعداء من السلاح النوعي...

4 ـ خذلان بعض القوى العظمى للثورة الجزائرية مثلما خذلت بعض الدول العربية ذاتها بتصويتها ضد إدانة نظام الإجرام البعثي مرتين في الجمعية العامة للأمم المتحدة! ولأول مرة تلتقي دول عربية مع "إسرائيل" في نفس الموقف ضد إدانة النظام البعثي على جرائمه التي أدانتها الجمعية العامة بأغلبية تجاوزت 90%.!

5 ـ  استباحة كلّ شيء لا أخلاقي من اغتصاب وعقاب جماعي وقلع الأظافر للصغاروالكبار، من أجل قمع الثوار وإخماد ثورة الأحرار.

6 ـ انشقاق الوطنيين الأحرار من صفوف العدو في سوريا مثل هروب المجندين الجزائريين الوطنيين من الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، بعتادهم وأجهزتهم وخبرتهم لخدمة الثورة المباركة!

7 ـ التفوق المطلق للعدو من ناحية الطيران والأسلحة الثقيلة التي كان يتزوّد بها الجيشالفرنسي من ترسانة الحلف الأطلسي، مثل ما يتزود النظام السوري اليوم (بلا حساب)من ترسانة النظام الإيراني والعراقي والروسي وحزبهم المعتمد في لبنان.

8 ـ التفوق المعنوي والروحي والنفسي والجسدي للثوار السوريين مثل تفوق المجاهدين الجزائريين على جيوش فرنسا والحلف الأطلسي على امتداد السنوات السبع العجاف التي لم يكن مع الشعب الجزائري فيها إلا الله، كما يقول الشعب السوري اليوم في شعاره الذي تردده الجماهير دائمًا وهو (مالنا غيرك يا الله).

9 ـ كل الثورة الجزائرية كانت مبنية على التطوع في التجنيد والتمويل والتضحية بكلّ شيء في سبيل الهدف المسطر، وهو الاستقلال الوطني، ونفس الظاهرة التطوعية نجدها واضحة في الثورة السورية، حيث يتوافد على الجهاد آلاف الشبان من الداخل ومن الخارج رجالا وأموالاً وتصميم الجميع في قسمهم الجماعي (عند الانشقاق) بأنهم لن يخونوا العهد ولن يتوقفوا عن الثورة حتى يتحقق الهدف النهائي المتمثل في إسقاط النظام "التوريثوقراطي" و"التزويروقراطي" الفريد من نوعه في تاريخ الاستحلال العربي المعاصر !!.

والخلاصة التي يمكن أن تخرج بها هي أنّ النهاية ستكون واحدة بين الثورتين مهما طال الزمن مع فارق كبير لصالح الشعب السوري وهو أنّ عدو الشعب الجزائري في الماضي كان الاحتلال أما عدو الشعب السوري الحالي فهو "الاستحلال" وشتان بين الاحتلال الخارجي والاستحلال الداخلي الذي يكون الخصم فيه هو الحكم والمفعول به لغيره، هوالفاعل، بل هو القاتل لشعبه !!(انتهى هنا نص الجواب من مقابلة طويلة شملت عدة مجالات تهم حاضر الأمة..).

وقد قلنا في مقال آخر  سنة 2016، بأن هناك  نقطة اختلاف واحدة بين الثورتين، وهي هامة وفارقة، شرحناها بقولنا: "إن الشعب الجزائري كان مؤمنًا بالقضية، وموحدًا في جهاده ضد الاحتلال الأجنبي العسكري المادي الملموس، أما الكفاح الأسطوري للشعب السوري اليوم، فهو جهاد ضد "الاستحلال" المحلي المدسوس والمغروس، وشتان بين الاحتلال الأجنبي المحسوس و"الاستحلال" المستوطن بالوراثة في بعض العقول والنفوس، وكان برهاني وحجتي في ذلك لإثبات الفرق بين سهولة الاحتلال وصعوبة أو خطورة الاستحلال، لكل ذي حس وإدراك وبصر وبصيرة، تتمثل في تمكن الشعب الجزائري المؤمن بقضيته، من القضاء بالجهاد والاستشهاد على الاحتلال العسكري الأجنبي المادي والمحسوس في بضع سنين، ولكنه ما يزال إلى الآن يخوض معركته المصيرية الكبرى المعقدة ذات الجبهات المتعددة على أرض "الاستحلال" العقيدي والثقافي والسياسي والاقتصادي والهوياتي والانعزالي والانفصالي والإرهابي والانقلابي، الذي دام حتى الآن على الأرض أكثر من خمسين سنة، بإمدادات وتخطيطات أجنبية، وأدوات تنفيذية محلية، في مختلف الجبهات المتشابكة الأطراف والمتقاطعة المصالح والأهداف، على اختلاف الانتماءت  والأحلاف المتبارية على الساحة، للبحث عن وجوه الاختلاف لتعميق الخلاف على حساب وحدة الوطن لصالح الأعداء الحقيقيين، في الخارج والداخل، من الفاعلين الدائمين ونواب الفاعل الموسمين!؟

كل الثورة الجزائرية كانت مبنية على التطوع في التجنيد والتمويل والتضحية بكلّ شيء في سبيل الهدف المسطر، وهو الاستقلال الوطني، ونفس الظاهرة التطوعية نجدها واضحة في الثورة السورية، حيث يتوافد على الجهاد آلاف الشبان من الداخل ومن الخارج رجالا وأموالاً وتصميم الجميع في قسمهم الجماعي (عند الانشقاق) بأنهم لن يخونوا العهد ولن يتوقفوا عن الثورة حتى يتحقق الهدف النهائي المتمثل في إسقاط النظام "التوريثوقراطي" و"التزويروقراطي" الفريد من نوعه في تاريخ الاستحلال العربي المعاصر !!.وبالمقارنة اليوم، مع الفارق الزمني بين احتلال الجزائر السابق واستحلالها اللاحق الذي ما يزال في عنفوان شبابه واستفحاله إلى درجة أن أصبحت معه بعض فئات الشعب ربما تترحم على أيام الاحتلال الأصغر وتقول: "ألا ليت الاحتلال يعود إلينا لنخبره بما فعل الاستحلال فينا!" فالشعب السوري الشقيق بدأ جهاده الأكبر والأعسر مباشرة ضد الاستحلال دون احتلال عسكري همجي استيطاني مباشر، وهو عكس ما وقع لنا نحن الذين انتقلنا من جهاد الاحتلال المباشر الذي دام سبع سنين ونصف، ليحل محله الاستحلال المستمر، كما هو ملاحظ حتى الآن، وما يزال على أشده بعد نصف قرن من التوقيع على "أوراق" الاستقلال!؟

ولقد أحدثت المستجدات الطارئة على الساحة الجزائرية السياسية والثقافية والاجتماعية ما جعلني أجزم بقولي، عن تجربة واقتناع بأنه لو كان عندنا في الساحة الوطنية مشاكل مصطنعة حول وحدة ومقومات الهوية الوطنية أيام الاحتلال مثلما نحن عليه الآن، لما ثار الشعب الجزائري المٌوحَد ضد الاحتلال ولما تحقق أي استقلال (على ما هو عليه من عدم استكمال...)، وكفى بن بولعيد وبن مهيدي وعميروش والحواس ولطفي وشعباني وكل الشهداء الأبرار والرجال الآحرار شر القتال!

وأسجل هنا للتاريخ بأنه لم يوجد من الشعوب الشقيقة التي وقفت مع الثورة الجزائرية وقوفا نموذجيًا في الصدق والإخلاص والتضحية الفردية والجماعية ضد الاحتلال أيام الجهاد الأصغر، أكثر من الشعب السوري الشقيق، ومعه الشعب الليبي العريق، وهذا مقارنة بالشعوب العربية الأخرى (مع كل ما في ذلك من فوارق نسبية...) ولا أقول الأنظمة العربية التي كانت لكل واحد منها حساباته الخاصة، علما أن كل الشعوب العربية، بدون استثناء، كانت متعاطفة بكل صدق مع مفخرة القرون الجهادية للأمة المحمدية التي حققت، بجهاد الجزائر أكبر انتصار للموحدين من أبناء الأمة الشاهدة ضد الأحلاف الصليبية الحاقدة... بعد الانتصار الساحق والباهر للناصر صلاح الدين قبل مئات السنين في قدس فلسطين!!

واليوم تحت قبضة الاستحلال، الذي هان أمام أهواله الاحتلال، لم تستطع الأنظمة العميلة والدخيلة أن تنصر الشعوب المستحَلة في بلاد الأشقاء مثل الشعب السوري والمصري وما جاورهما، في غزة وغيرها، بل تكبل حتى الأحرار من أبناء الوطن، وتمنعهم من مجرد التظاهر لنصرة أشقائهم، ولو بالتعاطف، على الأقل، كأضعف الإيمان.

بعيدًا عن مباريات كأس العالم في بلد المجرم الحاكم! علما أن أبناء الشعب السوري الشقيق كانوا متطوعين في جبهاتنا القتالية بأجسادهم وأرواحهم قبل أموالهم في نفس الخنادق مع المجاهدين الجزائريين، وأذكر منهم على سبيل المثال، الدكتور إبراهيم ماخوس الذي كان طبيبا في الجبهة الجهادية على الحدود الجزائرية الشرقية، وقد مات منفيا في الجزائر، التي عاد إليها لاحقا كلاجئ سياسي بعد انقلاب حزب البعث (الذي لا يؤمن بيوم البعث) و قد توفي رحمه الله هنا في الجزائر منذ أربع سنوات، قبل أن تستقل بلاده من الاستحلال، مثلنا بالضبط الآن!

وفي السياق المعاكس ذاته أذكر الكاتب والشاعر الجزائري مالك حداد، الذي قال في محاضرة له أثناء مهرجانات الشعب السوري الشقيق التي كان ينظمها في كل مدنه طوال سنوات كفاحنا المسلح، لنصرة الثورة الجزائرية، حيث قال في قلب دمشق: "إن مجرد وقوفي اليوم بينكم لأتحدث إليكم بالفرنسية، وأنا العاجز عن التعبير عن أفكاري باللغة العربية، يكفي برهانا لتعلموا إلى أي مدى كنا نحن الجزائريين ضحايا أبشع وأرهب محاولة من محاولات إفقاد الشخصية والهوية القومية في تاريخ البشرية!؟

ومما لا شك فيه، أن من أهم أهداف ثورتنا أن نعيد الكرامة للغتنا العربية، لأن ذلك يمثل رمز السيادة الوطنية وأضاف قائلًا: إن ما يفصلني عن وطني الجزائر الآن، ليس الجبال و لا البحار، بل هي اللغة الفرنسية.." وكتب يومها المرحوم الشاعر السوري سليمان العيسي، الملقب (بشاعر الثورة الجزائرية) قبل مفدي زكرياء عن مالك حداد رحمه الله قائلًا : "سأكتب عنك يا مالك، سأعجن بالحروف الخضر، كل عِطاش آمالك، سأكتب عنك أنشودة ترن بأحرف القرآن، بالأوراس مشدودة، بَلا يا شاعري، سأخط عنك غناءك الصامت، بحرف من شواظ النار بالعربية الحرة، ليصدح لحنك الخافت، لتعرف أننا أسرة، لتعلم أن أرضك يا أخي ارضي، ونبضك لم يكن يوما سوى نبضي...".

وقال في قصيدة أخرى أيضا بالمناسبة: "..وتبارى للردى أبطالها يدفعون العار عنا والهوانا، بأبي أوراس كم من شاعر لم يجد من هول ما ضحت بيانًا... ومضت سبع، وما من ثائر مل للهيجاء ضربا طعانا، ورمى جيش فرنسا حقده يطلب النصر ولو نصرا جبانا، وصلاح الدين من قبره قدم التاج لها والصولجانا، يا بني العرب بلغتم مثلها ورفعتم أبد الدهر لوانا، لا تظنوا أنها قد خمدت فأوار الشمس من بعض لظانا".

وأكتفي في ختام هذه الكلمة التأبينية على موت، أو قتل الضمير الإنساني، فضلا عن الديني والوطني والقومي في جماهير الأمة المحمدية المجوعة والمروعة والمضللة والموجهة إلى الانشغال بمضوعات ثانوية مصطنعة اصطناعا كما ذكرنا لإلهاء شعوبنا الطيبة إلهاء!

هذا دون الحديث عن نواب الفاعل وهم أصل الداء وأسباب الاستحلال والبلاء على رأس بعض الأنظمة العربية، المغربية والمشرقية، على حد سواء، والقامعة لكل الأحرار من شعوبها بربيعها وشتائها وصيفها وخريفها، وجنتها ونارها، وملائكتها وشياطين إنسها، في الخارج والداخل، من الفاعلين الرئيسيين المعتمدين، ونوابهم المستأجرين الموسميين..!

وأؤكد في الأخير، محاولًا التذكير والعزاء بالتعبير من خلال بعض هذه المقولات المنشورة بمناسبات مختلفة في أيام العيد الذي لم يأت بأي جديد غير التفنن في القمع والتعذيب والترويع والتجويع والترحيل والتشريد والقتل بالحرق والخنق بالغازات السامة المريعة (والمريحة نسبيًا)، والتدمير بكل أنواع الأسلحة المحرمة على البعض دون الأخر، والتي لا تنفد في مخازن الحلفاء والوكلاء لقهر الشعوب، حتى في أيام العيد و يقولون هل من مزيد.!!

وأريد أن أنهي موقفي الثابت والصادق بالخلاصة التالية: سيتخلص الشعب الشقيق المجاهد الشهم الكريم بإذن الله وأحراره من طغيان الوريث الجملكي العميل الزنيم وحمالات الحطب من أنسال أبي لهب والشيطان الرجيم رغم الفيتو الظالم المتحكم في رقاب المستضعفين في العالم.. والفضل والشكر لله وحده واعد المؤمنين بالنصر المبين بعد الابتلاء الشديد والتمحيص الدقيق لإيمان المجاهدين الصادقين والله لا يخلف وعده للمؤمنين الصابرين المحتسبين..

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير التاريخية الجزائر الثورات سوريا سوريا الجزائر تاريخ ثورات سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشعب السوری الشقیق الثورة الجزائریة الشعب الجزائری الثورة السوریة ضد الاحتلال التی کان فی تاریخ فی سبیل أکثر من لها فی

إقرأ أيضاً:

قائد الثورة: الشعب الفلسطيني يمتلك الحق الشرعي والقانوني للتصدي للعدو

 

 

العدو لديه مخطط باسم (ممر داوود) يهدف إلى التوغل في سوريا والوصول إلى نهر الفرات «إسرائيل» تترقب اللحظات للانقضاض على مصر وتدمير مقدراتها العسكرية تخاذل الأمة العربية شجع العدو على جرائمه في فلسطين وسوريا ولبنان

الثورة /

أَعُـوْذُ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَان الرَّجِيْمِ
بِـسْــــمِ اللَّهِ الرَّحْـمَــنِ الرَّحِـيْـمِ
الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَأَشهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ المُبين، وَأشهَدُ أنَّ سَيِّدَنا مُحَمَّداً عَبدُهُ ورَسُوْلُهُ خَاتَمُ النَّبِيِّين.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، وَبارِكْ عَلى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّد، كَمَا صَلَّيْتَ وَبَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، وَارضَ اللَّهُمَّ بِرِضَاكَ عَنْ أَصْحَابِهِ الْأَخْيَارِ المُنتَجَبين، وَعَنْ سَائِرِ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ وَالمُجَاهِدِين.
أيُّهَا الإِخْوَةُ وَالأَخَوَات:
السَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛
نتحدث عن المستجدات والتطورات الأسبوعية، في إطار العدوان الإسرائيلي الهمجي، الوحشي، الإجرامي، على قطاع غزة، الاستهداف الشامل للشعب الفلسطيني، وعدوانه على لبنان وسوريا، وعدوانه أيضاً على بلدنا، على اليمن، وكما هي العادة نبدأ بالحديث من التطورات فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ لأن بقية الأحداث والتطورات هي مرتبطةٌ بذلك، ومن ضمن ذلك المستجدات فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي البارحة على بلدنا.
لأربعمائة وأربعين يوماً، والعدو الإسرائيلي مستمرٌ بشراكةٍ أمريكية، في إبادة الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بالمجازر اليومية، التي ينفِّذها ضد الشعب الفلسطيني، ويستهدفه بالقنابل، والصواريخ الأمريكية المدمِّرة والحارقة، التي يستهدف بها حتى النازحين في خيم النزوح، وفي المدارس، وفي المباني المكتظة بهم، ويستهدفهم أيضاً بكل وسائل القتل، بقذائف المدفعية والدبابات، التي تزوِّده بها دول الغرب، بعشرات الآلاف منها بِدُفَعٍ مستمرة، ويستهدفهم أيضاً بالقتل بدمٍ باردٍ في الشوارع والأحياء ومختلف الأماكن، وتتنافس العصابات الإجرامية، التي تسمي نفسها بالجيش الإسرائيلي، وأولئك المجرمون الصهاينة من جنود ومجندات، أيُّهم يقتل أكثر من أبناء الشعب الفلسطيني، من نسائه وأطفاله، ومن كباره وصغاره.
في هذا الأسبوع، ارتكب العدو الإسرائيلي ما يقرب من ثلاثين مجزرة، كان من أبرزها مجزرة في النصيرات، استهدف بها النازحين هناك، ومجزرة أخرى في بيت حانون، وإجمالي الشهداء والجرحى في مجازر العدو في هذا الأسبوع: أكثر من (ألف ومائتين) من أبناء الشعب الفلسطيني، معظمهم- كما هو المعروف- من الأطفال والنساء.
ويستهدفهم أيضاً بالتجويع المستمر، ومنع الغذاء والدواء عنهم، وما يدخل إليهم من الكميات المحدودة الضئيلة جداً، يُحَرِّك عليه عصابات إجرامية، للنهب والسرقة؛ حتى لا يصلها أكثر ذلك الذي دخل إلى المحتاجين، إلى أبناء الشعب الفلسطيني، ويستهدف ايضاً بالعدوان والقتل القائمين على تنظيم وتأمين ما يصل من المساعدات القليلة، يستهدفهم بشكلٍ مستمر، وقد بلغ عدد الشهداء منهم: قرابة (سبعمائة شهيد)، ويهدف من خلال ذلك إلى نشر الفوضى بين أوساط المجتمع الفلسطيني في قطاع غزة.
يواصل عمله الإجرامي والوحشي في الاستهدافي للمستشفيات والكوادر الطبية، ويسعى باستمرار إلى منع الخدمة الطبية، وإلى إنهائها إلى نقطة الصفر.
يواصل ايضاً المنع من القيام بعمليات نقل جثامين الشهداء ودفنها، ولكثرة جرائم القتل والإبادة تنتشر جثامين الشهداء، والأشلاء أيضاً، في الشوارع وبين الركام، وتبقى تنهش بعضها الكلاب وللأسف الشديد، والله المستعان!
يعمل على تدمير كل مقومات الحياة، يستهدف الأحياء السكنية، كما حصل ويحصل في جباليا، وفي غيرها، المشهد في جباليا يكشف حجم هذا الاستهداف المدروس والمتعمد، الذي يهدف إلى تدمير كل مقومات الحياة، يستهدف ويدمر بالقنابل وبالقذائف، ثم ما بقي بعد القصف والتدمير بالقنابل والقذائف، يستكمله بالتفجير والنسف، ثم ما بقي بعد ذلك بالجرافات.
في الضفة الغربية أيضاً، يواصل العدو الإسرائيلي مسلسله الإجرامي بالاقتحامات للمدن والأحياء السكنية والبلدات، وارتكاب جرائم القتل، والخطف، والتجريف… وغير ذلك.
وفي القدس كذلك، هذا الاسبوع قام العدو الإسرائيلي في القدس بجرف اربعة عشر منزلاً، ومخزناً، وموقفاً، في يوم الإثنين الماضي. في الضفة كذلك، في الخليل قام العدو الإسرائيلي بجرف واحد وأربعين منشأة ومحلاً تجارياً في جنوب المدينة (مدينة الخليل).
ما يفعله العدو الإسرائيلي في الضفة الغربية، من تدمير، وقتل، واقتحامات، واختطافات أيضاً، لا تواجهه السلطة الفلسطينية بأي رد فعل، ولا توفر ولو أدنى حد من الحماية للشعب الفلسطيني، لا في المدن، ولا في البلدات، ولا في المخيمات.
وما هو مؤسفٌ جداً في هذا الأسبوع: أن تقوم السلطة الفلسطينية بحملات من الاعتداءات في جنين؛ لاستهداف من هناك من أبناء الشعب الفلسطيني، ممن تتهمهم السلطة الفلسطينية بأنهم يقومون بالمقاومة للعدو الإسرائيلي، في مقابل أن العدو الإسرائيلي يفعل ما يفعل في قطاع غزة، ويفعل ما يفعله في الضفة والقدس، في بقية أنحاء فلسطين، يقتل، يُدمِّر، يحرِّك حتى قطعان المغتصبين- الذين يسمونهم بالمستوطنين- من جانبهم أيضاً، وليس فقط ما يسمونه بالجيش الإسرائيلي من العصابات الصهيونية المجرمة؛ لإحراق السيارات، لتدمير المنازل، للاعتداء حتى على المواشي، لقلع أشجار الزيتون، ما يقوم به العدو الإسرائيلي من اغتصاب الأراضي بشكلٍ مستمر، والاستقطاع لها، والإعلان عن تحويلها إلى ما يسمونه [المستوطنات]، كل ما يفعله العدو الإسرائيلي، ليس هناك أي تحرك فعلي من جانب السلطة الفلسطينية للتصدي له، وتوفير أي مستوى من الحماية للشعب الفلسطيني، لا في أنفسهم من القتل، أو الاختطاف، أو الضرب، جرائم الضرب، والاعتداء، والإذلال، التي كثيراً ما تحصل لأبناء الشعب الفلسطيني، حتى في الضفة الغربية نفسها كثيراً، وبدلاً من توفير أي مستوى من الحماية، تتجه السلطة لترتكب هذا الخطأ الجسيم، الذي هو خيانة، وتعاونٌ مع العدو الإسرائيلي، ضد شعبها الذي يمتلك الحق الشرعي، والأخلاقي، والديني، والقانوني، لأن يتصدى للعدو الإسرائيلي، وأن يواجهه، وهو عدوٌ محتل حتى بحسب القوانين الدولية، وبحسب مواثيق الأمم المتحدة… وغير ذلك، هناك حقٌ لأولئك، كيف يقال عنهم بأنهم خارجون على القانون؟ كيف يقال عنهم هذا؟!
هل المواجهة للعدو الإسرائيلي، والتصدي له، وهو المعتدي، المجرم، الظالم، المحتل، الغاصب، يعتبر مخالفةً للقانون؟ أي قانون هذا، الذي يمنع عليك أن تدافع عن نفسك، وعرضك، ودينك، وبلدك، وشرفك، وممتلكاتك… وغير ذلك؟! هذا شيءٌ مؤسف! ولكن وفق ما جرت به العادة لدى الأنظمة العربية، حتى في الحال الذي هو شكلي، عبارة عن سلطة شكلية، تؤدي هذا الدور المسيء إلى شعبها وإلى أمتها، والمسيء إلى نفسها، والله المستعان!!
فيما يتعلق بالوضع في لبنان: يواصل العدو الإسرائيلي اعتداءاته على لبنان، بالرغم من الاتفاق، ومن تنفيذ الجانب اللبناني لالتزاماته في ذلك الاتفاق، ولكن الإسرائيلي هو المعروف بأنه لا وفاء له، ولا يصدق في التزَاماتهِ، وأنه ينكث بعهده ووعده والتزاماته، فهو عدوٌ غدار، مخادع، لا يفي بما يلتزم به؛ ولــذلك هو يستمر في اعتداءات بالقتل، بالاستهداف لأبناء الشعب اللبناني، البعض يستهدفونه وهو في سيارتهم يتحرك، مواطن لبناني، فيقومون بقصفه بواسطة الطائرات المسيَّرة وقتله، أحياناً بالقصف بالدبابات، أو المدفعية.
التوغل إلى قرى لم يجرؤوا على الدخول إليها أثناء المواجهة، وعندما كانت المقاومة الإسلامية تتصدى لهم، عندما كان مجاهدو حزب الله يتصدون لهم، عندما أصبحت بيد الجيش اللبناني؛ أصبحوا يدخلون اليها وينسفون عدداً كبيراً من المباني.
يستبيحون الأجواء في لبنان بشكل كامل، حتى إلى بيروت، وهذا مخالفة للاتفاق أيضاً، واللجنة التي هي- حسب الاتفاق- مشرفة على تنفيذ الاتفاق، تتعامل- كما هو الأسلوب الغربي دائماً- بتدليل العدو الإسرائيلي، هو ابنهم غير الشرعي المدلل في نفس الوقت، الذي يدللونه على حساب ما يرتكبه من جرائم بحق العرب، وبحق الشعوب هذه المنطقة.
أمَّا فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي على سوريا: فالعدو الإسرائيلي مستمرٌ في التوغل والقضم للأراضي السورية في جنوب سوريا، والمسار الذي يعمل عليه الإسرائيلي كما يظهر، هو: التوغل باتِّجاه السويداء، والسعي لربطها بمناطق البادية السورية، الواقعة تحت الاحتلال الأمريكي والسيطرة الأمريكية، هذه هي الوجهة الظاهرة في مسار التحرك الإسرائيلي، والقضم التدريجي الذي يعمل عليه.
لماذا يتحرك بهذه الطريقة؟ لأن لديه مخطط، ويسميه الإسرائيلي بممر داود، وهو يهدف إلى التوغل الذي يصله بالأمريكي، في المناطق التي يحتلها الأمريكي ويسيطر عليها، وهذا الامتداد يصله بحلمه، الذي يعلنه ويعبِّر عنه، الذي هو بالنسبة للعدو الإسرائيلي معتقد، وثقافة، وأمل، وخطة ومشروع، يسعى للوصول إليها، ويشاركه الأمريكي في ذلك، الامتداد إلى نهر الفرات، نهر الفرات؛ لأن المناطق التي هي في إطار سيطرة الأكراد، لكن تحت الإشراف الأمريكي، والاحتلال الأمريكي، والسيطرة الأمريكية، هي تصل- في نهاية المطاف- إلى الفرات، وهذا ما يحلم به الإسرائيلي، ويأمله، ويسعى إلى تحقيقه، ويرى الفرصة متاحةً أمامه لتحقيق ذلك؛ لأنه لا يواجه أي عائق، يتحرك بكل راحة، بدون أن تطلق عليه حتى رصاصة واحدة، أو توجه إليه ولو كلمة واحدة قاسية؛ فلذلك يرى الظروف مهيأة.
العدو الإسرائيلي يتحرك هذا التحرك، وفي نفس الوقت يُسمِّي عمليته تلك، في التوغل والاحتلال في الأراضي السورية، يُسمِّي تلك العملية باسم [سهم باشان]، ماذا يعني هذا الاسم؟ هو يرمز إلى خرافةٍ يهوديةٍ قديمة، تعتبر منطقة جنوب سوريا وشمال الأردن مملكةً قديمةً، سيطر على عليها اليهود- بزعمهم- فيما مضى، ويُسَمُّونها بهذا الاسم [مملكة باشان]، ويسمُّون هذه العملية بـ[سهم باشان]، وهي منطقة خصبة زراعية، غنية بالمياه العذبة، من جنوب دمشق، وحتى حوض اليرموك وسهل حوران، ومن جبل الشيخ غرباً، إلى جبل العرب (السويداء) شرقاً؛ ولــذلك العدو الإسرائيلي لديه هذا الطموح، وهو انتهازيٌ، ينتهز الفرص المتاحة، ويسعى إلى صناعة فرص؛ لكي يستغلوها، وهُنا يسعى- كما قلنا- للاتصال إلى الامتداد الأمريكي الممتد إلى الفرات، فيما يسميه العدو الإسرائيلي بممر داوود.
أيضاً العدو الإسرائيلي يعتبر سيطرته على جبل الشيخ الاستراتيجي السوري، وهو جبل كبير وممتد لمساحة شاسعة، وإطلالته كبيرة ومرتفعٌ جداً، يعتبر ذلك غنيمةً كبيرةً جداً، وأنه يتيح لهم الفرصة لأن يكون في الموقع الذي يُطِلُّ منه على كل الشام، باتِّجاه دمشق، باتِّجاه لبنان، باتجاه الأردن، باتِّجاهات متعددة؛ أهمية هذا الجبل على المستوى الاستراتيجي، له أهمية كبيرة جداً، وامتداده الكبير، وارتفاعه الشاهق. هذا فيما يتعلق بالتوغل والاجتياح.
أمَّا فيما يتعلق بمواصلة العدو الإسرائيلي لتدمير القدرات العسكرية لسوريا، وكان ينبغي أن يعرف من في سوريا أن كل تلك القدرات هي لهم، لهم كسوريين، للشعب السوري، لسوريا، القدرات العسكرية التي هم في أمسِّ الحاجة إليها تجاه كل هذا العدوان الإسرائيلي، ولكن مع ذلك تُرِكت كل تلك الأسلحة والقدرات ذات الأهمية الاستراتيجية: الطائرات بكلها تُرِكت، صواريخ أرض أرض تُرِكت، قدرات الدفاع الجوي تُرِكت، القوات البحرية تُرِكت، المصانع العسكرية تُرِكت، المراكز العلمية البحثية تُرِكت… كل الأشياء التي تمثل قدرات ذات أهمية كبيرة لسوريا، ولحماية سوريا، ولنهضة سوريا تُرِكت، تُرِكت كما هي، لم تدخل لا في إطار المسؤولية؛ باعتبارها مسؤولية من يأتي كسلطة جديدة، أو نظام جديد، ولا في إطار أنها غنيمة، كما هي العادة عند البعض، يعتبرون كل ما هناك مما بأيدي حكوماتهم أو بلدانهم مجرد غنائم، لا هذا ولا ذاك، تُرِكت لتبقى هناك للاستهداف الإسرائيلي، والتدمير من قبل العدو الإسرائيلي، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً، وزهدٌ غريب، زهدٌ عجيب، زهدٌ في غير موطن الزهد! يعني: ليس بزهدٍ محمود إطلاقاً، أن تترك هناك وتبقى، وتكون هناك أحياناً بعض المشاهد المصورة، لما يجري من تدمير لها، مع إرفاق تلك المشاهد ببعض التكبيرات والتهليلات، وكأن الموضوع مجرد مشهد عادي، يثير التعجب، والاستغراب، والاندهاش لحجم التدمير فقط، وليس كأنه تدمير لقدرات بلد وشعب، يحتاج إلى هذه القدرات، وذلك يمثل عدواناً، استباحةً، وقاحةً، إجراماً، انتهاكاً للسيادة، انتهاكاً لكل شيء، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً!
العدو الإسرائيلي أيضاً يستبيح سوريا براً، كما هو واضح، يتوغل حيث ما يشاء ويريد، يستدعي الأهالي في بعض المناطق، يجردهم مما بأيديهم من السلاح الخفيف، وفي نفس الوقت يفرض عليهم- في بعض الحالات- أن يمكثوا في منازلهم، عندما يأتي إليك الإسرائيلي وأنت في بلدك وفي منزلك، وتراه يسجنك حتى في منزلك، يتحكم عليك حتى متى تخرج وتدخل في منزلك إلى باحة دارك، لاحظوا هذه الحالة المؤسفة جداً، والتي يريد لإسرائيل أن يعممها، أن تمتد إلى بقية البلدان!
يستبيح سوريا براً، وبحراً، وجواً، يعتبر الأجواء السورية مفتوحةً أمامه، يُنزل أحياناً فِرقاً، يعني: مجموعات عسكرية، وليس الفرق العسكرية الكبرى، مجموعات عسكرية لبعض المهام العدوانية في بعض المصانع، في بعض المراكز العلمية، ربما لأخذ وثائق، لأخذ بعض الأمور، مع الحصول على معلومات معينة، معدات معينة، إمكانات معينة، وثائق معينة، أبحاث معينة… وهكذا، عدوانه طال ثلاثة عشر محافظة سورية، يعني: معظم سوريا، إن لم يكن بكلها، فهو يستبيحها براً وجواً وبحراً، ودون أي رد فعل، بل هناك منع في داخل سوريا من أي تحريضٍ ضد الأمريكي أو ضد الإسرائيلي.
ما الذي يشجع العدو الإسرائيلي على ما يفعله في فلسطين، من جرائم بشعة فظيعة جداً، وإبادة جماعية رهيبة، واستباحة لكل شيء: استباحة لحياة الناس هناك، بذلك المستوى الفظيع جداً من الاستباحة، ويتفنن في أنواع الجرائم فيما يفعله بهم، فيما يفعله بالمعتقلين، بالمخطوفين والأسرى الفلسطينيين، وغير ذلك، فيما يفعله ضد شعب لبنان، فيما يفعله في سوريا، ما الذي يشجعه على ذلك، مع التشجيع الغربي؟ الأمريكي.
الأمريكي دوره أساسيٌ في كل ما يفعله الإسرائيلي، لأنه شريكٌ معه، وكلاهما- كما نكرر كثيراً- وجهان لعملةٍ واحدة، هي الصهيونية، كلاهما يؤمن ويعتقد بالصهيونية، والأمريكي حتى كل هذه الاعتداءات، بكل ما فيها من وقاحة واستباحة واضحة، ولا تستند إلى أي مبرر إطلاقاً، ماذا يسمِّيها الأمريكي؟ وماذا تسمِّيها الدول الغربية؟ يسمُّون ذلك بالدفاع عن النفس، فما يقوم به الإسرائيلي ابتداءً من تدميرٍ للبلدان العربية، واحتلالٍ لها، وقتلٍ لأهلها، ومصادرةٍ لأراضيها، واستهدافٍ لقدراتها، ونهبٍ لممتلكاتها، يُسَمَّى ذلك العدوان الإجرامي الوحشي دائماً، والاستباحة الظالمة العدوانية، تُسمَّى بهذا العنوان: [الدفاع عن النفس].
من أي شيءٍ دافع الإسرائيلي عن نفسه في سوريا، باستيلائه على جبل الشيخ، باستيلائه على تلك المناطق والبلدات، بتوغله بتدميره لكل القدرات السورية؟! والذين هناك أعلنوا أنهم ليسوا بصدد حتى التفكير في أي حربٍ معه، أو مواجهةٍ معه، ومن الواضح أنهم لا يريدون ذلك، ولا يسعون لذلك، وأنهم جادُّون في كلامهم، فما الذي يدفعه إلى فعل ذلك؟! أيُّ دفاعٍ عن النفس؟!
هكذا هو المنطق الأمريكي والغربي تجاه أمتنا، فالاعتداء على أمتنا، والاحتلال لبلدانها، وقتل شعوبها، ونهب ثرواتها ومقدراتها، والإذلال لها، والامتهان للكرامات، إذا كان من يمارسه ويقوم به هو الإسرائيلي أو الأمريكي، يُسمَّى دفاعاً عن النفس؛ أمَّا شعوبنا عندما تتحرك للدفاع الفعلي، الحق، المشروع، عن نفسها وهي تظلم، وهي تستباح، ومعتدى عليها من أعدائها بغير حق، يسمَّى دفاعها عن نفسها بالإرهاب، ويُوَصَّف بأسوأ التوصيفات، ويدان! وهذه مسألة واضحة تماماً، أمام أعين الناس جميعاً.
فالغرب هو يؤدي دوره، والأمريكي يشارك في كل ما يحصل، مع أن العدوان الإسرائيلي واضح، ومكشوف، ومفضوح، وعندما يرفع عنوان [الدفاع عن النفس]، فهو يكذب بكل وقاحة، وهو يعرف أنه يعتدي، وليس في مورد الدفاع من معتدٍ عليه، هو في موقف الاعتداء منذ البداية، منذ احتلال فلسطين.
لكن إلى جانب ذلك هناك التخاذل، التخاذل الكبير من المسلمين في المنطقة العربية وغيرها، والتواطؤ من بعض الأنظمة وبعض الجماعات والكيانات مع العدو الإسرائيلي، هذا من أكبر الأسباب التي شجَّعت العدو، وأعطته هذه الجرأة، لأن يتَّجه إلى بلدٍ هنا وبلدٍ هناك، إضافةً إلى ما يفعله في فلسطين، ويتجاوز به كل الحدود، وكل الخطوط الحمر، وكل الاعتبارات.
أقسى، وأبشع، وأفظع مشاهد الإجرام الصهيوني في قطاع غزة، تشهد على المسلمين، وفي المقدمة العرب، أنهم أعظم الأمم تخاذلاً، وقبولاً بالهوان، وتنصلاً عن المسؤولية، والأقل اهتماماً بقضاياهم المصيرية، وهذا شيءٌ مؤسفٌ جداً، أن هذه الأمة، التي تنتمي للإسلام، تصبح بين كل الأمم الأخرى، التي لا تنتمي للإسلام، ولا تمتلك ما يمتلكه المسلمون من مبادئ عظيمة، وقيم عظيمة وهدىً عظيم، وما يساعدها على أن تكون ذات صلة إيمانية بالله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، ومعونته، ونصره، وهدايته؛ لكن هذه الأمة تكون دون مستوى كل الأمم الأخرى، في مستوى تخاذلها، إهمالها، تقصيرها، تفريطها في قضاياها المصيرية، ولو أن ما يحصل اليوم في فلسطين حصل- مثلاً- في أوروبا، على شعبٍ أو بلدٍ من بلدان أوروبا، هل كان الأوروبيون سيسكتون؟!
انظروا ماذا يفعلون وما فعلوه مع أوكرانيا، مع أن أوكرانيا هي التي دخلت في مشكلة مع روسيا، وورطها الغرب في مشكلة مع روسيا، وأن تتَّجه اتِّجاهاً عدائياً ضد روسيا كانت في غنىً عنه، ولكن مع كل ذلك ماذا فعل الغرب؟ ماذا فعلت بقية الدول الأوروبية مع أوكرانيا؟
منذ البداية، في الوقت الذي كانت البلدان الأوروبية في أمسِّ الحاجة إلى الغاز من روسيا؛ لأنهم يعتمدون عليه اعتماداً أساسياً، يصل إليهم عبر الأنابيب، بثمنٍ رخيص، ويغطي لهم احتياجهم من الغاز بكل راحة، ويستفيدون منه اضافةً إلى الاستخدامات المنزلية في التدفئة أيضاً، يحتاجون إليه حاجةً مُلِحَّة في التدفئة، وهم يعانون دائماً من البرد القارس، من الشتاء، مع ذلك، ومنذ البداية، ولأن الأمريكي ماكرٌ، ومخادعٌ، وطماعٌ في نفس الوقت، سعى الأمريكي إلى الدفع بهم لمقاطعة الغاز الروسي، الذي يصل إليهم بثمنٍ رخيصٍ عبر الأنابيب، وأن يستبدلوه بأن يشتروا بدلاً عن ذلك من الغاز الأمريكي الغالي الثمن، المرتفع السعر، الذي تستفيد منه أمريكا أرباحاً طائلة، تجعل جزءاً منها- من تلك الأرباح اليسيرة- لدعم أوكرانيا؛ لتستمر في المشكلة مع روسيا، ولتستمر أيضاً مع ذلك حالة التخويف الأمريكي للأوروبيين، واستغلالهم في مشتريات أسلحة، وغير ذلك، وتحريضهم ضد روسيا؛ ليكونوا كلهم في مشكلة مع روسيا؛ لكنَّ الأوروبيين يتَّجهون باهتمام بالغ إلى دعم الأوكراني، بالمال، بالسلاح، بالإعلام، بالمقاطعة لروسيا في كل شيء، حتى على مستوى الألعاب الرياضية، يعني: لديهم جِدّ في القضايا التي يتحركون من أجلها.
لو كان ما يحدث على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، على بلدٍ هنا أو هناك- مثلاً- في غير أوروبا، لدى شعب، أو بلد، هل كان- مثلاً- الصين سيسكت لو أنه على شعب من الشعوب الصينية، على جزءٍ من الصين؟ هل كان الهند سيسكت؟ هل كانت أستراليا ستسكت؟ أو أي أمة أخرى من أمم الأرض؟
لكن ما يحدث لدى المسلمين، وهم الذين ينبغي أن يكونوا هم أكثر الأمم اهتماماً بقضاياهم المصيرية، ولاسيَّما أن القضية الفلسطينية هي قضية تعني الأمة بكلها، والخطر الاسرائيلي خطرٌ على الأمة بكلها، وتهديدٌ لها بأجمعها، وفي المقدمة العرب، كان المفترض بهم أن يكونوا هم أكثر الأمم وعياً بقضاياهم المصيرية، اهتماماً بها، شعوراً بالمسؤولية؛ لأن لديهم المسؤولية الدينية، والإيمان بالحساب والسؤال والجزاء في يوم القيامة، مع ما يحصل أيضاً في الدنيا من العقوبات العاجلة، أن يكونوا أكثر الناس شعوراً بالمسؤولية الدينية أمام الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وهم يتلون في القرآن الكريم نداءات الله، وتعليماته، وأوامره، بنصرة المظلوم، بالجهاد في سبيل الله تعالى ضد الظالم، وضد الباغي، وضد المعتدين، ولكن مع كل ذلك، لا من خلال القرآن الكريم، ولا من خلال ما قاله رسول الله «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّم»، وعَبَّر بأبلغ التعبيرات، يعني ماذا بعد قوله: ((مَنْ أَصْبَحَ لَا يَهْتَمُ بِأَمْرِ المُسْلِمِينَ، فَلَيْسَ مِنَ المُسْلِمِين ، وَمَنْ سَمِعَ مُسْلِماً يُنَادِي: يَا لَلمُسْلِمِين، فَلَم يُجِبه، فَلَيْسَ مِنَ المُسْلِمِين)) في بعض الروايات: ((فَلَيْسَ بِمُسْلِم))، صرخات ونداءات وهتافات الأطفال والنساء في قطاع غزة، والأمة يتعامل معظمها بالصمم، كأنهم لا يسمعون، وبالعمى، كأنهم لا يرون ولا يشاهدون، ويتجاهلون ما يحدث، والبعض- كما كنا- يتواطأ، يتواطأ مع العدو ويشجعه.
أُمَّتُنا ليست فقط في المستوى الذي عبَّر عنه الشاعر بقوله: (يَا أُمَّةً ضَحِكَت مِنْ جَهلِهَا الْأُمَمُ)، الآن، وبعد كل الذي يحدث في فلسطين، اندهشت، وصُدِمت، وفُجِعت الأمم الأخرى بحال هذه الأمة، أين هو الضمير الإنساني؟ أين هي المسؤولية الدينية؟ أين هي مكارم الأخلاق، التي كان العرب يفتخرون بها، وهم كانوا يفتخرون بالإباء، بالنجدة، بالكرام، بالكرامة، بالحُرِّيَّة بالعزة… كل هذه القيم أين هي، في مقابل ما يحصل على الشعب الفلسطيني، ولاسيَّما في قطاع غزة؟ هذا شيءٌ مؤسفٌ جداً، ومحزنٌ جداً!
أُمَّتُنا بين يديها القرآن الكريم، تؤمن به؛ لأنه من الله، وأنه كتابٌ حقٌّ، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، هو كتاب هدايةٍ، {يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ}[الجن:2]، كما قال الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، وكما عبَّر بذلك- وهو تعبيرٌ صادق- من آمنوا من الجن، ولكن لم يعد الإنس من العرب بمستوى الجن، الذين كانوا يعون هذه الحقيقة، أنه كتاب هداية، كتاب يهدي إلى الرشد، وإذا اهتدت به الأمة، كانت أعلى الأمم، في مستوى الوعي، والبصيرة، والنور، والرشد، والحكمة، والفهم، والاستنارة بنوره، كل هذا غاب عن هذه الأمة، لم تعد أمة تحمل البصيرة، ولا الوعي، ولا النور، وأصبحت أمام أعدائها أمة ينظرون إليها على أنها أمة ساذجة، وغبية، وجاهلة، تُصَدِّق أكاذيبهم، تتقبل خدعهم، تنصاع لمؤامراتهم، تتَّجه حيث يوجهونها هم، وهذا شيءٌ في غاية الأسف!
مع القرآن الكريم، الذي هو كفيلٌ بأن يرتقي بهذه الأمة، على مستوى الوعي، والبصيرة، والرشد، والحكمة، إلى أعلى مستوى، هناك الوقائع والأحداث الجلية والواضحة، وهناك عدوٌ مكشوف، واضحٌ في فعله وقوله، وفي ما في إعلامه ومناهجه الدراسية، كيف ينظر إلى هذه الأمة؟ ماذا يقول عن العرب، في المناهج، في المعتقدات، في الموروث الزائف الباطل، الذي يسمُّونه بالموروث الديني؟ انظروا ماذا يقولون في التلمود، ماذا يعبَّرون عن غيرهم من الأمم، عن العرب والمسلمين، ماذا يهتفون به في شعاراتهم، في عباراتهم، في تعليقاتهم، في تصريحاتهم، حتى من هم باسم وزراء، وباسم مسؤولين معينين، يتحدثون بكل وضوح، سواءً في نظرتهم إلى العرب والمسلمين، أو في مخططاتهم التي يسعون إلى تحقيقها، كل هذا لم يفد العرب، في أن يكونوا على وعيٍ وبصيرة، وبشعورٍ بمسؤولية، وأن يتحركوا كما ينبغي ضد ذلك العدو.
يمتلك العرب والمسلمون بشكلٍ عام القضية العادلة المقدسة، والموقف الحق، وفي نفس الوقت قضيةً مصيرية، ذات تأثير كبير عليهم في حياتهم، في كل شؤونهم، ولا يكفي ذلك في أن يتحركوا، في أن يكون دافعاً لتحركهم، لأن يقوموا بما عليهم؛ بينما الأعداء يتحركون بجدِّيَّة كبيرة، وهم في إطار الموقف الباطل، فأصبحوا أكثر إخلاصاً لباطلهم من المسلمين تجاه حقهم، وأصبح أولئك الأعداء أكثر اهتماماً، وجِدِّيَّةً، وتحركاً عملياً، وهم في موقف المعتدي الظالم المجرم؛ بينما المسلمون تجاه قضيتهم العادلة والمُحِقَّة والمقدسة، وهم الأمة المعتدى عليها، المظلومة والمستباحة، لا يتحركون كما ينبغي، على أي مستوى من المستويات، في أي مستوى، هذا شيءٌ مؤسفٌ جداً، كيف يكون أولئك أكثر إخلاصاً للباطل، أكثر اهتماماً بما هم عليه من باطل، وكفر، وظلم، وإجرام، وهؤلاء لا يتحركون في الحق! لماذا لا تخلص أمتنا للحق، للعدل، للموقف الصحيح؟ لماذا لا تتَّجه فيما له أهمية قصوى عليها، على مصيرها وواقعها، فيما يعنيها، مثلما يفعل أولئك، وهم فيما هم فيه من طغيان وعدوان؟!
الشيء المؤسف جداً: أن الذي يعطي فاعليةً أكبر لمؤامرات الأعداء، وهم يتحدثون بكل وضوح عن مؤامراتهم، يقولون: أنهم يعملون- هكذا بكل صراحة- على تغيير ملامح الشرق الأوسط، من يعنون؟ يعني: أنتِ يا هذه الشعوب، أنتِ يا هذه البلدان، أنتِ يا هذه الأمة، عندما نأتي إلى أن نَعُدّ بالأسماء بلداً بلداً، كم علينا أن نَعُدّ، وكم يستغرقنا من الوقت، لكن هذا يعنينا جميعاً، وما هو التغيير الذي يسعون له؟ واضح أنه لخدمة العدو الإسرائيلي؛ لكن الذي يعطي فاعلية لكل مؤامرات العدو، ويطمع العدو أكثر، ويهيأ له الظروف: أنه في مقابل ذلك الخطر الحقيقي على المنطقة وشعوبها، يقوم البعض بالتَّجنُّد مع الأمريكي والتَّحَرُّك معه؛ لِيُنَفِّذ ما يسعى له الأمريكي من التدمير الداخلي للأمة، والانحراف ببوصلة العداء عن العدو الحقيقي، وصرف الناس عن التوجه والاهتمام، والموقف اللازم والعداء، نحو العدو الحقيقي، إلى العداء في داخلهم، وبالذات ضد من يقف عائقاً في طريق الإسرائيلي، المطلوب الخلاص منه أولاً.
يعملون على حظر أي نشاط- ولو في الحد الأدنى- لتعبئة الأمة وتوعيتها عن العدو الإسرائيلي وخطورته، كما هو الحال في معظم البلدان العربية، حتى الأعمال البسيطة جداً في مقدور الناس، والمؤثرة جداً في نتيجتها، لا تلقى اهتماماً بين أوساط شعوبنا، مثلما هو الحال بالنسبة لمقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية.
ومثلاً: لو جئنا إلى البلدان التي هي مكبَّلة عن أيِّ تحرك أو نشاط آخر، مثلما هو الحال في معظم بلدان الخليج، شعوبها مكبَّلة عن أيِّ تحرك ضد العدو الإسرائيلي والأمريكي، لكن ربما أنها هي البلدان الأكثر تأثيراً على العدو اقتصادياً، فيما لو اتَّجهت إلى مقاطعة البضائع الأمريكية والإسرائيلية؛ لأنها الأكثر شراءً وإقبالاً على المنتجات الأمريكية والإسرائيلية، والأكثر قدرةً شرائيةً بالنظر إلى وضعها الاقتصادي بين بقية شعوب أمتنا، وهذا في مقدورها، يستطيع الإنسان أن يستبدل بدلاً عن البضائع الأمريكية والإسرائيلية، بضائع أخرى تلبي احتياجاته الضرورية، وفي نفس الوقت يكون قد ساهم، جاهد، قدَّم موقفاً يفيده عند الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، يليق بمسؤوليته، وشيء متاح ومؤثِّر على الأعداء، مؤثِّرٌ بالفعل، تأتي أحياناً موجات تفاعلية للمقاطعة، حصل في مصر وفي بعض البلدان إلى مستوى معين، وكان لها تأثيرها الواضح على شركات أعلنت عن خسائرها، شركات أعلنت عن خسائرها الكبيرة، لكن لماذا لا يتَّجه الجميع في هذا الموقف الذي يؤثِّر على الأعداء اقتصادياً، والتأثير الاقتصادي مهم جداً في المواجهة مع الأعداء.
في صدر الإسلام الأول، أتى التوجيه الإلهي من الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» في مقاطعة كلمة (مفردة)، مفردة كان اليهود يستفيدون منها استفادةً بالمعنى، في الاستغلال لمعنى يوظِّفونه في أنفسهم ضد رسول الله «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم»، فأتى قول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» بالأمر بمقاطعة تلك المفردة: {لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ}[البقرة:104]، كان المستوى العملي في مواجهة اليهود متقدِّماً في القرآن الكريم، في التربية القرآنية، في هدى الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»، في الموقف الإسلامي إلى هذا المستوى، وتراجع الآن إلى أنهى مستوى من التراجع:
•على مستوى الإعلام: ليس هناك توجه واسع، هناك توجه محدود لدى بعض الدول والبلدان، بعض الجهات، لكن معظم الناشطين- مثلاً- على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يزال أكثرهم من المحسوبين على المسلمين من معظم البلدان في حالة من الضياع والتيه العجيب جداً، حالة مؤسفة للغاية، تُعبِّر عن ضياع كبير بكل ما تعنيه الكلمة!
•على مستوى القنوات الفضائية:
•البعض منها يناصر العدو الإسرائيلي، ويعمل لصالحه، ولصالح الأمريكي.
•البعض منها يؤدِّي دوراً تضييعياً أيضاً، وملهياً عن القضايا الكبرى.
•والجزء المحدود منها في إطار بعض البلدان والجهات هو الذي يتَّجه لنصرة قضايا الأمة، وتوعية الأمة.
•كذلك في الجانب التعليمي: في المناهج والأنشطة والبرامج، هناك تقصير على كل المستويات.
هذا الوضع هو الوضع السائد في معظم الأنظمة والشعوب، وهو عاملٌ كبير في جرأة الأعداء، وأن ينظروا إلى معظم البلدان، وإلى نسبة كبيرة من أبناء أمتنا على أنهم فريسة سهلة، ولقمة سائغة، وهذا خطرٌ جداً، هذا الحال بنفسه يشكِّل خطراً حقيقياً؛ لأن الأعداء يتحرَّكون بمشروع واضح، ليست المسألة أن تحركاتهم هي عبارة عن رد فعل على ما يستفزهم من بعض البلدان، أو القوى، أو الجهات، أو حتى أنظمة هنا أو هناك، هم لا يتحركوا من أجل ذلك، هم تحركوا قبل كل هذه الأمور، تحركوا بماذا؟ بالاحتلال، بالسيطرة، بالغزو، بالاستهداف الشامل لبلدان أمتنا في كل المجالات، تحركوا هم ابتداءً.
عندما يعلنون، وتكرر منهم الحديث عن: [تغيير الشرق الأوسط الجديد]، المجيء بهذا العنوان، المجيء بـ [الشرق الأوسط الجديد]، [تغيير ملامح الشرق الأوسط]، وغير ذلك، ماذا يعني هذا؟ هو المشروع الصهيوني بذاته، بنفسه، كل هذا التعبير هو تعبير عن المشروع الصهيوني.
والمشروع الصهيوني هو مشروعٌ تدميريٌ، كارثيٌ على أمتنا الإسلامية، ليس مشروعاً هناك لا يهمنا، ومن الطبيعي أن نتجاهله، ونتغاضى عنه، هو استهداف كارثي لهذه الأمة، وهو مؤسفٌ جداً أن يجرؤ العدو إلى أن يتحدث عنه بكل وقاحة، والمؤسف أكثر أن تنفيذ جزء كبير من المشروع في الخطة الإسرائيلية الأمريكية موكول إلى أنظمة وجماعات وكيانات، ويتحمَّل أعباءه الكبرى في التمويل، التكاليف المالية؛ لأنه مشروع تدميري كبير جداً: العرب، أنظمة عربية، وبلدان عربية، لديها فائض مالي، والبعض حتى مع فقرهم وظروفهم.
يهدف المشروع الصهيوني إلى توسيع الاحتلال المباشر للعدو الإسرائيلي على الأرض العربية، وفق الخريطة الإسرائيلية المرسومة، بعنوان [إسرائيل الكبرى]، يسعى إلى تدمير البلدان العربية، وتفكيكها إلى كيانات صغيرة مبعثرة، متناحرة على الدوام، تحت عناوين طائفية، وقومية، ومناطقية، وسياسية، وفي محيطها ومسيطرٌ عليها العدو الإسرائيلي في كيانٍ كبيرٍ محتل لرقعة واسعة من هذه البلدان، هذا شيءٌ مؤسفٌ للغاية، أن لا يلقى الاهتمام من أبناء أمتنا، أن يتحدث الأعداء في أعلى مستوى من مستوياتهم القيادية عن هذا المشروع، ويقابل ذلك بالصمت، كما قلت في الأسبوع الماضي: هناك تسامح بشكل عجيب جداً من الأنظمة العربية، ومن القوى، والجماعات، والجهات، والتشكيلات المختلفة من أبناء أمتنا، بمختلف اتجاهاتها، تسامح عجيب تجاه الإسرائيلي، وصبر، مع أنَّ البعض قد يستفزون بمنتهى الاستفزاز بكلمة تصدر من هنا أو هناك، من أبناء فئة هنا أو هناك تجاههم، وتكون ردة فعلهم قاسية، وقوية، وغليظة جداً، وشديدة للغاية، لكن تجاه الإسرائيلي، عندما يعبِّر عن مشاريعه، ومخططاته، ومؤامراته العدوانية، الكارثية، التدميرية، التي تهدف إلى سحق هذه الأمة، سحق هذه البلدان، أحياناً يُسمِّي بلداناً بذاتها، ويحددها بشكلٍ واضح، لا يستفز أولئك منه، لا يستفزون! يصبرون، يتغاضون، يتسامحون، يعبِّرون بتعبيرات أخرى، وتجاه ما يفعل، تجاه ما يفعل لا يستفزهم بما يفعل، يتعاملون بحلم عجيب، وتسامح عجيب، كما قلنا: لا يتسامحون بمثله حتى مع آبائهم، وأمهاتهم، وأقربائهم، وهذا شيءٌ مؤسفٌ للغاية!
المشروع الإسرائيلي الأمريكي الصهيوني، كيف هو المشهد الأخير للخطة، وفق ما في الخطة نفسها؟
أن تكون منطقتنا العربية كاملةً، وشعوبنا بأجمعها، مستباحةً للإسرائيلي، مستباحة بكل ما تعنيه الكلمة، أن تكون هذه الأمة مستباحة بالكامل:
•في أرضها: يحتل الإسرائيلي ما يريد، دون أن توجه إليه طلقة رصاص واحدة، أو كلمة إدانة، أو كلمة تنديد… أو أي شيء؛ إنما يُقَابَل ما يفعله بالصمت والسكوت، وانتقاد من يتكلم، والغضب عليه، واللوم له؛ أمَّا إذا كان موقفه أكثر، فهو يستحق أن يحارب من الجميع، هذا شيءٌ مؤسفٌ جداً، مستباحةً في أرضه، والأمريكي كذلك يحتل ما يريد، يتبرع بما يريد من أراضي العرب وبلدانها لمن أراد، كما يفعل [ترامب]، وفي نفس الوقت إذا أراد قاعدةً هنا أو هناك فله الأولوية، في أي مكان استراتيجي، قبل من في ذلك البلد، له الأولوية قبل غيره، المواقع الاستراتيجية تبقى له.
•وفي العرض: انتهاك الكرامات، اغتصاب النساء، اغتصاب الرجال في السجون والمعتقلات، الاعتداء على الناس في منازلهم بهتك أعراضهم، كل ذلك لا أحد يعترض، يستباح، يكون مباحاً لليهود الصهاينة وللأمريكيين.
•وثروات هذه الأمة: كما فعل الأمريكي بالنفط السوري وهو ينهبه، والإسرائيلي ينهب كلما في فلسطين من ثروات… وهكذا في بقية البلدان، في سوريا، ركَّز العدو الإسرائيلي أن يسيطر على مناطق فيها منابع مياه عذبة، من أحسن منابع المياه العذبة في سوريا، ركَّز حتى على الماء، يأخذ أحسن الأشياء، ما بالك ببقية الثروات!
تتحول هذه الأمة إلى أمة مبعثرة، إلى دويلات وكيانات صغيرة؛ أمَّا العدو الإسرائيلي فيكون هو الكيان الأكبر، المحتل الغاصب.
وتكون هذه الشعوب ضائعة، شبابها:
•جزءٌ منهم مجنَّدون، يقاتلون مع العدو الإسرائيلي، يقاتلون في الفتن التي يخطط لها فيما بينهم باستماتة واستبسال.
•وجزءٌ منهم مستغرقون في الفساد، يكونون تائهين، ضائعين، مدمني مخدرات، سكارى على الدوام من شرب الخمور، صائعين، ضائعين، فاسدين أخلاقياً، تائهين، لا يمتلكون أي إرادة لموقف مهم، لا يمتلكون أي وعي، لا يمتلكون أي اهتمام بأمور مهمة في هذه الحياة؛ لأن هذا سيساعد على الفتك بهذه الأمة، وتدميرها، وإنهائها، حتى بالإيدز، والأوبئة الأخرى، والمصائب الأخرى… وهكذا.
السيطرة على المقدسات: الصورة الأخيرة للمشروع الصهيوني الأمريكي الإسرائيلي، أن يكون القدس ومكة والمدينة تحت السيطرة الإسرائيلية، هناك كُتُب كُتِبَت عن موضوع مكة والمدينة، كتبها اليهود الصهاينة؛ ليحاولوا أن يقدِّموا فكرة أيديولوجية لمسألة السيطرة اليهودية على المدينة وعلى مكة مع القدس، هكذا يصل الحال في تلك الخطة الكارثية التدميرية لهذه الأمة.
تتحول كل المنطقة- في نهاية المطاف- بكل مميزاتها، وبما فيها، إلى موقع سيطرة أمريكية إسرائيلية بالدرجة الأولى؛ لأن الإسرائيلي يراد له أن يكون الوكيل الأمريكي الحصري في هذه المنطقة، بعد أن يكملوا الآخرون أدوارهم؛ سيتم القضاء عليهم وقد فقدوا كل عناصر القوة، البعض يبقى لهم دور معيَّن، بعض الأنظمة والكيانات إلى مستوى معيَّن، يُستغنى عنهم ويضربون، يبقى العدو الإسرائيلي هو الوكيل الحصري لأمريكا، يبقى هو من يمثل الصهيونية في الموقع الأهم للنفوذ العالمي، بالاستفادة من هذه المنطقة، وبكل مميزاتها، وبما فيها، ويسعى اليهود الصهاينة لإنشاء ما يسمونه بـ [المملكة الثالثة].
[نتنياهو] المجرم قام بإعلان اسم إضافي، إلى الاسم الذي قُدِّم كعنوان للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، المعروف بـ [السيوف الحديدية]، هذا العنوان الجديد سمَّاه [حرب القيامة]، هذا العنوان هو مرتبط مباشرة بالمشروع الصهيوني؛ ولـذلك ينبغي على الجميع الوعي بحقيقة ما يجري؛ لأن البعض من الناس يتَّجهون باللوم على الموقف الصحيح، على الاتجاه الصحيح في هذه الأمة، من يعارض المشروع الصهيوني، يصبح هو الذي يوجَّه إليه اللوم، والانتقاد، ويُحمَّل المسؤولية تجاه ما يجري، كما يأتي البعض- مثلاً- ليتحدثوا بعبارة [النأي بالنفس]، وعبارات الحياد، وعبارات أخرى، وهكذا نتيجةً لتجاهل الحقائق الصارخة، الواضحة، المعلنة.
العدو الإسرائيلي- مثلاً- في الماضي، من دروس الماضي، قام بجرائم رهيبة جداً في احتلاله للأراضي الفلسطينية عام 48، ما يسمى بأراضي عام 48، التي أكمل احتلالها في عام 48م، في كل تلك السنوات، ارتكب العدو الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية، أباد الأهالي في كثير من القرى إبادةً كاملة، قتل الرجال والنساء والأطفال، قتل أعداداً كبيرة، قتل الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني، ونفَّذ عمليات عدوانية للتهجير القسري للملايين من أبناء الشعب الفلسطيني، من أربعة أخماس فلسطين، أراضي عام 48، هل كانت المسألة ردَّ فعلٍ على استفزازٍ من حركةٍ هنا، أو حركةٍ هناك، أم أنه مشروع يتحرك فيه العدو الإسرائيلي ابتداءً؟!
ولــذلك في مقابل كل هذا التوجه الإسرائيلي، والذي يشترك الأمريكي في تنفيذه، ويحاول الأعداء أن يحققوا لذلك إنجازات تراكمية، في كل مرحلة يحققون نتيجة معينة ليهيئوا لما بعدها؛ لأن الموضوع يحتاج إلى تهيئة حتى في بقية الساحة العربية والإسلامية، فتن، صراعات، تزييف للوعي، تغيير للمناهج، عملية شاملة وكاملة، ثم دخول في جولة أخرى للتوسع أكثر، ثم يتلوها كذلك استنزاف من جديد للأمة، إغراق في أزمات وحروب وصراعات، إلهاء، حرف لبوصلة العداء، تزييف للوعي، تدجين للأمة أكثر وأكثر؛ لتكون أمةً مستباحة، كالدجاج والغنم بلا شك؛ أمام كل ذلك يتجلى- فعلاً- قيمة وأهميته الموقف الصحيح، الذي فيه نجاة الناس، الموقف الذي فيه العزة، الكرامة، الحُرِّيَّة، الشرف، النجاة من الذل والاستعباد والهوان، وهو الجهاد في سبيل الله تعالى، والمواجهة للعدو، والتحرك وفق تعليمات الله، والاهتداء بهدي الله تعالى.
التحرك في سبيل الله، والجهاد في سبيل الله ضد المشروع الصهيوني، والعدو اليهودي، وللتصدي للأمريكي والإسرائيلي، هو ما يمثل حالياً- في الأساس- العائق الفعلي للعدو الإسرائيلي وللأمريكي، عن اكتساح المنطقة بكل سهولة، يعني: لولا الجهاد، لولا المواجهة للعدو، لولا التصدي للعدو من قِبَل المقاومة في فلسطين وفي لبنان، على مدى كل هذه العقود من الزمن؛ لكان الوضع قد تغيَّر في مصر، في سوريا… في غيرها، وما بعدها، وما بعدها، حتى مصر، حتى الجيش المصري هو مهدد بأن يحدث له ما حدث للجيش السوري، مصر مهددة في اللحظة التي يتمكَّن فيها الأعداء من إثارة فوضى عارمة في مصر، ينهار فيها الوضع، أن تتَّجه إسرائيل لمجرد أن تتهيأ لها الفرصة لتدمير كل القدرات العسكرية المصرية، كما فعلت تماماً في سوريا، تدمير القدرات العسكرية بالكامل، كل أسلحة الجيش المصري، ثم تكتسح سيناء، حسب طموحها، ومعتقدها، وخططها، وخرائطها المرسومة، تفعل ذلك.
يتجلى الموقف الحقيقي، الذي يمثل الآن عائقاً حقيقياً، سنة وثلاثة أشهر، والمجاهدون في قطاع غزة يقاتلون العدو الإسرائيلي، لم يفرغ من القتال لهم، يقاتلونه من واقعٍ صعبٍ للغاية، من ظروف صعبة للغاية، في ظل خذلان الأمة، التي لا تُمِدُّهم بشيء، ولا تعينهم بشيء، حتى بقرص الطعام، أو بطلقة رصاص… أو بأي شيء، تخاذل رهيب جداً من معظم الأمة، هذا الموقف الذي يمثل عائقاً الآن أمام الأعداء، ويمثل في نهاية المطاف الخلاص لهذه الأمة، هذه الأمة مهما اتَّجه معظم أنظمتها، وقواها، وجماعاتها، وتشكيلاتها المختلفة، إلى الاتجاه الذي رسمه الأمريكي والإسرائيلي؛ لتنفيذ المشروع الصهيوني بأيديهم، يخرِبُون أمتهم، يدمِّرون أمتهم، يهيِّئون الظروف للأعداء، يصلون بأمتهم إلى الانهيار، لكن في نهاية المطاف يخسرون، مع الخسارة الفادحة جداً، والعذابات الشديدة، والكوارث الرهيبة، يصل الناس في الأخير إلى قناعة أنَّه لابدَّ من موقف، لابدَّ من التحرك، لابدَّ من الجهاد، لابدَّ من التحرر، ولكن الفارق في واقع من يتَّجهون ذلك الاتجاه الغبي، الخاطئ، السلبي، الذي هو انصياع لمؤامرات الأعداء، وسيرٌ فيها، أنهم يخسرون كثيراً جداً، حتى يدركوا ما قد أدركه من هم من أبناء هذه الأمة أحرار، وذوي بصيرة ووعي، وتحركوا في إطار مسؤوليتهم المقدَّسة، واستجابوا لله أولاً، وثقوا بالله، وثقوا بما أعلنه، وبما بيَّنه، وبما قدَّمه، بما أرشد إليه، ابتداء من اليوم الأول.
أمَّا من تركوا القرآن جانباً، وتجاهلوا الحقائق الصارخة جانباً، وتنكروا للوقائع الواضحة جانباً، تركوا كل ذلك جانباً، وتنكروا له، واتجهوا الاتجاه الغبي الخاطئ بوهم أنهم سيستفيدون، ويحققون مصالح لهم، وأنَّ العدو سيسكت عنهم في الأخير، فهم في نهاية المطاف من يتنبهون فيما بعد، بعضهم قد يتنبه فيما بعد في نهاية المطاف، لكن بعد خسائر كبيرة جداً.
الخلاص للأمة في نهاية المطاف في زوال الكيان المؤقت، الذي لابدَّ حتماً من زواله؛ لأن هذا وعدٌ من الله، آياتٌ في كتابه، ولا مبدل لكلمات الله، {وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}[الروم:6].
في غزة، النموذج الراقي للصبر، والصمود، والتضحية، في عمليات كتائب القسام، التي نفَّذت خلال هذا الأسبوع (ثلاثة عشر عملية)، للتنكيل بالعدو وعصاباته الإجرامية، في ظروف صعبة للغاية، والمسار الذي حافظت عليه كتائب القسَّام كل هذه الأشهر، أنها تكبِّد العدو الإسرائيلي خسائر في عصاباته الإجرامية، التي تسمِّي نفسها بـ [الجيش الإسرائيلي] شهرياً بنسبة من القتلى، هي أعلى نسبة قتل في صفوف جيش العدو الإسرائيلي، منذ تأسيس الكيان الإسرائيلي وحتى اللحظة، في أداء وجهاد الشعب الفلسطيني، هذا إنجاز مهم، ومسار مهم في الجهاد.
في هذا الأسبوع، في الخامس عشر من ديسمبر، كانت ذكرى تأسيس حركة المقاومة الإسلامية حماس، بالمناسبة نتوجَّه إلى إخوتنا في حركة المقاومة الإسلامية حماس، وكتائب القسَّام، بالتهاني، والمباركة، والتحية، والتقدير، والمسيرة الجهادية طوال هذه العقود منذ تأسيس هذه الحركة، هي مسيرة مميزة.
حماس، منذ تشكيلها وتأسيسها كان لها حضورها الكبير في الساحة الفلسطينية، وتصدَّرت الميدان في مواجهة العدو الإسرائيلي، وقدَّمت قوافل الشهداء من قادتها، وكوادرها، ومجاهديها، وألحقت النكاية الكبيرة بالعدو الإسرائيلي، والخسائر الكبيرة بالعدو الإسرائيلي، وصولاً إلى ما تحقق من إنجاز كبير جداً في عملية طوفان، وما بعد ذلك من ثباتٍ عظيم.
ولـذلك من واجب المسلمين جميعاً، والأنظمة العربية في المقدِّمة، أن تكون مساندة لحركة المقاومة الإسلامية حماس، ولكتائب القسَّام، وللحركات الفلسطينية المجاهدة، لحركة الجهاد الإسلامي، وسرايا القدس… وبقية الفصائل الفلسطينية، من واجب الأنظمة التي ارتكبت خطأً وظلماً يوم صنَّفت المجاهدين الفلسطينيين بالإرهاب، أن تشطبهم من قوائم الإرهاب، وأن تكتب في قوائم الإرهاب لديها العدو الإسرائيلي، الذي هو مجرمٌ بكل ما تعنيه الكلمة، أبشع جرائم ارتكبها هو، وأن تدعم حركة المقاومة الإسلامية، التي حثت الأمة، ووجَّهت نداءها إلى الأمة، لأن تشكل جبهة إسناد شاملة، تعبِّر عن كل الأمة؛ لأن هذا واجب الأمة جميعاً.
القضية الفلسطينية هي قضية تعني الأمة جميعاً، ليست قضيةً يُعنَى بها بلدٌ لوحده، أو جهة لوحدها؛ إنما البعض الآن يقومون بواجبهم، والبعض الآخر يتنصَّلون عن مسؤولياتهم، ثم أتى العدو الإسرائيلي ليوصِّف الموقف بأنه موقف إيراني بحت! وأتى الآخرون ليتكلموا بنفس الكلام، وكأن المسألة مجرد خدمة لإيران، الجمهورية الإسلامية في إيران أدَّت واجبها لنصرة القضية الفلسطينية بأفضل من أيِّ بلدٍ آخر، من أيِّ نظامٍ آخر، وبما لا يقارن أساساً، في مقابل الخذلان والتواطؤ من بعض الأنظمة الأخرى.
من المؤمل لإخوتنا في حركة المقاومة الإسلامية حماس أن يواصلوا مشوارهم الجهادي، لديهم القناعة، البصيرة، العقيدة، التفاعل، الجِدِّيَّة، هم أصحاب القضية في مقدِّمة هذه الأمة، مع رفاقهم وإخوتهم من بقية الفصائل الفلسطينية، الأمة من واجبها أن تدعمهم، وأن تعينهم.
وأيضاً فيما يتعلَّق بالعمليات في قطاع غزة: هناك عمليات نفَّذتها سرايا القدس، متنوعة أيضاً: عمليات بالعبوات الناسفة، بقصف لتجمعات المجرمين الصهاينة، عمليات قنص، قصف إلى ما يسمى بغلاف غزة، ضد المغتصبات الإسرائيلية هناك، وكذلك هناك عمليات لبقية الفصائل الأخرى.
في جبهة العراق: كان هناك عملية مشتركة بالقصف على العدو الإسرائيلي، ما بين المقاومة الإسلامية في العراق، وما بين القوات المسلحة اليمنية.
في جبهة يمن الإيمان والحكمة والجهاد، في (معركة الفتح الموعود والجهاد المقدَّس) لإسناد الشعب الفلسطيني ومجاهديه: كان هذا الأسبوع ساخناً في المواجهة ضد العدو الإسرائيلي، وفي العمليات ضد العدو الإسرائيلي، وقد تمَّ تنفيذ عمليات متعددة بالصواريخ والطائرات المسيرة، باتجاه عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة، لاستهداف أهداف تابعة للعدو الإسرائيلي، في يافا المحتلة المسماة [تل أبيب]، وأيضاً في عسقلان ومناطق أخرى.
من ضمن هذه العمليات: القصف الصاروخي، الذي كان بعملية إلى يافا المحتلة، وأدَّت هذه العملية إلى إحداث حالة كبيرة من الرعب، والهلع، والذعر الشديد، في أوساط اليهود، ودوَّت صافرات الإنذار في أكثر من ثمانين مدينةً وبلدةً مغتصبة، وهرب قرابة اثنين مليون صهيوني إلى الملاجئ، كذلك توقفت عمليات الإقلاع والهبوط في مطار [بن غوريون] لأكثر من ساعة، وفي هذا أيضاً رسالة إلى شركات الطيران، التي توقفت منذ المواجهة المتصاعدة ما بين حزب الله وبين العدو الإسرائيلي عن حركتها في الطيران إلى مطار [بن غوريون]، ولا زالت متوقفة، والآن هي تشاهد ما يحدث هناك، وأنَّ الوضع غير آمن، عليها أن لا تعود للطيران هناك.
البارحة، تم إطلاق صاروخين بالِسْتِيين فرط صوتي، الأول كان بعد العشاء، والآخر تزامن مع تحرك الطيران الإسرائيلي الحربي، الذي نفَّذ عدواناً على بلدنا، استهدف به العدو الإسرائيلي الموانئ في الحديدة، ومحطتي كهرباء في صنعاء، وأسفر العدوان الإسرائيلي عن استشهاد تسعة شهداء مدنيين، كان إطلاق الصاروخ الفرط صوتي باتجاه وزارة الدفاع الإسرائيلية، ما يسمى بـ [وزارة الدفاع]، بالتزامن مع تحرك الطيران الإسرائيلي للعدوان على بلدنا، وهذا أحدث إرباكاً كبيراً للعدو الإسرائيلي، وأثَّر حتى على عملياته العدوانية على بلدنا، حيث لم تكمل مهمتها وهربت، وفي نفس الوقت قدَّم رسالةً قوية، وأحدث خوفاً وذعراً كبيراً لدى الصهاينة.
العدوان الإسرائيلي على بلدنا لن يثنينا أبداً عن موقفنا المناصر للشعب الفلسطيني، ومجاهديه في غزة، ولن يؤثر أيضاً على مستوى التصعيد، الذي نقوم به في إطار المرحلة الخامسة من التصعيد والإسناد للشعب الفلسطيني، نحن في واقع الحال وبشكلٍ مستمر، حريصون على الارتقاء دائماً بمستوى عملياتنا ضد العدو الإسرائيلي، وعلى مستوى زخمها، من حيث الكثافة أكثر، ونسعى لذلك على الدوام.
شعبنا العزيز حمل راية الجهاد في سبيل الله تعالى من منطلقٍ إيماني، وتحرَّك لنصرة الشعب الفلسطيني تحركاً شاملاً، متكاملاً على كل المستويات، وفي كل المجالات، رسمياً وشعبياً: على المستوى العسكري، على مستوى الأنشطة الشعبية، على مستوى العمليات البحرية… على كل المستويات، بالإنفاق في سبيل الله تعالى، وبذل كل المستطاع والممكن، ونحن على قناعةٍ تامة بموقفنا هذا، واستعدادٍ لمواجهة أي مستوى من التصعيد بمعونة الله تعالى.
نحن في هذه الجبهة المباركة، التي تنطلق من منطلقٍ قرآنيٍ وإيماني، لسنا أبداً ممن يقبل الاستباحة كحال البعض، نحن من توجَّهنا منذ البداية لإسناد الشعب الفلسطيني، ومناصرته، ودعم مجاهديه، ومشاركتهم في الجهاد في سبيل الله، وقمنا منذ البداية بضرب العدو الإسرائيلي، ومنذ بداية الإسناد للشعب الفلسطيني، بعد عملية طوفان الأقصى وإلى اليوم، تم القصف بـ (ألف ومائة وسبعة وأربعين) صاروخاً بالِسْتِيّاً ومجنَّحاً وطائرة مسيَّرة، مع عمليات البحرية في البحار بالزوارق الحربية.
في البحر أيضاً، تمَّ الاستهداف لـ (مائتين وأحد عشر سفينة) مرتبطة بالأعداء، وتمَّ منع الملاحة البحرية للعدو الإسرائيلي في البحر الأحمر، وباب المندب، والبحر العربي، تمَّ تعطيل وإغلاق ميناء أم الرشراش، الذي هو من أهم الموانئ التي يعتمد عليها العدو الإسرائيلي، ويسمى بـ [ميناء إيلات]، وبذلك تكبَّد العدو الإسرائيلي خسائر كبيرة في وضعه الاقتصادي.
والتأثير في عمليات بلدنا وموقفنا يعترف به الأعداء، وهو واضحٌ عليهم، وحتى في وسائل الإعلام، وفي مراكز الدراسات والأبحاث لدى العدو الإسرائيلي، من ضمن ما فيها:
• قالوا: [إنَّ من يصفونهم بالحوثيين ألحقوا أضراراً جسيمةً بالاقتصاد الإسرائيلي، من خلال شلِّ ميناء إيلات بشكلٍ شبه كامل، وهو المحطة الرئيسية لإسرائيل في حركة البضائع من وإلى الشرق الأقصى]، هذا مما يقولونه هم في مراكز دراساتهم وأبحاثهم، وفي وسائلهم الإعلامية.
• قالوا أيضاً: [أن من يصفونهم بالحوثيين أحد أعداء إسرائيل الأكثر قسوةً وقدرةً على الصمود، وأنهم لا يخفون معاداتهم لإسرائيل وللصهيونية، وأنَّ كراهيتهم العميقة لإسرائيل واليهود جعلتهم يضعون أنفسهم في الخطوط الأمامية للنضال ضد إسرائيل].
هذا ما يقولونه هم، وقالوا ما هو أكثر، وما هو أكبر في الاعتراف بفاعلية الموقف اليمني وتأثيره، هذا الموقف الجهادي الصادق، الذي هو في سبيل الله تعالى، وابتغاءً لمرضاته، ومن منطلقٍ إيمانيٍ وقرآنيٍ نظيفٍ وصادقٍ وطاهر، وشعبنا مستمرٌ في هذا الاتجاه، والمعادلة عندنا في ثقافتنا، في رؤيتنا، في فكرتنا، في توجهنا العملي، في موقفنا الثابت، في عقيدتنا الجهادية، هي: قول الله «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى»: {وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا}[النساء:104].
ولــذلك نحن على مستوى الموقف مستمرون في التصعيد، ولا نأبه بما يقومون به من عدوان، نحن في حالة حرب معهم، ومواجهةٍ مفتوحةٍ معهم، ونحن- كما قلنا- ابتدأنا بكل هذه الفاعلية، بكل هذا العدد الكبير من الصواريخ، والطائرات المسيَّرة، من الاستهداف للسفن المرتبطة بهم، دون أن نكترث لهم منذ البداية، ونحن مستمرون على هذا الموقف؛ لأنه موقفٌ- كما قلنا- مبدئيٌ، انطلقنا فيه استجابةً لأمر الله تعالى، وابتغاءً لمرضاته، ومن منطلقٍ إيمانيٍ وديني، نحن أصحاب الضمير الإنساني، نحن من انطلقنا في إطار المسؤولية الدينية والجهادية، من يتحدث عن العرب؛ هنا العروبة بتلك المفاهيم المعروفة، هنا إباء الضيم، هنا العزة، هنا الكرامة، هنا الاستبسال، هنا الكرم، هنا الإيثار، هنا كل القيم التي كانت محط افتخار حقيقي أشاد بها القرآن؛ لأنها من الأخلاق الفطرية، من مكارم الأخلاق، هي هنا حاضرةٌ في اليمن، يوم تقلَّصت وتلاشت لدى الكثير من الناس، هي هنا حاضرة، تجدونها في الموقف بكل مجالاته وأبعاده، تجدونها في هتافات شعبنا، في خروجه المليوني الأسبوعي، في تعبيرات أبناء شعبنا كباراً وصغاراً، وهم يعبِّرون عن موقفهم من أعماق قلوبهم، بكل تفاعلهم، تجدون هذا التصميم، هذا الإصرار العظيم، والثبات الكبير على هذا الموقف الحق، في التمسك بالقضية العادلة المقدَّسة، في الوفاء لله، في الوفاء لرسول الله «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم»، في الوفاء للإسلام العظيم، تجدونه هنا في اليمن.
على مستوى المعنويات، شعبنا العزيز بفضل الله تعالى، بتوفيق الله تعالى، ببركة الانتماء الإيماني، والهوية الإيمانية، التي بقيت متجذِّرة، متوارثة، ممتدة في شعبنا العزيز جيلاً بعد جيل، من منذ قال رسول الله «صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّم»: ((الْإِيْمَانُ يَمَانٍ، وَالحِكْمَةُ يَمَانِيَّة))، حتى هذا الجيل، وهو من أكثر الأجيال تمسُّكاً والتزاماً وتجسيداً لهذه الهوية، ولقيمها، ولمبادئها.
شعبنا العزيز ثابتٌ، مستمرٌ بمعنوياته العظيمة؛ لأنها معنويات اكتسبها من ثقته بالله، من توكله على الله، من إيمانه بالله، بوعد الله الحق، بالنصر الموعود المحتوم، الذي لابدَّ منه، هو آتٍ حتماً.
شعبنا العزيز، خرج الكثير من أبناء شعبنا البارحة إلى الشوارع مبتهجين، البارحة بعد وصول الصاروخ الفرط صوتي إلى ما يسمَّى بـ [تل أبيب]، وغداً في الخروج المليوني بإذن الله تعالى، سيخرج شعبنا العزيز ليعلن التحدي للعدو الإسرائيلي، وليعلن للعالم أجمع ثباته، واستمراره، ومواصلته لنصرة الشعب الفلسطيني، ومجاهديه الأعزاء، حتى إنهاء العدوان والحصار على غزة؛ لأن هذا موقفٌ لن نتزحزح عنه أبداً، مهما كانت التحديات والاعتداءات من الأمريكي، أو الإسرائيلي، أو ممن يدورون في فلكهم، هذا موقفٌ ثابت نحن مستمرون عليه.
أدعو شعبنا العزيز جميعاً في كل المحافظات الحُرَّة، وفي العاصمة صنعاء، إلى الخروج المليوني الحاشد، الكبير، المشرِّف، الشجاع، يوم الغد إن شاء الله، لإعلان التحدي للعدو الإسرائيلي، وللتأكيد على الثبات على هذا الموقف العظيم المشرِّف، الذي هو قربةٌ إلى الله تعالى، وشرفٌ لشعبنا العزيز مدى الدهر، إلى يوم القيامة.
نَسْألُ اللهَ «سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى» أَنْ يُوَفِّقَنَا وَإِيَّاكُم لِمَا يُرْضِيهِ عَنَّا، وَأَنْ يَرْحَمَ شُهْدَاءَنَا الأَبْرَار، وَأَنْ يَشْفِيَ جَرْحَانَا، وَأَنْ يُفَرِّجَ عَنْ أَسْرَانَا، وَأَنْ يَنْصُرَنَا بِنَصرِه، وَأَنْ يُعَجِّلَ بِالفَرَجِ وَالنَّصْرِ لِلشَّعبِ الفِلَسْطِينِيّ المَظْلُوم، وَمُجَاهِدِيه الأَعِزَّاء.
وَالسَّـلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ؛؛؛

مقالات مشابهة

  • سخر مقهاه لعقد إجتماعات قادة الثورة الجزائرية.. وفاة المقاوم التونسي مسعود بن جمعة
  • حين ينقلب الماركسي على الحداثة- قراءة في تناقض عبدالله علي إبراهيم
  • قائد الثورة: الشعب الفلسطيني يمتلك الحق الشرعي والقانوني للتصدي للعدو
  • الثورة منتصرة بمبادئها وحتماً ستلقف ما يأْفِكُون
  • رئيس الائتلاف السوري: لم نلتق الشرع وسنعود إلى سوريا
  • بين الطموح والواقع: قراءة نقدية لمبادرة الحزب الشيوعي السوداني لوقف الحرب واسترداد الثورة
  • قراءة في انتصار الثورة وسقوط النظام في سوريا
  • مسؤول أممي: فرصة تاريخية لدعم الشعب السوري.. خذلان لأكثر من عقد
  • وزير الإعلام السوري للجزيرة: نسعى لإعادة هيكلة الإعلام بما يوافق أهداف الثورة