السلام طريق إنقاذ الوطن وبنائه على أسس جديدة
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
السلام طريق إنقاذ الوطن وبنائه على أسس جديدة
عمر الدقير
لم يكن شعار ثورة ديسمبر الأثير: “حرية، سلام وعدالة”، مجرد هتاف تصدح به الحناجر في الشوارع، بل كان تعبيراً عن شروط الوجود الكريم – منذ أول احتكار للقوة وحتى آخر احتقار للإنسان الأعزل – مثلما كان إعلاناً لقطيعة مع ثلاثة عقود من ثنائية الاستبداد والفساد، وتبشيراً بتأسيس وطنٍ جديد معافى من خيبات الماضي.
إن بلداً يمتاز بهذا القدر من التنوع والتعدد، ويحمل إرثاً من الأزمات – التي تفاقمت بفعل سياسات النظام البائد – كان من الطبيعي أن تتعرض فيه مسيرة الانتقال بعد انتصار الثورة لصعوبات وعثرات، خاصة وأن النظام القديم لم يغادر المشهد بعد سقوط سلطته السياسية، بل ظل منذ اليوم الأول للانتقال يمارس عملية الشد العكسي لعرقلة التغيير.
ومع ذلك، لا بد من الاعتراف بأن قوى الثورة نفسها لم تكن بمنأى عن الأخطاء، إذ تفرقت صفوفها وابتعدت عن خندقها الموحد على خلفية قضايا صغيرة تتقاصر عن غايات الثورة السامية. هذا التذرُّر أفسح المجال أمام قوى الشد العكسي لتنظيم صفوفها واستدعاء ممكناتها في المجالات كافة، حتى تمكنت من استهداف مسيرة الثورة بشكلٍ مباشر في مرتين: الأولى بانقلاب ٢٥ أكتوبر ٢٠٢١ والذي أجهضته جماهير الثورة عبر مقاومة باسلة وتضحيات جسام، والثانية باشعال فتيل الحرب في ١٥ أبريل ٢٠٢٣
لقد كان الهدف الأساسي لقوى الشد العكسي، ولا يزال، هو القضاء على ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظامهم ورفعت راية الحلم بحياة كريمة. لكن غاب عنهم أن أحلام الشعوب في الحرية والكرامة لا تموت مهما أمعنوا في إطلاق النار عليها .. ومهما تمادوا في التآمر عليها فإن غايات ثورة ديسمبر تظل عصية على النسيان والتخلي، ويظل الزحف نحوها مستمراً مهما بلغت التحديات.
تخطّت الحرب شهرها العشرين، ونجحت في تحويل السودان إلى أكبر حالة كارثة إنسانية يشهدها العالم اليوم. حصدت أرواح الآلاف، وشرّدت الملايين من ديارهم، وجعلت الحصول على الغذاء، والدواء، والتعليم، وكافة الخدمات الأساسية أمراً بالغ الصعوبة لغالبية السودانيين. وفي ظل هذه المآسي، أصبحت أمنية السودانيين الأولى وهاجسهم الدائم هو إيقاف الحرب لإنهاء معاناتهم المستمرة.
وغنيٌّ عن القول أن إيقاف الحرب في السودان يستلزم وجود تيار سياسي واجتماعي واسع يعبر عن إرادة السودانيين الغالبة، ويعمل برؤية مشتركة وجهود موحدة لإسكات البنادق والإمساك الجماعي بخشبة الخلاص لعبور مستنقع الأزمة.
تشكيل هذا التيار هو مسؤولية الجميع – وعلى القوى السياسية والمدنية بشكل خاص أن تتحمل نصيبها من المسؤولية التاريخية – وشروط تحقيقه ليست مستحيلة، بل تتطلب وعياً نزيهاً ومشحوناً بالاستقامة، وترفعاً عن الحسابات الضيقة، مع تقديم الأولويات الجوهرية على القضايا الثانوية، والتنازلات المتبادلة خدمةً للهدف المنشود.
السلام لم يعد خياراً يقبل التأجيل، بل ضرورة وطنية ووجودية لمواجهة الكارثة الإنسانية وإبعاد شبح التقسيم عن فضاء الوطن، لكن تحقيق السلام لن يتم بالأماني ولا بالتصريحات المتواترة بينما الفعل ممنوع من الصرف، ولن يأتي من خارج الحدود، بل يتطلب توحيد الإرادة الوطنية من خلال اجتماع القوى السياسية والمدنية على مبدأ الحل السياسي السلمي، وبلورة مبادرة وطنية بمبادئ عامة ورؤية مشتركة تتصدى بها لدعوات استمرار الحرب وخطاب الكراهية الذي يذكي نارها، وتفتح بها حواراً مع قيادتي الطرفين المتحاربين لبحث القضايا ذات الصلة المباشرة بالحرب وفي مقدمتها إنهاء حالة تعدد الجيوش لصالح الجيش القومي المهني الواحد والعدالة وعموم ترتيبات ما بعد الحرب بقيادة سلطة انتقالية مدنية متوافق عليها، بما يُمكِّن من الوصول إلى اتفاق إيقاف العدائيات لمعالجة الكارثة الإنسانية وتهيئة المناخ لعملية سياسية تناقش جذور الأزمة وتطرح حلولاً توافقية تحافظ على وحدة السودان وسلمه الأهلي وتفضي لتأسيس دولة مدنية ديمقراطية.
في ظاهر الأمر، يبدو التاريخ كأنه سردية طويلة لمعاناة الإنسان وآلامه، لكن الحقيقة الكبرى أن الإنسان كان على الدوام ينتصر بفضل إرادته التواقة للحرية والسلام والعدالة .. وإذ يشهد التاريخ أن المعاناة، مقرونة بإرادة الحياة والوعي بشروطها الكريمة، تفرز مضادات الاستبداد وتستنهض مقاومته، فإنها كذلك تفرز المناعة اللازمة لمواجهة جرثومة الحرب الخبيثة واجتثاثها. ولولا هذه الجدلية التي تربط بين المعاناة والوعي والمقاومة، لظل التاريخ يسير على مجرىً راعِف ولأفضى إلى استدامة الاستبداد والدمار.
لن نكفّ عن التأكيد على أن الواجب الوطني يُحتم على القوى السياسية والمدنية الارتقاء إلى مستوى التحديات المصيرية التي تهدد الوطن. إن المرحلة تستوجب تجاوز الخلافات البينية وتقديم المصلحة العامة على الحسابات الذاتية، ورفع راية الانحياز للوطن ومطلب شعبه المُلحّ بإيقاف الحرب فوراً .. ولنتذكّر دائماً أن كلمة السرّ في انتصار ثورة ديسمبر، وما سبقها من المآثر الوطنية الكبرى في تاريخنا، كانت تكمن في وحدة الهدف والإرادة.
التحية لذكرى ثورة ديسمبر المجيدة، الرحمة لشهدائها، والسلام والمحبة لشعبنا العظيم.
الوسومالسودان ثورة ديسمبر حرب 15 أبريل
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان ثورة ديسمبر حرب 15 أبريل
إقرأ أيضاً:
ترامب: بوتين تخلى عن حلمه ويريد السلام
اعتبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، الثلاثاء، أن نظيره الروسي فلاديمير بوتين يريد السلام، وأنه تخلى عن حلمه بالاستيلاء على أوكرانيا.
وردا على سؤال وجهه إليه مراسل شبكة “إيه بي سي” بشأن ما إذا كان يعتقد أن بوتين يريد إنهاء الحرب في أوكرانيا، قال ترامب “أعتقد ذلك”.
وأضاف الرئيس الجمهوري الذي احتفل الثلاثاء بمرور 100 يوم على عودته إلى البيت الأبيض: “أعتقد أن حلمه (بوتين) كان الاستيلاء على البلد بأكمله “لكن بسببي، هو لن يفعل ذلك”.
وعندما سئل عما إذا كان يثق بالرئيس الروسي، أجاب ترامب: “أنا لا أثق بالعديد من الناس”.
وكان الرئيس الأميركي قد أعرب، السبت، عن شكوكه بشأن استعداد بوتين لإنهاء الحرب في أوكرانيا بعد أن شن الجيش الروسي قصفا مكثفا على أوكرانيا تسبب بسقوط ضحايا مدنيين.
وكتب ترامب في منشور على منصته تروث سوشل: “لم يكن هناك أدنى سبب لبوتين لإطلاق صواريخ على مناطق مدنية ومدن وقرى في الأيام الأخيرة. هذا يجعلني أعتقد أنه ربما لا يريد وقف الحرب ويماطل.. عندها يجب التعامل معه بشكل مختلف”، وذلك بعد أن أعلنت روسيا أنها استعادت منطقة كورسك بالكامل.
ومنذ عودته إلى السلطة في يناير الماضي، بدأ ترامب تقاربا مع بوتين، لكنه لم ينجح حتى الآن في الحصول على تنازلات كبيرة من موسكو لوقف الحرب في أوكرانيا.
سكاي نيوز
إنضم لقناة النيلين على واتساب