د. محمد عبد الله الحسين
مقدمة:
يعتبر موضوع تلبس الأرواح من الموضوعات الشائقة المرتبطة ارتباطا وثيقا بحياة البشر في كثير من المجتمعات خاصة المجتمعات الشرقية. تم إجراء الكثير من الأبحاث حول هذه الظاهرة من قبل المنتمين لهذه المجتمعات، كما اهتم بها الباحثون الغربيون بشكل خاص. جاء اهتمام الباحثون والكتاب الغربيون بموضوع تلبس الأرواح والطقوس المرتبطة به في الشرق ضمن محاولات الغرب لفهم الشرق باعتباره منطقة تتسم بالجاذبية والغرائبية والغموض، وكذلك لأسباب تندرج ضمن بعض أجندة الاستشراق الخفية.
تلبس الأرواح والمتلازمات الإثنية:
أٌطلِق مصطلح المتلازمات الُإثنية على طقوس تلبس الأرواح والزار والطقوس المشابهة له تعبيرا عن ارتباطها بمجتمعات محددة ذات تمايز إثني وفق نظرة الدراسات الغربية في هذا الصدد.
يقصد بالمتلازمات الأعراض المتعددة المصاحبة لتلبس الأرواح، وهي الأعراض التي تظهر على الشخص المصاب خلال ممارسة طقوس تلبس الأرواح. تشمل تلك الأعراض أو المتلازمات حالات مختلفة تتراوح بين السقوط وفقدان الوعي المؤقت وجحوظ الأعين وخروج الزبد من الفم أو ونوبات من التشنج الهياج والصراخ. وأحيانا تشمل الأعراض كذلك التلفظ بعبارات أو كلمات من لهجات او لغات غريبة الخ.
وفقا لما جاء في الدليل التشخيصي الإحصائي للأمراض العقليةWHAT IS DSM-III-TR ، هناك 29 نوع من المتلازمات الإثنية. يرى (بورغينيون 1979) أن 90% من المجتمعات تؤمن بوجود الأرواح بشكل من الأشكال، وأن 50% من هذه المجتمعات لديها تقاليد راسخة حول تلبس الأرواح. تراوح النظر إلى الأرواح في المجتمعات المختلفة باعتبارها كائنات غير مرئية ولكن لها تأثيراتها التي تؤمن بها كثير من المجتمعات بغض النظر عن درجة تحضرها أو قربها أو بعدها عن المعتقدات الدينية المختلفة.
تعتبر الأرواح لدى كثير من المجتمعات ذات تأثيرات ضارة أو غير مرغوب. تتسبب الأرواح حسب المعتقدات السائدة في التأثير على حياة الأشخاص مثل الإنجاب أو الصحة أو الزواج. ترتبط التصورات عن الأرواح في معظم المجتمعات بكونها كائنات ضارة أو شريرة ترتبط بالجن أو الشيطان أو الأشباح. لتجنب التأثيرات الضارة للأرواح هناك سلسلة من الممارسات ومن الطقوس والترتيبات المحددة وفقاً لثقافة كل مجتمع من أجل إرضاء هذه الأرواح وبالتالي تجنب غضبها. يتم التعامل مع الأرواح في معظم المجتمعات الممارسة لهذه الطقوس من خلال وسطاء متخصصون يمثلون حلقة الوصل بين المريض وبين تلك الأرواح.
تلبس الأرواح من منظور علم النفس وعلم الاجتماع:
ينظر إلى الزار والطقوس الرقصية حسب علم الاجتماع والأنثروبولوجي باعتبارها طقوس اجتماعية تستند على تراث ثقافي للمجتمعات التي تمارس تلك الطقوس. في المقابل ينظر علم النفس إلى تلك المتلازمات الإثنية من حيث هي سلوكا فرديا للنفس ومن حيث انتقالها كذات تتقمص هوية فردية في إطار مراحل التلبس والانتقال من هوية لهوية أخرى. تجدر الإشارة إلى أن علم النفس الغربي ينظر إلى الأشخاص المصابين بالتلبس وتقمصهم لأوضاع نفسية تتضمن حالات من اللاوعي والانفصام المؤقت باعتبارها اضطرابات نفسية أو عقلية. في المقابل ساعد علم النفس الاجتماعي في الاقتراب أكثر نحو فهم موضوع تلبس الأرواح أي المتلازمات الاثنية وذلك من خلال النظر إليها من جوانبها النفسية بالإضافة لأبعادها الاجتماعية والثقافية. يتضح ذلك بشكل أكثر تحديدا من خلال النظر إلى تلك المتلازمات الإثنية (مثل الزار والطقوس المشابهة له) ضمن الطقوس الاجتماعية والفردية. الجانب الأهم في هذه النقطة هو النظر إلى تلك الطقوس من خلال تداخل وتشابك الهويات الفردية للشخص المتلبس في إطار حالة الاستحضار أو التلبس possession وانتقاله من هوية لأخرى. حيث يحدث كل ذلك ذلك ضمن سياق وقبول ومشاركة اجتماعية في تلك الطقوس. يتضح جلياً إذن أن في انتقال الشخص المتلبس من حالة الوعي الكاملة إلى حالة الانفصام وفقدان الوعي وتقمص مؤقت لهوية أو لشخصية أخرى، حيث يتم ذلك بشكل متناسق ضمن طقوس وترتيبات آمنة بل وأحيانا تكون مصحوبة الرضا والابتهاج من الجميع.
**للموضوع بقية.
mohabd505@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: من المجتمعات علم النفس من خلال
إقرأ أيضاً:
«القمة العالمية للحكومات» تستشرف مستقبل المجتمعات المعمّرة
دبي (وام)
أخبار ذات صلةأطلقت مؤسسة القمة العالمية للحكومات، بالتعاون مع شركة «أوليفر وايمان» العالمية، تقريراً معرفياً جديداً، يستشرف فرص وتحديات زيادة نسبة الأفراد المعمّرين في مجتمعات المستقبل، في ظل ما تشهده البشرية من تطورات متسارعة في التكنولوجيا الطبية التي تسهم في تعزيز صحة الإنسان.
ويستعرض تقرير «عمر أطول.. الفرص والاعتبارات»، التطورات التي شهدتها المجتمعات على مدى 75 عاماً مضت، في مجال التقنية الطبية، والصرف الصحي، والرعاية الوقائية، والخيارات المتنوعة في أساليب الحياة، التي عززت صحة الإنسان وأسهمت في رفع متوسط العمر المتوقع، من 45 عاماً في خمسينيات القرن الماضي، إلى أكثر من 73 عاماً في عالم اليوم.
وخلص التقرير إلى أن ارتفاع متوسط عمر الأفراد في مجتمعات المستقبل، سيسهم في إيجاد فرص كبرى، تتمثل في المزيد من المساهمات الاقتصادية، والحياة الصحية السعيدة التي سينعم بها إنسان المستقبل، لكنه لفت إلى عدد من التحديات التي تتطلب نهجاً استشرافياً استباقياً من الحكومات لمعالجة الآثار المعقدة لمجتمع المعمّرين، يرتكز على تعزيز منظومات الرعاية الصحية، وتطبيق سياسات مرنة للقوى العاملة، وتطوير البنى التحتية المجتمعية.
وأكد محمد يوسف الشرهان، مدير مؤسسة القمة العالمية للحكومات، أن تسارع التطور التكنولوجي والابتكارات في مجالات الذكاء الاصطناعي، يحمل الكثير من الفرص الواعدة والتحديات الكبرى في مختلف المجالات المرتبطة بحياة الأفراد والمجتمعات، مشيراً إلى قطاع الرعاية الصحية سيشهد تطوراً كبيراً مدعوماً بالتكنولوجيا، ينعكس إيجاباً على صحة الأفراد ويؤدي لرفع متوسط العمر المتوقع، ما يتطلب من الحكومات التعامل باستباقية مع ما يفرضه ذلك من تغييرات في تركيبة مجتمعات المستقبل.
وقال عادل خيري، شريك في قسم العلوم الصحية والحياتية في أوليفر وايمان - الهند والشرق الأوسط وأفريقيا، إنه من الضروري للحكومات تعزيز الجاهزية للاستفادة من الابتكارات المرتبطة بارتفاع متوسط عمر الإنسان، وأن تعمل على تهيئة المجتمعات للتغيرات المترتبة على ذلك، خصوصاً في ظل التسارع المستمر في علم إطالة العمر وتنامي الأدلة العلمية الداعمة له.
ويؤكد التقرير أهمية تعزيز استعداد وجاهزية الحكومات للتغيرات المتوقعة في مجتمعات المستقبل التي ستزيد فيها نسبة المعمّرين، من خلال تطوير الاستراتيجية والسياسات التي توظف هذه الميزة وتضمن الاستفادة منها في تعزيز نمو وازدهار المجتمع، ويتطرق إلى أهمية تحقيق التوازن بين الأبعاد الأخلاقية لاستخدامات التكنولوجيا في تعزيز صحة الإنسان، والتكاليف، والجوانب التنظيمية.