المتغير السوري والدولة الموازية في العراق
تاريخ النشر: 20th, December 2024 GMT
لا يمكن فصل الموقف العراقي من سوريا بشكل عام، ومن الثورة السورية بوجه خاص، عن الصراع الهوياتي الذي يحكم العراق منذ لحظة الاحتلال الأمريكي للعراق في نيسان 2003. فأطراف الصراع في العراق يعرفون أنَ أي تغيير في سوريا سيكون له تأثير مباشر على علاقات القوة في العراق. لقد أعادت الطبقة السياسية الشيعية تصنيف نظام بشار من كونه نظاما بعثيا معاديا، إلى كونه نظاما علويا وحليفا استراتيجيا مع إيران وجب على العراق دعمه لمنع وصول «الأكثرية السنية» إلى الحكم.
وفي المقابل، أعاد الفاعلون السياسيون السنة تصنيف النظام السوري فنظروا إليه بوصفه نظاما علويا وحليفا استراتيجيا لإيران، لذلك فإن سقوطه سيعيد صياغة التحالفات الإقليمية، ويزيد الضغط على القوى السياسية الشيعية التي تحتكر القرار السياسي في العراق.
لهذا كان رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي يردد دائما أن نجاح الثورة في سوريا سيخلف حربا طائفية في العراق، وأن سقوط سوريا يعني سقوط بغداد (بالمعنى الطائفي)!
اليوم تكرر المشهد نفسه، وبشكل أكثر تحديا، فالمتغير السوري هذه المرة لم يأت منفردا، بل جاء في سياق عملية قطع أذرع إيران في الإقليم ككل. وبات الفاعلون السياسيون الشيعة ينظرون إلى ما جرى في سوريا سوى بوصفه تهديدا سياسيا لهم بالدرجة الأولى، قبل أن يشكل تهديدا أمنيا، ذلك أنهم غير مستعدين للاعتراف بحالة الانقسام المجتمعي الحاد في العراق، وانعكاسات ذلك على المستوى السياسي، وغير مستعدين لمراجعة حقيقية لأزمة الحكم في العراق، والمتعلقة باحتكار السلطة، ورفض منهجي لشراكة سياسية حقيقية أو مشاركة الآخرين في صناعة القرار السياسي، أو مراجعة سلوكهم الإقصائي ضد معارضيهم عبر الاستخدام المسيس للقانون والقضاء.
إن مراجعة خطابات الفاعلين السياسيين الشيعة خلال الأيام العشرة التي سبقت السيطرة على دمشق، والتي وصلت إلى حد الدعوات للتدخل المباشر عسكريا في سوريا لإسناد النظام، وخطاباتهم بعد السيطرة على دمشق، يكشف عجز هذه الطبقة عن إخفاء هيمنة البعد الطائفي على موقفهم، كما عجزوا قبل ذلك عن إخفاء خشيتهم من التطورات التي يمكن أن تنتج عن هذا التغيير، تحديدا فيما يتعلق بهيمنتهم المطلقة على الحكم في العراق، وفيما يتعلق بتعزيز الوضع السني من خلال نظام سني حاكم في سوريا يشتركون معه بحدود تزيد عن 600 كيلو متر، وبنسيج عشائري واجتماعي متداخل.
المعضلة الأساسية هنا أن المهيمنين على الحكم في العراق لا يزالون يتوهمون أن الحلول الأمنية -لا السياسية- هي السبيل للمواجهة. ولم يتعلموا من درس داعش من قبل؛ وبدلا من السعي إلى مصالحة داخلية تاريخية، وإعادة إنتاج نظام سياسي يقبله الجميع، ويشترك في إدارته الجميع، يصرون على الإبقاء على كل المقدمات التي أنتجت داعش، بل يضيفون مقدمات أخرى عليها، وهم غير مستعدين للتخلي عن «المكاسب المتحققة» والتي جاءت في لحظة اختلال في علاقات القوة، ويصرون أيضا على الإبقاء على الأمر الواقع المختل قائما، عبر السيطرة على أدوات السلطة، والمقلق أكثر هو عدم استعداد هؤلاء لمراجعة تحالفهم، القائم على أسس عقائدية، مع إيران.
على أن الخشية الحقيقية لدى الفاعلين السياسيين الشيعة، إنما تتعلق ببقاء الميليشيات العقائدية (الشيعية) التي عملت منذ العام 2003 على تثبيت الحكم الشيعي في العراق، وعلى الوقوف ضد أي خطر يهدد هذه «الحاكمية» الشيعية، حين استغلت أمر سلطة الائتلاف المؤقتة رقم 91 الصادر في 2003 المعنون «تنظيم القوات المسلحة والميليشيات في العراق» الذي سمح بدمج تلك الميليشيات في القوات المسلحة العراقية، والقوات الأمنية التابعة لوزارة الداخلية، لتحول تلك المؤسسات إلى مؤسسات ذات بنية طائفية (الشرطة الاتحادية في العراق هي عمليا مجرد غطاء لمنظمة بدر).
ثم استغلال الفاعل السياسي الشيعي فتوى الجهاد الكفائي التي أطلقها المرجع الشيعي الأعلى في العراق السيد علي السيستاني، لتكون غطاء للميليشيات التي تشكلت أو تلك التي أعيد انتاجها في حكومة السيد نوري المالكي الثانية (2010 ـ 2011) التي استطاعت أن تنافس الدولة وتنتج حرفيا دولة موازية!
في تقرير أصدرته أكاديمية الدفاع في المملكة المتحدة عام 2006 بعنوان «عمليات فرق الموت في العراق» جاء: «بعد انتخابات كانون الثاني 2005 أصبحت وزارة الداخلية تحت سيطرة [منظمة] بدر بالكامل». وأن ألوية الذئب والبركان والعقرب التي كانت يتكون أغلبها من أعضاء منظمة بدر، كانت تعمل كفرق موت! وأنه «طوال عام 2005، بدأت فرق الموت التي تعمل بزي الشرطة الخاصة، وبطاقات الهوية، والمعدات، في الظهور في المدن الكبرى، خاصة في بغداد وما يسمى بالمثلث السني»!
مع تصاعد الثورة السورية، عمد الفاعلون السياسيون الشيعة إلى إعادة انتاج ميليشيات عديدة ودعم تشكيل ميليشيات أخرى. وكانت الغالبية العظمى من هذه الميليشيات تقلد المرشد الأعلى الإيراني السيد علي الخامنئي، وتعده «نائبا» للإمام المهدي وطاعته ملزمة.
وقد شاركت هذه الميليشيات بغطاء رسمي في دعم نظام بشار الأسد، كما كان لبعضها أدوار عسكرية في محيط بغداد. وقد استغل رئيس مجلس الوزراء الأسبق نوري المالكي سيطرة داعش على الموصل ليصدر بتاريخ 11 حزيران 2024 أمرا ديوانيا بشرعنة هذه المليشيات رسميا. أي قبل فتوى «الجهاد الكفائي» التي صدرت يوم 13 حزيران 2014 والتي دعت المواطنين إلى «التطوع للانخراط في القوات الأمنية» لكن الفاعل السياسي الشيعي «دلس» على الفتوى ليستخدمها من أجل تشكيل كيان ذي طبيعة عقائدية أطلق عليه اسم الحشد الشعبي.
اليوم، وبعد المتغير السوري، لم يعد مقبولا (للدولة الموازية التي أقامتها الميليشيات) أن تبقى ذراعا لإيران في الإقليم، لاسيما وأنها لم تعد مجرد ميليشيات مسلحة، بل أصبح لها نفوذ سياسي، وكارتلات اقتصادية. كما لم يعد متاحا لها أن تكون حارسا للحاكمية الشيعية، وضامنا لها.
بالتأكيد لن يكون قرار حل هذه الميليشيات سهلا، ليس بسبب قوتها الذاتية، فهذا مجرد وهم تم تسويقه، بل بسبب إصرار الفاعلين السياسيين الشيعة على بقائها، كما أن إيران ستقاتل من أجل بقائها، وقد يعاد تفعيل قرار الأمر 91 مرة أخرى، أي بدمجها في القوات العسكرية والأمنية العراقية شكليا، على أن تبقى محتفظة بجميع الأطر العقائدية والسياسية والحزبية والاجتماعية كما هي، تماما كما انحصر أثر قانون هيئة الحشد الشعبي على تحويل اسم هذه الميليشيات إلى ألوية وأرقام فقط. لكن المتغير السوري سيدفع الفاعل السياسي الشيعي بلا شك إلى مراجعة أوراقه فيما يخص مسألة دولته الموازية!
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه العراقي سوريا المليشيات العراق سوريا المعارضة المليشيات سقوط الاسد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هذه المیلیشیات فی العراق فی سوریا
إقرأ أيضاً:
تركيا بوابة سوريا الجديدة... كيف أصبحت أنقرة مفتاح الحل السياسي والاستقرار الإقليمي؟
بعد سقوط نظام الأسد، برزت تركيا كفاعل رئيسي في الملف السوري حيث أصبحت محطة مهمة للنقاشات الدولية والإقليمية. ومع دورها المحوري في الاستقرار واللاجئين، تتجه الأنظار إلى أنقرة كحجر زاوية للحل المرتقب.
اعلانوفي ظل الحراك الدبلوماسي المتزايد، أصبحت الاتصالات بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والقادة الغربيين، مثل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، خطوة لا غنى عنها لمناقشة القضايا السورية العالقة. فأنقرة تُعتبر الآن حلقة وصل حاسمة بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية في هذا الشأن.
دونالد ترامب يقول إن تركيا تقف وراء الإطاحة بحكومة الأسد في سوريا. وأضاف: "أردوغان رجل ذكي للغاية".ويرى مراقبون أن هذا الدور التركي يعكس نهجًا براغماتيًا يجمع بين المصالح الإقليمية لتركيا وتفاعلها مع الأطراف الأخرى المؤثرة، بما في ذلك روسيا. وفي الوقت نفسه، يتطلع الاتحاد الأوروبي إلى الاستفادة من علاقاته مع أنقرة لضمان انتقال سياسي سلس يحافظ على وحدة الأراضي السورية ويضمن حقوق الأقليات.
وفي إطار التطورات الأخيرة، وجه الاتحاد الأوروبي دبلوماسييه للتواصل مع الحكومة المؤقتة في سوريا، وهي خطوة تزامنت مع تأكيد بروكسل على أهمية التعاون مع تركيا لتحقيق الاستقرار المنشود. وفي هذا السياق، قال مارك بييريني، من مؤسسة كارنيغي، إن تركيا تلعب حاليًا دورًا أساسيًا في المشهد السوري، مشيرًا إلى أن الوضع على الأرض معقد مع بقاء تهديدات أمنية من قبيل: بقايا تنظيم الدولة الإسلامية.
ترامب: "تركيا تسيطر على المتمردين، وأردوغان نفذ استحواذاً غير ودي على سوريا".وبينما تتعدد القضايا المطروحة على طاولة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وتركيا، يتصدر ملف اللاجئين السوريين المشهد. فقد استقبلت تركيا نحو 3.5 مليون لاجئ سوري خلال السنوات الماضية، واعتبرت أنقرة المساعدات الأوروبية "غير كافية". وفي هذا الصدد، تسعى تركيا إلى إعادة أعداد كبيرة من اللاجئين إلى بلادهم، وهو أمر يتطلب توفير الأمن والبنية التحتية اللازمة لضمان عودة كريمة ومستدامة.
ويؤكد بييريني على ضرورة معالجة التحديات القانونية التي تواجه اللاجئين، خاصةً مع القوانين القديمة التي تُجرم من فرّ من سوريا خلال الأزمة. كما يشير الخبراء إلى الدمار الواسع في البنية التحتية، حيث يحتاج ثلث المنازل والشقق في سوريا إلى إعادة بناء، مما يجعل العودة مسألة معقدة تتطلب جهودًا دولية كبيرة.
Relatedأردوغان: تركيا تتمنى لسوريا الهدوء والسلام بعد سنوات من الصراع ولا أطماع لنا في أراضي أي دولةزيارة سرية لرئيس الشاباك الإسرائيلي إلى تركيا لبحث ملف المفاوضات مع حماستركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب العمال الكردستانيوفي ضوء تعهد الاتحاد الأوروبي بتقديم مليار يورو إضافية لدعم اللاجئين، يتوقع محللون أن لا يقتصر استخدام هذه الأموال على تحسين أوضاع اللاجئين في تركيا، بل يشمل تهيئة الظروف الملائمة لعودتهم إلى سوريا في المستقبل.
ومع استمرار الحراك السياسي والدبلوماسي، يبقى الدور التركي محورًا رئيسيًا في أي نقاش حول مستقبل سوريا، سواء من حيث الحلول السياسية أو قضايا اللاجئين التي لا تزال تشكل أولوية دولية.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية ترامب: تركيا أرادت الاستيلاء على سوريا منذ آلاف السنين ومفتاح البلاد بيد أردوغان أكراد سوريا.. توجّس من تركيا وخوف من المستقبل بعد استيلاء المعارضة الإسلامية المسلحة على السلطة بعد الإطاحة بالأسد.. تركيا تنهي عقدا من القطيعة الدبلوماسية وتعلن استئناف عمل سفارتها في سوريا سوريابشار الأسدتركياالإتحاد الأوروبي وتركيااعلاناخترنا لك يعرض الآن Next الحرب في يومها الـ438: استمرار القتل والتدمير.. وواشطن تؤكد أن وقف إطلاق النار في غزة بات قاب قوسين يعرض الآن Next مدرسة ألمانية تدخل أول روبوت بشري لتعليم الطلاب فهل "نقف له ونُوَفِّيه التبجيل؟" يعرض الآن Next حماس تشترط عودة النازحين للشمال وإسرائيل تخطط لمنعهم.. ما هي شروط مسودة وقف إطلاق النار بغزة؟ يعرض الآن Next روسيا تقر قانونا يفتح الباب لتطبيع العلاقات مع طالبان.. ماذا عن هيئة تحرير الشام؟ يعرض الآن Next "قرار غبي وغير مدروس".. ترامب ينتقد سماح بايدن لكييف بضرب العمق الروسي بصواريخ أمريكية اعلانالاكثر قراءة الجولاني يدعو لرفع العقوبات عن سوريا ويؤكد بأنها لن تكون منصة لمحاربة إسرائيل أنقرة تعد العدّة لاجتياح بري في سوريا وجهود أمريكية لاحتواء الوضع أوكرانيا تعلن مسؤوليتها عن اغتيال قائد عسكري روسي بارز في موسكو أنا صهيوني والحاخامات وأصدقائي اليهود كانوا دوما إلى جانبي.. بايدن يحتفل بعيد حانوكا في البيت الأبيض مارس الجنس مع 400 من زوجات كبار الشخصيات أمام الكاميرا.. فضيحة مسؤول كيني يعتقد أنه مصاب بمرض الإيدز اعلانLoaderSearchابحث مفاتيح اليومسورياهيئة تحرير الشام دونالد ترامبإسرائيلجو بايدنفرنساوسائل التواصل الاجتماعي نيويوركطالبانضحايابشار الأسدسياحةالموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactPress officeWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2024