سودانايل:
2025-05-02@14:12:54 GMT
نظرات في كتاب: (مبدعون من افريقيا) لمؤلفه الموسيقار: طارق علي الدخري
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
++ حدثنا الاستاذ طارق ساس عن عملاق الادب الأفريقي ( النور عثمان ابكر) احد مؤسسي مدرسة الغابة والصحراء في الادب السوداني.. من مواليد مدينة كسلا التي صنعها خيال شعرائها (ابو امنة حامد / الحلنقي / كجراي / وهلاوي) :
++ محمد عثمان وردي فنان أفريقيا علي حد وصف مؤلف كتاب مبدعون من أفريقيا / طارق ساكس.
++ وردي في رحاب اسحق الحلنقي رئيس جمهورية الحب ؟!!
++ الحلنقي في رحاب الفنان الراحل / محمد الامين في ( شال النوار )
++ واذكر في مبدعي افريقيا الفنان شرحبيل آحمد:
++ ومسك الختام : مريم ماكبا.
(١)
تفضل الموسيقار / طارق علي الدخري المشهور ب (طارق ساكس ) .. تفضل مشكورا بإرسال نسخة من كتابه الجديد ( مبدعون من افريقيا) الى عنوان منزلي المتواضع بمدينة نيوبورت بمقاطعة ويلز بالمملكة المتحدة .. مصحوبا بإهداء خاص وتوقيع كريم منه . ولعل الذي دفع الاستاذ طارق ساكس لإهداء كتابه الي هو علمه باني متيم بعشق افريقيا واحد معتنقي الأفريكانية .. ويتحدث (لغة صنغي ) وهي لغة مملكة صنغي التي يتحدثها الناس في دولة مالي الحالية والنيجر وبوركينافاسو وجنوب الجزائر. ويكتب بها الشعر الأفريقي..خاصة في مواجهة غلاة المستعربين والاسلامويين .. الناكرين لذاتهم الافريقية. فأفريقيا بالنسبة لي هي (ارض بقرتي ) التي نال أسلافي (الامبررو ) خلال آلاف السنين حقوقا مكتسبة (غير قابلة للنزع) هي حق التنقل معها من اجل الكلأ والماء عبر منطقة السافنا من أكرا حتي مصوع (بالقرن الافريقي) مثل طيور مصطفى سيد احمد لا بتعرف ليها خرطة ولا في أيدها جواز سفر .. ونحن نعشق عبارة (القرن الأفريقي) لان المشبه به المحذوف لزوم التورية هو (البقرة التي من لوازمها القرون . وكذلك نال أسلافي المسلمون حقوقا مكتسبة في العبور راجلين عبر طريق الحج التاريخي لحجاج غرب أفريقيا المتجهين إلى مكة المكرمة والمدينة المنورة لاداء الحج والعمرة.. وقد كانت رحلة الحج ذهابا وإيابا تستغرق في الماضي عاما كاملا .. وخلال هذه المدة يرحب سكان سودان وادي النيل بإخوانهم الحجاج خاصة الذي يحفظ القرآن كاملاً وصحيح مسلم ويصلي الصبح حاضرا في جماعة وكانوا لا يترددون في تزويجهم من بناتهم وأخواتهم بهدف تطويل مدة إقامتهم خاصة في رحلة العودة بعد أن يكون الحاج قد أدّي الفريضة.
(٢)
تناول مؤلف كتاب مبدعون من أفريقيا- الأستاذ طارق ساكس في كتابه الموسوعي الذي يتكون من حوالي 500 صفحة تناول عدداً ضخما من المبدعين الأفارقة الذين خلقوا وأنتجوا (الثقافة) وتميزوا في مجالات الفن والشعر والرواية والموسيقى الأفريقية.. اقول (خلقوا ) وليس صنعوا.. لان المبدع (خلاق ) ورباني ويحوز علي قدر كبير من صفات الله خالق الشعوب ومانح المواهب الربانية .. لذلك فان كلمة (صناعة) غير مستساغة في مجال الابداع.. والكلمة المفضلة (موهوب) .. والواهب هو المولي عز وجل. وعلى صلة فإن كلمة الابداع ممقوتة في الثقافة العربية والاسلامية خاصة القريبة من المذهبين الحنبلي والشافعي - اهل الحديث- لأن الابداع قرين التجديد ومناهض بطبعه للجمود والثبات. ومن خلال شخصية المبدع النور عثمان ابكر ومكان ولادته (كسلا ) .. ومن خلال مدرسة الغابة والصحراء سوف اتناول قطاعا معتبرا من مبدعي افريقيا من الشعراء والفنانين السودانيين:
(٣) الشاعر النور عثمان أبكر مبتكر الإسم الثقافي (مدرسة الغابة والصحراء) .. المولود في مدينة كسلا : كسلا (هبة الابداع والشعر الغنائي السوداني) :
تناول كتاب مبدعون من افريقيا الشاعر السوداني النور عثمان ابكر المولود في مدينة كسلا ذات التعددية السكانية والتنوع الثقافي.. فاذا كانت مصر هي (هبة النيل) .. فان( كسلا هي هبة الابداع والشعر الغنائي السوداني بصورة خاصة ) .. من خلال الانتاج الادبي الرائع كما وكيفا للشاعر الغنائي الخلاق (اسحاق الحلنقي) في رائعته (حبيت عشانك كسلا ) التي تغني بها الفنان الكبير (التاج مكي ) .. لقد نجح الحلنقي من خلال هذه الأغنية في تسويق وبيع مدينة كسلا للشعب السوداني كله كمدينة للجمال وللسياحة .. ومارس الحلنقي الاغراء التجاري لكسلا ومعالمها السياحية التاكا وتوتيل حين قال (أسقيك مياه توتيل عشان تعود ليا ) .. ليس كفاية فقط انك تسوح لكسلا فحسب .. ولكن الاهم انك تعود لي توتيل .. وهذه هي الفائدة السياحية الرابحة (العودة إلى كسلا وتوتيلها ). لقد نجح شعراء كسلا في السمو بمياه توتيل لدرجة ارفع من مياه النيل وأقل من مياه زمزم بقليل.
مرة اخرى.. اكتسبت مدينة كسلا صناعتها السياحية من انتاج (مبدعي كسلا ) عبر الشعر الغنائي.. والتزاما مني بروح فكرة كتاب (مبدعون من أفريقيا ) .. فلن تضيق مساحة مقالي والذي استمد كل كلمة فيه من روح ونفس كتاب (مبدعون من أفريقيا) ومن روح الأستاذ طارق ساكس المبدعة والملهمة بالتوثيق للمبدعين.. ومن محاسن الترتيبات الالاهية اننا في كارديف وجنوب ويلز نترقب حضور المؤلف طارق ساكس في رحلة فنية برفقة الفنان القامة / عمر احساس يوم السبت المقبل الموافق ٢١ ديسمبر ٢٠٢٤ .. لن تضيق مساحة مقالي عن ذكر بعض مبدعي كسلا والشرق : (ابو امنة حامد .. محمد عثمان كجراي .. عبدالوهاب هلاوي .. اسحق الحلنقي رئيس جمهورية الحب كما وصفه احد المعجبين به / وهو: احمد كرار علي الفيسبوك ) لأنه اكثر من غني للحب وردد كلماته الغنائية التي تمجد الحب وفي بعض الاحيان تمجد الكراهية الناتجة عن الحرمان من الحب فالشعب السوداني بفطنته يدري انها ليست كراهية حقيقية وانما هي (حب باللفة) .
(٤) محمد عثمان وردي فنان افريقيا بجدارة:
احتفي مؤلف كتاب مبدعون افريقيا بالفنان محمد وردي وأطلق عليه فنان افريقيا.. وعن بطاقته التعريفية يقول الاستاذ طارق ساكس: (ولد محمد عثمان حسن وردي كاشف الشهير ب (محمد وردي) في ١٩ يوليو ١٩٣٢ في قرية صواردة الواقعة جنوب عبري بشمال السودان وهي قرية من قرى النوبة الشمالية.. نشأ يتيما بعد وفاة والديه وهو في سن مبكرة.. فتربي في كنف عمه وأحب الأدب والشعر والموسيقى منذ نعومة أظفاره) ص ٣٩٢ / ٣٩٣ من كتاب مبدعو افريقيا .
خلق محمد وردي مع الشاعر اسماعيل ثنائي شهير ومن خلال هذا الثنائي انجز وردي اهم أعماله الفنية التي أظهرت قدراته المتفردة كفنان عظيم خرج من محيطه النوبي الضيق ليصير (فنان افريقيا) ومن هذه الأغاني ( القمر بوبا - نور العين - لو بهمسة - بعد إيه؟- الحنين يا فؤادي ) .. الخ
٥) وردي في رحاب إسحق الحلنقي رئيس جمهورية الحب :
.. ردد كلمات الحلنقي الملايين من ابناء وبنات الشعب السوداني ودول الجوار من خلال راديو هنا أمدرمان بصوت الفنان القامة/ محمد وردي فنان أفريقيا كما وصفه كتاب مبدعون من أفريقيا ( قطر الندي .. يا ناسيا.. هجرة عصافير الخريف.. ويا اعزالناس.. الخ . وليلة القدر بالنسبة لاي شاعر هي تلك الليلة التي يوافق فيها الفنان محمد وردي ان يترنم بكلماته ويقدمها لجمهوره العريض بمساحة خط العرض في القارة الافريقية.. .وهكذا ساهم الفنان محمد وردي فى تتويج الحلنقي رئيسا لجمهورية الحب من خلال انتشار كلماته باداء فنان أفريقيا محمد وردي .
(٦) الحلنقي في رحاب الفنان الراحل محمد الآمين:
جمع الابداع بين اسحق الحلنقي وصوت الفنان المبدع محمد الامين في رائعته (شال النوار ) التي تمني شاعر كسلا الكبير عبدالوهاب هلاوي ان يكون هو (هلاوي) الذي كتبها .. وانا لا استحي بل افخر بدعوة القراء لمشاهدة حلقات (أماسي الحلنقي ) علي اليوتيوب وبصورة خاصة الحلقة الخامسة التي تناول فيها الحلنقي اغنية شال النوار التي كتب كلماتها بناءا على طلب الهرم الفني محمد الآمين .
.. واتحمل مسؤولية اضافة الشاعرة روضة الحاج المولودة في كسلا.. والتي ساهمت في تعريف العالم العربي بمدينة كسلا .. وهي ليست شاعرة غناء ولكنها شاعرة سودانية رفعت راس الانسان السوداني في مهرجانات دبي الشعرية وهي آخر وزيرة اعلام تم تعيينها في عهد الإنقاذ.. ورفعت مدينة كسلا مسقط راسها..انها مبدعة.. والابداع في شرعنا من فصيلة (الحب الغير مشروط ) لا تصاحبه ذرة من الكراهية.. فنحن نكره الإنقاذ مصدر الشرور ولكننا نحب المبدع حسين خوجلي صاحب قناة أمدرمان خاصة في الحلاقات الرائعة مع الفنانة والشاعرة والمهندسة إنصاف فتحي التي تغنت فيها بحضور عبداللطيف ود الحاوي الملحن الكبير بأغنيتي لو لحظة من وسن للشاعر القامة الفيتوري .. غناء وردي كما تغنت أنصاف فتحي بقمة إبداعات الفنان ابراهيم عوض - اغنية (غاية الامال ) كلمات الشاعر عوض احمد خليفة.. والتحية للصديق هاشم عتيق في كارديف الذي جعلني أدمن أشعار عوض احمد خليفة.
وقديما تغني الراحل المقيم عبدالكريم الكابلي بكلمات الشاعر توفيق صالح جبريل لمدينة كسلا وقال عنها كلمات حفظها الشعب السوداني.: (كسلا أشرقت بها شمس وجدي وهي في الحق جنة الإشراق.) ..والتحية لكسلا الوريفة الشاربة من الطيبة ديمة بلد الشاعر عبدالوهاب هلاوي مؤلف اغنية فراش القاش التي تمني اسحق الحلنقي ان يكون هو مؤلفها.. والتحية لرموز الطيبة من إخوانا واخواتنا الجمهوريين والجمهوريات ابناء وبنات مدينة كسلا : عبدالرحيم هلاوي وسلوي هلاوي ويحي الحسن ودكتور محمود احيمر ود خليفة محمد خير.. والمنشدة الجمهورية/ محاسن محمد خير التي تملأ تسجيلاتها موقع الفكرة الجمهورية alfikra.org والبقية من الملائكة من اصحاب الجلاليب البيضاء وصاحبات العفة والحشمة والثياب البيضاء الغير شفافة من اخواتنا الجمهوريات . والتحية لأولاد دفعتنا في كلية القانون جامعة الخرطوم : (مولانا عبدالمجيد ادرس.. ومولانا محمد احمد الطاهر .. وعلي آدم -أفريكانو) .. فقد شربنا من طيبتهم وما ارتوينا .
(٧) الشاعر النور عثمان ابكر كما قدمه مؤلف كتاب مبدعون من افريقيا :
( ولد النور عثمان ابكر في عام ١٩٣٨ في مدينة كسلا في شرق السودان، وتلقى تعليمه الاولى والأوسط بكسلا، وبورتسودان ثم حنتوب الثانوية.. فكلية الآداب جامعة الخرطوم التي تخرج فيها عام ١٩٦٢ وبعد التخرج هاجر إلى المانيا لتغيير حياته حيث جمعته العناية الإلاهية بزوجته الالمانية مارجريت التي انتقلت معه للسودان وعاشت كخبيرة بمعهد جوتا الألماني وانجبت له ثلاث بنات .. وفي عام ١٩٧٠ سافر النور إلى بريطانيا ليدرس في جامعة ليدز وحصل على دبلوم تعليم اللغة الانجليزية كلغة ثانية وعاد للسودان وعمل بوزارة التربية والتعليم معلما للغة الإنجليزية.. في عام ١٩٧٥ اشتغل مترجما صحفياً ومستشارا لشؤون السودان بسفارة المانيا الغربية بالسودان حتى عام ١٩٧٩ .. ثم هاجر النور إلى دولة قطر وعاش فيها حتى تاريخ وفاته في عام ٢٠٠٩ . (منقول بتصرف من كتاب مبدعون من افريقيا ص 432 )
(٨) وعودة الي مدرسة الغابة والصحراء :
( مدرسة الغابة والصحراء هي حركة شعرية ثقافية تاسست في عام ١٩٦٢ من القرن الماضي، وتعد من ابرز تيارات الحداثة الثقافية في السودان في القرن العشرين. رأت في مفهوم التمازج العربي الذي رمزت له بالصحراء والأفريقي ودلت عليه بالغابة كخطاب لمسألة الهوية) منقول من كتاب مبدعون من افريقيا ص ٤٣١ . وتجدر الإشارة إلى أن عضوية هذه الرابطة الثقافية التي تأسست في جامعة الخرطوم قد ضمت بعض طلابها وخريجيها وفي طليعتهم :
١- محمد عبدالحي ٢- عبدالله شابو ٣- محمد المكي إبراهيم ٤- النور عثمان أبكر (وهو الذي ابتكر التسمية ) ٥ - يوسف عيدابي. ) انتهى. المصدر : كتاب مبدعون من أفريقيا .
الجدير بالذكر أن استاذ النور عثمان ابكر ينتمي من حيث الجذور إلى شعب البرنو العظيم الذي أسس اعظم امبراطورية في افريقيا ( سنة 700 الي 1893 ) .. وساهم شعب البرنو في تشكيل الهوية لمناطق أواسط سودان وادي النيل من خلال تأسيس السلطة الزرقاء ودولة سنار ١٥٠٤ الي ١٨٢١ وقد تغنى لها الاستاذ محمد عبدالحي (احد رواد مدرسة الغابة والصحراء) في قصيدته العودة الي سنار .. وقد كانت هذه العودة هي حلم الاخوان المسلمين في السودان. (سنار موعدنا ) كما في أناشيدهم.
(٩) واذكر في مبدعي افريقيا فنان الجاز / شرحبيل احمد الذي جسد الغابة والصحراء بطريقته الخاصة حين خلط ومزج وعجن الجاز الأفريقي بالكلمة العربية الفصحى وبذلك وضع شرحبيل احمد بصمته الخاصة في فن الغناء السوداني.
(١٠) ومسك الختام في الحديث عن مبدعي افريقيا كما قدمهم لنا الاستاذ/علي ساكس : حليمة الصومالية ومريم ماكبا.. وما ادراك ما حليمة الصومالية ومريم ماكبا ؟!! تعرفنا عليهما من خلال برنامج من الشرق والغرب في اذاعة هنا أمدرمان كل يوم جمعة في زماننا الجميل.. وحفظنا اغانيهما وأدركنا معانيها بوجداننا الأفريقي السليم (شيدبا شا هيني كونا ) - كلام مفهوم لا يحتاج إلى شرح .. الله يجازي محنك يا طارق ساكس.. جمعت بين صبر المحبين وصبر العلماء فأنتجت لنا هذه الموسوعة الرائعة.
أجزل الشكر والامتنان للمرة المليار للأستاذ طارق ساكس على تحفته الملهمة (مبدعون من افريقيا) وعلى خدمته الكبيرة للثقافة من خلال هذا الكتاب الموسوعي الرائع بحق .
ابوبكر القاضي
نيوبورت / ويلز / UK
٢٠ ديسمبر ٢٠٢٤
Sent from my iPad
aboubakrelgadi@hotmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: مدینة کسلا محمد عثمان محمد وردی من کتاب من خلال خاصة فی فی رحاب فی عام
إقرأ أيضاً:
الجمال كوعي.. سارتر في مواجهة الوجود من بوابة الفن.. قراءة لفي كتاب
الكتاب: أنطونولوجيا الوعي الجمالي عند سارترالكاتب: عبد الباسط محمد حاجة
الناشر: تموز ـ ديموزي للطباعة والتوزيع و النشر-دمشق، الطبعة الأولى 2025، (غدد الصفحات 144 من الحجم الوسط).
نشأ المذهب الخاص بالوجودية في النصف الأول من القرن العشرين، وكان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر(1905-1980)،رائد هذا التيار، وهو الفيلسوف الأكثر جرأة في التعبير عن الفلسفة الوجودية. من الفلاسفة الذين نهل منهم سارتر واشتق أفكاره الغنية عن الفلسفة الوجودية.، نذكر منهم ديكارت أعظم الفلاسفة الفرنسيين المحدثين. وكوجيتو ديكارت الشهير "أنا أفكر، إذن أنا موجود". الفلسفة تبدأ من التأكيد المطلق على الوعي بالنفس. أنا ككائن مفكر، موجود.
ثاني منهل نهل منه سارتر، هو فلسفة الفينومينولوجيا لإدمون هيوسيرل (1859 ـ 1938م)، ومارتن هيدجر (188 ـ -1976م). كلمة فينومينولوجيا، مشتقة من كلمة يونانية تعني الظواهر. أي أن هذه الفلسفة تدرس ظواهر الأشياء. لقد درس سارتر هذه الفلسفة الجديدة بتعمق، عندما كان في المعهد الفرنسي ببرلين.وهناك مارتن هيدجر، الفيلسوف الوجودي الألماني العظيم، الذي كان تلميذًا لهيوسيرل ومساعدًا له، وخليفته في تدريس الفلسفة في جامعة فريبورج بألمانيا. لكنه يختلف عن هيوسيرل في أن هيدجر يركز على وجود الإنسان نفسه.
وجد سارتر أيضا، أفكارا عديدة في فلسفة هيجل وماركس وكيركجار ونيتشه وداروين. الصراع حتى الموت، والعلاقة بين السيد والعبد، والوعي غير سعيد، وموت الرب، والاغتراب، كلها مفاهيم غير غريبة علينا. جاءت في أعمال هؤلاء الفلاسفة السابقين.هذه المواد الفلسفية والعلمية مع خبرته الأكاديمية، ساعدت سارتر على بناء صرح الفلسفة الوجودية الفرنسية. قام بتدعيمها بالقصص القصيرة والروايات والمسرحيات والمقالات السياسية.
يشكل الوعي الجمالي سؤالاً إشكالياً عند فيلسوف إشكالي وجودي مثل سارتر، قدم فلسفته عبر الرواية والمسرح، وتكمن أهمية البحث هنا في محاولة التصدي للسؤال المحوري حول ماهية الوعي الجمالي بأبعاده المختلفة الوجودي والنفسي والفينومينولوجي.في هذا الكتاب الجديد المعنون:"أنطولوجيا الوعي الجمالي عند سارتر"للكاتب عبد الباسط محمد حاجه،المتكون من مقدمة وثلاثة فصول وخاتمة، ويحتوي على 144 صفحة من القطع المتوسط، يطرح فيه الكاتب تشكل الوعي الجمالي باعتباره نوعاً من أنواع الوعي الإنساني، وتأتي أهميته بوصفه نظرة إلى الوجود ومحاولة تفسيره، إضافة إلى تداخله في مجالات الحياة الإنسانية كافة.
يشكل الوعي الجمالي سؤالاً إشكالياً عند فيلسوف إشكالي وجودي مثل سارتر، قدم فلسفته عبر الرواية والمسرح، وتكمن أهمية البحث هنا في محاولة التصدي للسؤال المحوري حول ماهية الوعي الجمالي بأبعاده المختلفة الوجودي والنفسي والفينومينولوجي.
لا شك أن الوعي الجمالي يشكل أحد أهم المباحث الفكرية والفلسفية التي كانت ومازالت موضع اهتمام العديد من الفلاسفة والباحثين على مر العصور، سؤال الفلسفة عن الوعي الجمالي ماهيته وبنيته وخصائصه، من اهم الأسئلة التي طرحتها الفلسفة.وتأتي أهمية هذا العمل كمحاولة للتصدي للسؤال المحوري ألا وهو ما خصوصية الوعي الجمالي عند سارتر؟
الوعي الجمالي وخصائصه
حاول الكاتب في هذه الدراسة العودة إلى نصوص الفلسفة السارترية، ليبحث عن فكرة الجمال والوعي الجمالي، وكيف عبر سارتر عن هذا الوعي الجمالي؟ وما علاقة الوعي الجمالي بالخيال؟ وكيف تجلى هذا الوعي عبر الرواية والمسرح؟
بداية التعريف بالوعي الجمالي، الإنسان كائن جمالي، يعني أنه ذو حساسية ذوقية تجاه الظواهر والأشياء، بهذه الحساسية يقبل أو ينفر، أو يستأنس أو يستوحش، إنه كائن ينتج الأدوات والأشكال وفق تصوراته الذهنية والجمالية، الأمر الذي يجعل النزوع الجمالي لديه أشبه بالنزوع الغريزي، فالعلاقة الجمالية مرهونة بما هو اجتماعي عام، بالرغم من كونها فردية الأداء، ومن ثم فالعلاقة الجمالية متعددة العناصر والمستويات منها الحسي... النفسي... الذهني... ومنها الفردي والاجتماعي والإنساني.
وتاريخ النزوع الجمالي هو نفسه تاريخ الإنسان، فقد مر بالكثير من المراحل الحضارية، كما مرت علاقة الإنسان الجمالية بالعالم بمستويات كثيرة ومتباينة، تداخل فيها الجمالي بكل من النفعي والسحري والديني والجنسي على نحو يصعب التمييز أحياناً فيها في ذلك التداخل، لأن هذا التداخل ناتج عن تداخل في الوعي الإنساني نفسه، من هنا استحالة الحديث عن نزوع جمالي صرف.
يقول الكاتب:"إنَّ الجمال يتداخل في جميع مجالات الحياة الإنسانية، كما أننا نصادفه في كل مكان حيث يعد الوعي الجمالي نوعاً من الوعي، وإنّ ولادة علم الجمال لم يكن لها أن تكون لولا التاريخ المديد من رغبة الإنسان بالجمال. غاية الحاجة الجمالية التأمل الجمالي وليس لها أغراض أخرى، وهي حاجة عامة وشاملة وضرورية، وكل شخص منا له نوع من الاتجاه أو النزوع الجمالي وغالباً ما نجعل من الفن الملجأ في سبيل التأمل والإشباع الجمالي لحاجاتنا ولهذا النزوع، فهذه الحاجات تنمو وتتطور مع تقدم السن وبما أن تاريخ النزوع الجمالي هو نفسه تاريخ الإنسان فقد مر بالكثير من المراحل الحضارية التي يصعب معها تحديده علمياً إلا حسب كل مرحلة فقد مرت علاقة الإنسان الجمالية بالعالم بمراحل ومستويات مختلفة يتداخل فيها الجمالي بكل من النفعي والسحري والديني، ودون هذه الجوانب التي تداخلت مع الوعي البشري لأمد طويل من التاريخ يستحيل علينا الحديث عن النزوع الجمالي.
حيث كان الإنسان البدائي أسير الطبيعة، ولم يتطور الوعي إلا بعد مراحل متقدمة، إن انعطاف الفنّ القديم نحو الطبيعة، أي نحو عناصر الجمال في الطبيعة هو دليل على أن الفن القديم لم يكن وسيلة للسحر والاستقرار فحسب، بل كان وسيلة للجمال، ومن الواضح أن مفهوم الجمال لم يكن واحداً في كل العصور وفي كل أطراف الأرض، بل هو مرتبط بالعالم الخاص الذي يعيشه الفنان، وعالم الإنسان القديم هو المغاور والحيوانات التي يصارعها ويحلم بتذليلها والسيطرة عليها هكذا كانت موضوعاته محصورة ضمن نطاقها، ولكن هذا لم يمنعه من تحديد طريقة مستقلة، وقد بدأ بتطوير عمله بعد أن كان سجين الطبيعة" (ص 22).
من الناحية التاريخية لا تنشأ الفنون إلا بالعمل المستمر، والمتحرر من الطبيعة والسيطرة عليها، هنا تنشأ أولى مراحل الوعي البشري وهي الانفصال عن الطبيعة والتحرر من سيطرتها، على ضوء ذلك فإن الفنان القديم لم يكن يستطيع التمييز بين الواقع والخيال وكان إذا أراد رسم الحيوانات على جدران الكهوف، رسمها بطريقة مطابقة للواقع، وبعدها يضع سهماً في جسمها، يعتقد بهذه الطريقة أنه يستطيع السيطرة على الطبيعة واصطياد الحيوان لغاية الطعام وليس لغاية جمالية.
إذا تتمثل أولى مراحل الوعي البشري بالانفصال عن الطبيعة والتحرر منها، بعد ذلك تطور الوعي لدى الإنسان البدائي حيث بدأ بالصيد والصناعة والزراعة، كما بدأ بصناعة الأدوات وعمل على تطوير هذه الأدوات أدوات العمل المطارق والأزاميل ومن ثم حول عمله من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، لم يعد يهتم برسم الصور المطابقة للطبيعة، كان كل ما يريده هو الرمز والإشارة، بعد ذلك انتقل عن طريق وعيه المتطور من إنسان مستهلك إلى إنسان منتج، أصبح ينتج كل ما يحتاجه وتأمين غذائه بنفسه ، من هنا أصبح الإنسان القديم في مرحلة متقدمة من مراحل تطور الوعي البشري، فلم يعد يعتمد على الطبيعة وإنما على نفسه، تخلص من ممارسة السحر والصيد الذي كان سائداً في العصر البدائي القديم أصبح المزارع يؤدي دوراً مهماً في هذا العصر، وهو أكثر وعياً، وبالتالي لم يعد الفن تصويراً ومطابقة للواقع، بل رمزاً وإشارة للعمل الفني.
من أهم خصائص الوعي الجمالي أنه يهدف إلى تحليل المفاهيم والتصورات الجمالية، وإلى دراسة المسائل التي يثيرها تأمل موضوعات التجربة الجمالية كالقيم والأحكام والقوانين التي تحدد الجمال وإلى الكشف عن العلاقة بين الذات المتذوقة للجمال وبين الموضوع الجمالي، إذ نشأ وتطور عبر مرحلة طويلة من تطور الوعي الإنساني، وذلك نتيجة تعقد الخبرات الإنسانية عبر التاريخ البشري وانتقالها من البسيط إلى المركب.
الوعي الجمالي لدى الاتجاه الذاتي
تقوم الدراسات الجمالية على مبدأين أساسيين هما الذات والموضوع، فهما مكونان رئيسيان في آية دراسة جمالية، ليس قمة دراسة في غياب أحد هذين المبدأين، إذ لابد من حضورهما.
من خلال القراءة لبنية الوعي الجمالي تبين أنه لا يمكن أن يكون هناك وعياً جمالياً بدون الذات الإنسانية، وكذلك بدون الموضوع المدرك، فالذات والموضوع ثنائية لا غنى عنها في الوعي الجمالي.
ينتقل الكاتب عبد الباسط محمد إلى استعراض راي بعض الفلاسفة المدافعين عن طبيعة الجمال عند الاتجاه الذاتي،فيقول:"نشأ التيار الذاتي للرد على التيار الموضوعي، فإذا افترض أنصار الاتجاه الموضوعي أن الجمال صفة موجودة فقط في الشيء الجميل، فإن أنصار هذا التيار يرفضون ذلك، ويقررون أن الجمال ذاتي وأن التعبير عن الذات يختلف من شخص إلى آخر، وإن كل فرد له المقاييس الجمالية الخاصة به التي يتميز بها عن غيره، فما يراه بعض الأشخاص جميلاً، مثل لوحة فنية أو شجرة، قد يكون غير جميل بالنسبة لشخص آخر لنأخذ المرأة كمقياس للجمال، فهي بصرف النظر عن إحساسات الإثارة التي قد تشعلها في مجموعة من الرجال، فإن كل رجل في هذه المجموعة يعجب لشيء ويعكس فيه نفسيته وذاتيته، لذلك فإن صورة المرأة تتعدد بعدد الرجال الذين ينظرون إليها أي أن هذا الاتجاه يؤكد أن النسبية هي المعيار الوحيد لنظريتهم في الوعي الجمالي، حيث نشأ هذا التيار لتأكيد أهمية الذات في الحكم الجمالي وللتأكيد على أهمية النسبية في طبيعة الجمال (ص26).
من أهم خصائص الوعي الجمالي أنه يهدف إلى تحليل المفاهيم والتصورات الجمالية، وإلى دراسة المسائل التي يثيرها تأمل موضوعات التجربة الجمالية كالقيم والأحكام والقوانين التي تحدد الجمال وإلى الكشف عن العلاقة بين الذات المتذوقة للجمال وبين الموضوع الجمالي، إذ نشأ وتطور عبر مرحلة طويلة من تطور الوعي الإنساني، وذلك نتيجة تعقد الخبرات الإنسانية عبر التاريخ البشري وانتقالها من البسيط إلى المركب.من أنصار هذا الاتجاه الذاتي ليو تولستوي Letoltoy (1828 - 1910م) الذي، يرى أن قيمة الأثر الفني الحقيقية ترجع إلى تأثيره أولاً وأخيراً فيمن يدركونه، وإن جمال الأثر الفني يقوم على أساس تقدير الناس له ، إذاً قيمة الأثر الفني تزداد بازدياد عدد المتذوقين له ؛ الجمال موجود في شعورنا فهو لا يوجد إلا من أجلنا ويرجعون جمال الأشياء وقيمتها إلى الطريقة التي نتصورها بها، أي إن هذه الأشياء ليست جميلة أو قبيحة في ذاتها، لأنها لا تتغير وإنما نحن الذين نضفي عليها صفة الجمال. لذلك فهم يذهبون إلى أن الأشياء قد تفقد قيمتها إذا فصلناها عن ذات الإنسان، فالجمال إنما هو جمال ذاتي، نحن من نعطي العمل الفني صفة الجمال، فما يعجبني قد لا يعجب الآخرين، إذا حكم الجمال الذاتي مختلف من شخص إلى آخر.
أما كانط فنجده يميز بين موضوعين موضوع المعرفة والموضوع الحقيقي الموجود في العالم الخارجي، وقد بين أنّ الثاني مجهول من قبلنا أما الموضوع الأول وهو موضوع المعرفة فإنه مصنوع من قبل الذات العارفة، ومن قبل الموضوع المجهول أو ما يسميه الشيء في ذاته. ومن ثم فإنّ عملية المعرفة الكانطية تقتصر على ما الذات العارفة، وعلى أن الحكم على الجمال حكم ذاتي ويتغير من شخص إلى آخر معتبراً مصدر الشعور بالجمال كامن فينا، في مزاج الروح وليس في الطبيعة، إذا ينكر الوجود الموضوعي لنظرية المعرفة، ويؤكد دور الذات في عملية المعرفة، أي أن المعرفة الكانطية هي من صنع الذات العارفة وحدها، ولا يوجد للموضوعات الخارجية أي دور في عملية المعرفة.
أما الفيلسوف التجريبي (ديفيد هيوم David Home) (1711 - 1776م) فقد حصر الذهن العارف ضمن الحدود التي لا تتعدى دوره السلبي، وبموجب هذا التصور قسم المدركات الحسية إلى انطباعات وأفكار، فالانطباعات هي الإحساسات المباشرة التي تنطبع على الذهن حين يحس شيئاً بأحد حواسه، أما الأفكار فهي الصور الذهنية التي تحفظ في الذهن أو الذكريات التي تخلفها الانطباعات، أي إن الفكرة ليست إلا انطباع بعد أن خفت حدته، وبذلك فإنّ الفرق بين الانطباع والفكرة هو الفرق بين الشيء حين أدركه مباشرة وبين الشيء عندما استعيده بذاكرتي، فالذات وفقاً لتحليل هيوم تصبح ذاتاً سلبية، لا يمكنها أن تسعى إلى خلق أي شيء في عملية المعرفة، وإنما يقتصر دورها على التلقي السلبي لما يمكن أن يرد إليها من موضوعات.