يعد العمل التطوعي أحد أهم مرتكزات التنمية الاجتماعية، وهو لمسة طيبة تنبع من القلب، ففي هذا العمل الإنساني إدخال للسرور في الذات البشرية قبل أن تصل إلى المجتمع بأكمله، فالعمل التطوعي يسهم في التخفيف من وطأة صعوبات وأوجاع التي يعاني منها بعض الناس؛ إذ يسهم في الحد من التوتر، ويحفّز المرء نفسيا وعقليا، ويجعله يشعر بقيمة الحياة والنعم التي أنعم الله بها عليه دون غيره.

أما اصطلاحا فيعرف بأنه عمل أو نشاط يقوم به الإنسان بدافع الخير ويهدف إلى مساعدة الآخرين سواء في المجتمع الذي يعيش فيه أو المنظمات والجمعيات الأهلية والخيرية دون مقابل، الأمر الذي يؤدي إلى تعزيز التضامن والتضافر بين كافة أفراد المجتمع؛ فالذي يقوم بالعمل التطوعي يكون من تلقاء نفسه الطيبة، ويخصص وقته للمساعدة بعيدًا عن أي أسس دنيوية أخرى، فيتناسى المرء حينها همومه ويتفرغ للمساعدة بدون مقابل مادي، ومن المؤسف حقا أن نقول بأن هناك الكثير من الناس يظنون بأنهم مستثنون من القيام بالواجب الإنساني الذي يندرج تحت قائمة الأعمال التطوعية وذلك بسبب المعتقدات الخاطئة والمفهوم المظلل لمعنى التطوع وأثره في المجتمع، والسؤال: هل حب العيش برفاهية يمنع الفرد من القيام بدوره في مجتمعه؟

في جميع الأديان هناك نقاط تحض على العمل التطوعي، ليس في الدين الإسلامي فحسب، بل ربما في أديان أخرى تحث على ضرورة العمل التطوعي وخدمة المجتمع، لما له من آثار إيجابية سواء على القائمين على العمل أو المستفيدين منه.

لو تعرضنا إلى الدين الإسلامي لوجدنا أن العمل التطوعي خدمة يؤجر فاعلها لكونها سمة بارزة من أخلاق المسلمين؛ فلا يقوم بها الشخص على وجه الأنانية أو التفاخر أو الرياء، إنما هي جزء من التلاحم الوطني والإنساني حيث يقف جميع المشاركين مع بعضهم البعض كالبنيان المرصوص، وذلك من منطلق أن التضامن المجتمعي يقصد به المنفعة العامة دون النظر إلى العائد المادي الشخصي، وأيضا كونه موجهًا لوجه الله تعالى، فقال سبحانه في سورة النساء: «لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا».

لذا فإن العمل التطوعي يسهم إيجابا في غرس القيم والأخلاق في المجتمع، ويشيع مبادئ التعاون والتكافل ومساعدة الغير وحب الناس والصبر على تحمل المسؤولية والقيام بالواجبات المهمة.

لطالما نشأت بعض الأعمال في الحياة من الجوانب النمطية التي اعتاد عليها الناس في حياتهم، ولعل العمل التطوعي يأتي ضمن هذه القائمة، فالمبادرات الفردية أو الجماعية ما هي إلا أعمال لها أثرها في المجتمع، فمثلًا هناك من يسعى إلى مساعدة الفئة الأقل اهتماما والأكثر احتياجا، سواء كانوا من فئة المحتاجين أو الباحثين عن العمل وصولا إلى الأيتام والضعفاء، أيضا هناك أعمال أخرى تندرج في بوتقة العمل التطوعي ومنها المحافظة على البيئة والارتقاء بالمجتمع.

لا يظهر كل هذا الولاء وحب الخير إلا في المواقف التي يتطلبها تدخل الأفراد في المجتمع، ففي الأزمات والشدائد والضوائق يثبت المواطن اعتزازه وحبه لوطنه وأبناء مجتمعه، وأقرب مثال على ذلك كان في جائحة كورونا «كوفيد-19» التي غزت العالم وأعطته ضربة موجعة في شتى المجالات، لكنها لم تسلب من أبناء المجتمعات القيم الإنسانية التي تدعو إلى مد يد العون والمساعدة للجميع.

دائما ما تنحدر فوائد العمل التطوعي على ضفاف المجتمع، لكن ما يجهله بعض الناس هو أن المتطوعين هم أكثر الفئات ارتياحًا ورغبة في الحياة والعطاء، فهم يتمتعون بسعادة نفسية عارمة، فالعمل التطوعي يمنحهم جرعة محفزة للقيام بكافة الأعمال التي تجلب الخير للأفراد والمجتمع الذي يعيشون فيه، ومن خلال ذلك يبث المتطوع في نفسه السعادة والانشراح، فيشعر بالرضا من الأعمال التي يقوم بها بلا مقابل.

ومن خلال عمله الاجتماعي يكشف خبايا الحياة المقبلة فيشعر بقيمته كإنسان إيجابي يحب وطنه وكل من يعيش على أرضه، فيزيد لديه الولاء وثقته بنفسه، كما يشعر بالمسؤولية الموجهة ناحيته.

يبقى أن نشير إلى أن العمل التطوعي، يكسب الإنسان مهارات وقدرات في شتى المجالات، فتضفي إنجازا رائعا في سيرته الذاتية، ويزيد من محيط علاقاته الاجتماعية مما يسهم في التواصل المجتمعي، وتبادل الأفكار والآراء مع الآخرين، وبالتالي يسهم العمل التطوعي في الحد من التوتر ويقلل الاكتئاب، ويخفف آثار الإجهاد والتعب ويمنح شعورا بالهدف ويضفي ذلك الحماس على حياتهم، والأهم من ذلك هو استغلال الوقت في المنفعة العامة.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: العمل التطوعی فی المجتمع

إقرأ أيضاً:

وزارة التضامن الاجتماعي تطلق المرحلة الثانية من مبادرة "مودة" بالمناطق الحدودية

أعلنت وزارة التضامن الاجتماعي بدء المرحلة الثانية من برنامج "مودة" القومي للحفاظ على كيان الأسرة المصرية، حيث يستهدف البرنامج تدريب 2000 من أهالي المناطق الحدودية بمحافظات أسوان، شمال سيناء، جنوب سيناء، البحر الأحمر، ومطروح.

انطلقت المرحلة الثانية بمحافظة أسوان، وتحديدًا في قرى النوبة، مثل "توشكى، عنيبة، كرسكو، المالكي، الدكة، كلابشة، أبو سمبل، وغرب أسوان"، حيث شارك 277 فردًا من أهالي المنطقة في التدريبات.

وكانت المرحلة الأولى من المبادرة قد نجحت في تدريب 832 مستفيدًا من نفس المحافظات على موضوعات متنوعة، منها التواصل الإيجابي بين الزوجين، العادات والتقاليد وتأثيرها على العلاقات الأسرية، رفض الموروثات الضارة، معايير اختيار شريك الحياة، وأهمية الحوار والمشاركة بين أفراد الأسرة.

كما تضمنت التدريبات التوعية بأهمية الفحص الطبي قبل الزواج، تنظيم الأسرة، تأجيل الطفل الأول، وأساليب التربية الإيجابية للأبناء. وجرى تقديم الدعم للأهالي عبر منصة "مودة" الرقمية وخدمة "اسأل مودة".

يُذكر أن برنامج "مودة"، الذي أطلقه رئيس الجمهورية في عام 2019، يمثل مبادرة استراتيجية تهدف إلى تأهيل المقبلين على الزواج وبناء أسر مستقرة من خلال شراكة واسعة مع الجهات الحكومية، المنظمات الدولية، ومؤسسات المجتمع المدني.

1000278954 1000278952 1000278956

مقالات مشابهة

  • خريطة طريق للعمل الاجتماعي 3/3
  • مشروع "معاذ" يعزز السلامة الإسعافية في مقرات العمل بالشرقية
  • وزارة التضامن الاجتماعي تطلق المرحلة الثانية من مبادرة "مودة" بالمناطق الحدودية
  • الضمان الاجتماعي.. كيف يسهم التمكين في تنمية المجتمعات؟
  • «الشارقة للعمل التطوعي» تفتح المشاركات في دورتها الـ 22
  • أمانة جدة تكرم “كفى” لتميزها في العمل التطوعي
  • الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ
  • الدفاع المدني يستعرض جهوده في مجال العمل التطوعي في مؤتمر ومعرض الحج بجدة
  • أمير الباحة يطلع على تقارير العمل التطوعي بالمنطقة خلال العام 2024
  • أمير الباحة يطلع على تقارير العمل التطوعي بالمنطقة خلال 2024