لماذا يعد انسحاب واشنطن من الملف السوري خطوة خاطئة؟
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
فتح الانهيار السريع والمفاجئ لنظام حكم الرئيس بشار الأسد في سوريا، الباب أمام تساؤلات الجميع عن الرابحين والخاسرين من هذا السقوط، وتداعيات ذلك على المنطقة وما ورائها.
وفي تحليل نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، قال المحلل الأمريكي هنري باركي أستاذ فخري العلاقات الدولية في جامعة ليهاي الأمريكية والباحث الزميل في دراسات الشرق الأوسط بمجلس العلاقات الخارجية إن "قائمة الرابحين من سقوط نظام حكم الأسد تبدأ بتركيا وتضم إسرائيل ولبنان وربما دول أخرى في العالم العربي، ناهيك عن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".
On Washington’s opportunities and the challenges of post Assad Syria https://t.co/O6IOzqurej
— Henri Barkey (@hbarkey) December 19, 2024ولكن الوقت مازال مبكراً للغاية للتنبؤ بالتطورات المستقبلية في سوريا التي ستكون خلال المرحلة المقبلة، ساحة لتدخل عدد من اللاعبين الدوليين والإقليميين في مقدمتهم الولايات المتحدة وتركيا وإسرائيل.
وقد أظهرت الأحداث الأخيرة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى من العالم، أن هذه الصراعات الحادة غالباً ما تطلق سلسلة من النتائج غير المرغوبة. وتعود هذه النتائج غالباً ترجع إما للتكوينات المجتمعية، أو للقرارات غير المدروسة التي اتخذها القادة، أو إلى كليهما.
ويمكن أن تعزى التطورات السورية الحالية جزئياً إلى هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة منذ ذلك اليوم. فقد قررت إيران ووكيلها في لبنان، حزب الله، على الفور دعم حماس بقصف شمال إسرائيل وإجبار عشرات الآلاف من الإسرائيليين على النزوح منه. وفي نهاية المطاف، أدى القصف الذي استمر لمدة عام إلى رد فعل إسرائيلي مضاد مدمر أضعف كل من إيران وحزب الله بشدة، وجعلهما غير قادرين على دعم بشار الأسد كما كانا في الماضي.
وتشير التقارير القادمة من سوريا، إلى أن الفصائل المسلحة بقيادة هيئة تحرير الشام، فوجئت بالسرعة التي انهار بها نظام الحكم السوري وتبخر جيشه. ولم يكن أحد، بما في ذلك حلفاء الأسد أو أعداؤه، يتوقعون الدرجة التي تآكلت بها مؤسسات الدولة والجيش السوري، بسبب الفساد المتعمد والقمع وسوء الإدارة.
وهذا يشير إلى حاجة المجتمع الدولي وجيران سوريا، إلى ممارسة أقصى درجات الحذر في تعاملهم مع سقوط نظام الحكم وتقديم الدعم للشعب السوري. فالمعروف عن طبيعة هيئة تحرير الشام قليل. وهي منظمة مسلحة جذروها تعود إلى تنظيمي القاعدة وجبهة النصرة. وهذان التنظيمان الإرهابيان تسببا في الكثير من الفوضى والعنف والبؤس في سوريا.
كما أن هيئة تحرير الشام ليست الجماعة المسلحة الوحيدة في سوريا، حيث يمكن للظروف الاقتصادية المزرية في البلاد أن تفجر العنف مرة أخرى بسهولة. وربما نجح زعيمها أبو محمد الجولاني في السيطرة على الموقف فور سقوط الأسد. ومع ذلك، فإن التحديات الخارجية والداخلية التي تنتظره ومنظمته قد تكون مستعصية للغاية.
ومن الخارج انخرط زعيمان متسلطان من دولتين مجاورتين في تصرفات من شأنها تقويض الحكومة السورية الجديدة. فقد أصدر رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو توجيهات للجيش الإسرائيلي، بعبور الحدود مع سوريا واحتلال مساحات واسعة من أراضيها. كما أمر بتنفيذ حملة تدمير شاملة لكل مقدرات الجيش السوري بدعوى القلق من وقوعها في أيدي الجماعات المسلحة.
وقررت الحكومة الإسرائيلية مضاعفة نشاط الاستيطان في هضبة الجولان السورية المحتلة. ولم يمد نتانياهو المتبجح على حد وصف هنري باركي يده للشعب السوري، بل استخدم لغة صارمة وعدائية لا بد أن تثير غضب الزعماء السوريين الجدد، بل وتزيد من الشكوك والعداء لإسرائيل في المنطقة، لأن الزعيم الإسرائيلي مهتم إلى حد كبير باستغلال سوريا لتعزيز موقفه الهش في الداخل، الذي تضرر من إدارته للحرب في غزة وتعامله مع قضية المحتجزين لدى الفصائل الفلسطينية في القطاع ومحاكمته بتهم الفساد.
وأما الزعيم الثاني، فهو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يسعى أيضاً لتحقيق أهدافه الخاصة في سوريا، حيث وجه الجيش الوطني السوري وهو فصيل مسلح يسيطر عليه، لمهاجمة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) الكردية في شمال سوريا. كما أن السلطات الجديدة في دمشق قالت إنها لن تتسامح مع أي مجموعات مسلحة خارج سيطرة الحكومة المركزية.
وتعتبر تركيا قوات قسد منظمة إرهابية، في حين أنها تشكل المحور الرئيسي للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة منذ 10 سنوات لهزيمة تنظيم داعش الإرهابي في سوريا واحتوائه. وقد نشرت واشنطن 900 جندي للتعاون مع الأكراد السوريين.
كما أن تركيا، ترى قسد تهديداً استراتيجياً، لأنها تخشى من نجاحها في الحصول على أي شكل من أشكال الحكم الذاتي لأكراد سوريا على الأقلية الكردية في تركيا، وهو ما جعل الأخيرة تتحدث عن استعدادها للتدخل العسكري في سوريا للقضاء على هذا التهديد، في حين تتحدث تقارير عن وساطة أمريكية لوقف إطلاق النار بين قسد والأتراك.
وكل هذا يعني أن واشنطن ستظل القوة الوحيدة القادرة، على إدارة علاقات القوة بين اللاعبين في الساحة السورية واستمرار مطاردة تنظيم داعش. وهذه من بين الأسباب الخارجية التي تفرض على الولايات المتحدة، وعلى عكس رغبات الرئيس القادم دونالد ترامب، استمرار انخراطها في سوريا والشرق الأوسط الأوسع.
سقوط الأسد نهاية "الهلال الإيراني" - موقع 24شكل سقوط نظام الرئيس بشار الأسد في سوريا نهاية النفوذ الإيراني، وصعوداً كبيراً للنفوذ تركيا، مما يعيد رسم المشهد الجيوسياسي من القرن الأفريقي إلى بلاد الشام وأفغانستان.فالحكومة السورية الجديدة تواجه مهمة ضخمة لإعادة بناء الدول المتداعية والاقتصاد المدمر، في حين أن الولايات المتحدة تمثل حالياً عقبة أمامها. فواشنطن وحلفاؤها الغربيون يدرجون هيئة تحرير الشام وزعيمها رئيس السلطة الحالية في سوريا أحمد الشرع أو أبو محمد الجولاني سابقاً على قوائم الإرهاب. وهذا الإدراج إلى جانب العقوبات المفروضة على سوريا تجعل من الصعب جداً على الشركات الدولية أو الدول الأخرى التعامل مع الحكام الجدد في دمشق.
ويرى هنري باركي أن "الإطاحة بحكم الأسد مع هزيمة إيران وحزب الله وفقدان روسيا لنفوذها في سوريا، تمثل فرصة لا تتاح إلا كل جيل. فالنظام الإيراني أقام شبكة حلفاء قوية سمحت له بحماية نفسه ومواصلة سياساته القمعية في الداخل. والآن لم يعد من هؤلاء الحلفاء إلا الميليشيات الشيعية في العراق، والحوثيين في اليمن. لذلك سيكون من المؤسف أن تنسحب واشنطن من الملف السوري، فتسمح لإيران بإعادة تشكيل محورها أو للروس باستعادة نفوذهم. فالولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على منع هذا السيناريو حالياً".
ولا يوجد أي سبب يدعو واشنطن إلى عدم الاستفادة من مثل هذه الظروف المواتية، وخاصة في ظل إعادة تشكيل توازن القوى الإقليمي على نحو جذري. ويتوقع الجميع تقريباً في المنطقة، من الأقليات في سوريا مثل الأكراد والعلويين والمسيحيين إلى كل الدول، من الأعداء إلى الحلفاء، أن تظل الولايات المتحدة منخرطة في سوريا. وربما تكون المنطقة مستعدة لدفعة حقيقية من أجل السلام الشامل، لكن من المفارقات العجيبة أن تركيا ونتانياهو (وليس إسرائيل)، هما الوحيدان اللذان لا يرغبان في رؤية واشنطن تقوم بهذا هذا الدور.
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب خليجي 26 عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات سقوط نظام حكم الأسد الولايات المتحدة سوريا تركيا إسرائيل سقوط الأسد عودة ترامب الحرب في سوريا تركيا إسرائيل الولایات المتحدة هیئة تحریر الشام فی سوریا
إقرأ أيضاً:
غويتريش يرى بصيص أمل في سوريا ويرفض غارات إسرائيل
اعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أنه بات في سوريا "بصيص أمل" بعد الإطاحة ببشار الأسد، مؤكدا في الوقت نفسه أن الضربات الإسرائيلية على المنشآت العسكرية السورية تشكل "انتهاكا لسيادة البلد".
وقال غوتيريش قبل اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة يترأسه وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن "الشرق الأوسط يشهد حرائق عدة، ولكن بات في سوريا اليوم بصيص أمل ينبغي ألا يخمد"، وفق تعبيره.
ومن ناحية أخرى، قال الأمين العام للأمم المتحدة إن "الضربات الجوية الإسرائيلية الواسعة النطاق تتواصل، وهي انتهاك لسيادة سوريا ووحدة أراضيها، ولا بد أن تتوقف".
وشنت إسرائيل مئات الغارات الجوية، والتي تقول إنها تهدف إلى تدمير الأسلحة الإستراتيجية والبنية التحتية العسكرية في سوريا منذ أن أسقطت فصائل مسلحة معارضة نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد في هجوم خاطف هذا الشهر.
وقال غوتيريش للصحفيين "يجب استعادة سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها بالكامل، ولا بد من وضع حد على الفور لكل أعمال العدوان".
وبعد إسقاط الأسد حركت إسرائيل قواتها إلى داخل منطقة منزوعة السلاح بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة واحتلت مساحات جديدة، وتحددت هذه المنطقة بعد حرب عام 1973، وتعمل قوات تابعة للأمم المتحدة على حفظ السلام فيها.
إعلانوأضاف غوتيريش "دعوني أكون واضحا، لا ينبغي أن تكون هناك قوات عسكرية في المنطقة العازلة بخلاف قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة، يتعين على إسرائيل وسوريا الالتزام ببنود اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، والتي لا تزال سارية تماما".
ووقّعت اتفاقية فض الاشتباك عام 1974 بين سوريا وإسرائيل عقب حرب 6 أكتوبر/تشرين الأول 1973، بهدف الفصل بين القوات المتحاربة من الجانبين وفك الاشتباك بينهما.
وتضمنت الاتفاقية ترتيبات لفصل القوات، وحددت خطين رئيسيين عُرفا بـ"ألفا" و"برافو"، ويفصلان بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية، كما أنشئت منطقة عازلة بين الخطين، وتخضع لإشراف قوة من الأمم المتحدة تعرف بـ"الأندوف".