هبوط مؤقت وديمومة خلود الأسرى الذين قضوا في زنازين الاحتلال
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
أحبال متدلية من سقف المسرح، تنتهي بجاكيتات وشال وبسطار ونظارات، مثلت مواد يتم استخدامها، حين تتغير الشخصية التي حوارها أو مونولوجها على خشبة المسرح. لكن واحدة ما إن تظهر حتى يواريها ياسر، إنها بدلة عسكرية للمحقق الاحتلالي، ليرمي بشخص المحقق وما يمثله من احتلال الى مزبلة التاريخ، في حين يخلد ذكر الأسير الذي قضى شهيدا في سجون الاحتلال البغيض.
يمكن أن تمثل مونودراما "هبوط مؤقت"، المسرحية لفرقة "كاريزما" القادمة من نادي ثقافي طولكرم، توثيقا عن كثير من الأسرى الفلسطيني، والتي تم تقديمها ضمن هذا المقترح الجمالي لفرقة شابة شغوفة بالمسرح والدور الوطني معا.
عرض الفنان ثائر ظاهر حالة الأسير ياسر، منذ طفولته، ومدرسته، وعمله بالأرض الزراعية مع والدته، واضطراره لترك المدرسة ثم زواجه وإنجابه، وتطوعه في مخيم جنين للاجئين، ومن ثم التحاقه بالمقاومة في الانتفاضة الثانية والتي على إثرها تم قصف مخيم جنين واجتياحه، حيث تكون النتيجة إصابته ثم تعرضه للأسر بعد تحقيق صاحبه عذاب تفنن الاحتلال به.
خلال سرد قصة ياسر، قام الفنان ثائر طاهر بتمثيل الشخصية الرئيسية الأسير ياسر، وعدة شخصيات: الأب، والأم، ومعلم التاريخ، والمناضل. وفي كل حالة كان يلجأ الفنان الى إحدى "العلاقات" ليرتدي شيئا منها جاكيت ونظارة وبسطار، إضافة للبندقية التي ظهرت من خلال تمثيلها لا حملها. كذلك كان الحال مع اختيار محاكاة المولودين من خلال الإيماء.
واستطاع الفنان الشاب الى حد جيد من التعبير عن تلك الشخصيات، لكن المميز في التمثيل كان تأدية دور المعتقل ياسر في زنازين التحقيق، حيث أدخل المشاهد في أجواء التعذيب لانتزاع الاعترافات.
أدى الفنان عدة أساليب للتعذيب كالشبح، مختارا صندوقا يحاكي الزنزانة، كذلك أسلوب غطس الرأس في الماء من خلال الإيماء. ميزنا للفنان عدة حركات جسدية تنبئ عن ميلاد فنان فلسطيني يجتهد في التعبير.
مشاهد مؤثرة تعرضنا لها، من خلال معاناة الأسرى، المرضى منهم، وما يصاحب التعذيب من حرمان من الاغتسال، وما يتعرض له المعتقل من أمراض جلدية. كان لتمثيل "حك الجلد مؤلما، لكنه ذهب به منحى كوميديا كان من الممكن التعمق فيه وزيادة الجرعات الكوميدية للتخفيف على المشاهدين الذين تعرضوا لمشاهد قاسية خلال معاناة الأسير من مرض القلب واستشهاده.
كان لتمثيل مشاهد التعذيب من جهة ومشاهد المعاناة من المرض من جهة أخرى، والاستغراق فيه، ما شدنا تجاه هذا الممثل الشاب، الذي أرانا ليس مشهدا مسرحيا، بل مشهدا سينمائيا مؤثرا.
اختار المخرج مقطوعات موسيقية وأغاني من التراث الغنائي الوطني، والتي تحيل المشاهد الى مضامين تلك الأغاني، فقد كان من الأولى اختيار موسيقى خاصة معبرة، حتى يظل المشاهد في جور الدراما المسرحية.
لعبت الإضاءة دورا مهما في إبراز الشخصيات، وموجودات المسرح، التي تم توظيفها للسرد عن الشخصيات التي أداها بحيوية الممثل الشاب ثائر ظاهر. كذلك لم نشعر بفراغات خلال المشاهد، ما أبعد العرض عن التراخي.
أخرج العرض وكتبه قدري كبسة، معلم تاريخ، ومحب للمسرح، حيث يعد الفنان كبسة أحد التربويين المهتمين بالمسرح المدرسي، حيث كان لذلك الاهتمام وتطوير الذات من خلال تدريبات في عالم الدراما دور في امتلاكه مهارات فنية ساعدته في إخراج مونودراما "هبوط مؤقت".
وكما يبدو التزم الكاتب بسيرة أحد الأسرى الشهداء، ياسر الحمدوني، وبالرغم أن العرض لم يذكره بالاسم، إلا أنه عبر عنه.
في الوقت نفسه، فإن العرض لم يكن متعلقا فقط بشخصية محددة، بل يمكن اعتباره معبرا عن عشرات آلاف المعتقلين الفلسطينيين، الذين تعد الأرض والارتباط بها والتعليم والنضال نواظم مشتركة في الحياة.
وهنا، نجح العرض في تصوير حياة الفلسطينيين، كيف تتحول مصائرهم، فهم كأي شعب لديهم طموحات فردية ذاتية أسرية، في تطوير النفس، والارتقاء علميا واقتصاديا، كذلك التضامن معا من أجل إنجاز أفضل للفرد والأسرة التي تعاني اقتصاديا في بلد يتعرض للاحتلال، وتقل فيه فرص الحياة. تتحول مسارات هؤلاء المواطنون من أفراد يهتمون بالخلاص الفردي والأسري من خلال العمل الجماعي في الأرض الزراعية التي تحتاج سواعدهم، الى الخلاص العام والوطني، حين يتطور الوعي بأن الخلاص الفردي الشخصي لن يكتمل إلا بجعله ضمن الخلاص العام، كون الأرض-الوطن هنا، هي الملاذ الذي لا ملاذ آخر غيره للعيش.
ولعل "هبوط مؤقت"، وهي تلقي الضوء على آلام الأسرى الفلسطينيين، تفتح النقاش حول اختيارات النضال الوطني لشريحة كبيرة من الأسرى، اختارت العمل الوطني للخلاص العام، وهي تعرف ضريبة ذلك إن كان استشهادا أو أسرا.
كذلك كان لتقنيات خالد الغول دور في تسهيل تعامل مسرحية الممثل الواحد مع الفضاء المسرحي، حيث منحت الممثل قدرة التعبير والحركة وحيوية الأداء، ما جعله يرتقي بالعرض المعتمد على كتابة تحتاج الى المزيد من التعمق في رسم الشخصيات واختيار لغة مسرحية لا إنشائية، فقد عانى النص من هذا الجانب.
استخدم السلمين المتقابلين، في العرض لأكثر من غرض؛ فهو شجرة وهو مرتفع للجلوس عليه والحوار، وهو طاولة في غرفة الصف، ما يعني أنه من المهم توظيف الموجود على الخشبة لاستخدامات متنوعة.
العرض يبشر بعروض قادمة، يدلل على ذلك شغف ظاهر لدى الطاقم الصغير، وهو من جهة أخرى يبشر بتطور الحركة المسرحية في مدن أخرى خارج رام الله والقدس؛ فوجد حركة مسرحية في مدينة طولكرم تعني أن هناك فرصة للتعبير عن الحياة المحلية من خلال فنانين وكتاب من البيئة نفسها.
"هبوط مؤقت"!
ثمة رمزية هنا، فقد يكون الهبوط من أعلى هبوطا للخلاص بالوصول الى الأرض، كما هو الوصول من الماء الى البرّ، وقد يكون هبوطا اضطراريا خشية من عدم القدرة على مواصلة التحليق. إنه "هبوط مؤقت" للمناضل، الذي من خلال استشهاده على الأرض، إنما يهبط كي يعلو ويخلد ذكره.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: من خلال
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يبني معسكرات جديدة للاحتجاز في ظل ارتفاع عدد الأسرى الفلسطينيين
ذكر تقرير مشترك لهيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير الفلسطيني، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي استحدث معسكرات جديدة لاحتجاز الفلسطينيين في ظل ازدياد أعداد الأسرى.
وقال التقرير، إن هذه المعسكرات تتبع الجيش مباشرة وليس مصلحة السجون الإسرائيلية، مشيرا إلى أنه بجانب معسكرات الجيش في سالم وعتصيون وحوارة، استُحدثت معسكرات أخرى لاحتجاز الفلسطينيين مثل "منشة" و"نفتالي".
وأضاف التقرير، أن "المعتقلين المحتجزين في معسكر منشة الإسرائيلي، ينفذون منذ أيام خطوات احتجاجية، وأمس أبلغوا المحامين خلال مثولهم أمام المحكمة عبر تقنية (فيديو كونفرانس)، أنهم شرعوا بإضراب عن الطعام احتجاجاً على ظروف الاحتجاز الصعبة والقاسية التي يواجهونها".
وبين التقرير، أن "عدد المعتقلين المحتجزين في معسكر منشة حتى تاريخ أمس نحو 100 معتقل"، مبينا أن "معسكر منشة هو واحد من ضمن عدد من المعسكرات التي استحدثها الاحتلال الإسرائيلي في ضوء تصاعد حملات الاعتقال بالضفة العربية".
كما أكد أن المعسكر يقع جغرافياً شمال الضفة بالقرب من معسكر سالم، وإدارياً يتبع جيش الاحتلال الإسرائيلي.
وقالت هيئة شؤون الأسرى والمحررين ونادي الأسير في تقريرهما إنه، رغم المطالبات العديدة من قبل المؤسسات المختصة بإغلاق معسكري عتصيون وحوارة فإن الاحتلال يصر على استخدامه محطةً للتنكيل بالأسرى وتعذيبهم تحت إدارة جيش الاحتلال، واليوم بدلاً من إغلاق معسكري عتصيون وحوارة يعمل اليوم على توسيع دائرة المعسكرات التابعة للجيش".
وتؤكد المنظمات الحقوقية، أن الاحتلال يحتجز أكثر من 10 آلاف و300 أسير ومعتقل بينهم 89 أسيرة و345 طفلاً داخل سجون الاحتلال، إلى جانب المئات من معتقلي غزة في معسكرات الاحتلال، وهم رهن الإخفاء القسري.
وسبق أن حذر رئيس هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين قدورة فارس، من الخطر المحدق بحياة 14 ألف أسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدا أن "أكثر من 3 أسرى يقتلون في الشهر، وهذا لم يحدث في التاريخ ولا يحدث في أي سجن في العالم".
وقال فارس؛ إن "وضع الأسرى في السجون الإسرائيلية كارثي وغير مسبوق، حيث ترتكب بحقهم سلسلة جرائم على مدار الدقيقة والساعة، تبدأ بجريمة الإخفاء القسري لأسرى قطاع غزة، ونسبيا إخفاء قسري لأسرى الضفة الغربية".
وأشار إلى أن "إسرائيل منعت المنظمات الدولية والحقوقية من زيارة سجونها للاطلاع على واقع الأسرى الفلسطينيين"، بحسب وكالة "الأناضول".
وكشف أن الأسرى "يتعرضون للضرب المبرح والاعتداءات الجسيمة، الأمر الذي أدى إلى ارتقاء عشرات الشهداء منهم، وفقا للأسماء التي أعلن عنها ونعرفهم"، موضحا أن "ارتفاع نسبة الوفيات يدل أن هناك قتلا متعمدا، حيث يعاني الأسرى من إعياء وتوتر وحالة من القلق، وعدم وجود ملابس نظيفة، ونقص في مواد التنظيف، وتقليص كميات المياه والاستحمام جراء اكتظاظ السجون".