مغلفا بالتنظيم والتخطيط المدروس عاد مهرجان عمان السينمائي الدولي – أول فيلم إلى انعقاد دورته الرابعة في الفترة من 15 وحتى 22 من شهر أغسطس الجاري تحت شعار حكايات وبدايات، مستعينا ببرنامج فني قوي مختار بعناية من أفضل الإنتاجات العربية التي تم عرضها مؤخرا، وواضعا في الإعتبار اكتشاف أكثر من فيلم جديد في عرضه العالمي الأول، وهو الأمر الذي يوضح القيمة التي اكتسبها المهرجان خاصة مع انضمام عديد الأسماء المؤثرة في صناعة السينما لمجلسه الإستشاري.

 

 

المهرجان نال اعتراف دولي كبير هذا العام بتشكيل لجنة من الاتحاد الدولي للنقاد السينمائيين "فيبريسي"، تنمح جائزة لأفضل فيلم وثائقي، بالتوازي مع تركيزه المتفرد على الأعمال الأولى في الإخراج والتمثيل وكتابة السيناريو، من خلال أربع فئات تنافسية تمنح جائزة "السوسنة السوداء"، بجانب دعم مادي تقدمه منصة أفلامه يرمي إلى دعم مشاريع جديدة. 

 

"نحن لا نطلع إلى مهرجان كبير بشكل مفاجئ".. هكذا وصفت ندى دوماني مديرة المهرجان خطتها في توسيع دائرة المهرجان بشكل هادئ ومدروس، يضع في اعتباره الجودة أولا وقبل كل شئ، سواء في اختيار برنامج الأفلام، مشاريع الأفلام، والضيوف بطبيعة الحال، يعاونها في ذلك كل من عريب زعيتر المدير الفني، وبسام الأسعد مدير أيام عمان لصناع الأفلام.

 

 مشاهدات من الأفلام 

 

افتتح المهرجان هذا العام فيلم "أسبوع غزاوي" للمخرج للفلسطيني باسل خليل، وهو فيلم ساخر يروي حكاية عزل إسرائيل دولياً بعد تفشي فيروس كورونا، فتصبح بالمفارقة غزة هي المكان الأكثر أماناً، وتتشابك الأحداث وصولا إلى هروب فتاة إسرائيلية إلى هناك للبحث عن ملاذ أمن، وخلال الفيلم يتبنى باسل خليل مساحة واسعة من الكوميديا يمزجها بأكثر اللحظات عبثا لتتصاعد الدعابة على نحو يتجاوز الحدود، استحق عنه جائزة فيبريسي بمهرجان تورونتو السينمائي الدولي في عرضه العالمي الأول.

 

 "لقد صنعت فيلم عن لبنان في فترة زمنية أعرفها جيدا".. هكذا علق المخرج كارلوس شاهين على فيلمه أرض الوهم، الذي تناول خلاله حكاية فتاة تحاول الهرب من واقعها المرير، سطوة عائلتها، زوجها الكريه، وتناقض الخمسينيات بكل ما تحويه من تتنامى التوترات السياسية والعرقية، مستعينا بالممثلة الرائعة مارلين نعمان، في دور "ليلى" التي أجادت تشخصيه وفهم أبعاده النفسية والجسدية، ومطوعا البيئة الشمالية اللبنانية بسلاسة وعذوبة ليخرج العمل ممتع بصريا وفلسفيا.

 

 مكان تصوير واحد، بطلة رئيسية تتركز حولها الأحداث، ورؤية واضحة ومتعمقة لأبعاد حكاية واقعية، تلك هي العناصر الرئيسيسة التي اختار المخرج محمد السمان أن يصيغ بها فيلمه الأول "جحر الفئران"، والذي تصدى له انتاجيا، متكئا على الممثلة الموهوبة رنا خطاب، ظهرت لمساته في توجيهها وحملت على عاتقها بالمقابل تجسيد مشاعر حادة لفتاة من طبقة بالكاد متوسطة، تعيش معاناة يومية لكسب رزقها، ولكن الظروف تضعها بين خيارين أحلاهما مر.

 

 يحكي لنا المخرج فراس خوري في فيلمه "علم"، قصة مربكة لمراهق فلسطيني، يحاول الإبتعاد عن السياسة نزولا عند رغبة أسرته، ولكن سرعان ما نكتشف كيف أن هويته تمتلئ بالكثير من التناقضات، قصة قد تبدو في مجلمها بسيطة ولكنها لتمرير العديد من الرموز والحقائق، وعرض أفقي لمجتمع فلسطيني مغاير يعيش تحت سطوة الإحتلال، ويطرح تساؤلات عن جدوى الدفاع عن القضية الفلسطينية ومدى فهم الجيل الأصغر لها سواء في الداخل أو الخارج.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: مهرجان عمان السينمائي الدولي مهرجان عمان السينمائي

إقرأ أيضاً:

سامح قاسم يكتب | غادة نبيل.. ظلال شاعرة لا تُسمّي نفسها

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

حين نقترب من عوالم غادة نبيل الشعرية، لا نكاد نمسك بحواف ثابتة أو نبلغ يقينًا، فالنص عندها ليس مرآة لواقعٍ، ولا قناعًا لذاتٍ، بل هو صدمةٌ لغويةٌ تتخذ من الهشاشة قناعها ومن الجسد ميدانها ومن اللغة مهبط وحيها. غادة نبيل ليست شاعرةً بالمعنى الذي يألفه القارئ، بل هي زعزعةٌ مستمرةٌ للتقاليد، رفضٌ قاطعٌ للانسياق، واحتفاءٌ صارخٌ بالأنوثة كقوة لغوية وجمالية، لا كهوية بيولوجية.

من يقرأ غادة نبيل، يخرج دائمًا مثقلًا بجسد. الجسد في قصائدها ليس موضوعًا، بل هو البنية ذاتها. هي تكتب من الجسد، لا عنه، وتستعمل اللغة كجلدٍ إضافي، كامتدادٍ لحضورها الأنثوي المتوتر، المتشظي، المتوحد. إنها تمزق القواميس لتصوغ معجمها الخاص، حيث يتحول الشعر إلى فعل جسدي، إلى قُبلةٍ على خد اللغة، أو جرحٍ مفتوحٍ في خاصرتها.

في قصائدها، تتجلى هذه الجمالية الجسدية بوضوح، حيث الحب لا يُعاش فقط، بل يُرتكب. الشاعرة هنا لا تهجو الرجل بقدر ما تهجو السياق الثقافي الذي يجعل من المرأة هامشًا ومن الحب ذريعةً لتدجينها. الجسد في هذه النصوص ليس محط نظرة ذكورية، بل هو مركز الثقل الشعري، هو ما يُبنى عليه إيقاع القصيدة ومجازها.

واحدة من أبرز ميزات شعر غادة نبيل هي قدرتها الفائقة على اقتناص التفاصيل الصغيرة واليومية ومنحها بعدًا شعريًا غير متوقع. إنها تستخرج الشعر من "لا حدث"، من لحظة عابرة، من نظرةٍ في المصعد، أو من خيبةٍ في رسالةٍ قصيرة. لكنها لا تفعل ذلك كتوثيق، بل كمجاز. لا تبحث عن المعنى، بل تُفجر المعنى من قلب التفاهة.

قصيدتها أشبه ما تكون برسالة لم تُكتب قط، أو باعترافٍ وُلد من رحم صمت طويل. وفي هذا، تُشبه غادة نبيل شعراء مثل فيسوافا شيمبورسكا، لكن بلغتها الخاصة، بعنفها المصري، برقتها القاهرة، وبتلك الجرأة التي لا تخجل من أن تُسمي الأشياء بأسمائها ثم تتركها معلقةً في هواء القصيدة.

الأنثى في شعر غادة نبيل ليست ضحية، لكنها أيضًا ليست بطلة لا تُقهر. إنها كائنٌ يتقلب، يخطئ، يهرب، يبكي، يثور، ويكسر صورته كما يكسر المرآة. لا تُجمّل الشاعرة وجع المرأة ولا تُسجّله في سجلّات الأمل، بل تكتبه على جلده، بجراحه المفتوحة، بلا مساحيق ولا ترميزٍ زائف.

هي تعرف أن اللغة، كما العالم، ذكورية، لذلك تنحاز إلى التهكم، إلى الكسر، إلى اللعب. لغتها مراوغة، لا تطمئن إلى الصور الجاهزة، ولا تستقر في بنى لغوية مستقرة. تعيد بناء الجملة لتسكنها امرأة جديدة، امرأة ليست أمًا فقط، ولا عشيقة، ولا بنتًا، بل كائنًا حرًا يكتب ويُحبّ ويُهزم، دون أن يطلب عذرًا أو يغفر شيئًا.

غادة نبيل تكتب قصيدة النثر لا باعتبارها شكلًا شعريًا مغايرًا، بل كاختيار مُلح. هي تدرك أن هذا الشكل لا يضع قيدًا على إيقاعٍ أو وزنٍ، لكنه في المقابل يطلب من الشاعر أن يكون صادقًا، عاريًا، وعارفًا بما يفعل. القصيدة عندها لا تتبع نسقًا موسيقيًا خارجيًا، بل تنبع من داخل النص، من تدفق الصورة، ومن رجفة الجملة.

إنها تكتب كمن يخاطب شخصًا ما في الظل، أو كأنها تكتب نفسها إلى نفسها، وكأننا نتلصص على دفتر خاص لا يُفترض بنا أن نقرأه. وهذا هو سر سحرها: الكتابة كمكاشفة، كنوع من العُري المتقن، لا باعتباره فضيحة، بل كأقصى درجات الصدق الشعري.

غادة نبيل ترفض أن تُختزل في صفتها الجندرية، وتكتب من مكانٍ يتجاوز التصنيفات. هي لا تطالب بحقٍ، بل تمارسه. لا تحتج على الظلم، بل تفضحه بضحكةٍ مريرة. لا تحفر في الذاكرة، بل تنقّب في الخواء.

قصيدتها ليست بيتًا يأوي القارئ، بل بابًا مفتوحًا على العراء، على الوحشة، على الارتباك، حيث كل شيء مُحتمل. إنها تكتب لا لتُفهم، بل لتُحدث أثرًا، لتوقظ شيئًا نائمًا فينا، شيئًا أنثويًا ربما، أو هشًا، أو منسيًا.

ولهذا، تظل تجربتها واحدة من أنضج التجارب في مشهد قصيدة النثر العربية، وأكثرها صدقًا وجرأة وتفردًا.

مقالات مشابهة

  • عمان السينمائي يكشف عن الملصق الرسمي وتفاصيل دورته المقبلة
  • مهرجان الإسكندرية يسلط الضوء على أفلام الذكاء الاصطناعي
  • بكاء أحمد مالك أثناء تكريمه في مهرجان الإسكندرية السينمائي
  • الإسكندرية تحتفي بالفن السابع.. انطلاق مهرجان الفيلم القصير وتكريم ريهام عبد الغفور وأحمد مالك
  • جائزة تحمل اسم الدكتورة مها الشناوي في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير
  • جائزة باسم مها الشناوي في مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير
  • المخرج عيسى الصبحي يُتوَّج بـالنخلة الذهبية في مهرجان أفلام السعودية
  • مارين آدي تترأس لجنة تحكيم الأفلام القصيرة بمهرجان كان السينمائي
  • سامح قاسم يكتب | غادة نبيل.. ظلال شاعرة لا تُسمّي نفسها
  • مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير.. تنوع سينمائي عربي وعالمي رغم التحديات