سودانايل:
2025-04-26@23:15:58 GMT

غياب رموز المجتمع في زمن الحرب

تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT

في غمرة الحرب الدائرة فقدنا أصواتاً ثورية صاخبة حتى كأننا ظننا أنها تحترف النضال فقط في زمن السلم. ذلك يعني أنها لا تصدر عن موقف وطني إلا في لحظات باهية، وهنية. فالمثقفون، أو السياسيون الرموز، يوم الحارة "الزول بلقى أخو" كما أفصحت حكامة كردفان. ولكن كان قدر الشعب يبدو أنه حين انتصرت ثورته خرج الآلاف من المثقفين الذين صمتوا تجاه استبداد الإسلامويين ليعبروا عن فرحتهم.

وبعضهم ترك موجة تأييده الموثق للإنقاذ، وركب موجة التغيير طالباً الوظيفة. وموقف شبيه لهذا نلاحظه هذه الأيام لمثقفين سوريين كانوا يؤيدون الأسد إذ ظلوا صامتين طوال زمن التعذيب في سجن صيدنايا. والآن ينقلبون مئة وثمانين درجة ليؤيدوا الوضع الجديد. والحقيقة أن هذه المواقف المتبادلة هي من نهج سياسيين ومثقفين كثر في منطقتنا. بعض الناس يعد ذلك جبناً من المثقف، وآخر يعده نفاقاً. وطرف ثالث يرى أن عدد المثقفين الذين يثبتون على مواقفهم عند ترجيح فرص الحياة، أو الموت، قليل بطبيعة الحال. ذلك الأمر ملحوظ منذ أيام سقراط، إلى زمن الحلاج، وابن حنبل، وإلى اللحظة التي فضل محمود محمد طه المقصلة بدل الموت الزؤام.
نحن نعذر القادة السياسيين الذين يتقلبون في مواقفهم كما الحرباء، ذلك باعتبار أنهم أصلاً لا يراعون للأخلاقيات في كثير من الأحيان عند ممارسة السياسة. وبالتالي يستخدمون البراغماتية الانتهازية من أجل الحصول على السلطة، والنفوذ، والثروة. ولكن حين يتعلق الأمر بالمثقف العضوي الذي هو سياسي بطبيعة وعيه فإننا نتأسف لوجود عدد كبير من المثقفين، والأكاديميين، ورموز المجتمع السودانيين الذين هم خفاف عند الطمع، وثقال عند الفزع.
هذه الفئة المستنيرة التي حازت على أرقى الدرجات العلمية داخل وخارج البلاد تفتقد للمروءة الإنسانية في وقت يتطلب الجهر بالمواقف الصحيحة. لا يتحركون لمناصرة المظلومين، ولا تروعهم مناظر القصف الجوي والمدفعي التي تهشم أجساد المواطنين الآن حتى. بل ربما تجدهم يتسلون في مجالس أنسهم بأخبار انتهاكات جهاز الأمن نحو زملائهم، ولكن لا تاخذهم أي عاطفة زمالة لإرسال خطاب احتجاج في بريد السلطة. فقط هم هكذا تعرفونهم جيدا، ولك أن تسترد بذاكرتك أسماء كثيرة في كل حقول علم الاجتماع. أما الذين هم متخصصون في مجال العلوم الطبيعية فهم لا يحسون بآلام البشر. فتراهم يحسبون أنفسهم فنيين، أو تكنوقراط معنيين بتسيير دولاب الدولة سواء حكمه جان، أو شيطان.
أتذكر بعد نجاح ثورة ديسمبر أنه عاد عدد كبير من المثقفين المغتربين، والمهاجرين، يطلبون التوزير، أو ابتعاثهم لمحطات دبلوماسية ليحلوا محل كيزان الخارجية. ومن هم كانوا صامتين في الداخل ذهبوا لتفعيل نشاطهم السياسي عبر أحزاب، ومنظمات، كي يحصلوا على جزء من الكيكة. وعندما وقعت واقعة الانقلاب عاد بعضهم إلى مهاجرهم، واستأنفوا العمل في وظائفهم، ومنهم من وجد وظيفة في المنظمات الدولية لكونهم حازوا على مناصب حكومية مرموقة.
الحرب الآن تكاد تعصف بالوطن، وتقود الناس للاقتتال في الشارع بعضهم بعضاً، ومع ذلك لا نسمع صوتاً ممن يعدون انفسهم مثقفين كبار. بل لا نرى قيامهم بحملات ضد الحرب، أو تقديم مذكرات احتجاج، أو نصح لطرفي القتال كخطوة معتبرة تؤثر على مستوى الرأي العام. وما نراه من تحركات دؤوبة لمدنيين لا يتناسب مع الحجم العريض لقاعدة الذين أهلتهم مؤسساتنا الأكاديمية بدرجات عليا.
اعتقد أن بعضاً من الأسباب التي قادت البلاد إلى هذا الدرك الاسفل يعود إلى انتهازية المثقفين - أو المتعلمين الذين حازوا - على حساب دافع الضرائب السوداني - على تحصيل علمي عظيم جعل منهم رموزا مقدرة بمكانتها الاجتماعية. والحقيقة أن هذه الفئة المؤهلة علمياً، وهي تعد بالآلاف فضلت في فترة الإنقاذ وحتى الآن البحث عن وظائف، وأوطان، تفصلها عن التفاعل مع قضايا الجماهير التي تنتظر دورها في نشر الوعي السياسي، والثقافي، والاجتماعي.
من ناحية ثانية لاحظنا أن أغلب الشخصيات التي جلبتها قوى الحرية والتغيير في الوزارة، والمجلس السيادي، والمؤسسات الحكومية، قد اعتزلت الظهور في أجهزة الإعلام للتنديد بخطوات انقلاب البرهان - حميدتي، وكذلك التعبير عن رفضها للحرب، والانتهاكات التي ارتكبها الطرفان. بل رأينا بعض الصامتين يشاركون من وراء حجاب عدد من التنظيمات السياسية، ولا يتبرعون بالإدلاء بدلوهم في ما يتعلق بدعم الرأي العام الرافض للحرب. وللأسف وسط هؤلاء من كان أعلى صوتاً في الفترة الانتقالية المجهضة، وصاروا نجوماً في أجهزة الإعلام الرسمية، وكانوا يتحركون بخفة بين منبر وآخر بوصفهم مسؤولين، أو رموز لثورة ديسمبر.
إجمالاً، يظل غياب رموز المجتمع السوداني من سياسيين، ومثقفين، وأكاديميين، في زمن الديكتاتورية، والحرب، أسوأ من انتهاكات المستبدين أنفسهم. فالصمت في لحظات تتطلب الجهر بالمواقف يمثل المحفز الأول لاستمرار الاستبداد، وما يفرزه من كوارث مجتمعية مثل التي نعايشها الآن بكثافة.

suanajok@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

نقابة المالكين: نشكر جميع النواب الذين صوّتوا إلى جانب الحقّ

صدر عن نقابة المالكين البيان الآتي: تشكر نقابة المالكين جميع النواب الذين صوّتوا إلى جانب الحق بإسقاط الاقتراح المعجّل المكرّر بتعليق العمل بقانون الإيجارات للأماكن غير السكنية، وتخصّ بالشكر رئيس وأعضاء لجنة الإدارة والعدل الذين وقفوا سدًا منيعا في وجه تعطيل العمل بقانون نافذ، يعيد التوازن إلى العلاقة بين المؤجرين والمستأجرين وفق مبادئ الحق والعدالة والمساواة، وضمن فترات زمنية متدرّجة. ولو فعل مجلس النواب عكس ذلك لكانت نكسة كبرى في حق المجلس نفسه، وبخاصة لجنة الإدارة والعدل التي درست القانون في عدد من الجلسات النيابية قبل عرضه على المال والموازنة، ثم التصويت عليه، والنأخر في نشره عاما وثلاثة أشهر. 
وهنا نذكّر بأن تطبيق هذا القانون يؤمّن مداخيل بملايين الدولارات لخزينة الدولة وللبلديات، ويسهم في تحريك العجلة الاقتصادية، وفي توفير أماكن وأقسام للمؤسسات التجارية، والأهم أنه يعيد الاعتبار للملكية الفردية. ونتمنى باسم المالكين القدامى أن يكون الإنصاف إلى جانبنا أيضًا في المجلس الدستوري، انطلاقا من قراره التاريخي عام ٢٠١٤ في الإيجارات السكنية، وأيضًا بالاستناد إلى تقرير مجلس شورى الدولة بوجوب نشر القانون في الجريدة الرسمية، مع تأكيد مجلس النواب يوم أمس وبإصرار على الالتزام بنفاذ هذا القانون ووجوب البدء بتطبيقه من دون أية عوائق.       مواضيع ذات صلة نقابة المالكين: أصبحنا على طريق استعادة حقوقنا المشروعة في الإيجارات غير السكنية Lebanon 24 نقابة المالكين: أصبحنا على طريق استعادة حقوقنا المشروعة في الإيجارات غير السكنية 25/04/2025 12:18:37 25/04/2025 12:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 نقابة المالكين: لاحترام الدستور ومواده Lebanon 24 نقابة المالكين: لاحترام الدستور ومواده 25/04/2025 12:18:37 25/04/2025 12:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 نقابة المالكين بحثت في تطبيق قانون الإيجارات غير السكني: للمباشرة بتطبيقه Lebanon 24 نقابة المالكين بحثت في تطبيق قانون الإيجارات غير السكني: للمباشرة بتطبيقه 25/04/2025 12:18:37 25/04/2025 12:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 نقابة المالكين: لا صحة لخبر رمي أي مستأجر في الشارع Lebanon 24 نقابة المالكين: لا صحة لخبر رمي أي مستأجر في الشارع 25/04/2025 12:18:37 25/04/2025 12:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً "أقرّوه من دون فهمه".. قانون السرية المصرفيه بات نافذاً والتطبيق شبه مستحيل Lebanon 24 "أقرّوه من دون فهمه".. قانون السرية المصرفيه بات نافذاً والتطبيق شبه مستحيل 04:30 | 2025-04-25 25/04/2025 04:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 لكل هذه الأسباب مجتمعة أنا عائد Lebanon 24 لكل هذه الأسباب مجتمعة أنا عائد 02:00 | 2025-04-25 25/04/2025 02:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 سلام قدّم التعازي بوفاة البابا فرنسيس... واطمأن إلى صحة الراعي Lebanon 24 سلام قدّم التعازي بوفاة البابا فرنسيس... واطمأن إلى صحة الراعي 05:04 | 2025-04-25 25/04/2025 05:04:53 Lebanon 24 Lebanon 24 يمق تسلم موافقة ديوان المحاسبة على ترميم بلدية طرابلس Lebanon 24 يمق تسلم موافقة ديوان المحاسبة على ترميم بلدية طرابلس 05:03 | 2025-04-25 25/04/2025 05:03:49 Lebanon 24 Lebanon 24 البستاني: إقرار قانون رفع السرّية المصرفية اوّل خطوة فعليّة في رحلة الألف إصلاح Lebanon 24 البستاني: إقرار قانون رفع السرّية المصرفية اوّل خطوة فعليّة في رحلة الألف إصلاح 05:00 | 2025-04-25 25/04/2025 05:00:54 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة سياح مصدومون في لبنان Lebanon 24 سياح مصدومون في لبنان 14:53 | 2025-04-24 24/04/2025 02:53:37 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو... هذه حقيقة حصول غارة على طريق ضهر البيدر Lebanon 24 بالفيديو... هذه حقيقة حصول غارة على طريق ضهر البيدر 06:56 | 2025-04-24 24/04/2025 06:56:00 Lebanon 24 Lebanon 24 القانون أُقِرَ.. طباعة أوراق نقديّة من فئات جديدة؟ Lebanon 24 القانون أُقِرَ.. طباعة أوراق نقديّة من فئات جديدة؟ 06:09 | 2025-04-24 24/04/2025 06:09:46 Lebanon 24 Lebanon 24 الإشكال تجدّد... إلقاء قنبلة واندلاع حريق في برجا (فيديو) Lebanon 24 الإشكال تجدّد... إلقاء قنبلة واندلاع حريق في برجا (فيديو) 14:29 | 2025-04-24 24/04/2025 02:29:24 Lebanon 24 Lebanon 24 جنبلاط والرسائل الثقيلة: صمتٌ مشحون وردّ مُشفّر Lebanon 24 جنبلاط والرسائل الثقيلة: صمتٌ مشحون وردّ مُشفّر 11:01 | 2025-04-24 24/04/2025 11:01:00 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 04:30 | 2025-04-25 "أقرّوه من دون فهمه".. قانون السرية المصرفيه بات نافذاً والتطبيق شبه مستحيل 02:00 | 2025-04-25 لكل هذه الأسباب مجتمعة أنا عائد 05:04 | 2025-04-25 سلام قدّم التعازي بوفاة البابا فرنسيس... واطمأن إلى صحة الراعي 05:03 | 2025-04-25 يمق تسلم موافقة ديوان المحاسبة على ترميم بلدية طرابلس 05:00 | 2025-04-25 البستاني: إقرار قانون رفع السرّية المصرفية اوّل خطوة فعليّة في رحلة الألف إصلاح 05:00 | 2025-04-25 الانتخابات البلدية "في موعدها".. ماذا عن "معركة" بيروت؟! فيديو أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو) Lebanon 24 أصرت على الوقوف بجانب النعش.. راهبة تخرق البروتوكول لتلقي نظرة على جثمان البابا المسجى (فيديو) 23:56 | 2025-04-23 25/04/2025 12:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم Lebanon 24 بالفيديو.. رحلة البابا فرنسيس من الطفولة وحتى انتخابه حبرًا أعظم 09:23 | 2025-04-21 25/04/2025 12:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود Lebanon 24 ميقاتي: الحل للوضع في الجنوب بتشكيل لجنة أمنية قانونية لتثبيت اتفاق الهدنة ونقاط الحدود 01:00 | 2025-04-15 25/04/2025 12:18:37 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد عربي-دولي بلديات 2025 متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24

مقالات مشابهة

  • تعرف على الأسرى الإسرائيليين الذين قتلوا خلال الحرب
  • موقع الحرب الأمريكي: ما هي الدفاعات الجوية التي يمتلكها الحوثيون في اليمن فعليًا؟ (ترجمة خاصة)
  • هل يجوز قطع صلة الرحم مع الأقارب الذين يُكثرون من الإساءة إليّ ولأسرتي؟.. الأزهر للفتوى يجيب
  • الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
  • نقابة المالكين: نشكر جميع النواب الذين صوّتوا إلى جانب الحقّ
  • سفير السودان بالهند يدعو المجتمع الدولي للضغط علي الدول الداعمة للمليشيا لوقف الانتهاكات
  • خالد الجندي: لازم نلتزم برأي الأزهر في الفتوى العامة التي تمس المجتمع
  • الفاتيكان يُعلن عن تغييرات جذرية في طقوس دفن الباباوات
  • قصة التوتر التي تحدث الآن بين الهند وباكستان
  • الفيوم تستعيد بريقها الأدبي: نادي المحافظة يحتضن المؤتمر الأدبي الأول بمشاركة نخبة المثقفين