منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تابع العالم بأسره مجريات العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية، وما خلفه من استشهاد عشرات الآلاف من الأرواح ومئات الآلاف من الجرحى، فضلا عن الدمار الواسع جدا في المباني والبنية التحتية، وفي حين تركز اهتمام ومتابعة الرأي العام العربي والعالمي على الكلفة البشرية للحرب وعلى مجرياتها السياسية والعسكرية، فإن الاهتمام كان أقل بكثير لجهود المنظمات الحقوقية الفلسطينية الرامية لفضح ما ارتكبه الاحتلال لدى المنظمات العالمية، سواء الحكومية أو غير الحكومية.

وفي هذا التقرير، ترصد "الجزيرة نت" أبرز نتائج جهود المنظمات الحقوقية الفلسطينية في المحافل الدولية، وما واجهته هذه المنظمات من صعوبات وعراقيل.

توثيق ومتابعة

عملت المؤسسات الحقوقية الفلسطينية بشكل مكثف لتوثيق الانتهاكات ومتابعة ملفاتها في الساحات الدولية، ويقول شعوان جبارين المدير العام لمؤسسة "الحق" -ومقرها في رام الله- إن جهود مؤسسته تركزت حول توثيق الجرائم المرتكبة في غزة، ودعم القضية الفلسطينية على المستويات القانونية والحقوقية الدولية.

جبارين: أسهمت مؤسسة الحق في رفع 9 دعاوى قضائية ضد إسرائيل في دول أوروبية (الجزيرة نت)

ويضيف جبارين في تصريح للجزيرة نت أن جهود مؤسسة الحق بدأت منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي برصد التصريحات الإسرائيلية الرسمية، وجمع وتحليل المعلومات باستخدام منهجيات علمية عبر وحدة التحقيق الهندسي. وتم التعاون -حسب المتحدث نفسه- مع خبراء في القانون الدولي، وتأسيس مجموعة عمل متخصصة بالإبادة الجماعية، تضمنت أكثر من 110 أعضاء، مما أسهم في صياغة الفهم القانوني للجرائم الإسرائيلية.

إعلان

وتواصلت مؤسسة الحق -يضيف جبارين- مع مقرري الأمم المتحدة وقدمت تقارير للمحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك معلومات دقيقة عن قتل إسرائيل للفلسطينيين والإحصائيات المرتبطة بهذه الجرائم، ورفعت المؤسسة قضايا ضد دول مثل بريطانيا والولايات المتحدة بشأن تزويد إسرائيل بالسلاح، واتهام سلطات البلدين بالتواطؤ في جرائم الإبادة. وشاركت الجمعية الفلسطينية أيضا في قضايا دولية رفعت في أستراليا وهولندا ترمي لنزع الشرعية عن الاحتلال، إضافة إلى دعوات لوقف تزويد إسرائيل بالسلاح.

يقول جبارين إن مؤسسته أسهمت في 9 دعاوى قضائية أسهمت فيها المؤسسة سواء بالمعلومة أو بالموقف القانوني أو بالتحليل، ومن هذه القضايا قضية تعاونت فيها مؤسسة الحق مع المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، وذلك ضد الحكومة الهولندية، حيث تم مطالبة الأخيرة بوقف تزويد إسرائيل بالسلاح.

وحسب المتحدث نفسه، فإن الجهود انصبت على تعزيز الرواية الحقوقية الفلسطينية وتزويد جهات مختلفة بالوثائق الضرورية، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، لضمان استمرارية العمل القانوني والحقوقي.

 حماية المدنيين

من ناحية أخرى، صلاح عبد العاطي مدير مؤسسة "حشد" -ومقرها في قطاع غزة- بذلت بعدد من الجهود المهمة لدعم حقوق الإنسان وحماية المدنيين الفلسطينيين، والتي شملت ما يلي:

توجيه 165 رسالة دولية لـ 315 منظمة وشخصيات دولية وإقليمية لحثها على القيام بواجباتها تجاه أعمال حقوق وحماية المدنيين الفلسطينيين. إرسال 145 بلاغا إلى الجهات الدولية المعنية للتحذير من تفاقم نمط الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية في القطاع. إعداد 48 ملفا قانونيا واستعراضها أمام فريق التحقيق الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية وتزويده بكافة الوثائق والأدلة الخاصة بالانتهاكات. إرسال قائمة بأسماء مسؤولين إسرائيليين تتوجب مقاضاتهم لدى المحكمة الجنائية الدولية. إعلان

ويضيف عبد العاطي أن هناك "تداعيات إيجابية متنامية تمثلت في تصاعد حركة حقوق الإنسان والفعاليات الجماهيرية والمجتمعية التي تواجه رواية الاحتلال"، إضافة إلى ذلك -وفق المتحدث نفسه- تتزايد الضغوط لمقاطعة إسرائيل في مجالات متعددة، رغم أن بعضها لم يكتمل بعد. في هذا الإطار، يتم العمل على تشكيل تحالف حقوقي دولي يضيف مدير مؤسسة "حشد"، بالإضافة إلى مساعٍ لإنشاء محكمة عالمية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيلية، على أن تحظى لاحقًا بموافقة من الجمعية العامة للأمم المتحدة.

عبد العاطي: ندعم مساعي لإنشاء محكمة عالمية لملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيلية (الجزيرة)

وفي سياق متصل، يرى علاء بدرانة وهو المستشار القانوني لمركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية -ومقره في رام الله- أن جهود مؤسسات المجتمع المدني، وخاصة حركة مقاطعة إسرائيل (بي دي إس)، كان لها دور بارز في تعزيز مقاطعة منتجات الاحتلال الإسرائيلي، والشركات الداعمة لبناء المستوطنات غير القانونية، بما يتماشى مع قرارات الشرعية الدولية.

تحديات وعراقيل

وينبه بدرانة إلى أن المؤسسات الحقوقية الفلسطينية تعرضت لهجمات كبيرة من لدن سلطات الاحتلال، ومنها فرض الحصار المالي، مما أدى إلى صعوبة لفتح حسابات بنكية للمؤسسات الفلسطينية الحقوقية، ذلك أن البنوك الفلسطينية تعمل ضمن إطار تديره البنوك الإسرائيلية، والتي تتحكم بالتحويلات المالية وعملية فتح الحسابات البنكية. ويضيف المستشار القانوني أن هذه التضييقات الإسرائيلية تدل على الأثر الكبير الذي تحدثه المؤسسات الحقوقية الفلسطينية في فضح انتهاكات الاحتلال وتهديده مصالحها.

بدرانة: ما يمارسه الاحتلال من تضييقات على المنظمات الفلسطينية يدل على الأثر الكبير لعملها بفضح جرائمه (الجزيرة)

ويشير عبد العاطي إلى جانب آخر من الصعوبات التي يواجهها عمل المنظمات غير الحكومية الفلسطينية، وهو أن "السلطة الفلسطينية تعاني من ضعف إستراتيجي في متابعة القضايا المتعلقة بقطاع غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية، بالإضافة إلى عدم جديتها في متابعة الملفات مع محكمة العدل الدولية، مما يعكس تقصيرا واضحا في التعامل مع قضايا الإبادة الجماعية"، كما أن السلطة -يضيف الحقوقي الفلسطيني- تأخرت في الانضمام للدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، رغم كون السلطة الفلسطينية طرفا في اتفاقية منع الإبادة الجماعية.

إعلان

وتقول مؤسسة "حشد" إنها رفعت 16 دعوى في دول مختلفة منها فرنسا، هولندا، إيطاليا، ألمانيا، الولايات المتحدة، بريطانيا، بلجيكا، النرويج، وإسبانيا. ولكن العديد من هذه الدعاوى رُفض في ألمانيا وإيطاليا وأيضا فرنسا والولايات المتحدة.

ويذكر عبد العاطي في تصريحاته للجزيرة نت أنه وفريقه تعرضا لعراقيل وعقوبات بسبب عملهم الحقوقي في إيطاليا، إذ قام أحد القضاة الإيطاليين بتغريم "حشد" بمبلغ قدره 5 آلاف يورو بسبب الدعوى التي رفعتها المنظمة الفلسطينية لوقف تصدير روما السلاح إلى إسرائيل.

خطط المستقبل

يقول مسؤولو منظمتي "الحق" و"حشد" إن خططهما في المستقبل تتمثل في متابعة محاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين باستخدام مبدأ الولاية القضائية الدولية، وأيضا الضغط على المحكمة الجنائية الدولية لإتمام التحقيقات ومحاسبة المسؤولين الإسرائيليين.

كما تهدف هذه المؤسسات الفلسطينية إلى انتزاع حكم تاريخي بمسؤولية إسرائيل وإقرار تعويضات للفلسطينيين، مع تصعيد التضامن الدولي وتفعيل المقاطعة والعقوبات، وضمان قيام المنظمات الدولية بمسؤولياتها تجاه جرائم الاحتلال ودعم الشعب الفلسطيني.

إضافة إلى ذلك، ستركز المنظمتان المذكورتان على تعزيز جهود مساندة ضحايا جرائم الاحتلال الإسرائيلي من خلال الدعم القانوني والنفسي والاجتماعي، وتنظيم فعاليات وحملات جماهيرية لرفع الوعي العالمي بمعاناة الفلسطينيين وتعزيز التضامن الدولي معهم.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات المحکمة الجنائیة الدولیة الحقوقیة الفلسطینیة عبد العاطی مؤسسة الحق

إقرأ أيضاً:

ماذا يعني انتقال الفرقة 36 الإسرائيلية للقتال جنوب غزة؟ الفلاحي يجيب

قال الخبير العسكري والإستراتيجي العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي إن انتقال الفرقة 36 الإسرائيلية إلى جبهة الجنوب في قطاع غزة يشير إلى تصعيد عسكري جديد، حيث تعتمد إسرائيل على تعزيز قواتها النظامية في المنطقة بهدف توسيع عملياتها الميدانية.

وأوضح الفلاحي في تحليل للمشهد العسكري في قطاع غزة أن هذه الفرقة تضم تشكيلات قتالية ذات قدرات عالية، ما يعكس نية الجيش الإسرائيلي تكثيف هجماته في المناطق الجنوبية.

وأشار الفلاحي إلى أن القوات الإسرائيلية العاملة حاليا في قطاع غزة تشمل الفرقة 162، التي تضم ألوية قتالية رئيسة، وفرقة غزة 143، بالإضافة إلى الفرقة 252، التي تُستخدم للسيطرة على المناطق المستهدفة.

وأضاف أن الجيش الإسرائيلي يعتمد على هذه التشكيلات لتنفيذ عمليات اجتياح واسعة وفرض السيطرة على الأرض.

وتأتي هذه التطورات بينما صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر على مواصلة الحصار والتصعيد العسكري ضد قطاع غزة، تزامنا مع توغل إسرائيلي موسّع في مناطق عدة بالجنوب، من بينها تل السلطان في رفح وبلدة عبسان الكبيرة شرق خان يونس.

كما كشف تقرير لصحيفة هآرتس عن استعدادات إسرائيلية لشن هجوم بري واسع عبر استدعاء فرق عسكرية إضافية، رغم الشكوك حول نجاح مفاوضات تبادل الأسرى.

إعلان طوق عسكري

وفيما يتعلق بدور الفرقة 36، أوضح الفلاحي أن تشكيلاتها تشمل اللواء 188، الذي يعمل عادة في المنطقة الشمالية لكنه أُعيد انتشاره في الجنوب، ولواء غولاني، الذي يُعد من الألوية الأساسية في العمليات الميدانية.

وأضاف أن وجود وحدات من الفرقة 36 في الجنوب، إلى جانب الفرقة 162، يشير إلى إستراتيجية إسرائيلية تهدف إلى فرض طوق عسكري محكم على المناطق المستهدفة.

وحول إستراتيجية إسرائيل العسكرية، أشار الفلاحي إلى أن تقارير غربية، منها تقرير لصحيفة واشنطن بوست، تؤكد أن الجيش الإسرائيلي يتبنى نهجا جديدا يقوم على الاحتلال الكامل لقطاع غزة عبر إشراك 5 فرق عسكرية.

إلا أن هذه الفرق -حسب الفلاحي- تعاني من نقص في التجهيزات نتيجة الخسائر البشرية والميدانية التي تعرضت لها خلال الأشهر الماضية، كما أن إسرائيل تواجه تحديات في تعزيز قواتها الاحتياطية، حيث تراجع التجنيد بنسبة تتراوح بين 40% و50%.

وفي سياق متصل، أوضح الفلاحي أن الجيش الإسرائيلي يستخدم تكتيكات عزل وتطويق المناطق السكنية، كما حدث في تل السلطان والشابورة شمال بيت لاهيا وبيت حانون، حيث يتم إجبار السكان على النزوح إلى مناطق محددة، ثم استهدافهم عسكريا.

التهجير القسري

أما عن مسألة التهجير القسري، فقد أكد الفلاحي أن الحكومة الإسرائيلية تتجه إلى تنفيذ مخطط طويل الأمد يستهدف دفع السكان إلى مغادرة القطاع، وهو ما يتضح من قرار تكليف وزير الدفاع بالإشراف على عمليات التهجير إلى دول أخرى.

وأضاف أن هناك تحركات فعلية لإنشاء مكتب مختص بتسهيل خروج الفلسطينيين، ما يعكس نوايا إسرائيلية واضحة لفرض تغيير ديمغرافي في القطاع.

ويرى الفلاحي أن هذه التوجهات تتماشى مع دعم غير مشروط من الولايات المتحدة لإسرائيل، حيث سمحت واشنطن بفتح مخازن الأسلحة الإسرائيلية، ما منح الجيش الإسرائيلي قدرة أكبر على مواصلة عملياته من دون قيود سياسية تُذكر.

إعلان

وأشار إلى أن هذه الإستراتيجية تتزامن مع تغيرات داخلية في القيادة العسكرية الإسرائيلية، تهدف إلى ضمان توافقها مع توجهات اليمين المتطرف في الحكومة.

ويرى الفلاحي أن المخطط الإسرائيلي الحالي يقوم على فرض واقع ميداني جديد، يتمثل في السيطرة طويلة الأمد على مناطق داخل قطاع غزة، وإبقاء السكان تحت ضغط عسكري ونفسي مستمر لدفعهم إلى مغادرة القطاع.

مقالات مشابهة

  • شراكة بين مصر ومؤسسة التمويل الدولية لدعم شراكات القطاعين العام والخاص في 11 مطارا
  • شراكة بين مصر ومؤسسة التمويل الدولية لدعم شراكات القطاعين العام والخاص في 11 مطاراً
  • البديوي: انشاء إسرائيل وكالة لتهجير الفلسطينيين انتهاك للمواثيق الدولية
  • "الصحة الفلسطينية": سقوط 730 شهيدًا منذ استئناف الضربات الإسرائيلية
  • توقيع اتفاقية مع مؤسسة التمويل الدولية لجذب الاستثمارات لقطاع المطارات.. بحضور مدبولي
  • رئيس الوزراء يشهد توقيع اتفاقية مع مؤسسة التمويل الدولية لتقديم الخدمات الاستشارية في قطاع المطارات
  • ماذا يعني انتقال الفرقة 36 الإسرائيلية للقتال جنوب غزة؟ الفلاحي يجيب
  • سفير مصر بفيينا يعقد لقاء مع المصريين العاملين بالأمم المتحدة والمنظمات الدولية
  • هل اقتربت نهاية حكم الرئيس عباس؟ .. إسرائيل تُنفذ أخطر مخططاتها وتبدأ بالتحرك نحو حل السلطة الفلسطينية
  • العربدة الإسرائيلية وانهيار القوانين الدولية