عربي21:
2025-03-25@12:38:09 GMT

المتغير السوري والدولة الموازية في العراق

تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT

لا يمكن فصل الموقف العراقي من سوريا بشكل عام، ومن الثورة السورية بوجه خاص، عن الصراع الهوياتي الذي يحكم العراق منذ لحظة الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003. فأطراف الصراع في العراق يعرفون أنَ أي تغيير في سوريا سيكون له تأثير مباشر على علاقات القوة في العراق. لقد أعادت الطبقة السياسية الشيعية تصنيف نظام بشار من كونه نظاما بعثيا معاديا، إلى كونه نظاما علويا وحليفا استراتيجيا مع إيران وجب على العراق دعمه لمنع وصول «الأكثرية السنية» إلى الحكم.



وفي المقابل، أعاد الفاعلون السياسيون السنة تصنيف النظام السوري فنظروا إليه بوصفه نظاما علويا وحليفا استراتيجيا لإيران، لذلك فإن سقوطه سيعيد صياغة التحالفات الإقليمية، ويزيد الضغط على القوى السياسية الشيعية التي تحتكر القرار السياسي في العراق.

لهذا كان رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي يردد دائما أن نجاح الثورة في سوريا سيخلف حربا طائفية في العراق، وأن سقوط سوريا يعني سقوط بغداد (بالمعنى الطائفي)!

اليوم تكرر المشهد نفسه، وبشكل أكثر تحديا، فالمتغير السوري هذه المرة لم يأت منفردا، بل جاء في سياق عملية قطع أذرع إيران في الإقليم ككل. وبات الفاعلون السياسيون الشيعة ينظرون إلى ما جرى في سوريا سوى بوصفه تهديدا سياسيا لهم بالدرجة الأولى، قبل أن يشكل تهديدا أمنيا، ذلك أنهم غير مستعدين للاعتراف بحالة الانقسام المجتمعي الحاد في العراق، وانعكاسات ذلك على المستوى السياسي، وغير مستعدين لمراجعة حقيقية لأزمة الحكم في العراق، والمتعلقة باحتكار السلطة، ورفض منهجي لشراكة سياسية حقيقية أو مشاركة الآخرين في صناعة القرار السياسي، أو مراجعة سلوكهم الإقصائي ضد معارضيهم عبر الاستخدام المسيس للقانون والقضاء.

إن مراجعة خطابات الفاعلين السياسيين الشيعة خلال الأيام العشرة التي سبقت السيطرة على دمشق، والتي وصلت إلى حد الدعوات للتدخل المباشر عسكريا في سوريا لإسناد النظام، وخطاباتهم بعد السيطرة على دمشق، يكشف عجز هذه الطبقة عن إخفاء هيمنة البعد الطائفي على موقفهم، كما عجزوا قبل ذلك عن إخفاء خشيتهم من التطورات التي يمكن أن تنتج عن هذا التغيير، تحديدا فيما يتعلق بهيمنتهم المطلقة على الحكم في العراق، وفيما يتعلق بتعزيز الوضع السني من خلال نظام سني حاكم في سوريا يشتركون معه بحدود تزيد عن 600 كيلو متر، وبنسيج عشائري واجتماعي متداخل.

المعضلة الأساسية هنا أن المهيمنين على الحكم في العراق لا يزالون يتوهمون أن الحلول الأمنية -لا السياسية- هي السبيل للمواجهة. ولم يتعلموا من درس داعش من قبل؛ وبدلا من السعي إلى مصالحة داخلية تاريخية، وإعادة إنتاج نظام سياسي يقبله الجميع، ويشترك في إدارته الجميع، يصرون على الإبقاء على كل المقدمات التي أنتجت داعش، بل يضيفون مقدمات أخرى عليها، وهم غير مستعدين للتخلي عن «المكاسب المتحققة» والتي جاءت في لحظة اختلال في علاقات القوة، ويصرون أيضا على الإبقاء على الأمر الواقع المختل قائما، عبر السيطرة على أدوات السلطة، والمقلق أكثر هو عدم استعداد هؤلاء لمراجعة تحالفهم، القائم على أسس عقائدية، مع إيران.

على أن الخشية الحقيقية لدى الفاعلين السياسيين الشيعة، إنما تتعلق ببقاء الميليشيات العقائدية (الشيعية) التي عملت منذ العام 2003 على تثبيت الحكم الشيعي في العراق، وعلى الوقوف ضد أي خطر يهدد هذه «الحاكمية» الشيعية، حين استغلت أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 91 الصادر في 2003 المعنون «تنظيم القوات المسلحة والميليشيات في العراق» الذي سمح بدمج تلك الميليشيات في القوات المسلحة العراقية، والقوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، لتحول تلك المؤسسات إلى مؤسسات ذات بنية طائفية (الشرطة الاتحادية في العراق هي عمليا مجرد غطاء لمنظمة بدر).

ثم استغلال الفاعل السياسي الشيعي فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، لتكون غطاء للميليشيات التي تشكلت أو تلك التي أعيد انتاجها في حكومة السيد نوري المالكي الثانية (2010 ـ 2011) التي استطاعت أن تنافس الدولة وتنتج حرفيا دولة موازية!

في تقرير أصدرته أكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة عام 2006 بعنوان «عمليات فرق الموت في العراق» جاء: «بعد انتخابات كانون الثاني 2005 أصبحت وزارة الداخلية تحت سيطرة [منظمة] بدر بالكامل». وأن ألوية الذئب والبركان والعقرب التي كانت يتكون أغلبها من أعضاء منظمة بدر، كانت تعمل كفرق موت! وأنه «طوال عام 2005، بدأت فرق الموت التي تعمل بزي الشرطة الخاصة، وبطاقات الهوية، والمعدات، في الظهور في المدن الكبرى، خاصة في بغداد وما يسمى بالمثلث السني»!

مع تصاعد الثورة السورية، عمد الفاعلون السياسيون الشيعة إلى إعادة انتاج ميليشيات عديدة ودعم تشكيل ميليشيات أخرى. وكانت الغالبية العظمى من هذه الميليشيات تقلد المرشد الأعلى الإيراني السيد علي الخامنئي، وتعده «نائبا» للإمام المهدي وطاعته ملزمة.

وقد شاركت هذه الميليشيات بغطاء رسمي في دعم نظام بشار الأسد، كما كان لبعضها أدوار عسكرية في محيط بغداد. وقد استغل رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي سيطرة داعش على الموصل ليصدر بتاريخ 11 حزيران 2024 أمرا ديوانيا بشرعنة هذه المليشيات رسميا. أي قبل فتوى «الجهاد الكفائي» التي صدرت يوم 13 حزيران 2014 والتي دعت المواطنين إلى «التطوع للانخراط في القوات الأمنية» لكن الفاعل السياسي الشيعي «دلس» على الفتوى ليستخدمها من أجل تشكيل كيان ذي طبيعة عقائدية أطلق عليه اسم الحشد الشعبي.

اليوم، وبعد المتغير السوري، لم يعد مقبولا (للدولة الموازية التي أقامتها الميليشيات) أن تبقى ذراعا لإيران في الإقليم، لاسيما وأنها لم تعد مجرد ميليشيات مسلحة، بل أصبح لها نفوذ سياسي، وكارتلات اقتصادية. كما لم يعد متاحا لها أن تكون حارسا للحاكمية الشيعية، وضامنا لها.

بالتأكيد لن يكون قرار حل هذه الميليشيات سهلا، ليس بسبب قوتها الذاتية، فهذا مجرد وهم تم تسويقه، بل بسبب إصرار الفاعلين السياسيين الشيعة على بقائها، كما أن إيران ستقاتل من أجل بقائها، وقد يعاد تفعيل قرار الأمر 91 مرة أخرى، أي بدمجها في القوات العسكرية والأمنية العراقية شكليا، على أن تبقى محتفظة بجميع الأطر العقائدية والسياسية والحزبية والاجتماعية كما هي، تماما كما انحصر أثر قانون هيئة الحشد الشعبي على تحويل اسم هذه الميليشيات إلى ألوية وأرقام فقط. لكن المتغير السوري سيدفع الفاعل السياسي الشيعي بلا شك إلى مراجعة أوراقه فيما يخص مسألة دولته الموازية!

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراقي سوريا المليشيات العراق سوريا المعارضة المليشيات سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المیلیشیات فی العراق فی سوریا

إقرأ أيضاً:

التيار الوطني الشيعي في بابل يرفض اتهام الصدر بالانحياز للمحور الأمريكي

بغداد اليوم - بابل

أعلن أبناء التيار الوطني الشيعي في مدينة جبلة، شمال محافظة بابل، اليوم السبت (22 آذار 2025)، موقفهم الرافض لما وصفوه بـ"الاتهامات الباطلة" الموجهة إلى زعيمهم "مقتدى الصدر"، بالوقوف إلى جانب المحور الأمريكي، مؤكدين أن هذه الادعاءات تهدف إلى إثارة الفتنة وزعزعة وحدة الصف الوطني.

وجاء ذلك خلال وقفة احتجاجية نظموها أمام منزل ومكتب النائب ياسر الحسيني، الذي كان قد أدلى بتصريحات تضمنت اتهامًا صريحًا للصدر بالاصطفاف مع المحور الأمريكي، في سياق التوترات السياسية الأخيرة داخل العراق.

وقال المتظاهرون في بيان ألقوه خلال الوقفة: "نحن أبناء التيار الوطني الشيعي في جبلة، نقف اليوم صفًا واحدًا لنعبر عن رفضنا القاطع لكل من يحاول المساس بوطنية الصدر، ذلك الرمز الذي كان ولا يزال شوكةً في عين المحتلين، وسدًا منيعًا في وجه الفاسدين، وقائدًا لم يركع إلا لله".

وأكد البيان أن الصدر لم يكن يومًا تابعًا لأي محور خارجي، بل كان وما زال رمزًا للعراق المستقل، وقالوا إنه "لم يكن شرقيًا ولا غربيًا، بل عراقيًّا حرًا، لا يخضع لإملاءات الخارج، ولا يساوم على سيادة وطنه. ومن يشكك في وطنيته، إنما يطعن في مسيرة مقاومة وطنية حقيقية واجهت الاحتلال ورفضت الفساد والتبعية".

واتهم أبناء التيار في جبلة النائب ياسر الحسيني بمحاولة "إثارة الفتنة"، مشيرين إلى أن "من يروّج لهذه المزاعم، إمّا جاهل بالحقائق أو مأجور يسعى لخدمة أجندات خارجية على حساب استقرار العراق ووحدته".

ودعوا في ختام بيانهم إلى تغليب الحكمة والابتعاد عن المهاترات الإعلامية التي تُسيء للرموز الوطنية، وتزيد من تعقيد المشهد السياسي في البلاد.

واتهم النائب ياسر الحسيني التيار الوطني الشيعي "مقتدى الصدر" بأنه ضمن "المحور الأمريكي" وانه سيشارك معه بالانتخابات اذا انضم الى "المحور الصيني".

مقالات مشابهة

  • وزير خارجية العراق وأبو الغيط يبحثان الأوضاع في المنطقة والتحديات التي تواجه الدول العربية
  • روفينيتي: الميليشيات والانقسام يقوضان فرص ليبيا في تنظيم انتخابات ذات مصداقية
  • حذر شديد لدى الثنائي الشيعي من النازحين
  • الثنائي الشيعي حسم خياره في المتن
  • الرئيس التركي: انتهى عصر النزول إلى الشوارع، والدولة ستخدم شعبها لا الفساد
  • وزير الخارجية السوداني يكشف موقفهم من التفاوض مع الدعم السريع ويهدد الدول الداعمة للحكومة الموازية
  • التيار الوطني الشيعي في بابل يرفض اتهام الصدر بالانحياز للمحور الأمريكي
  • داعش بين التراجع وإعادة التفعيل.. كيف يُوظَّف الإرهاب في المشهد السياسي العراقي؟
  • داعش بين التراجع وإعادة التفعيل.. كيف يُوظَّف الإرهاب في المشهد السياسي العراقي؟ - عاجل
  • المبعوث الأممي السابق للسودان فولكر يكشف موقفه من الحكومة الموازية ومصير حلفاء الدعم السريع