الكتاب: الشريعة والتحديث.. مباحث تاريخية واجتماعية في تقنين الشريعة وتطبيقها.
الكاتب: محمد وفيق زين العابدين
الناشر : أركان للدراسات والأبحاث والنشر، (2021م)
عدد الصفحات: (288 صفحة)


تعرض هذه الدراسة الشريعة والتحديث من خلال المباحث التاريخية والاجتماعية، ودورها في إقصاء الشريعة لتمكين القوانين الوضعية.

. الدراسة عبارة عن إماطة للثام عما دار من مؤامرات إقصاء الشريعة الإسلامية، واستبدالها بقوانين وأنظمة لا تتصل بانتماء للبلاد الإسلامية وثقافتها بصلة، ومنذ أن فتح الإسلام البلاد العربية احتكم أهلها إلى أحكام الشريعة المنبثقة من القرآن والسنة وأصول الفقه واجتهاد علماء المسلمين، مما جعلهم يسبقون العالم في تأصيل النظريات القانونية؛ ليصبحوا في بعض الأحيان مرجعا للأوروبيين في المعضلات القانونية لديهم.

ينقل الكاتب عن علي حيدر وزير العدلية في الدولة العثمانية ورئيس محكمة التمييز (النقض): "قد استفتيت دار الاستفتاء هذه في بعض الأحوال من قبل دول أوروبا في بعض المسائل الغامضة الحقوقية"، فإذا كان القانون هو مقياس الأشياء والفاصل المميز بين الخير والشر، الحق والباطل، فالشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي والأوحد للأحكام، وأي تشريع صحيح وليد روح الأمة وقيمها ومبادئها الدينية والاجتماعية.

عد المؤلف قضية تعدد جهات التقاضي النقطة الفاصلة في جميع التحولات التي حدثت في النظام التشريعي أو القانون، ولكن الدولة الإسلامية لم تعرف طوال تاريخها فكرة تعدد درجات التقاضي، لما استقر في الفقه أن القاضي الذي أصدر الحكم له نفسه حق نقضه أو إبطاله" بل يتعين عليه ذلك إذا خالف الأدلة الشرعية أو الواقعية المعروضة عليه، ولغيره كذلك من القضاة حق نقض حكمه أو إبطاله سواء من تلقاء أنفسهم أو بناء على طلب ذوي الشأن" (ص10)

أوضح الكاتب (زين العابدين) أن تخصيص القضاة مرتبط بتخصيص المكان والزمان، وأبرز القضاة المتخصصين في التاريخ الإسلامي هم:

1 ـ قاضي المظالم: الذي ينظر في شكاوى الناس ضد الحكام وأعوانه ورجال الدولة بمعنى (قاضي إداري).

2 ـ قاضي العسكر: تتعلق مهامه بإثبات الوصايا وقت النزاعات، والحروب.

3 ـ المحتسب: تتداخل وظيفته مع القاضي فيما يتعلق بالمعاملات التجارية والمالية في الأسواق.

هذه الهيكلية في جهات التقاضي تعرضت لكثير من التعديلات والتطوير على عدة مراحل:

أولا ـ عهد المماليك:

اتسعت سلطة الحاجب، فبعد أن كان أحد أعوان القاضي، صار له اختصاص قضائي أخذ يتسع شيئاً فشيئاً، ليحكم في كل صغيرة وكبيرة، ووفقا لما تقتضيه السياسة، ومن الخلل الذي أصاب السلطة القضائية في عهد المماليك تعدد جهات التقاضي تبعا للمذاهب الفقهية الأربعة (شافعي، مالكي، حنفي، حنبلي).

ثانياً ـ عهد الدولة العثمانية:

سرعان ما أبطل (السلطان سليم) نظام تعدد القضاة بتعدد المذاهب وجعل قاضي القضاة من الحنفية ونوابه من المذاهب الأربعة، وظهرت الامتيازات الأجنبية الممنوحة من (السلطان سليمان القانوني) لفرنسا (1535م)، لسكان الثغور التجارية، في الوقت الذي كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها وعظمتها.(ص12).

بعد قرنين من الزمان استغلت فرنسا ضعف الدولة العثمانية؛ لتحصل على امتيازات أكثر سخاء وعطاءً شملت ثلاث جوانب: الأول: خاص بالشؤون التجارية، والثاني: يتعلق بحقوق الإقامة للفرنسيين، والثالث: السماح للفرنسيين عرض منازعاتهم على قناصل فرنسا في الدولة العثمانية وذلك منذ عام (1740م).

يشير الكاتب هنا "والحق أن العثمانيين كان لهم أيضاً امتيازات في بلاد الغرب بموجب مبدأ المعاملة بالمثل، غير أن الأمر سرعان ما تحول في بلاد الغرب، واتجهت نظم الحكم هناك إلى الأخذ بسيادة القانون، وامتداد سلطانه إلى جميع القاطنين في البلد الواحد دون أية تفرقة، ولم تعدو الامتيازات سوى أن تكون مجرد نوع من أنواع الاتفاقيات التجارية التبادلية، ورغم هذا فلم يتغير الأمر في الدولة العثمانية، بل امتد سلطان القناصل الأجانب فيها على حساب سيادة سلاطين وولاة ذلك العهد... وتعددت الجهات السيادية بقدر تعدد أجناس الأجانب في دولتهم.. فالأقليات والتعددية في حد ذاتها لم تكن مصدراً للأزمة الحقيقية بل إرادة هذه التعددية من الداخل وتوظيفها من الخارج هو ما أحدث أزمة " (ص13).

ثالثاً ـ الحملة الفرنسية:

أنشأ عام (1789م) محاكم القضايا من إثني عشر تاجراً نصفهم مسلمين والثاني نصارى يرأسهم قاضي نصراني، وجعل اختصاصها النظر في المسائل التجارية ومسائل المواريث!!، كما أنشأ معهد مصر (1798م) على غرار المعهد القومي الفرنسي.

رابعاً ـ محمد علي:

تعتبر فترة حكمه امتداداً فكريا وثقافيا للاحتلال الفرنسي، وتمهيداً للاحتلال الإنجليزي فهو أول عثماني يسن القوانين الوضعية في الديار العربية، ولعل أبرز القوانين التي وضعها: قانون الفلاحين لضبط أحوال الزراعة، قانون المنتجات أول تقنين وضعي يعنى بطرق المرافعات، يقول الكاتب: "فترة حكمه وحكم (الخديوي إسماعيل) كانتا بمنزلة امتداد فكري وثقافي للاحتلال الفرنسي، وتمهيد فكري وثقافي للاحتلال الإنجليزي... والسبب في ذلك أن (محمد علي) كان مفتوناً بالأوروبيين وكان يقلدهم تقليداً شديداً، حتى أنه كلما وضع قانوناً ذكر في مقدمته أنه إنما( يتشبه بممالك أوروبا لوضع النظامات الجديدة في مصر) وهي عبارة مكرر في مقدمات القوانين واللوائح التي يصدرها.

ذهب (محمد علي) إلى ما هو أخطر من ذلك بإحداث مجموعة من التغيرات أهمها:

1 ـ ابتعاث خريجي الأزهر والشخصيات الفكرية الى أوروبا لدراسة النظم الأوروبية.
2 ـ بعد عودة المبتعثين من أوروبا أعيد توظيفهم في وظائف راقية داخل الدولة .
3 ـ استقدام المفكرين والمستشرقين الفرنسيين.
4 ـ ترجم القوانين الأوروبية من أجل نشر الفكر الأوروبي.
5 ـ إنشاء مدراس في مختلف العلوم على الطريقة الأوروبية، بالإضافة إلى المدراس العسكرية لإعداد الجيش على النظام الأوروبي، ابتدأت بالمدرسة التجهيزية الحربية عام (1925م).

تعددت خامساً المجالس القضائية في عصر (ما بعد محمد علي) حتى أصبح في كل مديرية مجلس قضائي تتبعه، واتخذت الحكومات الأجنبية الامتيازات الممنوحة لها ذريعة للتدخل في شؤون الدولة الداخلية، وخصوصاً القضاء فبعد اعفاء الأجانب من الضرائب والرسوم، أصبح دخول بيوتهم وتفتيشهم محظور الا بمعرفة القناصل التابعين لهم.

سادساً ـ الاستعمار وإرثه:

في هذه المرحلة الزمنية أصبحت التوجيهات التشريعية والقضائية توجيهات ثقافية لتمكين الغزو التشريعي والتحول عن الشريعة ولعل أهمها:

1 ـ استقبال الدول الاستعمارية لطلاب الدول الإسلامية ورعايتهم وتقديم الدعم المالي والعلمي لهم ليعودوا أكثر ولاءً لتلك الدول.
2 ـ استقدام المستشرقين وتثبيتهم في مراكز علمي مرموقة لينشروا علمهم وثقافتهم في البلاد.
3 ـ انفتاح الجامعة المصرية على التيارات الفكرية الغربية، لتكون ميداناً للغزو الفكري.

الكثير من القانونيين لا يختلفون اختلافاً كبيراً عن النخب التي تسمى مثقفة في بلادنا العربية، لا سيما الأكاديمية منها؛ في رفضهم تحكيم الشريعة وتطبيقها ويفصلون فصلاً تاماً بين موضوعي القانون والشريعة، ولا يجمعون بينها في الغالب إلا في مجال الأحوال الشخصية، رغم حضور الشريعة على مستوى التنظير والتأليف في المجال القانونيفمع تزايد النفوذ البريطاني بمصر تزايدت التقنيات الوضعية، وكان هناك انحسار للشريعة الإسلامية في مجال التشريع الجنائي، وسياسة العقاب كاملاً وفي سائر القوانين جزئياً، وأقصيت بذلك الشريعة، ولم يبق للمحاكم الشرعية سوى الأحوال الشخصية بعد أن كانت تنظر في جميع أنواع النزاعات المدنية، والتجارية والجنائية والأحوال الشخصية.. يقول الكاتب: "حتى هذه الأخيرة لم تسلم من محاولة النيل منها حيث طالب (محمود عزمي) و (عزيز ميرهم) (1923م)، بمناسبة وضع الدستور المصري الأول؛ بإلغاء المحاكم الشرعية وإخضاع مسائل الأحوال الشخصية للقانون المدني، لكن محاولتهم في هذا الوقت باءت بالفشل" (ص38)، ويضيف الكاتب كانت الأسرة الخديوية من أهم أسباب التغريب القانوني الذي حدث، وهدمت في سنوات قليلة معاقل الشريعة وتمركزاها في المنظومة القضائية دون مقاومة كبيرة من المصلحين، وأي كلام عن جهود أو محاولات للأسرة الحاكمة في إعادة احياء الشريعة إنما هو ضرب من العبث وخبط عشواء لتبييض صفحتها على خلاف الحقيقية (ص38).

التعليم القانوني بين التجريف الوضعي والإصلاح الشرعي

لم تزل المواد التخصصية في الفقه تدرس في الجامع الأزهر منذ عام (365ه) عندما أقيمت حلقات العلم به بعد تأسيسه بأربع سنوات تقريباً، غير أنها لم تكن تخصصية في المجال التشريعي لأنها كانت إما دروس عامة في الفقه، وإما متخصصة في فروع مذهب فقهي معين، ورغم ذلك فقد كانت هذه الدروس هي المصدر الرئيسي لتعيين القضاة والمفتين حتى إقامة مدرسة الحقوق، بل وبعدها في المحاكم الشرعية حتى إقامة مدرسة القضاء الشرعي.

مرت المؤسسة التشريعية في الدولة المصرية الحديثة بثلاث مراحل:

الأولى ـ جامعة الازهر وما كان يصدر عنها من حلقات علم تتناول الفقه وبعض فروعه المذهبية.

ثانياً ـ مدرسة الحقوق التي عرفت فيما بعد بكلية الحقوق، وهي المؤسسة الرئيسة لتخريج القضاة والمحامين وأساتذة القانون بعد الجامع الازهر.

 ثالثاً ـ مدرسة القضاء الشرعي، التي لم تدم طويلاً حتى انحلت وأقيمت مكانها كلية الشريعة والقانون ضمن الجامعة الأزهرية.

النخبة القانونية في مصر وموقفها من تحكيم الشريعة :

الكثير من القانونيين لا يختلفون اختلافاً كبيراً عن النخب التي تسمى مثقفة في بلادنا العربية، لا سيما الأكاديمية منها؛ في رفضهم تحكيم الشريعة وتطبيقها ويفصلون فصلاً تاماً بين موضوعي القانون والشريعة، ولا يجمعون بينها في الغالب إلا في مجال الأحوال الشخصية، رغم حضور الشريعة على مستوى التنظير والتأليف في المجال القانوني الذي سماه الكاتب التناقض وأطلق عليه نموذج (عبد الرزاق السنهوري) من النخبة القانونية في مصر وموقفها من تحكيم الشرعية يبرز (السنهوري) و(عبد العزيز فهمي) فكلاهما شغل مناصب علمية وعملية مهمة عدة وتدرج في وظائف الدولة القانونية بصورة غير مسبوقة بل لم يبلغ شأنهما بعد ذلك أحد على مستوى النخبة القانونية في العالم العربي أجمع، ولا سيما (السنهوري) الذي يقتصر تأثيره على الحركة القانونية في مصر فحسب، بل امتد ليشمل عدد من البلاد العربية كليبيا وسوريا والكويت... ومازال تأثيره حاضراً في الأوساط القانونية سواء في المجتمع العلمي أو الحضور المرجعي في المنظومة العملية للمشتغلين بالقانون" (ص77).

 (ولعبد العزيز فهمي) موقفه من القوانين الأوروبية الذي اختير عام (1920م) لوضع مشروع الدستور المصري ، وكان ذلك أثناء وجوده في باريس، فوضع المشروع على نهج الدساتير الأوروبية، غير أن (سعد زغلول) عارضه معترضا على بعض مواده، وعلى الرغم أنه لم يخلف أعمالاً قانونية كبيرة إلا ترجمته لمدون (جستنينان) التي هي بمنزلة القانون الروماني القديم، بالإضافة لكتابه الحروف اللاتينية لكتابة العربية "أسرف القضاة والمحامون في تعظيمه وتبجيله بسبب بعض مواقفه الفريدة من الملك والحكومة المصرية لاستقلال القضاء، فاتخذه كثير من القضاة والمحامين رمزاً له في هذا الشأن، رغم أنه كان من المقدسين للقوانين الأوروبية المحاربين للشريعة المجاهرين بذلك والداعين إلى اقصائها كلية من الحكم" (ص80).

(عبد الرزاق السنهوري) وقضة تقنين الشريعة

كان (للسنهوري) أثر بالغ الأهمية في إثراء الفكر الإسلامي، وتخرجت علي يديه أجيال كثير من القوانين العربية، وله من المؤلفات: أصول القانون، الموجز في الالتزامات، التصرف القانوني والواقعة القانونية، ومن أهم كتبه على الإطلاق: فقه الخلافة وتطورها لتصبح عصبة أمم شرقية، ومع كل جهوده في إثراء المعرفة الشرعية المعاصرة لكنه يعد أبرز الشخصيات القانونية التي أخذت على عاتقها مهمة سن التقنينات الوضعية في البلاد العربية.

"يعجب من صنيع (السنهوري) في التقنينات التي قام بوضعها أو المشاركة في وضعها، حيث كان يفاخر بالشريعة الإسلامية وإعجازها، ورغم ذلك لم يجعلها المصدر الرئيسي في التقنيات التي قام بوضعها، كما جعل الفقه الإسلامي أساس بعض مواد هذه التقنينات التي قام بوضعها, كما جعل الفقه الإسلامي أساس بعض مواد هذه التقنينات وبنودها، في حين أهمله بالكلية في مواد وبنود أخرى أكثر أهمية، ولألة الشريعة فيها أوضح" (فالسنهوري) كان على دراية بالفقه الإسلامي ومع ذلك اعتمد في التقنينات المدنية إلى خلط أحكام الفقه الإسلامي بأحكام القوانين الأجنبية التي قام بدراستها في فرنسا، ذلك الخلط اعتمد على محض آراء شخصية لخلق قواعد قانونية قومية ذاتية مستقلة تماماً عن الشريعة فيما عرف ب تمصير القوانين، فالفقه الإسلامي عند (السنهوري) لم يكن سوى محض مدونة قانونية من مدونة قانونية من المدونات المقارنة، وعمل على تحديث الشريعة في ضوء النظم القانونية الغربية لا سيما الفرنسية فهو يقول" الشريعة الإسلامية هي شريعة الشرق ووحي أحكامه ومتى ألفنا بينها وبين الشرائع الغربية فروح من الشرق وقبس من نوره يضئ طريقا للمساهمة في نهضة الفقه العالمية" (ص89).

مظاهر انحراف القوانين الوضعية عن الشريعة 

تخالف القوانين الوضعية الشريعة مخالفات صريحة وكثيرة ما يفتح المجال أمام أهل العلم إلى الجواز والمشروعية.

قسم الأزهر القوانين الوضعية المطبقة في مصر إلى ثلاثة اقسام:

ـ قسم مصدره الشريعة الإسلامية، وهو مطابق لأحكامها، ولا حاجة لإعادة تقنينه.

ـ قسم لا يخالف رأيا مقطوعا به حكم فيها، ومن ثم فلا حاجة لإعادة تقنينه كذلك.

ـ والقسم الثالث ينقسم إلى نوعين، أولهما: يقتضي الحكم بعدم مشروعيته مزيداً من البحث والتروي، فيجب بحثه بحثاً مستفيضاً قبل القطع فيه برأي،  وثانيهما: مقطوع بأنه مخالف مخالفة واضحة للقواعد الأساسية للشريعة الإسلامية, ويأتي في مقدمتها الحدود الشرعية. (ص102).

المخالفات الشرعية من جهة طبيعة تندرج في مخالفات شرعية بالإثبات، وتتعلق بإثبات أمر يخالف الدليل الشرعي من نص الكتاب أو السنة أو الإجماع أو القياس الصحيح في النص القانوني كاستبدال العقوبات الوضعية بالعقوبات الحدية والإلزام بالفائدة الربوية، وكذلك مخالفات تتعلق في الضوابط أو الشروط المتعلقة بالحكم .

هناك مخالفات شرعية بالإغفال: متعلقة بعدم إعمال الحكم الشرعي، وعدم تضمينه النص القانوني، فالمخالفة الشرعية إذا لم يتضمن النص القانوني ما كان يجب أن يتضمنه من أحكام شرعية دل عليها الدليل الشرعي الصحيح، ويصرح الكاتب هنا "لعل مجال الأحوال الشخصية هو أقل مجالات القانون مخالفة للشريعة الإسلامية، ويمكن عزو ذلك لعدة أسباب: لا تتعلق بتمسك المشرع الوضعي بأحكام الشريعة بقدر ما تتلق بعدم تنظيم معظم مسائل الأحوال الشخصية وارتباطها بالطبيعة الخاصة للأسرة في المجتمع الإسلامي، وباختلاطها الشديد بالأعراف التي تكونت في المجتمع عبر مئات السنين في ظل الحكم الإسلامي" (ص125)، ومع ذلك لم الأحوال الشخصية من التحريف والتشويه ومخالفة التشريع الإسلامي من خلال القوانين المختلفة التي سنت, ومن تلك المخالفات: " إقرار العمل بالتقويم الميلادي في حساب المدد والمواعيد الإجرائية المنصوص عليها في مسائل الأحوال الشخصية، بعد ان كان حسابها يتم بموجب التقويم الهجري المعتمد العمل به في الشريعة"(ص134).

التجارب التاريخية لتقنين الشريعة:

بدأت منذ تأليف مجلة الأحكام العدلية التي بدأت بالصدور عام (1869م) والمكونة من سبعة من كبار الفقهاء والقضاة في الدولة العثمانية برئاسة (أحمد جودت باشا) ناظر الأحكام العدلية، ولم تدخل حيز التنفيذ في صورتها النهائية، إلا بعد تولي (عبد الحميد الثاني) السلطنة عام (1876م)، الذي ألزم العمل بها وتطبيق أحكامها في محاكم الدولة، فأصبحت منذ ذلك التاريخ قانوناً مدنياً عاماً منتخباً من الأحكام الفقهية بنحو (1851) مادة قانونية تعريفية في البيع والإيجارات والكفالة والحوالة والرهن وغيره .

مجموع البحوث الإسلامية: كان أول محاولة جادة لتقنين مشروع دستور إسلامي تنفيذاً لتوصية المؤتمر الثامن لمجمع البحوث الإسلامي وأعد مشروع الدستور الإسلامي بالفعل واكتمل عام (1978م)، لتقنين الشريعة على المذاهب الأربعة الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي (ص166).

تطبيق الشريعة وإشكاليات العودة

تعددت المعوقات التي تقف في وجه تطبيق الشريعة، إذ لا سبيل للوصول إلى الحق من دون تذليل العقبات التي تعترضه, وفي ضوء ما سيُزال من عقبات، ستحسم قضية تطبيق الشريعة بسرعة, وستؤتي ثمارها بين الناس، ومن أهم تلك المعوقات: جهل الناس بحقيقة الشريعة, وقدرتها على مواكبة متطلبات العصر الحديث، إذ يظنون أنها عاجزة عن الوفاء بهذه المتطلبات والنوازل وأن مصادر الشريعة، وتلك الظنون مبني على الجهل بحقيقة الشريعة وبمصادر التشريع الإسلامي، وقد تولدت نتيجة تقصير المفكرين والدعاة عن بيان محاسن التشريع ووجه إعجازه وأصوله وأحكامه ومصادره.

فتطبيق الشريعة يبدأ من بيان محاسنها وإيجابياتها وفضائلها وما فيها من منافع دنيوية ووفاء بمصالحها قبل إثابتهم، عقابهم على تحكيمها أو تنحيتها. (ص240).

هناك عدم الثقة في أحكام الشريعة وقدرتها على مواكبة التطور وتنظيم أحوال المجتمعات وما طرأ عليها والوفاء بحاجات الناس وحل مشاكلهم ومنازعاتهم، إلى جانب التعصب المذهبي والفكري بين المسلمين، الذي جعلهم يتشددون في المسائل الخلافية ويثورون على مخالفيهم، ويوصدون باب الاجتهادكذلك من معوقات تطبيق الشريعة الهزيمة النفسية وضعف الإيمان عند كثير من المسلمين والشعور بالهزيمة النفسية.. قال تعالى "وعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ".

وهناك عدم الثقة في أحكام الشريعة وقدرتها على مواكبة التطور وتنظيم أحوال المجتمعات وما طرأ عليها والوفاء بحاجات الناس وحل مشاكلهم ومنازعاتهم، إلى جانب التعصب المذهبي والفكري بين المسلمين، الذي جعلهم يتشددون في المسائل الخلافية ويثورون على مخالفيهم، ويوصدون باب الاجتهاد، فنجم عن هذا إساءة الظن بالشرع والرضا بالقوانين الوضعية بديلاً عن الشريعة، وانعدام الثقة في النخبة الإسلامية من المفكرين والسياسيين والقانونيين: المنوط بهم وضع الشريعة الإسلامية في موضعها الصحيح في النظام السياسي والقانوني للدولة، مما أدى إلى فقدان الناس الثقة في التشريع الإسلامي لا سيما الجوانب التي تتعلق بعلاقة المسلمين مع غيرهم، بفعل الممارسات الخاطئة إلى بعض السياسيين والقانونين وهو ما انعكس بالضرر على: دعوتهم وسياستهم ومناهجهم. (ص244)

إن صلاحية أي تشريع تقرر على أساس صلاحية قيمه، ومبادئه، وتجانسه مع الواقع، فالسياسة التشريعية الرشيدة يتعين أن تعتمد على عناصر متجانسة مع البيئة التي تضبطها، فإن قامت على عناصر متنافرة معها افتقدت الصلة بين النصوص ومراميها، بحيث لا تكون مؤدية إلى تحقيق الغاية المقصودة منها، باعتبار أن أي تنظيم تشريعي ليس مقصوداً لذاته، وإنما هو مجرد وسيلة لتحقيق أهدافه المتعلقة بضب الحياة وإسعاد الناس. (ص274)

ويختم الكاتب دراسته بالقول "إن مشكلة القوانين الوضعية ليست في درجة تحضرها ورقيها، فمهما تفاوتت في ذلك ومهما ارتقعت فمصدرها النهائي هو: العقل البشري الذي يحول قصوره دون الوصول إلى غاية الكمال التشريعي، لاستحالة خلوه من الهوى"، فالعقول التي منحت للبشرية لتقودها إلى: معرفة ربها والاهتداء إلى سبل السعادة التي خطها لها، أصبحت وبالاً عليها حين حادت عن فطرتها الوظيفية، وحين جحدت فضل الله تعالى عليها، وأنكرت حكمته، وحُسن تقديره، وأساءت الظن بتدبيره، فاستعاضت بقوانينه الكاملة قوانينها القاصرة، واستبدلت بشريعته المحكمة شرائعها المنحلة، فسبحت بعجرفتها ضد تيار الفطرة السوية وهي: تحسب أنها تحسن صنعاً. (ص274)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب القوانين العربية تشريع كتاب عرب تشريع قوانين كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الشریعة الإسلامیة الأحوال الشخصیة القانونیة فی الثقة فی التی قام محمد علی فی مصر

إقرأ أيضاً:

قصور الثقافة تصدر كتاب التراث الشعبي بين النص والعرض لمحمود كحيلة

كتب- محمد شاكر:

صدر حديثا عن الهيئة العامة لقصور الثقافة برئاسة اللواء خالد اللبان، كتاب "التراث الشعبي بين النص والعرض" للناقد الدكتور محمود كحيلة، وذلك ضمن إصدارات سلسلة الدراسات الشعبية.

يجمع الناقد الدكتور محمود كحيلة في هذا الكتاب بين ثلاث ثنائيات، الأولى: ثنائية التراث الشعبي والمسرح، والثانية: النقد الأكاديمي والخبرة من الجمع الميداني، والثالثة: بين النص الأدبي المكتوب والعرض المسرحي، منطلقا من تصور أن البداية الحقيقية للعملية المسرحية هي الثقافة الشعبية ممثلة في الأساطير والسير والحكايات لأنها تقدم مسرحة للحياة، وأيضا كونها قضية تتعلق بتراث الوطن والحفاظ على هويته.

يختار الناقد نصوصا مسرحية، تأسست مادة صياغتها على الثقافة الشعبية، كما يرصد حضورها في محافظة الشرقية في المدة من 1995 إلى 2015، تلك المدة التي تميزت بوجود مسرح إقليمي حقيقي على الساحة المسرحية المصرية.

ويمتاز المسرح الشرقاوي بتجربة فريدة في تلقي المسرح ومشاهدة العروض المسرحية التي بدأت زيارتها إلى مدينة الزقازيق منذ أوائل القرن التاسعَ عشر، وهي البداية المبكرة التي تركت بصمتها على أبعد مكان في حدود المحافظة حيث وصل المسرح إلى التلاميذ في مرحلة التعليم الأساسي، فقدمت مسرحيات تمزج بين الدرس والتراث.

وتدور قضايا هذا الكتاب حول أربعة محاور، هي: التراث الشعبي والمسرح في محافظة الشرقية امتدادا للعلاقة الأبدية بين المسرح والتراث، والمسرح الإقليمي بالشرقية النشأة والرواد والانتماء إلى المسرح الريفي، الخطاب التراثي في تجارب مسرحية من الشرقية، والمحور الرابع قراءة لنص مسرحية "الزير سالم"، تأليف ألفريد فرج، المستلهمة من الحكاية الشعبية، وهي إحدى القصص العربية التاريخية في الوقت نفسه.

سلسلة الدراسات الشعبية تعنى بنشر الدراسات المتعلقة بالفلكلور ونصوص وسير وحكايات وملاحم الأدب الشعبي، وهي إحدى إصدارات الإدارة العامة للنشر الثقافي برئاسة الكاتب الحسيني عمران، التابعة للإدارة المركزية للشئون الثقافية برئاسة الشاعر د. مسعود شومان، تصدر السلسلة برئاسة تحرير حسن سرور، ومدير التحرير محمد شومان، تصميم الأغلفة نسرين محمود.

لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا

لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا

كتاب التراث الشعبي بين النص والعرض الناقد الدكتور محمود كحيلة إصدارات سلسلة الدراسات الشعبية الهيئة العامة لقصور الثقافة أخبار ذات صلة فتح باب التسجيل في الدراسات السينمائية الحرة بقصر السينما 14 ديسمبر أخبار قصور الثقافة في أسبوع.. مؤتمر الصناعات الثقافية بالعريش وملتقى السيرة الهلالية أخبار منارة فنية على ساحل البحر الأحمر.. "الثقافة" تستعد لافتتاح قصر ثقافة الغردقة أخبار

فيديو قد يعجبك



محتوى مدفوع

أحدث الموضوعات زووم لاميتا فرنجية أمام الأهرامات ومي عز الدين مع زوجها بأحدث ظهور..لقطات نجوم زووم أرملة إسماعيل الليثي: "بناتنا ميعرفوش إنه مات وبدعي على كل اللي اتكلم عليا" علاقات حظك اليوم وتوقعات الأبراج 6-12:بوادر تحسن مالي لبعض الأبراج وتقدم مهني أخبار مصر خبير اقتصادي: زيادة الكهرباء قادمة لا محالة.. والغاز الإسرائيلي أرخص من مصراوي ستوري 7 صور لزوجة محمد عواد داخل راديو الزمالك قصور الثقافة تفتتح "تجربة شخصية" ضمن مشروع "المواجهة والتجوال".. الاثنين هيئة قصور الثقافة تنعى الشاعر الكبير فوزي خضر أخبار مصر حدث منتصف الليل| الأرصاد تصدر تحذيرًا بشأن التقلبات الجوية.. و8 دول عربية منذ 1 ساعة قراءة المزيد أخبار مصر نشرة التوك شو| طلب استثنائي بـ دولة التلاوة.. وخبير يوضح احتمالية تحريك منذ ساعتين قراءة المزيد أخبار مصر التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي يحتفل بيوم التطوع العالمي منذ ساعتين قراءة المزيد أخبار مصر عمرو أديب عن مجموعة مصر في كأس العالم: حلوة ولدينا فرصة حقيقية للتأهل منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر خبير اقتصادي: زيادة الكهرباء قادمة لا محالة.. والغاز الإسرائيلي أرخص من منذ 3 ساعات قراءة المزيد أخبار مصر عمرو أديب عن واقعة غرق السباح يوسف محمد: إهمال يُسلم إهمال منذ 4 ساعات قراءة المزيد المزيد

إعلان

أخبار

المزيد حوادث وقضايا محاكمة 23 متهماً في قضية "خلية لجان الدعم المالي بالتجمع".. اليوم أخبار مصر حدث منتصف الليل| الأرصاد تصدر تحذيرًا بشأن التقلبات الجوية.. و8 دول عربية أخبار مصر نشرة التوك شو| طلب استثنائي بـ دولة التلاوة.. وخبير يوضح احتمالية تحريك حوادث وقضايا اليوم.. محاكمة 63 متهماً في قضية "خلية الهيكل الإداري للإخوان" أخبار مصر التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي يحتفل بيوم التطوع العالمي

إعلان

أخبار

قصور الثقافة تصدر كتاب "التراث الشعبي بين النص والعرض" لمحمود كحيلة

روابط سريعة

أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلاميات

عن مصراوي

من نحن اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصية

مواقعنا الأخرى

©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا

"رفقة بلجيكا".. مجموعة مصر في كأس العالم 2026 إجراء لأول مرة.. نائب وزير التعليم يكشف لمصراوي مفاجأة بشأن الثانوية العامة - بالتردد.. قناة مجانية تنقل قرعة كأس العالم 2026 بمشاركة مصر 26

القاهرة - مصر

26 18 الرطوبة: 17% الرياح: جنوب غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي من نحن إتصل بنا إحجز إعلانك سياسة الخصوصية خدمة الإشعارات تلقى آخر الأخبار والمستجدات من موقع مصراوي لاحقا اشترك

مقالات مشابهة

  • قراءة لكتاب”موسوعة أخلاق الحكام في الشريعة الإسلامية” للعلّامة الشيخ أبي عبد الرحمن عبد الباقي حقّاني
  • الأزهر للفتوى يوضح أهم أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية
  • الأزهر يكشف خريطة زكاة المال كما أرستها الشريعة الإسلامية
  • في 15 نقطة .. الأزهر يوضح أهم أحكام زكاة المال في الشريعة الإسلامية
  • “المنطقة تدرك نوايا إسرائيل”.. ماذا وراء التحرك العربي والإسلامي لدعم مصر؟
  • رئيس الدولة يلتقي رئيس سيشل الذي يزور الإمارات لحضور الجولة الختامية لبطولة العالم للفورمولا 1
  • هيبة الدولة لا تُبنى بالتحريض: قراءة في خطاب الشيطنة ضد الحركة الإسلامية
  • البحوث الإسلامية يفتتح فعاليَّات الأسبوع الخامس عشر للدَّعوة الإسلاميَّة.. غدا
  • قصور الثقافة تصدر كتاب التراث الشعبي بين النص والعرض لمحمود كحيلة
  • الأشاعرة والفلسفة في الغرب الإسلامي.. مواجهة العقل بالدين.. كتاب جديد