حكم تمثيل الأنبياء والصحابة وأمهات المؤمنين في الأعمال التليفزيونية
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
أكدت دار الإفتاء المصرية، إن الأنبياء والمرسلون صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين هم أفضل البشر على الإطلاق، وميَّزهم الله تعالى عمن سواهم بأن جعلهم معصومين، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يُمَثَّل أو يَتَمَثَّل به إنسان، ولذا فإن تمثيلَهم حرامٌ شرعًا.
أما الصحابة رضوان الله عليهم فالمختار للفتوى أنه إذا أُظهِرُوا بشكل يناسب مقامهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنهم خيرة الخلق بعد الأنبياء والمرسلين فلا مانع من تمثيلهم إذا كان الهدف من ذلك نبيلًا؛ كتقديم صورةٍ حسنةٍ للمشاهد، واستحضار المعاني التي عاشوها، وتعميق مفهوم القدوة الحسنة من خلالهم، مع الالتزام بالضوابط الآتية:
أولًا: الالتزام باعتقاد أهل السنة فيهم؛ من حبهم جميعًا بلا إفراط أو تفريط.
ثانيًا: التأكيد على حرمة جميع الصحابة؛ لشرف صحبتهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، والتوقير والاحترام لشخصياتهم، وعدم إظهارهم في صورة ممتهنة، أو الطعن فيهم والاستخفاف بهم والتقليل من شأنهم.
ثالثًا: نقل سيرتهم الصحيحة كما هي، وعدم التلاعب فيها.
رابعًا: الاعتماد على الروايات الدقيقة وتجنب الروايات الموضوعة والمكذوبة.
خامسًا: تجنب إثارة الفتنة والفرقة بين الأمة الإسلامية.
وأوضحت الإفتاء أنه يُستَثْنَى من هذا الحكم العشرة المبشرون بالجنة، وأمهات المؤمنين، وبنات المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، وآل البيت الكرام؛ فلا يجوز تمثيلهم.
المقصود بالتمثيل وبيان حكمه
وأصل التمثيل مِن: (مَثَّلَ) الشيء بالشيء تمثيلًا وتَمْثَالًا، أي شَبَّهه به وقَدَّره على قَدره، والتشديد للمبالغة.
والتِّمْثال: اسم للشيء المصنوع مُشَبَّهًا بخلقٍ من خلق الله، وجمعه التَّماثيل، وأَصله مِن مَثَّلْت الشيء بالشيء إِذا قدَّرته على قَدره، ويكون تَمْثيل الشيء بالشيء تشبيهًا به، واسم ذلك الممثَّل تِمْثال.
ومما يُستأنس به مِن سِيَرِ الصحابة رضي الله عنهم ما رواه الإمام مسلم في "صحيحه" من قصة السيدة أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما مع الرجل الفقير وفيها تقول: فَجَاءَنِي رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ. قَالَتْ: إِنِّي إِنْ رَخَّصْتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيْرُ، فَتَعَالَ فَاطْلُبْ إِلَىَّ وَالزُّبَيْرُ شَاهِدٌ. فَجَاءَ، فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبْدِ اللهِ إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ أَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ. فَقَالَتْ: مَا لَكَ بِالْمَدِينَةِ إِلا دَارِى؟ فَقَالَ لَهَا الزُّبَيْرُ: مَا لَكِ أَنْ تَمْنَعِي رَجُلاً فَقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَنْ كَسَبَ.
وأضافت الإفتاء أنه إذا اقترن بالتمثيل أمر محرم كدعوة إلى ما يخالف الدين والخلق، أو تجميل وتحسين المعاصي، أو كشف للعورات التي يحرم إبداؤها، أو التلاصق المحرم بين الرجال والنساء، أو التخنث والتشبه من الرجال بالنساء، أو أدى الاشتغال به إلى تفويت واجب، كان ممنوعًا حينئذٍ؛ لما اقترن به لا لذاته، بخلافه إذا خلا عنها.
ومن نصوص الفقهاء التي يستأنس بها على تحريم التمثيل إذا اقترن به أمر محرم: ما ذكروه من صورة جماعة مجتمعين يجلس أحدهم على مكان رفيع تشبهًا بالوعاظ والمُذَكِّرِين؛ يسألونه المسائل وهم يضحكون ثم يضربونه، أو يتَشَبَّه بالمعلمين، فيأخذ خشبة، ويجلس القوم حوله كالصبيان، فيضحكون ويستهزئون، ويقول: قصعة ثريد خير من العلم. وهاتان الصورتان ذكرهما الإمام الرافعي من أئمة الشافعية في "شرح الوجيز" (11/ 104، ط. دار الكتب العلمية)، والفقيه داماد من الحنفية في "مجمع الأنهر" (1/ 695-696، ط. دار إحياء التراث العربي) على أنهما من المكفِّرات، يعني إذا قُصِدَ بذلك الاستهزاء بذات الدين أو العلم الشرعي؛ لذلك قال النووي في "الروضة" بعد أن نقلهما (7/ 287، ط. دار عالم الكتب): [قلت: الصواب أنه لا يكفر في مسألتي التشبه] اهـ.
حكم تمثيل الأنبياء والأدلة على ذلك
أما تمثيل الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين:
فالحكم الحق هو عدم الجواز؛ مراعاة لعصمتهم ومكانتهم؛ فهم أفضل البشر على الإطلاق، ومن كان بهذه المنزلة فهو أعز من أن يُمَثَّل أو يَتَمَثَّل به إنسان، بل إن الشرع نَزَّهَ صورهم أن يتمثل بها حتى الشيطان في المنام.
وروى الإمامان البخاري ومسلم في "صحيحيهما" عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: «سَمُّوا بِاسْمِي وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَتَمَثَّلُ صُورَتِي وَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» واللفظ للبخاري، وهذا الحديث فيه دلالة واضحة على صيانة الله تعالى لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أن يظهر الشيطان في صورته لا في الحقيقة ولا في المنام؛ حفاظًا لمقام الرسول ومقام الرسالة. فإذا ثبت هذا فإنه ومن باب الحفاظ على هذا المقام أيضًا يُمنع أن يُمثِّل أحد شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أن يقوم بدوره في عمل درامي.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: التمثيل الإفتاء النبی صلى الله علیه وآله وسلم تمثیل ا
إقرأ أيضاً:
شهر شعبان.. سبب إكثار النبي من الصيام فيه
صيام شهر شعبان يُعد من السنن المحببة التي حرص النبي صلى الله عليه وسلم على إحيائها لما تحمله من حكم وأسرار عظيمة. فقد ورد في الحديث الشريف عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما أنه قال: "قلت: يا رسول الله، لم أرك تصوم شهرًا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ قال: ذلك شهر يغفل الناس فيه بين رجب ورمضان، وهو شهر تُرفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، فأحب أن يُرفع عملي وأنا صائم".
الحكمة من صيام شهر شعبان
تنبع من كونه فرصة للتقرب إلى الله في وقت يغفل فيه كثير من الناس عنه، فهو يقع بين شهر رجب، أحد الأشهر الحرم التي حرّم الله فيها القتال، وشهر رمضان المبارك، شهر الصيام والعبادة.
هذه الغفلة تجعل صيام شعبان عملًا ذا أجر مضاعف، حيث يُظهر عبادة العبد وحرصه على طاعة الله بعيدًا عن المواسم التي يكثر فيها الإقبال على الطاعات.
دار الإفتاء المصرية تستطلع هلال شهر شعبان غدًاالفرق بين رفع الأعمال في شعبان وأيام الاثنين والخميس.. الإفتاء توضحكما أن شهر شعبان يشهد رفع أعمال العباد إلى الله سبحانه وتعالى، لذلك أحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يُرفع عمله وهو صائم، لما في الصيام من خضوع وطاعة وقرب من الله.
ومن الحكم الأخرى لصيام شعبان أنه يُعتبر فترة تدريبية للمسلمين على صيام شهر رمضان، حيث يُهيئ النفس والجسد للعبادة ويعوّدها على مشقة الصيام.
كذلك هو من أنواع الصيام التطوعي الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم، مما يجعل إحيائه سنة مؤكدة تزيد من قرب العبد لربه.
شعبان أيضًا يُجسد رحمة الله بعباده، حيث يمنحهم فرصة لجبر ما فات من العبادة والاستعداد لاستقبال رمضان بخيرات الطاعات والعطايا.
كما أنه يُظهر أن الشهرة ليست معيار الأفضلية، فبينما ينشغل الناس برجب ورمضان، يغفلون عن فضل شعبان الذي يحمل من الخير ما لا يُحصى.
في النهاية، يبقى صيام شهر شعبان منحة إلهية وهبها الله للأمة الإسلامية ولنبيها الكريم، ليُذكّر الجميع أن العبادة ليست محصورة بمواسم بعينها، وإنما هي رحلة مستمرة في طريق القرب من الله.