نتيجة واحدة يمكن استخلاصها من الحرب الإسرائيلية الهمجية على قطاع غزة ولبنان بجنوبه وبقاعه وضاحيته الجنوبية بالتزامن مع سقوط نظام البعث في سوريا. وقد لا تكون هذه النتيجة هي الوحيدة من بين نتائج كثيرة ربما ستبدأ بالظهور تدريجيًا. وقد يُفاجأ المرء عندما ينظر إلى مفاعيل هذه النتيجة بموضوعية وبانتفاء حاجة اللجوء إلى البصارين والعرافين والضاربين بالرمل وقارئي الكفّ ليدرك حقيقة واحدة مجردة، وهي أن تكرار "عملية 7 أكتوبر" لم تعد متاحة بعدما تمّ تدفيع فلسطينيي القطاع ثمنًا باهظًا، وبعدما قبل "حزب الله" بالتسليم باتفاق وقف النار، الذي لم تأتِ بنوده، وبالأخص ما جاء في البندين السادس والسابع منه بالنسبة إلى تخّليه عن سلاحه بهذه البساطة، التي فصّلها اتفاق وقف النار، الذي سينسحب أيضًا على القطاع بعدما بلغت المفاوضات بين الإسرائيليين وحركة "حماس" مرحلة متقدمة.
ولو لم يسقط نظام بشار الأسد بهذه السهولة والسرعة غير المتوقعين لكان أمكن القول إن ما تلقته كل من حركة "حماس" و"حزب الله" من ضربات موجعة لم تضعفهما بالقدر الذي أدّعت تل أبيب بأنها قد وصلت إلى مبتغاها وأهدافها. إلاّ أن هذا السقوط المفاجئ قد أفقد "الحركة" و"الحزب" سندًا أساسيًا أقله بالنسبة إلى ما يؤمنّه هذا النظام من جسر تواصل وعبور السلاح من إيران عبر العراق وسوريا وصولًا إلى لبنان، ومنه إلى قطاع غزة بطرق لا تزال حتى هذه اللحظة مجهولة.
وحيال هذا الواقع الجديد في منطقة الساحات الموحدّة يرى كثيرون في لبنان وخارجه أنه لا بدّ للقيادة الجديدة في "حزب الله" التعامل مع هذا الواقع بطريقة تضمن لها حضورًا سياسيًا فاعلًا بعد أن يتخّلوا عن منطق "فائض القوة". وفي اعتقاد أكثر من طرف على علاقة جيدة مع "الضاحية الجنوبية" أن هذا الانتقال من حالة إلى أخرى تتطلب بعض الوقت. إلاّ أن ما حصل مؤخرًا أمام قصر العدل في بيروت لا يوحي بأن "الحزب" مقبل على التعاطي مع الواقع الجديد بخلفيات سياسية بعيدًا عن تأثير السلاح.
فهذا السلاح، كما يعتقد كثيرون من اللبنانيين، لم يستطع أن يردع إسرائيل في تدمير أجزاء كبيرة من لبنان، ولم تكن لديه القدرة على رفض الشروط الإسرائيلية الواردة في اتفاق وقف النار. وإذا لم يتخلَ "حزب الله" عما تبقّى لديه من سلاح بموجب موافقته على اتفاق وقف النار بكل فاصلة واردة فيه فإن تكرار تجربة "حرب الاسناد" تبقى واردة في الحسابات المشتركة لوحدة الساحات في أي وقت.
فالمطلوب من "حزب الله" اولًا وأخيرًا، وفق ما تلقاه من نصائح، التأقلم مع هذا الواقع الجديد في المنطقة، ومحاولة "هضمه" بإعادة قراءة المشهد السياسي الجديد، قليل من التواضع، وذلك لكي يتمكّن من الانخراط في الحياة السياسية من بوابتها الرئيسية وفي شكل طبيعي ومن دون حاجته إلى السلاح مثله مثل أغلبية اللبنانيين.
وقد يكون المطلوب من "حزب الله" كبداية تلقائية لانخراطه بالعمل السياسي الطبيعي مثله مثل حركة "أمل" ألاّ يستمر في تعطيل نصاب الجلسات الانتخابية، خصوصًا إذا لم يكن متيقنًا بأن المرشح الأوفر حظًّا للوصول إلى بعبدا بعد طول انتظار ومعاناة لن يطعن "المقاومة" في ظهرها.
وما هو مطلوب من "حزب الله" بالتحديد مطلوب من جميع القوى السياسية لكي تقبل برئيس للجمهورية لا يكون طرفًا منحازًا لأي جهة سياسية معينة، وتكون لديه الخبرة الكافية في لتعاطي مع القضايا الحسّاسة. وقد يكون قائد الجيش العماد جوزاف عون من بين عدد من المرشحين الأوفر حظًا للوصول قبل غيره إلى نقطة نهاية السباق الرئاسي، خصوصًا إذا اعتبره "حزب الله" أحد أبرز المرشحين المحتملين، الذين لن يطعنوا أي مكون من المكونات اللبنانية في الظهر.
المصدر: خاص لبنان24
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: وقف النار حزب الله
إقرأ أيضاً:
عندما يتحول الحرم الجامعي إلى قاعة محكمة: واقع لا يليق بالتعليم العالي
#سواليف
عندما يتحول #الحرم_الجامعي إلى #قاعة_محكمة: واقع لا يليق بالتعليم العالي
بقلم : ا .د. عزام عنانزة
في مشهد يدمي القلب، نجد أساتذة الجامعات، تلك العقول التي كان يُفترض أن تقود نهضة المجتمع وترتقي بوعيه، يتحولون إلى زوار دائمين للمحاكم ومكاتب المحامين. كيف لأكاديميين أفنوا حياتهم في خدمة العلم والمعرفة أن يجدوا أنفسهم محاصرين في أروقة القضاء، بدلاً من قاعات المحاضرات والمختبرات؟ هذا الواقع المؤلم يدفعنا للتساؤل: أين الخلل؟ ومن يتحمل المسؤولية؟
إن الجامعات كانت دائمًا منارات للعلم، فضاءات للبحث والتطوير، وملاذًا لمن يسعون إلى تغيير الواقع نحو الأفضل. لكنها أصبحت، في بعض الأحيان، مسرحًا لصراعات شخصية، ومرتعًا للشللية، وساحة تتصارع فيها المصالح على حساب القيم الأكاديمية والمهنية. المثير للسخرية أن هذه القضايا التي يفترض أن تجد حلولها داخل أسوار الحرم الجامعي، باتت تُحل في قاعات المحاكم، وكأن القانون أصبح السبيل الوحيد لاستعادة الحقوق والعدالة.
مقالات ذات صلة الفصل الدراسي الثاني يبدأ غدا .. مواعيد دوام الطلبة حتى بداية شهر رمضان 2025/01/18هل يعقل أن تصبح النزاعات داخل الحرم الجامعي جزءًا من المشهد المعتاد؟ هل هذا هو النموذج الذي نقدمه للأجيال القادمة؟ بدلًا من أن تكون الجامعة مصدر إلهام، أصبحت مكانًا لتصفية الحسابات وتكريس الانقسامات.
الطريف – إن جاز التعبير – أن بعض هذه القضايا تكشف عن حجم التناقض بين المبادئ التي نُعلمها لطلابنا والممارسات التي تحدث على أرض الواقع. نتحدث عن العدالة، الشفافية، والنزاهة، بينما الواقع يفضح غياب هذه القيم في ممارساتنا اليومية.
الأدهى من ذلك، أن هذه الممارسات لا تؤثر فقط على الأساتذة أنفسهم، بل تطال سمعة الجامعة، مخرجاتها الأكاديمية، وثقة المجتمع بها. كيف يمكن أن نطلب من الطلاب احترام مؤسساتهم الأكاديمية وهم يشاهدون أساتذتهم يُقاضون إداراتهم للحصول على حقوقهم؟
ربما يكون من المضحك المبكي أن الحرم الجامعي، الذي يُفترض أن يكون بيئة للتعليم والابتكار، أصبح محطة انتقالية بين قاعة التدريس والمحكمة. هذا الواقع لا يليق بالمؤسسات التعليمية التي كانت يومًا مفخرة للأوطان.
لكن لنكن واقعيين، المشكلة ليست فقط في الأطراف المتنازعة. إنها منظومة كاملة تحتاج إلى إعادة نظر. القوانين الجامعية التي تفتقر إلى الوضوح، السياسات الإدارية التي تفتقد إلى الحكمة، والعلاقات الجامعية التي تفتقر إلى الاحترام والتقدير، كلها عوامل أدت إلى هذا الانحدار.
نحن بحاجة إلى وقفة جادة. إصلاح جذري يعيد للجامعات مكانتها الحقيقية. إعادة تعريف دور الجامعات كفضاءات للبحث، التعليم، وحل المشكلات، وليس فضاءات لتصدير النزاعات إلى المحاكم.
وإلى أن يحدث ذلك، يبقى السؤال المؤلم معلقًا: كيف لعقول بحجم أساتذتنا أن تُستهلك في معارك لا تليق بمكانتهم ولا بمكانة مؤسساتهم؟ والله عيب… هذا واقع لا يليق لا بالأستاذ ولا بالجامعة، ولا بالرسالة التي خُلق التعليم العالي لأجلها.