في عالم يُنظر فيه إلى الجرافيتي غالبًا كعمل تخريبي، يبرز هذا الفن في المجتمعات الأصلية حول العالم كوسيلة قوية للتعبير عن الهوية الثقافية ومقاومة التهميش.

 أصبح الجرافيتي أكثر من مجرد رسومات على الجدران؛ فهو وسيلة لإحياء التراث، الاحتفاء بالهوية، ومقاومة الإقصاء الثقافي والاجتماعي
ويبرز جريدة وموقع الفجر عن الجرافيتي في المجتمعات الأصلية
 

للمجتمعات الأصلية في أنحاء العالم تاريخ طويل من التهميش والاستبعاد، ومع ذلك نجح أبناؤها في تحويل الجرافيتي إلى وسيلة بصرية للمقاومة والتواصل في أستراليا، على سبيل المثال، يستخدم فنانو السكان الأصليين الجرافيتي كوسيلة للاحتفاء بثقافتهم وطرح قضاياهم على الساحة العامة، مثل استعادة الأراضي المسلوبة والاعتراف بحقوقهم.

تعكس الجداريات هناك رموزًا ثقافية مثل أنماط الـ "دريم تايم"، التي تمثل الأساطير والمعتقدات التقليدية للشعوب الأصلية.

 

في أمريكا الشمالية، يستخدم فنانو السكان الأصليين الجرافيتي كوسيلة لإحياء روح المحاربين القدامى الذين دافعوا عن أراضيهم وهويتهم. تُظهر الجداريات صور محاربين من قبائل مثل الـ "لاكوتا" أو الـ "نافاهو"، جنبًا إلى جنب مع رموز ثقافية مثل ريش النسور أو المناظر الطبيعية المقدسة. كما تحكي رسوماتهم قصص نضالهم المستمر ضد الاستعمار الحديث وسياسات الإقصاء، مما يضيف عمقًا تاريخيًا وثقافيًا لأعمالهم.

الجرافيتي بين التقاليد والفن الراقي

ما يميز جرافيتي المجتمعات الأصلية أنه يتجاوز المفهوم التقليدي للتخريب ليصبح شكلًا من أشكال الفن الراقي. تُعرض العديد من هذه الأعمال في معارض فنية عالمية، حيث يتم الاحتفاء بها كرموز للهوية الثقافية والمقاومة. فنانون مثل أدن تايجر (أمريكا الشمالية) وريتشارد بيل (أستراليا) أثبتوا أن الجرافيتي يمكن أن يكون وسيلة لتحدي الصور النمطية، بينما يقدم في الوقت نفسه تعبيرًا جماليًا مميزًا عن التراث.

الاحتجاج على التهميش عبر اللون والرمز

يتضمن الجرافيتي في المجتمعات الأصلية رسائل واضحة ضد الظلم الاجتماعي والاقتصادي الذي تواجهه هذه المجتمعات. فهو يحتفي بالثقافة ويعزز الفخر الجماعي، بينما يطالب بالعدالة والمساواة. كل خط ولون يُضاف على الجدران يحمل رسالة للتأكيد على أن هذه المجتمعات ليست منسية، بل نابضة بالحياة والمقاومة.

الفن كجسر بين الماضي والمستقبل

يعكس الجرافيتي في المجتمعات الأصلية رؤية فريدة تربط بين الماضي العريق والمستقبل المأمول إنه أداة لتوثيق التاريخ والاحتفاء بالهوية، وفي الوقت ذاته وسيلة للتعبير عن طموحات الأجيال الشابة التي تتطلع إلى مستقبل أكثر عدلًا.

بفضل هذا الفن، تتحول الجدران من مساحة خاملة إلى منصة نابضة بالحياة، تنقل أصواتًا كان يُعتقد أنها ضاعت في ضجيج العالم الحديث. الجرافيتي هنا ليس مجرد رسومات، بل هو شهادة على قوة الهوية الثقافية في وجه التهميش.

المصدر: بوابة الفجر

إقرأ أيضاً:

حين تُعلَّق فواتير البهجة على جدران الفساد.. فوانيس رمضان تكلّف البصرة 7 مليارات دينار

بغداد اليوم -  البصرة

في مدينة تتعثر بالخدمات وتفيض بالثروات، وبينما تتوارى مشاريع الماء والكهرباء والصحة خلف وعود مؤجلة، أبرمت حكومة البصرة المحلية عقدًا بقيمة تقارب سبعة مليارات دينار عراقي لتزيين شوارع المدينة بـ"فوانيس رمضان".
الوثيقة الرسمية، التي حصلت عليها "بغداد اليوم"، تكشف عن موافقة ديوان المحافظة على إحالة العطاء ضمن ما يُعرف ببرامج "الخدمة"، بكلفة بلغت (6,847,255,000) دينار عراقي، لتجهيز ونصب الزينة في مركز المدينة، وسط صمت رسمي، وتصاعد موجات الغضب الشعبي.

الوثيقة، الصادرة عن قسم العقود الحكومية في شباط/فبراير 2025، استندت إلى محضر لجنة التخطيط والمتابعة، ومرّت ضمن سياقات إدارية روتينية، لكنها اصطدمت بواقع المدينة المثقل بالحاجة. ففي الوقت الذي تنتظر فيه البصرة إنفاقًا على مشاريع بنيوية مستدامة، تفاجأ أهلها بعقد رمضاني مؤقت، مرصود له مبلغ يكفي، بحسب مختصين، لإنارة محافظات كاملة لا مدينة واحدة فقط.


مقارنة بسيطة مع أسعار السوق المحلي تكشف أن تجهيز الزينة الرمضانية لا يتطلب إلا جزءًا يسيرًا من هذا الرقم. عدد من أصحاب الشركات المختصة في الإنارة أشاروا إلى أن مبلغًا بهذا الحجم يكفي لإنارة محافظات بأكملها، وليس مجرد مركز مدينة واحد، ما يعزز الشكوك بوجود تضخيم مبالغ فيه أو تلاعب في تفاصيل العطاء.

ويرى مراقبون أن مثل هذه العقود تندرج ضمن ما يُعرف بـ"الفساد الناعم"، حيث تُمرَّر الصفقات تحت عناوين احتفالية أو دينية، تُخفي وراءها إنفاقًا غير مدروس، في غياب واضح للرقابة والمحاسبة. فكيف يُمكن تبرير رصد نحو سبعة مليارات دينار لفوانيس موسمية في مدينة تُعاني من انقطاع الكهرباء، وتلوث المياه، وتهالك البنى التحتية؟

البصرة، التي تُعد الشريان الاقتصادي للعراق، تبدو اليوم محكومة بمفارقة مريرة؛ أموال تتدفق بسخاء على مشاريع شكلية، بينما تنتظر العائلات حلولًا جذرية لمشاكل مزمنة في التعليم والصحة والسكن والنقل. وفي ظل غياب الشفافية، وامتناع الجهات الرسمية عن نشر تفاصيل المنافسة أو الكشف عن اسم الشركة المنفذة، تتزايد التساؤلات حول خلفيات هذا العقد، والجهات المستفيدة من ورائه.

ربما لا تُضيء فوانيس رمضان هذا العام شوارع البصرة بقدر ما تُضيء جوانب أخرى من واقع التناقض واللامبالاة. ففي مدينة كان يُفترض أن تُدار على أساس الأولويات والخطط التنموية، يبدو أن المقاسات تُفصّل على قياس الصفقات، لا على حاجات الناس. ومع كل مناسبة، تتكرّر نفس الحيلة: أوراق رسمية مزينة بالأرقام، تُبرر إنفاقًا لا يلمسه المواطن.

المشكلة لم تعد في الفوانيس، بل في العقلية التي تظن أن الإنارة الرمضانية تكفي لحجب ظلمة الفساد. ففي مدن مثل البصرة، لا تعني المواسم فقط مظاهر الفرح، بل تحوّلت أيضًا إلى مواسم لعقود تُمرَّر باسم "الزينة" و"الاحتفال"، بينما تُترك الملفات الكبرى مغلقة على أرفف الإهمال.

وهكذا، بدل أن تُعلَّق الزينة من أجل الناس، تُعلَّق فواتير البهجة على جدران الفساد.


تؤكد وكالة "بغداد اليوم" ان حرق الرد مكفول لما ورد في التقرير اعلاه


مقالات مشابهة

  • شركة فكس، شوكولاتة دبي الأصلية تدعم حملة وقف الأب بمليون درهم
  • «فكس، شوكولاتة دبي الأصلية» تدعم حملة «وقف الأب» بمليون درهم
  • المفتي: الخلافة وسيلة لتحقيق الحكم الرشيد وليست غاية في ذاتها
  • مفتي الجمهورية: الخلافة وسيلة لتحقيق مقاصد الحكم
  • مخرج شباب امرأة: تمسكنا بالرواية الأصلية.. ونقدم القصة بطريقة مختلفة عن الفيلم
  • وضعية الكنابي في الحرب- مأساة التهميش والاستغلال
  • صبري يدعو لشد الرحال إلى الأقصى وإحياء ليلة القدر فيه
  • حين تُعلَّق فواتير البهجة على جدران الفساد.. فوانيس رمضان تكلّف البصرة 7 مليارات دينار
  • سر رسم الوشق المصري على جدران المعابد
  • مؤرخ يبرز تعنّت نتنياهو واستخدامه الحرب كأداة.. هل اقتربت إسرائيل من حرب أهلية؟