ما يحدث اليوم في سوريا من تمكين للجماعات المسلحة ومن احتلال لأجزاء كبيرة في الجولان لا يخرج عن فكرة الشرق الجديد وسبق لنا تناول هذه الفكرة في مقالات متعددة، ويبدو أن موجة الربيع الثالثة التي تعلن عن نفسها من سوريا لن تبرح فكرة التقسيم على أسس عرقية وطائفية وسوف تتجلى صورتها في قابل الأيام فالمؤشرات على الأرض اليوم دالة عليها.
ومشروع التفكيك للنسيج العربي – أي فكرة الشرق الجديد – تعود جذورها إلى عام 1983م وظلت تراوح مكانها إلى أن ظهرت في بداية الألفية بالتمهيد لها بأحداث 11سبتمير، وكانت تلك الأحداث مع موجات التفجير التي اجتاحت العالم يومئذ هي المحرك الأساسي لها، إذ اشتغلت أمريكا منذ 2004م على فكرة الشرق الجديد وهي الفكرة التي ولدت بعد سقوط بغداد عام 2003م تحت ذرائع قال الواقع بعدم صدقها، وقد تمخض عن ذلك السقوط فكرة الشرق الجديد، وكان من نتائجها حرب تموز 2006م بلبنان، وهي الحرب التي لم تكن نتائجها مرضية للمنظومة الصهيونية العالمية، وللسيطرة على مقاليد الزمن وحركة التاريخ سارعوا إلى تبني استراتيجية راند لعام 2007م بهدف إنشاء شبكة إسلام معتدل، وهي الرؤية الاستراتيجية التي نجحت إلى حد ما في بلوغ أهدافها في التحكم بمصائر الشعوب، وفي الاحتلال، وتدمير الثقافة الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية، عن طريق موجة الربيع العربي وتداعياتها التي لن تقف عند حد التدمير فقط بل إلى أبعد من ذلك وهو مرحلة اللا الدولة.
مشروع “شبكة الإسلام المعتدل” تقوده تركيا منذ تبدل المعادلة في حرب تموز 2006م وهي تخوض غمار المعركة من موقعها، بعد أن تغير مصطلح الشرق الأوسط الجديد ليصبح أكثر قبولا من الجمهور السني وهو فكرة الخلافة الجديدة، ولعل حركة التبدل في النظام التركي من النظام البرلماني إلى الرئاسي وحركة القضاء على رموز النظام التركي القديم في لعبة الانقلاب المزعومة التي شرعنت حركة الإقصاء التي تجاوزت الحد المعقول، وقد صاحبها صمت دولي مريع من المنظمات الحقوقية والمواقف السياسية، وكأن الأمر سيناريو مرسوم سلفا تمت عملية إعداده وتنفيذه بعناية فائقة.
مارست تركيا دورا مزدوجا ظاهره الانتصار لقضايا العرب والمسلمين وباطنه التطبيع وتنفيذ الاستراتيجيات، فالمواقف التي يعلنها رجب طيب أردوغان هدفها لفت الأنظار إليه، وهو يمتص من خلالها الحالات الانفعالية في الشارع الإسلامي في حين ما تزال مواقفه ثابتة وعلاقاته مطبعة مع الكيان الصهيوني، وهو يسير في ذات المنهج للإدارة الأمريكية.
تركيا اليوم تكاد تسيطر على الوجدان العربي والإسلامي من خلال الدراما التي تحتل المرتبة الأولى من حيث المشاهدة والتأثير في ظل تراجع دور الدراما المصرية وغياب السورية، وكل الذي تنتجه ليس عفويا ولن يكون ولكنه يرتبط ارتباطا كليا أو جزئيا بحركة السياسة والاقتصاد والسوق وهو موجه بشكل منهجي واضح لإدارة الوجدان العربي، فالقضية لم تعد واقعا أفرزه نشاط عسكري وعملياتي عام 2006م، بل تجاوز الفكرة ليصبح حركة تدير الانقسامات وتعمل على تفكيك المجتمعات العربية للوصول إلى مرحلة ما قبل الدولة الوطنية أي مرحلة التشظي والانقسامات والحروب.
اليوم الصورة أكثر وضوحا من ذي قبل فتركيا تدخل سوريا، وتذهب إلى ليبيا وتتدخل في العراق ومثل ذلك النشاط قد أفصح عن نفسه وقال للمكابر عن حقيقة الدور الذي تلعبه تركيا في تفاصيل اللحظة السياسية العربية وهو دور مشبوه ولا ينم عن نوايا حسنة لتركيا مهما تظاهرت وعملت على فكرة التضليل.
مسلسل “آرطغرل ” هو الأكثر تأثيرا ومشاهدة في عموم العالم وهو يروج لفكرة عودة الخلافة العثمانية وهي فكرة تخامر النظام التركي وقد اجتمع التنظيم الدولي للإخوان في تركيا وخرج للعلن إعلانهم رجب طيب أردوغان خليفة للمسلمين.
تواجدت تركيا في قطر بقواعد عسكرية بسبب الفراغ الذي تركته أزمة العلاقة مع محيطها ومع السعودية على وجه الخصوص، وتواجدها في جزيرة سواكن بالبحر الأحمر بعقد استئجار لمدة 99عاما ليس ترفا البتة، ولكنه تواجد واع يسير وفق خطى واستراتيجيات مرسومة سلفا بدليل الاشتغال المكثف في تفكيك المجتمعات وتغير مساحة الوعي الجمعي.
في مقابل كل هذا النشاط السياسي والعسكري هناك حركة استقطاب للكوادر الثقافية وإغراءات وتنظيم خلايا في شبكات التواصل الاجتماعي للترويج والدفاع والتفكيك منظمة وفق مقتضيات برامج التنمية البشرية الذي أفلح فيه الإخوان والنظام التركي في سنوات الربيع العربي وما قبله.
كل الاستراتيجيات التي تستهدف العرب والمسلمين غايتها إطالة أمد الحروب الطائفية – وفق أحدث الدراسات الاستراتيجية طبعا – وبحيث تكون أبدية أملا في الوصول إلى حالة التدمير الشامل للعرب والمسلمين وبحيث تتحول هذه الأمة بنظر العالم إلى محاربين لا يحبون السلام والاستقرار، تحركهم أحقاد وثارات لا تنسجم مع حالة العالم ومصالحه وبذلك ينشأ توافق عالمي علي أن القضاء علي الإسلام هو الحل الوحيد لإنقاذ العالم من شروره .
تركيا اليوم تستغل الفراغات وتقود موجة الربيع الثالثة وتحاول أن تملأ تلك الفراغات بما يحقق طموحاتها المستقبلية ويبدو الواقع اكثر استجابة لها اليوم كما تبين ذلك في سوريا التي دخلتها بغطاء النظام والاعتدال ثم تسربت أخبار عن حالات بطش وتعذيب وذبح قالوا أنها تصرفات فردية مخالفة للتوجيهات وخارجة عن الإرادة .
يقول مستشار البيت الأبيض برنارد لويس :
“إن العرب والمسلمين قوم فاسدون مفسدون فوضويون، لا يمكن تحضرهم، وإذا تُرِكوا لأنفسهم فسوف يفاجئون العالم المتحضر بموجات بشرية إرهابية تدمِّر الحضارات، وتقوِّض المجتمعات، والحلَّ السليم للتعامل معهم هو إعادة احتلالهم واستعمارهم، وتدمير ثقافتهم الدينية وتطبيقاتها الاجتماعية» …..
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
رئيس حكومة بنجلاديش: جامعة الأزهر مرتكز علمي جوهري في الشرق
ألقى محمد يونس، رئيس الحكومة المؤقتة لبنجلاديش، والحاصل على جائزة نوبل للسلام عام ٢٠٠٦، اليوم الخميس، محاضرة عامة، من رحاب الأزهر الشريف، بمركز الأزهر للمؤتمرات بمدينة نصر.
رئيس جامعة الأزهر يلقي كلمة ترحيبية برئيس حكومة بنجلاديش المؤقتة جامعة الأزهر تنظم زيارة لطلاب كلية الزراعة بالقاهرة لإحدى شركات القطاع الخاصجاء ذلك بحضور الدكتور سلامة داود، رئيس جامعة الأزهر، والدكتور محمود صديق، نائب رئيس جامعة الأزهر، ولفيف من قيادات الأزهر والقيادات السياسية والدبلوماسية، وجموع من طلاب بنجلاديش الدارسين في الأزهر الشريف.
وأعرب رئيس حكومة بنجلاديش، عن شعوره بسعادة بالغة لتواجده في رحاب الأزهر الشريف ووسط طلابه وأساتذته، قائلا: «شرف عظيم أن أحضر إلى مؤسسة الأزهر العريقة، فكلما زرت مصر كنت أنظر إلى الأزهر من بعيد، إنها خبرة لا تضاهيها خبرة حصلت عليها من قبل»، مشيدا بتمكن الأزهر ونجاحه في رعاية تلك الأعداد الهائلة من الأكاديميين والطلاب المصريين والوافدين، موجها تحية خاصة لطلاب بنجلاديش الدارسين بالأزهر، قائلا لهم «دراستكم بالأزهر تتيح لكم نظرة ثاقبة على العالم والإنسانية جمعاء».
وقال رئيس حكومة بنجلاديش، "في طفولتي، كان والدي يحكي لي ولإخوتي عن جامعة الأزهر كمرتكز علمي جوهري في الشرق، وليس كمجرد مؤسسة للتعليم العالي؛ وارتحل المئات من منطقتنا إلى هذه المؤسسة العظيمة طلبا للعلم. وبالنسبة لي، تمثل جامعة الأزهر تجسيداً للاستنارة، والتعاطف، والوئام، والتسامح، والشمول، وهي المفاهيم الجوهرية لدينا نحن المسلمين، وكذلك لدى الإنسانية جمعاء، وفي ذلك يتجاوز الأزهر الحدود التقليدية للدراسات الإسلامية".
وأضاف رئيس حكومة بنجلاديش، "نحن ننظر إلى الأزهر كبوتقة لمذاهب عدة؛ تشمل الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي. ولطالما تمسك الأزهر بقيم العدالة والمساواة والبحث الفكري، والتي جذبت الناس إلى الإسلام في سنواته الأولى، كما سعى إلى إلهام روح البحث خارج نطاق الدين، وتعزيز تلك الروح"، مؤكدا أن تأثير الأزهر في بنجلاديش قد امتد على نطاق واسع منذ زمن بعيد، حين جلب العلماء الذين تخرجوا من الأزهر التصوف إلى بنغلاديش، والذي هو جزء لا يتجزأ من التراث الثقافي والروحي، قائلا: "حتى يومنا هذا، تحظى آراء علماء الأزهر بتقدير كبير في بنغلاديش، وما تزال تسهم في تشكيل الخطاب الديني والاجتماعي المعاصر".
وتحدث رئيس حكومة بنجلاديش عن تجربته في مساعدة فقراء في بلاده وتوفير المساعدات الإنسانية لهم بشكل مستدام، ومحاولاته لإقناع البنوك والمصارف لإعطاء قروض ميسرة للفقراء وعدم اقتصارها على المستثمرين فقط، داعيا الشباب للتفكير الجاد والبحث عن الحلول والطرق الأقرب لمساعدة الناس والفقراء، مؤكدا أنها مسألة مهمة ينبغي مراعاتها والحرص على تطبيقها، ومسؤولية جسيمة تقع على عاتق الشباب لإحداث التغيير الإيجابي والتقدم المنشود.
وتابع رئيس حكومة بنجلاديش، أنه
حان الوقت لاتخاذ موقع جديد لنا في هذا العالم، في ضوء قيم الإسلام ومبادئه، والتفاعل ثانية مع العالم ونحن متحدون، قائلا: «أتطلع إلى الأزهر لقيادة التحول الضروري في مجتمعاتنا، حيث أن رسالته الجامعة فكريا وأخلاقيا وروحيا يمكن أن تلهم المسلمين في جميع أنحاء العالم وكذلك الإنسانية جمعاء لتبني حضارة متوازنة ومتجانسة»، مؤكدا أننا نعيش في وقت يجب أن تتوجه فيها المساعي البشرية نحو البحث عن العدل والتصالح وعن نظام عالمي مُنصِف تمثل روح التعاطف الإنساني فيه أولوية تتغلب على روح الانتقام والظلم والمنظورات الضيقة للنظام العالمي.
وأكد رئيس حكومة بنجلاديش، أن قتل حوالي 45,000 فلسطيني في المجزرة المستمرة في غزة على مدار 14 شهراً يُعد تذكيراً مخيفا بمحدودية المعايير والمؤسسات الدولية، قائلا 'لابد أن نوقف آلام الفلسطينيين ونتكاتف من أجلهم"، موضحا أن المفاهيم المغلوطة تنتشر في كثير من أنحاء العالم، وتتكاثر المعلومات المضللة، وتتفوق الأساطير تتفوق على الحقائق، وأنه غالباً ما يقع الإسلام والمسلمين ضحايا للتشويه والصور السلبية، وأن كل هذه الأزمات تشير في النهاية إلى أزمة أعمق فيما يتعلق بفهمنا للتعاطف أو للافتقار إليه.
ودعا رئيس حكومة بنجلاديش، إلى التفكير في كيفية تجديد نظام التعليم في العالم الإسلامي، ووضع الأكاديميين والباحثين والمفكرين المسلمين في طليعة الثورة العلمية والتقنية، قائلا :"نحن بحاجة إلى تعزيز التعاون بين دول العالم الإسلامي، وكذلك إلى التفاعل النشط مع الدائرة الأوسع للمعارف العالمية".