معنى الأهلة قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
الأهلة.. قالت دار الإفتاء المصرية إن المراد من قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، هو أن الصحابة الكرام رضي الله عليهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأهلة جمع هلال، وهو القمر أول ما يَبْدُو دقيقًا للناس، وعن حقيقة خَلْقِه، والحكمة من جعله متَغَيِّرًا من حيث الزيادة والنقصان.
وكان الجواب هو أن الله تعالى جعله كذلك ليَعْلَم الناس أوقات الحج والعمرة، والصوم، والإفطار، وآجال الديون، وعِدَد النساء وأيام حيضهن ومدة حملهن، وغيرها مما تُضبط به مواقيت شؤونهم، مع التنويه على أنَّ الآية الكريمة قد قررت أن استعمال الأهلة كمواقيت معتبر شرعًا، ولم تنف جواز اتخاذ غيرها مواقيت كالدورة الشمسية التي قدرها الله تعالى حسبانًا وعِلْمًا لعدد السنين والحساب مثلها مثل الدورة القمرية.
واعتاد الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أن يسألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأمور المختلفة، وأن يستفهموا منه عمَّا يُشكل عليهم أو لا يَسْهُل فَهْمُهُ، ومن جملة ما حكاه القرآن الكريم قول الله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ [البقرة: 189].
جاء أنَّ ابن عباس رضي الله عنهما قال: "سأل الناس رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الأهلة، فنزلت هذه الآية: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ﴾؛ يعلمون بها حِلَّ دَيْنِهم، وعِدَّةَ نسائهم، ووقتَ حَجِّهم" أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم في "التفسير".
وقد ذكرت كتب التفاسير اثنين من هؤلاء الصحابة الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهما: معاذ بن جبل، وثعلبة بن غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ رضي الله عنهما.
قال الإمام البغوي في "معالم التنزيل في تفسير القرآن" (1/ 211، ط. دار طيبة): [قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾، نزلت في معاذ بن جبل، وثعلبة بن غَنْمٍ الْأَنْصَارِيَّيْنِ، قالَا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقًا ثم يزيد حتى يمتلئ نورًا ثم يعود دقيقًا كما بدأ ولا يكون على حالةٍ واحدةٍ؟] اهـ.
وأوضحت الإفتاء أن الآية اشتملت على سؤال وجواب:
فأما السؤال فهو عن حقيقة خَلْق الهلال، والحكمة مِن جعله على هذا الوجه، والسبب في أنهم سألوا هذا السؤال هو تغير أحوال الهلال من حيث الزيادة والنقصان.
قال الإمام ابن عادل الحنبلي في "اللباب في علوم الكتاب" (3/ 330-331، ط. دار الكتب العلمية): [﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾، وهذا سؤالٌ عن حقيقة الخلَّاقيَّة، والحكمة في جعل الهلال على هذا الوجه.. واعلم أنَّ قوله تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ﴾ ليْسَ فيه بيان أنَّهم عن أيِّ شيءٍ سأَلُوا، إلَّا أنَّ الجواب كالدَّالِّ على موضع السُّؤال؛ لأنَّ قوله: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾ يدلُّ على أنَّ سؤالهم كان على وجه الفائدة والحكمة في تغيُّر حال الأهلَّة في الزيادة والنُّقصان] اهـ.
والمسؤول عنه في هذا السؤال: الأهلة، والأهلة جمع هلال، وهو غُرَّة القمر حين يراها الناس، أي: أن الهلال هو اسم للقمر أول ما يَبْدُو دقيقًا، وقد سُمِّيَ هلالًا؛ لأن الناس يهلون، أي: يرفعون أصواتهم بذكر الله عند رؤيته. كما في "الوسيط في تفسير القرآن المجيد" للإمام الواحدي (1/ 289، ط. دار الكتب العلمية)، و"تفسير القرآن" للإمام السمعاني (1/ 191، ط. دار الوطن).
وأما الجواب فهو بيانٌ لحال الهلال المسؤول عنه، وإيضاح السبب فيما يعتريه من زيادةٍ ونقصانٍ، وذلك بقوله تعالى: ﴿قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾، والمعنى: أَخْبِرهم أنَّا قد جعلناه كذلك ليَعْلَم الناسُ أوقاتِ الحج والعمرة، والصوم، والإفطار، وآجال الديون، وعِدَد النساء وأيام حيضهنَّ ومدة حملهنَّ، وغيرها، فلذلك اختلف حاله عن الشمس التي هي دائمة على حالٍ واحدة، كما في "مدارك التنزيل وحقائق التأويل"، للإمام النسفي، (1/ 164، ط. دار الكلم الطيب)، و"معالم التنزيل في تفسير القرآن" للإمام البغوي (1/ 211).
فالأهلة جعلها الله معْلَمًا يَعْرِف به الناس ما يتعلق بأمور دينهم ودنياهم، فكلُّ ما تتوقف معرفته على وقتٍ لا تتحقق المعرفة به إلا من خلال العِلْم بالأهلة، كما في "تفسير الإمام الشافعي" للإمام الشافعي (1/ 298، 2/ 927، ط. دار التدمرية).
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الأهلة الإفتاء دار الإفتاء الله صلى الله علیه وآله وسلم تفسیر القرآن الله تعالى قوله تعالى ی س أ ل ون ک رسول الله ال أ ه ل دقیق ا
إقرأ أيضاً:
جمعة: التغيير بين اختيار البشر وإرادة الله
تحدث الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الجمهورية السابق، عن مفهوم التغيير في حياة الإنسان، متسائلًا: "هل التغيير يأتي من البشر أم من المولى عز وجل؟" واستشهد بقول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، مؤكدًا أن التغيير في حياة الإنسان يقع بين فعل البشر وإرادة الله.
التغيير البشري: مناطه الاختيار
أوضح جمعة أن التغيير البشري يبدأ من اختيار الإنسان للخير أو الشر. فالإنسان خُيّر بين النجدين، كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 10]. فإذا اختار الخير وسار على نهج الله، زكت نفسه، وفتح الله له أبواب الخير. وأكد أن الإنسان مأمور بالسعي نحو الإيجابية، سواء في العبادة كالصلاة والزكاة، أو في السلوك كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
أكد جمعة أن التغيير الذي يتم من الله تعالى يتجاوز قدرة البشر، لأنه متعلق بصفة الخلق والإيجاد. فإذا أظهر الإنسان استعدادًا للتغيير نحو الخير، تدخلت إرادة الله لتبديل حاله من الضعف إلى القوة، ومن الضيق إلى السعة.
استشهد جمعة بحال المسلمين في مكة عند بداية الدعوة الإسلامية، إذ كان حالهم مليئًا بالصعوبات. ولكن عندما تمسكوا بالقيم الإيجابية، غيَّر الله حالهم وكتب لهم الأمن في الحبشة.
ومن الحبشة، تطور حالهم إلى تأسيس دولة الإسلام في المدينة المنورة، حيث بدأوا مرحلة جديدة من القوة والفتوحات.
كما أشار إلى قصة الصحابي عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه -، الذي ضرب مثالًا في الاجتهاد والتغيير الإيجابي. فعندما عرض عليه سعد بن الربيع - رضي الله عنه - جزءًا من ماله وممتلكاته، رفض وأصر على العمل في التجارة، حتى أصبح من أثرى الصحابة.
التغيير مسؤولية الإنسان وأمر من الله
اختتم الدكتور علي جمعة حديثه بأن الله أمرنا بالسعي نحو التغيير الإيجابي، وأنه كلما تقرب العبد إلى الله، أكرمه المولى بتغيير أحواله إلى الأفضل. ولفت إلى أن البصيرة التي يمنحها الله لعباده الصالحين هي وسيلة لفهم حكمة التغيير الإلهي في حياتهم.
وأكد أن التغيير يبدأ من الإنسان نفسه، فإذا أخلص النية لله وسعى نحو الخير، أعانه الله وغيّر حاله، مستشهدًا بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.