امتحانات الشهادة السودانية.. الطريق إلى تقسيم السودان عبر “سلاح التعليم”

فتحي محمد عبده

وضعنا البيان الصادر عن لجنة المعلمين السودانيين يوم أمس الأول أمام حقائق مهمة ومؤسفة في الوقت نفسه، فيما يتعلق بامتحانات الشهادة السودانية التي قررت حكومة بورتسودان إقامتها بنهاية ديسمبر الجاري. ففي خضم الحرب المستمرة في مناطق واسعة من البلاد لما يقارب العامين، التي أنهكت البلاد وأثقلت كاهل الشعب، تأتي قرارات حكومة بورتسودان بإقامة امتحانات الشهادة الثانوية لعام 2023 في المناطق التي تسيطر عليها القوات المسلحة فقط، كخطوة غريبة، وهي امتحانات “أُجِّلت” بسبب الحرب وتوسع رقعتها.

ومما لا شك فيه أن هذه القرارات تحمل في طياتها تداعيات خطيرة على وحدة البلاد ومستقبلها. هذه القرارات، التي تبدو في ظاهرها تنظيمية، تحمل أبعادًا سياسية واجتماعية تهدد بالانقسام وتعزيز الإقصاء، وهو ما يمهد الطريق لتقسيم السودان بشكل أعمق وأكثر تعقيدًا.

منذ اندلاع الحرب، أصبح التعليم واحدًا من أكثر القطاعات تضررًا، حيث توقفت المدارس في العديد من المناطق، خاصة المناطق التي وصلتها نيران المتحاربين، وفُقدت فرص التعلم لمئات الآلاف من الطلاب بسبب الظروف الأمنية. ورغم هذه الأزمة، أصرت حكومة بورتسودان على إجراء الامتحانات في 28 ديسمبر 2024، متجاهلة الظروف الأمنية والمعيشية التي تعصف بالبلاد. وفوق هذا كله، قررت عدم إجرائها في ثماني ولايات كاملة وأجزاء واسعة من ست ولايات أخرى، بمعنى أن من أصل ثماني عشرة ولاية سودانية، سيجلس طلاب أربع ولايات فقط للامتحانات بشكل كامل.

وفقًا لبيان لجنة المعلمين السودانيين، فإن أكثر من 60% من الطلاب المؤهلين للجلوس للامتحانات سيُحرمون منها، خصوصًا في ولايات دارفور وكردفان الكبرى، وأجزاء من الخرطوم، والجزيرة، ومناطق أخرى تعاني من انعدام الأمن أو غياب الخدمات الأساسية. هذه النسبة الصادمة تعكس واقعًا مريرًا يتمثل في استبعاد شريحة كبيرة من الطلاب، وتحويل حقهم في التعليم إلى امتياز يُمنح فقط لمن يعيشون في مناطق محددة يتحكم فيها الإسلاميون ومليشياتهم.

الإصرار على إجراء الامتحانات في هذه الظروف، دون ضمان العدالة والشمول لكل الطلاب المؤهلين، ودون توفير بيئة آمنة لهم، يمثل انتهاكًا صارخًا لحقوق الطلاب. فالتعليم، الذي يُفترض أن يكون أداة محايدة تُفعّل من أجل الوحدة والسلام، يُستخدم الآن، لقصر نظر هؤلاء، كوسيلة لزرع الفتن، وتكريس الفوارق، وإقصاء فئات واسعة من المجتمع السوداني عن حقوقهم.

بالطبع، فإن قرار إجراء الامتحانات على النحو الذي أقرته حكومة بورتسودان ليس قرارًا إداريًا بريئًا، بل يعكس استراتيجية تتبناها هذه السلطة، التي يسيطر عليها عناصر من النظام السابق، لاستغلال التعليم كأداة لتعزيز نفوذهم السياسي والاجتماعي في مناطق محددة، والتحكم بمصير سكانها بزريعة دولتهم المزعومة، أو “دولة البحر والنهر” كما يحلو لهم الاسم والعنوان.

وبالتالي، إقصاء وحرمان طلاب الشهادة الثانوية في المناطق خارج سيطرة القوات المسلحة وحلفائها من عناصر النظام العنصري البائد من الامتحانات، سيعمق بالتأكيد الشعور بالظلم، ويزرع بذور الانفصال وتقرير المصير في نفوس سكان هذه المناطق. لأن استثناء ولايات بعينها من العملية التعليمية، يُراد له أن يُرسّخ فكرة أن السودان ليس دولة واحدة متماسكة، وأن يُواصل ما انقطع من مشروع ما يسمى “بثورة الإنقاذ” الذي عمل على تحويل الدولة السودانية إلى مجموعة من الكيانات المنفصلة، تعاني بعضها دون الأخرى من انعدام العدالة وتفاوت الفرص والحرمان من الحقوق الأساسية والدستورية. وهو ما يمثل تهديدًا خطيرًا لوحدة السودان ومستقبل أجياله.

 

الوسومالشهادة السودانية حرب السودان دارفور لجنة المعلمين السودانيين

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الشهادة السودانية حرب السودان دارفور لجنة المعلمين السودانيين

إقرأ أيضاً:

بدء امتحانات الشهادة الإعدادية وسط إجراءات مشددة لمكافحة الغش

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

انطلقت منذ قليل،  امتحانات الفصل الدراسي الأول للشهادة الإعدادية لعام 2025/2024 على مستوى المحافظات.

وأعلنت المديريات التعليمية بالمحافظات استعداداتها الكاملة لامتحانات الفصل الدراسي الأول للشهادة الإعدادية، مع تشديد تأمين اللجان الامتحانية.

وأكدت المديريات التعليمية اتخاذ كافة التدابير الوقائية والاحترازية لضمان صحة وسلامة الطلاب، بالإضافة إلى التنسيق مع الجهات الأمنية لتأمين المدارس وتأمين أوراق الأسئلة والإجابة. 

كما تم تشكيل غرف عمليات بالمديريات والادارات التعليمية لمتابعة وتلقي أية شكاوى أثناء انعقاد اللجان.

كما تم التشديد على ضرورة الالتزام بعدم استخدام الهواتف المحمولة في اللجان واتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين.

في السياق نفسه أصدرت مديرية التربية والتعليم بالقاهرة تحذيرات شديدة اللهجة لجميع الطلاب من محاولات الغش أو الشروع فيه خلال فترة الامتحانات، مؤكدة أن العقوبات قد تشمل إلغاء الامتحان، بل وقد تصل إلى الحبس والغرامة وفقًا للقانون رقم (٢٠٥) لعام ٢٠٢٠. 

وأكدت المديرية ضرورة الالتزام الكامل باللوائح والتعليمات المنظمة لأعمال الامتحانات، مشددة على أهمية تكافؤ الفرص بين الطلاب وعدم التعرض لعقوبات الحرمان من الامتحانات.

كما وجهت رسالة تحذيرية لأولياء الأمور بضرورة توعية أبنائهم وحثهم على الابتعاد عن أي سلوك يضر بمستقبلهم. 

في السياق نفسه، شددت المديرية على مديري الإدارات التعليمية بمتابعة الامتحانات بدقة، وضبط أي محاولات للإخلال بسير الامتحانات، مع التأكيد على منع حيازة الهواتف المحمولة أو الأجهزة الإلكترونية داخل اللجان.

يشار إلى أن طلاب الشهادة الإعدادية بالقاهرة يؤدون اليوم امتحاني اللغة الانجليزية والهندسة.

مقالات مشابهة

  • محافظ كفر الشيخ يطمئن على سير امتحانات الشهادة الإعدادية
  • وكيل التعليم بالغربية يتفقد امتحانات الشهادة الإعدادية بمدارس طنطا
  • مدير مديرية التعليم نفى تسريب امتحانات الشهادة الإعدادية
  • هجوم بطائرة مسيّرة يتسبب في انقطاع الكهرباء بعدة ولايات السودانية
  • انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية بمحافظة أسوان
  • بالصور.. انطلاق امتحانات الشهادة الإعدادية في بورسعيد
  • هجوم بطائرة مسيّرة يتسبب في انقطاع الكهرباء بعدة ولايات السودانية 
  • بدء امتحانات الشهادة الإعدادية وسط إجراءات مشددة لمكافحة الغش
  • التعليم : غداً إجازة من الامتحانات مراعاة لاحتفال المسيحيين بعيد الغطاس
  • الحكومة السودانية تستنكر عقوبات واشنطن على البرهان وتعتبرها “استخفافا” بالشعب