أكدت دار الإفتاء المصرية، إن الأنبياء والمرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم أفضل البشر على الإطلاق، وميَّزهم الله تعالى عمن سواهم بأن جعلهم معصومين، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يُمَثَّل أو يَتَمَثَّل به إنسان، ولذا فإن تمثيلَهم حرامٌ شرعًا.

أما الصحابة رضوان الله عليهم فالمختار للفتوى أنه إذا أُظهِرُوا بشكل يناسب مقامهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم خيرة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين فلا مانع من تمثيلهم إذا كان الهدف من ذلك نبيلًا؛ كتقديم صورةٍ حسنةٍ للمشاهد، واستحضار المعاني التي عاشوها، وتعميق مفهوم القدوة الحسنة من خلالهم، مع الالتزام بالضوابط الآتية:

أولًا: الالتزام باعتقاد أهل السنة فيهم؛ من حبهم جميعًا بلا إفراط أو تفريط.

ثانيًا: التأكيد على حرمة جميع الصحابة؛ لشرف صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتوقير والاحترام لشخصياتهم، وعدم إظهارهم في صورة ممتهنة، أو الطعن فيهم والاستخفاف بهم والتقليل من شأنهم.
ثالثًا: نقل سيرتهم الصحيحة كما هي، وعدم التلاعب فيها.
رابعًا: الاعتماد على الروايات الدقيقة وتجنب الروايات الموضوعة والمكذوبة.
خامسًا: تجنب إثارة الفتنة والفرقة بين الأمة الإسلامية.

وأوضحت الإفتاء أنه يُستَثْنَى من هذا الحكم العشرة المبشرون بالجنة، وأمهات المؤمنين، وبنات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وآل البيت الكرام؛ فلا يجوز تمثيلهم.


المقصود بالتمثيل وبيان حكمه
وأصل التمثيل مِن: (مَثَّلَ) الشيء بالشيء تمثيلًا وتَمْثَالًا، أي شَبَّهه به وقَدَّره على قَدره، والتشديد للمبالغة. 
والتِّمْثال: اسم للشيء المصنوع مُشَبَّهًا بخلقٍ من خلق الله، وجمعه التَّماثيل، وأَصله مِن مَثَّلْت الشيء بالشيء إِذا قدَّرته على قَدره، ويكون تَمْثيل الشيء بالشيء تشبيهًا به، واسم ذلك الممثَّل تِمْثال.
ومما يُستأنس به مِن سِيَرِ الصحابة رضي الله عنهم ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" من قصة السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مع الرجل الفقير وفيها تقول: فَجَاءَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ. قَالَتْ: إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيْرُ، فَتَعَالَ فَاطْلُبْ إِلَىَّ وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ. فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ. فَقَالَتْ: مَا لَكَ بِالْمَدِينَةِ إِلا دَارِى؟ فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: مَا لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلاً فَقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَنْ كَسَبَ.
وأضافت الإفتاء أنه إذا اقترن بالتمثيل أمر محرم كدعوة إلى ما يخالف الدين والخلق، أو تجميل وتحسين المعاصي، أو كشف للعورات التي يحرم إبداؤها، أو التلاصق المحرم بين الرجال والنساء، أو التخنث والتشبه من الرجال بالنساء، أو أدى الاشتغال به إلى تفويت واجب، كان ممنوعًا حينئذٍ؛ لما اقترن به لا لذاته، بخلافه إذا خلا عنها.
ومن نصوص الفقهاء التي يستأنس بها على تحريم التمثيل إذا اقترن به أمر محرم: ما ذكروه من صورة جماعة مجتمعين يجلس أحدهم على مكان رفيع تشبهًا بالوعاظ والمُذَكِّرِين؛ يسألونه المسائل وهم يضحكون ثم يضربونه، أو يتَشَبَّه بالمعلمين، فيأخذ خشبة، ويجلس القوم حوله كالصبيان، فيضحكون ويستهزئون، ويقول: قصعة ثريد خير من العلم. وهاتان الصورتان ذكرهما الإمام الرافعي من أئمة الشافعية في "شرح الوجيز" (11/ 104، ط. دار الكتب العلمية)، والفقيه داماد من الحنفية في "مجمع الأنهر" (1/ 695-696، ط. دار إحياء التراث العربي) على أنهما من المكفِّرات، يعني إذا قُصِدَ بذلك الاستهزاء بذات الدين أو العلم الشرعي؛ لذلك قال النووي في "الروضة" بعد أن نقلهما (7/ 287، ط. دار عالم الكتب): [قلت: الصواب أنه لا يكفر في مسألتي التشبه] اهـ.

حكم تمثيل الأنبياء والأدلة على ذلك
أما تمثيل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:
فالحكم الحق هو عدم الجواز؛ مراعاة لعصمتهم ومكانتهم؛ فهم أفضل البشر على الإطلاق، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يُمَثَّل أو يَتَمَثَّل به إنسان، بل إن الشرع نَزَّهَ صورهم أن يتمثل بها حتى الشيطان في المنام.

وروى الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ صُورَتِي وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» واللفظ للبخاري، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على صيانة الله تعالى لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يظهر الشيطان في صورته لا في الحقيقة ولا في المنام؛ حفاظًا لمقام الرسول ومقام الرسالة. فإذا ثبت هذا فإنه ومن باب الحفاظ على هذا المقام أيضًا يُمنع أن يُمثِّل أحد شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أن يقوم بدوره في عمل درامي.

 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: التمثيل الإفتاء النبی صلى الله علیه وآله وسلم تمثیل ا

إقرأ أيضاً:

فساد في الأرض.. دار الإفتاء تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم

قالت دار الإفتاء المصرية، إن وصف الدواء للمريض هو من اختصاص الطبيب المعالج، ولا يجوز لغير الطبيب المختص التجرؤ والإقدام على التحدث في أمور الطب أو وصف دواءٍ لمريض، ولقد حَذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن تَطبُّب غير الطبيب وتَصدُّرِه لعلاج الناس من غير أهلية لذلك، وأخبر أَنَّ فاعل ذلك مُتَحمِّل لتبعات فعله وآثار تصرفه، ولا يَشْفَع له حُسْن مقصده؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ» رواه أبو داود. ومعنى التَّطبُّب: الإقدام على ممارسة الطب مع الجهل بهذه الممارسة، ولَفْظَة: "تَطبُّب" تدل على تكلّف الشيء والدخول فيه بعُسْرٍ وكُلْفَة، وأنَّه ليس من أهله.

وأضافت دار الإفتاء فى منشور لها عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الإجتماعي فيسبوك، أنه ينبغي على الإنسان العاقل ألَّا يضع أمر صحة بدنه تحت تَصرُّفِ كل مَنْ تُسوِّل له نفسه أنَّه يفهم في كلِّ شيء، فالعبث بحياة الناس والإضرار بصحتهم وأبدانهم نوعٌ من الفساد في الأرض يتنافى مع حرص الإسلام الشديد على حماية الحياة الإنسانية وصيانتها وتحريم الاعتداء عليها.

سائل يقول: انتشر في الآونة الأخيرة خاصة على صفحات التواصل نشر وصفات طبية من غير أهل الطب المتخصصين؛ فما حكم ذلك شرعًا؟

وصف الدواء للمريض هو من اختصاص الطبيب المعالج، ولا يجوز لغير الطبيب المختص التجرؤ والإقدام على التحدث في أمور الطب أو وصف دواءٍ لمريض، وينبغي على الإنسان العاقل أن لا يضع أمر صحة بدنه تحت تَصرُّفِ كل مَنْ تُسوِّل له نفسه أنَّه يَفْقَه في كلِّ شيء، فالعبث بحياة الناس والإضرار بصحتهم وأبدانهم نوعٌ من الفساد في الأرض يتنافى مع حرص الإسلام الشديد على حماية الحياة الإنسانية وصيانتها وتحريم الاعتداء عليها.

المعنى المراد من قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾

أرشدنا الشرع الشريف إلى اللجوء إلى ذوي الخبرة وأهل الاختصاص كلٍّ في تخصّصه؛ وسؤال أهل الذِّكْر إذا خَفِي علينا شيء؛ فقال تعالى: ﴿فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُون﴾ [النحل: 43]. وقال جلَّ شأنه: ﴿الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا﴾ [الفرقان: 59].

كما عَلَّمنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم احترام التخصّص؛ فبرغم عِلْمه صلى الله عليه وآله وسلم الرباني إلا أنَّه كان يستشير المتخصصين من الصحابة في كافة الشئون الدنيوية ليعلمنا اللجوء للمتخصصين، وكان صلى الله عليه وآله وسلم يُنوِّه بتخصصات أصحابه الكرام إشادة بهم؛ فيقول: «أَرْحَمُ أُمَّتِى بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ، وَأَشَدُّهُمْ فِي دِينِ اللهِ عُمَرُ -وَقَالَ عَفَّانُ مَرَّةً فِي أَمْرِ اللهِ عُمَرُ- وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ، وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَ هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» رواه أحمد في "المسند"، وابن ماجه والترمذي والنسائي في "سننهم".

ففي هذا الحديث تنبيه للناس ليكونوا على بيِّنة من هذه التخصصات حتى يلجؤوا إليها عند الحاجة، أو لترجيح قول صاحب التخصص عند التعارض.

التحذير من التحدث في أمور الطب بغير علم

لأجل الإحالة على أهل الاختصاص؛ حَذَّر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مِن تَطبُّب غير الطبيب وتَصدُّرِه لعلاج الناس من غير أهلية لذلك، وأخبر أَنَّ فاعل ذلك مُتَحمِّل لتبعات فعله وآثار تصرفه، ولا يَشْفَع له حُسْن القصد؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ؛ فَهُوَ ضَامِنٌ» أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه والدارقطني في "السنن"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: "صحيح الإسناد".

وفي لفظٍ: «مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ بِالطِّبِّ مَعْرُوفًا فَأَصَابَ نَفْسًا فَمَا دُونَهَا؛ فَهُوَ ضَامِنٌ» رواه البيهقي في "السنن".

ومعنى التَّطبُّب: الإقدام على ممارسة الطب مع الجهل بهذه الممارسة؛ ولَفْظَة: "تَطبُّب" تدل على تكلّف الشيء والدخول فيه بعُسْرٍ وكُلْفَة، وأنَّه ليس من أهله؛ قال الإمام الخطابي في "معالم السنن" (4/ 39، ط. المطبعة العلمية): [والمتعاطي عِلْمًا أو عملًا لا يعرفه مُتَعَدٍّ، فإذا تولّد من فعله التلفُ ضمن الدية، وسقط عنه القَوَد؛ لأنَّه لا يستبد بذلك دون إذن المريض] اهـ.

الخلاصة
بناءً على ما سبق: فعلى الإنسان العاقل أن لا يضع أمر صحة بدنه تحت تَصرُّفِ كل مَنْ تُسوِّل له نفسه أنَّه يَفْقَه في كلِّ شيء، فالعبث بحياة الناس والإضرار بصحتهم وأبدانهم نوعٌ من الفساد في الأرض يتنافى مع حرص الإسلام الشديد على حماية الحياة الإنسانية وصيانتها وتحريم الاعتداء عليها، ووصف الدواء للمريض هو من اختصاص الطبيب المعالج، ولا يجوز لغير الطبيب المختص التجرؤ على وصف دواءٍ لمريض.

مقالات مشابهة

  • حكم الدعاء بعد التشهد الأخير في الصلاة
  • الحكمة من حفظ الله تعالى للقرآن الكريم
  • حكم استحباب البدء بالصلاة على سيدنا محمد في مهمات الأمور
  • الأدعية المستحبة عند حدوث الزلازل والكوارث من السنة المطهرة
  • «اللهم رب الناس أذهب البأس».. دعاء المريض كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم
  • المراد بالنصيحة في حديث النبي عليه السلام "الدِّينُ النَّصِيحَةُ"
  • فساد في الأرض.. دار الإفتاء تحذر من التحدث في أمور الطب بغير علم
  • حقيقة قصة النبي ﷺ مع الرجل اليهودي
  • حكم زواج المتعة ومواضع النهي عنه