فى أحدث رواياتها «الغواص.. أبوحامد الغزالى»، تستعرض الدكتورة ريم بسيونى، سيرة ومسرداً ورؤية لحياة الإمام أبوحامد الغزالى، الملقب بحجة الإسلام، أحد أعلام عصره، وأحد علماء وفلاسفة المسلمين فى القرن الخامس الهجرى، وأحد أهم مفكرى العالم، ومن أكثر علماء المسلمين تأثيراً على الإطلاق، سواء فى الغرب أو الشرق، وأكثر مفكر تمت الكتابة عنه فى كل العالم حتى بعد موته بأكثر من ألف عام، وتُرجم الكثير من أعماله لكل لغات العالم.

كُتبه فى الفقه الشافعى وعلم الكلام تُدرَّس كمرجع أساسى فى مدارس الشافعية وأسس لفكر صوفى منظم وشامل

ترصد «بسيونى» عدداً من الظروف التى كتب فيها مؤلفاته متنوعة المشارب، وتقول: «كتبه فى الفقه الشافعى وعلم الكلام تُدرَّس كمرجع أساسى فى مدارس الشافعية، وكتبه عن الصوفية أسست لفكر صوفى منظم وشامل وأثرت فى كل علماء الصوفية من بعده».

كتابه «المنقذ من الضلال» أثر على الفيلسوف ديكارت الذى كتب عن رحلة مشابهة جداً

ويعد كتاب «المنقذ من الضلال»، من أشهر كتب السير الذاتية فى العالم، ورحلته من الشك إلى اليقين التى كتب عنها فى «المنقذ من الضلال»، فى الغالب أثرت على الفيلسوف ديكارت الذى كتب عن رحلة مشابهة جداً، مع أن «ديكارت» ولد بعد «الغزالى» بنحو 530 عاماً فى فرنسا، فيما يعد كتابه «إحياء علوم الدين» من أهم كتب الفكر الإسلامى، ومن أكثر كتب «الأخلاق» و«الصوفية» تأثيراً فى العالم، وحاول «الغزالى» فى كتاباته أن ينقذ الأمة من التيه والغرق، ووضع على عاتقه تكليفاً بتبديد الحيرة وتصفية النفوس.

حفظ كتاب «الأم» للشافعى عن ظهر قلب كأنما يملك فى صدره مكتبة بغداد

تقع الرواية، الصادرة عن دار نهضة مصر، فى نحو 500 صفحة، وتقع فى سبعة أبواب، مقسمة إلى 21 فصلاً، وتحمل عناوين الأبواب على التوالى: «الرحيل، أصفهان، بغداد الفراق، الحال، العودة، الغواص..».

المدارس النظامية وفرت له ولشقيقه بيتاً وطعاماً.. والعلم أنقذه من الضياع فى شوارع «طوس»

وتتناول الرواية مسيرة «الغزالى» منذ ولادته فى «طوس» فى بلاد فارس، وصولاً إلى توليه إمامة بغداد، وما واجهه من تساؤلات وتحديات طورت من فكره، ثم تخليه عن منصب الإمامة بما لها من مكانة رفيعة، كما تتعرض إلى مواقفه من الفكر الفلسفى والرؤى الصوفية، كما تتعرض لحياته الشخصية وعلاقته بشقيقه «أحمد»، كما تتضمن الرواية جانباً تخييلياً لحياته الخاصة وعلاقته بزوجته.

تولى إمامة بغداد فى سن الثالثة والثلاثين بدعم من الوزير «نظام الملك» فى عام 1090م.. وتخلى عنها وتعرض لحرب شعواء من أعداء النجاح والحُسَّاد طوال مسيرته

تسوق المؤلفة فى أول الرواية «قصة حقيقية» عن تفسيرها لمخطوطة «الأسد والغواص»، التى تم تداولها من مكتبة الإسكندرية عام 1977، والتى ترجع إلى أوائل القرن السادس الهجرى، الثانى عشر الميلادى، وتجد المؤلفة رابطاً بين مؤلف المخطوطة و«الغزالى» نفسه، وتجيب عن الأسئلة، وترجح أن بطل مخطوطة «الأسد والغواص» يحاكى «الغزالى» فى شخصيته ومصيره: «أرجح أن كاتب مخطوطة الأسد والغواص امرأة قريبة من الغزالى، تعرف عنه ما يجعل القارئ يربط بين البطل الغواص والغزالى».

تنطلق الرواية من مرحلة فى حياة «الغزالى»، المولود فى 1057م، وهو لم يكمل العشرين من عمره بعد، وتروى قصة الرحيل ومتاعب الطريق برفقة شقيقه «أحمد»، من «طوس» إلى «نيسابور» فى عام 1071م، ويتناول هذا الفصل وقائع الرحلة وصعوباتها، وعلاقة الشقيقين اليتيمين آنذاك، ومحاولة قُطّاع الطريق الاستحواذ على أوراق «الغزالى»، وهذه الأوراق التى بدأ «الغزالى» كتابتها منذ السابعة من عمره، وأنقذها من اللصوص وافتداها بنفسه: «بعد أيام من الوصول إلى نيسابور كان محمد قد حفظ كل كراساته عن ظهر قلب وزاد عليها خمسة عشر ألف ورقة».

تتبع الرواية التحاق «الغزالى» بالمدرسة النظامية، وموقفه من العلوم التى بدأ يتلقاها فى «نيسابور»: «جلس فى درسه يستمع إلى الإمام الجوينى؛ يجيب عن أسئلته، ويساعد الطلاب على الفهم، ينطلق لسانه باليقين وقلبه بالشك، كل شىء وهم! كل شىء! حتى زبد البحر يخدع العقل فيظنه شاطئاً ونجاة، لم يعد النوم سهلاً، وأصبح ترديد الدروس التى لم يعد يقنع بها أصعب من النوم»، وترصد المرحلة بداياته مع الشك: «اختلطت عليه العلوم حتى وهو فى هذه السن».

نبوغ «الغزالى» كان ملحوظاً لأستاذه ولزملائه: «عندما سألوا الإمام الجوينى عن طالبه النابغة محمد، قال إنه بحر مغدق، أو بحر مغرق، لم يتأكد أحد، هذا طالب غير كل الطلاب، يلتقط الكلمة قبل أن تخرج، حفظ كتاب (الأم) للشافعى عن ظهر قلب كأنما يملك فى صدره مكتبة بغداد»، وبدأ «الغزالى» رحلته الفكرية فى هذه المرحلة بتساؤلات: «أين الحقيقة؟ وأين تكمن: فى كتب الفقه أم الكلام، أم فى آراء المعتزلة أم الملحدين، أم فى كتب الفلاسفة الحشوية؟ هل وصل لها الشيعة والباطنية؟ وهل هناك حقيقة نصبو إليها أصلاً؟ ما جدوى الموت؟ وما متعة الحياة؟»، حتى إنه يسأل عن جدوى الالتحاق بالمدرسة النظامية التى أنشأها الوزير الأعظم «نظام الملك»، فلم يكن العلم سوى الخيار الوحيد له ولشقيقه لإنقاذهما من الضياع بعد رحيل أبويهما «لا يملك الخيار، إما أن يموت جوعاً، وإما أن يلجأ إلى مدارس النظامية»، كانت المدرسة توفر له ولشقيقه بيتاً وطعاماً «العلم ينقذه من الضياع فى شوارع طوس هو وأحمد».

فى محاولات للوصول إلى الحقيقة، ودراسته لمختلف العلوم، كانت عذابات الشك تُشقى عقل الشاب يوماً بعد يوم، كان يرى أن الحقيقة مرتبطة باليقين، وكل العلوم لديه فى هذه المرحلة بلا يقين، حتى المنطق والرياضيات لا تكفى لتشرح هذا العالم وكل تغيراته، هو الخيال ما يؤرقه، خداع الحواس لا شىء بالنسبة لخداع العقل، وتقتبس من قوله: «كل علم لا نتيقنه، فهو علم لا ثقة به ولا أمان معه، فمقياس اليقين إذن هو الأمان، ومعنى الأمان الثقة»، ولم يكن لدى «الغزالى» فى هذه المرحلة المبكرة لا ثقة ولا أمان.

بدأ حياته بالشك فى كل ما حوله.. وكلما زاد الإطراء على ذكائه وعبقريته هوى اليقين

وهناك فى «نيسابور» طالت هذه المرحلة مع «الغزالى»: «مزقت الذئاب عقل محمد يوماً وراء يوم، كلما أدرك ما لا يدركه غيره شك فى عقله، وكلما زاد الإطراء على ذكائه وعبقريته هوى اليقين واستقر فى أعماق البحر بلا أمل فى نجاة»، ومن كلمات «الغزالى» نفسه المعبرة عن حاله فى هذه الفترة: «يارب، أعطنى الثقة فى عقلى قبل أن أصاب بالجنون».

تتعرض الرواية إلى ما التقاه «الغزالى» فى حياته مع أعداء النجاح والحُسَّاد فى مسيرته، ومع ذيوع صيته فى هذه المرحلة المبكرة، يبدأ أحد طلاب المدرسة «منصور»، وأحد الأساتذة «الشيخ المسمارى»، أحد أساتذة المدرسة، الكيد له، ولم يتمكنا من النيل منه، وهاتان الشخصيتان تستمران على مدار الرواية فى الظهور فى حياة «الغزالى»، ويتصاعد الحسد والحقد من جانبهما عليه لدرجة تصل إلى تبييت النية لقتله فى أواخر مراحل حياته، لكن «الغزالى» منشغل فى المدرسة بدراسة علوم الدين وسبر أغوار نفوس تلهث وراء الطغيان: «ساعة يحفظ درساً، وساعة يشهد على قسوة الشباب ونفورهم من رقة القلوب وصفائها»، وفى هذه الفترة وتقديراً لنبوغه فقد اختاره الإمام الجوينى، أستاذه، لإعادة شرح الدروس على الطلاب زملائه.

تتصاعد الأحداث فى الرواية عن رأى «الغزالى» فى المدرسة النظامية، كما ترصد ملامح علاقته الوثيقة بشقيقه «أحمد»، وبعد عام من الدراسة فى «نيسابور»، يكون «الغزالى» على موعد مع اللقاء المنتظر مع الوزير الأعظم صاحب المدرسة «نظام الملك»، الذى أنقذ السنة والمذهب الشافعى بالذات، وترصد المؤلفة محاورات دارت بين «نظام الملك»، فى هذا اليوم، و«الغزالى»، الطالب بالمدرسة، حول المذهب الشيعى، والتى تنتهى إلى إعجاب الوزير بمجادلات الشاب الصغير محمد، وينتهى اللقاء الأول بقول الوزير لـ«الغزالى»: «لطالما أخرجت طوس أعظم رجال هذه الأمة، تأتى إلىَّ غداً فى القصر، سأكون فى استقبالك».

بزيارة «الغزالى» إلى قصر الوزير ودخوله القصور لأول مرة فى حياته، تبدأ علاقة تقدير ومحبة بين الاثنين، واتفاق على الصحبة، رغم فارق السن، إذ كان «محمد» فى سن أولاد أو أحفاد الوزير، وهى العلاقة التى تستمر وتتوطد إلى آخر حياة «نظام الملك»، وفى سن الحادية والعشرين يشجعه الوزير على تأليف الكتب، باعتبار الكتابة واجباً عليه.

ترصد الرواية أيضاً تطور العلاقة بين الاثنين، وإعجاب الوزير بعقلية الشاب يوماً بعد يوم: «كانا يتمتعان بعلاقة يصعب فهمها، يحب كل منهما الآخر ويحذره، يحتاج إليه ويتقيه، رجل فى السبعين وشاب فى الثامنة والعشرين»، وبالفعل يصدر «الغزالى»، فى حياة أستاذه الإمام الجوينى، إمام الحرمين، باكورة كتبه (المنخول من تعليقات الأصول)، يبرز فيه دفاعه عن المذهب الشافعى، وتبادل العلماء الكتاب فى هيبة، واصفين إياه بأنه يتقن المعانى والكلمات، يعرف كيف يختار الحروف وكيف ينمقها، ولكنه يملك أيضاً جسارة ربما تؤدى به إلى الهلاك، وفى الثامنة والعشرين ينتقد «الغزالى»، فى كتابه، بعض أحكام المذهب المالكى والمذهب الحنفى.

وتأتى الزيارة التى تشكل أيضاً بداية مرحلة يصبو فيها «الغزالى» إلى أعلى المراتب آنذاك؛ إذ يُطلب الشاب لمقابلة السلطان «ملك شاه» فى «أصفهان»، وبعدها يتغير به الحال: «محمد الفتى الطوسى أصبح إمام خراسان وهو لم يتعدَّ الثامنة والعشرين، ويشهد الإمام، بحكم منصبه الجديد، على حياة جديدة لم يألفها من قبل: معسكر السلطان السلجوقى، الذى أصبح محمد يقضى فيه معظم وقته، أصبح عالماً جديداً عليه، أدرك كيف تحاك المؤامرات، وكيف تتغير النفوس، وأيقن أن النفاق يؤدى بصاحبه إلى القرب من الملك».

الحياة الشخصية لـ«الغزالى» تشغل حيزاً فى الرواية، والتى لم تجز الكاتبة، إن كانت مبنية على حقائق بالكامل أم هى خيال روائى ضرورى للعمل الأدبى، لكن على أية حال، تأتى فى الرواية علاقة «الغزالى» بـ«ثريا»، المرأة الدمشقية التى أحبته وصارت زوجته: «يطلقون عليه إمام خراسان، حجة الإسلام، زين العابدين، العالم الأوحد، مفتى الأمة، وشرف الأئمة، ولكن «ثريا» أطلقت عليه (الغواص)، منذ أول لحظة رأت محمد بن محمد الغزالى (غواص)، وويل لمن لا يتقن السباحة من عشق الغواص»، وهى العلاقة التى تمر بمنحنيات عدة قبل أن يتزوجا، وينجبا فيما بعد 5 أبناء أكبرهم «حامد» الذى كُنى به الغزالى «أبوحامد».

يشغل التاريخ خلفية مهمة فى تطور الأحداث، إذ تزامنت حياة «الغزالى» مع العديد من الأحداث التاريخية المؤثرة، وبخاصة أن العالم العربى كان يخضع لعدة قوى؛ الدولة العباسية فى بغداد، والدولة الفاطمية فى مصر، والدولة السلجوقية فى بلاد فارس، إلى جانب الباطنية وسيطرة جماعة الحشاشين آنذاك، وتتعرض الرواية إلى شكل خريطة الدولة الإسلامية: «فالخليفة فى بغداد بلا سلطة، لديه متسع من الوقت للصيد والخطبة. فى مصر دولة بنى عبيد، الفاطميون يحكمون بخليفة آخر وإمام آخر، وفى خراسان أنقذ السلطان السلجوقى، القادم من بلاد ما وراء النهر، الخليفة العباسى من دولة الفاطميين».

من المحطات المهمة فى حياة «الغزالى» أيضاً، توليه إمامة بغداد وهو فى سن الثالثة والثلاثين، بدعم من الوزير «نظام الملك» فى عام 1090م، إذ كان يشرف على كل الواعظين فى مساجد بغداد آنذاك، ليعرف حياة القصور وتبدأ رحلته وحربه، وتتبع الرواية أيضاً بالتوازى رحلة «حجة الإسلام» فى مجادلاته مع معاصريه فى هذه الفترة، هذا من جانب، وتتعرض من جانب آخر لعلاقته بنفسه، وموقفه من عدد من القضايا مثل «العقل»، و«الصوفية»، وأهل الحكم ورجال الدولة واختلاف الحكام والدسائس الكثيرة فى هذا الزمان، وكيف مرت عليه الحياة فى بغداد بعد مقتل «نظام الملك»، وتشير الرواية لمواقفه لما أحاط به والتبس على الناس، ومنها رفضه تكفير الباطنية، ويسجل موقفه منهم فى كتابه «المستظهرى» لينتقد مذهب الباطنية، ويعطى الشرعية للخليفة.

وفى سبيل محاججة الفلاسفة، يتجه للتعمق فى قراءة كتب الفلسفة والصوفية «كتب الفلسفة والمنطق استولت على عقله... ولكنها كتب الصوفية التى نزعت شغاف القلب فأصبح عرضة لكل ريح وكل نسيم طفيف»، وبعدها كتب كتابه «مقاصد الفلاسفة» يشرح فيه الفلسفة وعلومها، استطاع أن يلخصها فى أقل من عامين.

وكان الإمام نهِماً إلى الحياة والمعرفة، و«تمكن الغزالى من الدنيا، أصبح الخليفة الشاب يتلهف للقائه والبقاء حوله. وكل الأعداء تقف حائرة وكل ملوك الأرض تشاهده بإعجاب»، وهذه المرحلة تتبعها مرحلة أشد أهمية فى حياة «الغزالى» حينما يقرر التخلى عن المناصب والمال والبحث عن الحقيقة وارتياح قلبه، ويرحل عن بيته، وهى مرحلة جهاد النفس والتخلى عن جميع مظاهر الترف، لتبدأ رحلة جديدة يسجلها فى كتابه المهم «المنقذ من الضلال»، لتتبدل الحال، ومضامين الكتابة، ويصير لسان حال «الغزالى»: «وعند حضرة الحق سبحانه وتعالى كل ما لم يكن خالصاً وفيه رياء غير مقبول».

وفى الختام يمكن القول إن القراءة فى رواية «الغواص»، ورحلة الإمام الغزالى، رحلة شيقة فى تحولات النفوس البشرية، وفى اكتشاف منابع قوة الإنسان، ومواطن ضعفه، هى سيرة ونس للتائهين والحائرين والباحثين عن الحقيقة، وكيف واجه المؤامرات والمكائد التى حيكت ضده ومحاولات إبعاده عن المشهد أكثر من مرة، واختياراته فى الحياة وكيف واجه المحن الكثيرة فى مراحل حياته المختلفة ومنها فقد ولديه (حامد وأحمد) إبان انتشار الطاعون.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: رواية الغواص فى هذه المرحلة نظام الملک فى حیاة

إقرأ أيضاً:

«مهارات المستقبل» تستقطب 10 ملايين متعلم.. و«الخليج» ترصد قصص استثنائية لطلاب

دبي-محمد إبراهيم:
كشفت أكاديمية مهارات المستقبل، ثمرة الشراكة بين مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، عن خططها وتوجهاتها المستقبلية لمبادرة «مهارات المستقبل للجميع»، التي تركز على استقطاب مليون متعلم سنوياً، وتطمح إلى الوصول لـ10 ملايين بحلول 2030.
واستفاد من المبادرة في مرحلتها التجريبية بالتعاون مع منصة «كورسيرا» التعليمية، 9902 متعلم ومتعلمة من 22 دولة، بواقع 5116 من الذكور، مقابل 4,786 من الإناث، فيما بلغ معدل الاستفادة 165% من العدد الأصلي للتراخيص.
وتركز الأكاديمية على سد الفجوة الرقمية والمهارية وفقاً للمعطيات والاتجاهات العالمية، لاسيما أن التقارير والتوقعات العالمية تشير إلى تُغيّر وتطوير مليار وظيفة «أي ثلث وظائف العالم» في غضون 6 سنوات، أي بحلول عام 2030 بفعل التكنولوجيا، ما جعل نصف الموظفين حول العالم بحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة، للبقاء والمنافسة في سوق العمل ابتداء من عام 2025.
ورصدت «الخليج» أبرز أربع قصص استثنائية لشباب وشابات من مختلف الدول العربية، واجهوا التحديات بعزيمة وإصرار، ليصبحوا نماذج مشرقة لروح التحدي والإبداع.
ظروف صعبة
البداية كانت مع هبة عجور (22 عاماً) من شمال قطاع غزّة، حيث لم تمنعها الأزمة التي يشهدها القطاع وفقدت فيها أحباءها وأساتذتها في الجامعة، من مواصلة حلمها واستكمال تعليمها في مجال الأمن السيبراني، وجاءت مبادرة «مهارات المستقبل للجميع» لتشكل البوصلة التي أرشدتها لاستعادة ما فقدته من علوم، وبارقة أمل مكنتها لتبدأ مرحلة جديدة في حياتها وبناء معارفها.
وقالت لـ«الخليج»: «على الرغم من الظروف الصعبة التي تعرضت لها خلال المبادرة من نزوح وانقطاع في الإنترنت، استطعت أن أكمل مسار الأمن السيبراني خلال شهر واحد فقط، واخترت هذا المجال لمدى ارتباطه بحياة الناس، وهو ما أدركته أثناء الحرب، حيث شاهدت حملات التصيد الاحتيالي التي تعرض لها الكثيرون، أثناء مشاركتهم لمعلوماتهم الشخصية للحصول على الاحتياجات الأساسية».
وأضافت: «عرّضت العمليات الاحتيالية الكثيرين للخطر بسبب قلة الوعي، ما دفعني لنشر الوعي في محيطي بمجال الأمن السيبراني وأهميته، لتمكين الأشخاص من حماية أنفسهم، وهذه القيمة الحقيقية التي أضافتها لي المبادرة خلال الحرب، وأطمح أن أصبح خبيرة في مجال الأمن السيبراني على مستوى عالمي.
نقطة تحول
أكد خالد محمد خشفة (51 عاماً) من شمال لبنان، أن المبادرة كانت بمنزلة نقطة تحول في حياته، حيث ساعدته على الخروج من حالة نفسية صعبة نتيجة تقاعده وتحدياته الصحية، وقال: «انضممت إلى برنامج المهارات الناعمة الذي كان تجربة محورية غيرت حياتي بشكل كامل، واكتسبت مهارات حل المشكلات، والتفكير النقدي والإبداعي، والتواصل، والتفكير خارج الصندوق، والأهم أنها أخرجتني من العزلة الفكرية التي كنت أعانيها، وجعلتني أواجه التحديات التي كنت أعتقد أنها تعيقني للأبد بعد حادث أفقدني القدرة على المشي».
وأكد خشفة أن التعلم لا يرتبط بالعمر، والحياة مدرسة لا تغلق أبوابها، وقال: «نحن أقوى بالعلم، ورسالتنا الاستمرار في التعلم، ويجب أن نقهر التحديات، لا أن نسمح لها بقهرنا»، موضحاً أنه يطمح لاستخدام المهارات التي اكتسبها لتحقيق فرصة عمل جديدة تسهم في تعزيز مسيرته المهنية.
تكاليف التعليم
أما زهراء بشير (27 عاماً)، مهندسة تخطيط بوزارة الكهرباء العراقية، تدرب أكثر من 94 موظفاً في مختلف المستويات الإدارية، حيث بدأت رحلتها التعليمية بعد معرفتها بمبادرة مهارات المستقبل للجميع، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتعلمت اللغة الإنجليزية المتقدمة، والأمن السيبراني وإدارة المشاريع، وحصلت على شهادة معتمدة، ما جعلها من أفضل المتعلمين، وبعد إتمام الدورات تم تعيينها لتدريب موظفي الوزارة، وحققت نتائج ملحوظة في تحسين مهاراتهم.
وأكدت أن المبادرة، أعادت إليها ثقتها ووفرت عليها تكاليف التعليم الرقمي، ما جعلها فرصة مهمة، خصوصاً للفتيات في جنوب العراق. اختتمت حديثها بدعوة الشباب إلى الاستمرار في التعلم والمثابرة لتحقيق أهدافهم.
روح المخاطرة
قال عمر نصايرة (25 عاماً) من إربد شمالي الأردن، الحاصل على بكالوريوس في تكنولوجيا الأشعة: «من خلال المبادرة، حولت فكرة مشروعي من مجرد فكرة إلى شركة قيد التأسيس، مستفيداً من المهارات التي تعلمتها في بناء نموذج الأعمال، واختيار فريق العمل، والتسويق الرقمي، والتواصل مع المستثمرين».
وأوضح أن فكرة الشركة تتمثل في تحويل قوارير المياه إلى خيوط تُستخدم في الطباعة ثلاثية الأبعاد، ما يسهم في تقديم حلول بيئية مستدامة، وأضاف: «أحلم بوجود (سيليكون فالي) عربي، يعادل مثيله في كاليفورنيا، وأدعو الشباب إلى التحلي بروح المخاطرة وألا يهابوا الفشل؛ بل يجب أن يتعلموا منه».

أفضل 10 برامج
كشفت مبادرة «مهارات المستقبل للجميع»، عن أفضل 10 برامج حسب عدد المسجلين، لتضم محلل بيانات، والأمن السيبراني، ومهندس الذكاء الاصطناعي، ومسار المهارات الشخصية، وهندسة البرمجيات (مطور البرمجيات)، ومسار الخريجين الجدد، ومهندس بيانات، وريادة الأعمال، والإنجليزية للأعمال، ومدير المشروع.

المهارات المكتسبة
أفادت أكاديمية مهارات المستقبل، بأن أهم المهارات التي يكتسبها المتعلمون تضم مهارات الاتصال، والإدارة، وحل المشكلات، واتخاذ القرارات، والتخطيط، وتحليل الأشخاص، والتفكير النقدي، والاستراتيجية والعمليات، وتحليل البيانات، وتحليل الأعمال.

مقالات مشابهة

  • الرواية الكاملة لهروب الأسد .. تفاصيل لم تنشر من قبل
  • نجم الزمالك السابق مطلوب في الفريق بعد عودة جروس.. من هو؟
  • «مهارات المستقبل» تستقطب 10 ملايين متعلم.. و«الخليج» ترصد قصص استثنائية لطلاب
  • محمد المهندس: مستقبل واعد للصناعة المصرية رغم التحديات االقتصادية
  • مئة عام من العزلة رواية مدهشة ومسلسل يختزل أحداث 7 أجيال
  • إعلامي : إصابة عمر كمال بها جانب خفي .. وتبقى رواية النادي الرسمية هي الأساس
  • الرد على من زعم أن الإمام البخاري ليس فقيهًا
  • الكاتبة ريم بسيوني: الذنوب بين العباد «أصعب» من معصية الله
  • فيش وتشبيه الرئيس السورى القادم!!