الجزيرة:
2025-01-19@03:08:50 GMT

إسرائيل وخطة الهيمنة على الشرق الأوسط

تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT

إسرائيل وخطة الهيمنة على الشرق الأوسط

منذ عدة أيام، كثّفت إسرائيل غاراتها على طرطوس، مواصلةً نهجها التصعيدي الذي يعكس شهيتها المفتوحة للعدوان. وقبل ذلك بأسبوع، خرج نتنياهو في مؤتمر صحفي، مستعرضًا ما وصفه بإنجازات إسرائيل خلال العام الماضي، أو بصياغة أدق، مستعرضًا إنجازاته هو وأفضاله على إسرائيل، ولماذا يتوجب عليها التمسك به، وهو من يستطيع إدارة الأزمات، مهما استفحلت، بحزم وقوة.

اللافت أنه أبقى كل الملفات مفتوحة، رغم أنّه يستطيع إغلاقها، على الأقل ملفّ لبنان الذي أنجز فيه اتفاقية مبرمة، محددة المعالم. ولكن بطبيعة الحال، كان نتنياهو يحاول أن يشير إلى أن إسرائيل ما زالت تحتاج إليه، وهذا ما كان يعنيه عندما صرّح بكلمات واضحة أنه: "يأمل أن إسرائيل سوف تبقى في المستقبل إلى الأبد". فهو يقول بطريقة غير مباشرة: إن هذا كله منوط بخياراتكم وتعاملِكم معي أنا "المخلّص".

لكن بعدها بيوم واحد فقط، يقف نتنياهو على منصة الاتهام، ليذكره هذا بأن ما تبقّى أمامه ليس سوى سنوات قليلة، قد تكون ثلاثًا لا أكثر، (إذا لم تتدخل أي عوامل خارجية) ليصدر القرار الحاسم لحياته السياسية. أضف إلى ذلك أنه سوف ينهي العقد الثامن، وبالتالي يتوجب عليه أن ينهي ميراث حياته السياسية.

إعلان

نتنياهو كان واضحًا، على الأقل في الأشهر الأربعة الأخيرة، أن إسرائيل، أو لنسمّه مشروع نتنياهو، يتمثل في خطوتين: الأولى هي بسط نفوذ إسرائيل بالكامل ما بين البحر والنهر، وبات واضحًا أن هناك مطامع حقيقية في ألا تخرج إسرائيل القطاع عن سيطرتها.

وهو كذلك لم يخفِ أبدًا طمعه في أن تكون إسرائيل ذات سيادة وهيمنة داخل الشرق الأوسط.

ثم تأتي سوريا. يسقط نظام الأسد، حامي حمى جبهة إسرائيل منذ عام 1974. فهذه الحدود (حدود هضبة الجولان المحتل) كانت تعتبر الأهدأ إسرائيليًا منذ ذلك التاريخ، بل وأكثر هدوءًا من حدود إسرائيل مع الأردن ومصر بعد اتفاقيات السلام. بلغة مكتوبة أو غير مكتوبة، كان من الواضح أن هناك تفاهمات مبيّتة بين النظام المخلوع وإسرائيل، وأن إسرائيل تقدّر جهود النظام في كبح جموح الفلسطينيين وثوّار الفلسطينيين، كما كان واضحًا في محطات تاريخية مهمة.

ومع ذلك، لم تكن إسرائيل راضية أبدًا عن "أوتوستراد طهران- الضاحية الجنوبية". وبالتالي، كان جُلّ استباحتها واستهدافها للأجواء السورية يقتصر فقط على ضرب هذا الأوتوستراد، ضمن شروط "حق الرد" السوري الأسدي في الزمان والمكان المناسبين.

لهذه الأسباب تحديدًا، عندما تحرك الثوار جنوبًا، دخلت إسرائيل إلى كابينتها على مدار ليالٍ متواصلة، تحاول فحص السيناريوهات المحتملة لتعاملها مع الوضع السوري القادم. فالوضع القائم سوف يكسر، والسيناريو المفضل لإسرائيل هو أن تتحول سوريا إلى ساحة حرب أهلية مليئة بالدماء تؤرّق أرواح السوريين ومشاريعهم بالاستقرار، وألا تؤتي هذه الثورة ثمارها.

ولهذا السبب، يمكن القول إن الخطوات الإسرائيلية، بمختلف مسمياتها، أتت لتنغّص على السوريين فرحتهم بمنجزات ثورتهم السلمية، محاولةً سلبهم الشعور بالأمن من خلال سيناريوهات الحرب الأهلية، والدماء، والاقتتال في الشوارع، الذي كان في حالته الصغرى داخل سوريا، مذكّرةً إياهم بسيناريوهات ثورات الشرق الأوسط.

إعلان

ولكن هذا ليس كل شيء. فالأراضي الجديدة التي احتلتها هي سلوك استفزازي يهدف لجس نبض الحركات الثورية في سوريا من جهة، ولتقول لهم عبر الضربات التي قامت بها: "ما كان هو ما سيكون، بل وأكثر". فحالة الهيجان الأمني واستباحة الحرمات السورية بشكل مستفز تسعى من خلالها إسرائيل إلى محاولة إشعال فتنة أمنية، وإيقاظ ربما بعض الجهات التي ما زالت صامتة.

يجب أن نتذكر أيضًا أن هناك ساحة خلفية تتقنها إسرائيل، وهي ساحة الاستخبارات الرمادية، وهي تستخدمها لتُفعّل بشكل نشط فتنتها داخل سوريا، فيتم تهويل أي بيان تمردي، وإن كان بلا رصيد مثلًا. لأن ما تسعى إليه هو خلق حرب أهلية تفضي إلى دويلات متناحرة لا تشكل أي تهديد على أمنها، تمامًا كما كان الوضع مع النظام السابق، بل وربما لتنسيهم تمامًا أن هناك جولانًا سوريًا محتلًا.

وهذا ما عبر عنه نتنياهو في دكتاتورية صارخة، عندما أعلن أنَّ اتفاقية فض الاشتباك الموقّعة عام 1974 لاغية. ففي دولة تعتبر نفسها الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، يجب أن يُتّخذ قرار إلغاء الاتفاقيات عبر برلمانها، وبعد تدارس في الغرف المغلقة، وليس عبر إعلان فردي في مؤتمر علاقات عامة صحفي. فيقول إن الجولان تم احتلاله من الجمهورية العربية السورية، التي باتت من الماضي، وإن إسرائيل ستتعامل مع الحالة السياسية القادمة أيًّا كانت.

في سيناريوهات الدويلات، هي تنفّذ مشروعها الأحب القديم الجديد، ألا وهو دولة أقليات حليفة داخل الشرق الأوسط؛ دولة الأكراد. لطالما عملت إسرائيل على هذه الخطة منذ ستينيات القرن الماضي، وربما في العشرين عامًا الأخيرة كان هناك نشاط أكبر لهذه الخطة، بعد حرب الخليج الثانية، ففي هذا السيناريو هي تزعج العرب من جهات عدة.

يجب ألا ننسى أيضًا، وهذا هو الأهم، أن الحالة الإسرائيلية- الإيرانية لطالما كانت رومانسية على مدى الثلاثين عامًا الأولى. ففي فكرها التقسيمي، هي تؤمن بأنها يجب أن تُجزِّئ الشرق الأوسط إلى أقليات لتشكّل تحالفًا أمام الهيمنة القومية العربية بالمفهوم القومي.

إعلان

وبعيدًا عن انشغالها الدائم بإشعال النعرات الطائفية، يجب أن نتذكر أنه في حالة وجود دويلات طائفية متناحرة، هناك سباق تسلّح، ولطالما كانت إسرائيل، في حالة النزاعات في الشرق الأوسط، تلتقط الفرصة لتسليح طرف ضد آخر؛ لتحقيق أهداف إستراتيجية بعيدة، وهذا ما قامت به مع نظام إيران الملالي ضد العراق، وفي الحرب الأهلية اليمنية ضد الجيش المصري.

فضرباتها اليوم للبنى التحتية العسكرية تأتي في سياق خلق سباق تسلّح تكون هي المسيطرة عليه، تشتري عبره الولاءات من أشباه الدويلات المتناحرة، التي ستملك بصعوبة بضع بنادق كلاشينكوف بطبيعة الحال.

ومن هذه النقطة تحديدًا نذهب إلى سيناريو الدولة السورية المتحدة، ففي ضرب البنية التحتية، تضمن إسرائيل ألا تُشكّل هذه الدويلة بأي شكل من الأشكال خطرًا على مقدّرات إسرائيل الإستراتيجية، حتى وإن كنا نتحدث عن أسلحة أكل الدهر عليها وشرب، ولا تضاهي التهديد العسكري الإسرائيلي المحدق بكل هذا الشرق.

ففي رؤيتها، تسعى أن تكون هذه الدولة تابعة، وليس بالضرورة أن يكون التطبيع عبر اتفاقيات واضحة، بل يمكن أن يكون عبر دولة محايدة وتابعة، أقرب ما يكون الوضع مع النظام السابق، بل وأكثر، دولة مرتبطة بإسرائيل في سباق التسلّح: الكم والكيف وما إلى ذلك من تبعيات.

أما عن السيطرة على الأرض، فهي ورقة مفاوضات واضحة تحاول إسرائيل من خلالها أن تفاوض الدولة العتيدة على اتفاقيات أيًّا كانت، من خلال عقيدتها، العقيدة الإسرائيلية الباهتة، عقيدة "الأرض مقابل السلام".

وسوف تحاول بهذه الإستراتيجية أن تحقق مثل هذه الشروط، وواضح أنها ستحاول أن تملي وتفرض شروط رضوخ، والأهم من هذا كله هو تنازل الدولة العتيدة السورية عن هضبة الجولان المحتل بالكامل، أو قد يكون ذلك جزءًا من المناورة أمام إدارة ترامب في تحصيل خطة الضم في الضفة الغربية.

إعلان

وفي زيارة قد ترمز إلى نهاية مرحلة من التعقيدات الميدانية الإسرائيلية، في لبنان، وسوريا وفلسطين، يقف نتنياهو على أعلى قمة احتلتها إسرائيل في جبل الشيخ السوري، مؤكدًا أن قوات الاحتلال ستبقى في هذه النقطة حتى يتم التوصل إلى ترتيب يضمن ما سماه أمن إسرائيل.

هذه التصريحات تعكس نية إسرائيل في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، خاصةً بعد سقوط النظام المخلوع في سوريا، وتؤكد على أهمية جبل الشيخ كمنطقة إستراتيجية لنوايا إسرائيل المبيّتة، هيمنة غير قابلة للتشكيك ما بين النيل والفرات، تحت ذريعة حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وكأن العربي مسلوب هذا الحق مهما استُبيحت حقوقه.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2024 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الشرق الأوسط أن إسرائیل إسرائیل فی أن هناک ما کان یجب أن ا کانت

إقرأ أيضاً:

دينيس روس: لدى ترامب فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط

طرح المبعوث الأميركي السابق للسلام في الشرق الأوسط دينيس روس، في مقال بصحيفة واشنطن بوست، رؤية جديدة لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط وتتضمن هدفين أساسيين.

واستهلّ روس -الذي عمل مساعدا خاصا للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما– بعبارة للجنرال البروسي كارل فون كلاوزفيتز (1780-1831) بأن الحرب أداة وليست غاية في حد ذاتها، حيث لا يمكن القطع بأن الوسائل العسكرية تطغى على الاعتبارات السياسية إلا في الظروف التي يخوض فيها المرء حربا من أجل البقاء.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2إندبندنت: أرقام تكشف تفاصيل تكلفة الحرب الإسرائيلية على غزةlist 2 of 2هكذا أجبر مبعوث ترامب نتنياهو على قبول اتفاق وقف الحربend of list

وقال الدبلوماسي السابق في مقاله إن الإسرائيليين وجدوا أنفسهم في حالة صدمة ودولتهم تخوض "حربا من أجل البقاء" إثر هجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

روس حذر من أنه في غياب بديل لحماس ستبقى غزة عبئا يثقل كاهل إسرائيل (الفرنسية)

وزعم أن إسرائيل حققت منذ ذلك الحين نجاحات كثيرة بتدميرها حماس كقوة مقاتلة وإزالة معظم بنيتها التحتية، في حين لم يكن سوى قلة من الناس يظنون أنها تستطيع القضاء على نسبة مهمة من الدفاعات الجوية والصاروخية الإستراتيجية الإيرانية والحد من قدرتها على إنتاج الصواريخ الباليستية في ليلة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2024.

وأسهب روس -الذي يعمل حاليا مستشارا وزميلا متميزا في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى- في ذكر إنجازات إسرائيل العسكرية مؤخرا، لكنه حذر من أنه في غياب بديل لحماس، "وهو ما لا تستطيع إسرائيل إيجاده"، فإن غزة ستبقى عبئا يثقل كاهلها ولن يُعدّ بقاؤها في القطاع انتصارا.

وبسبب الخسائر التي مُنيت بها إيران وضعفها الحالي، فإن بعض مواطنيها يعتقدون أن على بلادهم الآن استعادة قوة الردع من خلال السعي لامتلاك سلاح نووي، طبقا لمقال واشنطن بوست الذي يرى كاتبه أن طهران تمثل خطرا حقيقيا بتخزينها ترسانة من المواد الانشطارية تجعلها على وشك أن تصنع أسلحة نووية.

إعلان

وحذر الكاتب إسرائيل من أن استخدام القوة لإحباط التهديد الذي تشكله بنية إيران النووية التحتية قد لا يقلل من خطرها، وفي هذه الحالة يجب أن تلعب الإستراتيجية دورا في في إرساء واقع سياسي جديد.

وأوضح أنه ينبغي أن تسترشد هذه الإستراتيجية بهدفين ملموسين في عام 2025؛ أولهما إنهاء إسرائيل الحرب في غزة والانسحاب عسكريا منها شريطة إطلاق سراح أسراها. وثانيهما ضرورة أن تقلص إيران من بنيتها النووية التحتية بحيث لا يصبح السلاح النووي خيارا.

لكنه لا يظن أن بمقدور إسرائيل تحقيق أي من هذين الهدفين إلا عبر اضطلاع الولايات المتحدة بدور نشط، ومن ثم إحداث تحول في الشرق الأوسط.

وإذا تسنى تحقيق ذلك، فإن روس يعتقد أن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب سيمتلك، بعد تسلمه منصبه رسميا، من النفوذ ما يجعل القادة الإسرائيليين و"العرب الرئيسيين" على حد سواء يخشون من مغبة رفضهم لما يطلبه منهم.

وعلى حد تعبيره، فإن هذا الأمر قد يكون بالضبط ما هو مطلوب لإنهاء الحرب في قطاع غزة نهائيا، وإن وقف إطلاق النار المؤقت واتفاق تبادل الأسرى الذي أُعلن عنه يوم الأربعاء هو بالفعل انعكاس لتأثير ترامب.

وتابع أن ترامب إن استطاع أن يُثبت أنه أزال التهديد النووي الإيراني، فعندئذ سيكون من الممكن تحقيق الشيء الكثير.

مقالات مشابهة

  • الباركود وسياسة الهضم
  • الصحف العربية.. الشرق الأوسط تبرز جرائم إسرائيل في غزة وهدايا ماكرون للبنان.. والرياض تحتفي بـ تحول المملكة لوجهة سياحية
  • الحرب في الشرق الأوسط تستفزّ البابا فرنسيس
  • دينيس روس: لدى ترامب فرصة تاريخية لإعادة تشكيل الشرق الأوسط
  • بعد إعلان نتنياهو تراجع «حماس» عن اتفاق غزة.. هل تلتزم إسرائيل بوقف إطلاق النار؟
  • راشد الظاهري يعود إلى حلبة ياس
  • "غزة تنتصر" يتصدر مواقع التواصل الاجتماعي| فرحة تجوب الشرق الأوسط بعد اتفاق وقف إطلاق النار بالقطاع.. ومخاوف من نقض إسرائيل للهدنة
  • إسرائيل ترد على تهديدات أردوغان: الطرف العدواني في سوريا والشرق الأوسط هو تركيا!
  • بايدن يسلم ترامب ملفات غير مكتملة في الشرق الأوسط
  • أشرف سنجر: نجاح الاتفاق بين إسرائيل وحماس إنجاز كبير للإرادة المصرية