الحفاظ على قيم ثورة ديسمبر هو الضمان لإفشال مخطط تفتيت بلادنا
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
تمر ذكرى ثورة ديسمبر العظيمة وبلادنا أصبحت مسرحا لحرب عبثية تقضي على الأخضر واليابس، تقتل المواطن وتشرده من بيته وتحرمه من رزقه وتعليم اطفاله. انها كارثة رهيبة تهدد وحدة هذه البلاد وتماسك نسيجها المجتمعي.
وفي خضم التحشيد للحرب ضاعت الأصوات العاقلة التي تنادي بوقف حرب الخاسر الوحيد فيها مواطن فقد كل شيء، ومن لم يمت بالدانات والقصف العشوائي من طرفي القتال، مات بالجوع والاوبئة التي انتشرت في ظل غياب الدولة ومؤسساتها وتدمير القطاع الصحي وفشل المواسم الزراعية.
انها حرب على هذه البلاد ووحدتها، على شعبنا وثورته، فالحرب لم تكن سوى الخطة البديلة لفشل الانقلاب على الحكومة المدنية. فالمؤتمر الوطني (أو الحركة الإسلامية) ظل يدير المشهد من خلف ستار اللجنة الأمنية. لم ينجح الحزب الاجرامي طوال فترة استئثاره بالسلطة في شيء مثلما نجح في غرس بذور الفتن التي أثمرت الحرب الحالية. الحزب الاسلاموي لا يساوي بقاء الوطن موحدا في أدبياته الكثير، وتجلى ذلك مبكرا في فكرة مثلث حمدي التي نادت بقصر التنمية على مثلث بعينه لم يكن سوى تمهيد لدفع أجزاء من البلاد للانفصال، ودُفع أهلنا في الجنوب دفعا لتبني خيار الانفصال، ثم ظهرت (فكرة) دولة البحر والنهر، وهي ليست سوى فكرة واهمة ساذجة تعتمد على عناصر اثنية ليست سوى جزء اصيل من المكون الاثني للبلاد كلها، والغريب ان دعاتها يزعمون انتمائهم لمكون مهاجر، ويعطون أنفسهم الحق في الوقت نفسه لتقرير مصير بلاد هم باعترافهم (رغم خطل ذلك الاعتراف) ليسوا سكانها الأصليين!
أهل السودان شمالا وجنوبا غربا وشرقا تربط بينهم أواصر الدم والعادات والقيم المشتركة، وبسبب إخفاقات الحكومات الوطنية في فترة ما بعد الاستقلال وانعدام الرؤى الاستراتيجية لديها، لم تولي الاهتمام اللازم لقضية التنمية العادلة في كل الأقاليم ولم تهتم حتى بالمناهج الدراسية، التي جعلتنا نعرف عن بعض دول الجوار أكثر مما نعرف عن أهلنا في بقاع السودان المختلفة.
حتى بلاد العالم التي تشكلت مجتمعاتها من شعوب مختلفة في سحناتها وثقافاتها لم يكن صعبا بالوعي والقوانين التي توحد بين الناس، خلق مجتمعات متماسكة تدين بالولاء للوطن لا لقبيلة او جهة، فقوة الشعوب في وحدتها وفي وعي أبنائها، والمدهش ان التنظيم الذي يثير الفتن والعنصرية ويسعى لتقسيم البلاد على تلك الأسس، يزعم لنفسه تبني مشروع إسلامي، بينما الدين نفسه يؤكد على عدم التفرقة بين الناس الا على أساس التقوى.
واضح ان هذه الحرب لا منتصر فيها سوى الموت والدمار ولا خاسر فيها سوى الوطن ومواطنيه. وأنّ الجهة التي تصر على استمرارها تهدف لمسح ذاكرة الناس من جرائمها، واغراقها في الانتهاكات الرهيبة التي صاحبت هذه الحرب من كل أطرافها لذلك تحرص على ان يتطاول أمد الحرب وتغرق ذاكرة شعبنا في مزيد من جرائم الحرب والانتهاكات أملا في أن ينسى الناس جرائم أكثر من ثلاثة عقود. لكن كل تلك المحاولات لن تخفي حقيقة أن الحرب نفسها هي امتداد ونتيجة حتمية لجرائم عقود حكم الكيزان الثلاثة.
تهدف الحرب لتبديد ذكرى ثورة ديسمبر واغراقها في محيط جرائم حرب عبثية يتصارع فيها شركاء الأمس فوق رؤوس الأبرياء، لذلك تركز تلك الجهات هجومها على المدنيين بينما تعلن استعدادها للتفاوض مع قوات الدعم السريع ان جنحت للسلم!
ان الوفاء لقيم ثورة ديسمبر العظيمة يحتم علينا ان نسعى لوقف الحرب التي توسع في كل يوم الشقة بين أبناء الوطن وتهدد بزواله، الوفاء لقيم تلك الثورة العظيمة يحتم علينا ان نتكاتف جميعا لوقف فتنة الحرب، وليخضع كل من سعى لإشعالها وكل من ارتكب جريمة من أطرافها في حق المواطنين الأبرياء للمحاسبة. وتستبعد كل الأطراف التي شاركت في هذه الحرب من اية تسوية قادمة، يكون المشهد فيها فقط لهذا الشعب الذي فجّر ثورة ديسمبر العظيمة.
ينتظرنا الكثير بعد ان تتوقف الحرب العبثية، ينتظرنا ان نستعيد قيم هذه الثورة العظيمة التي وحدت رؤى ووجدان بني شعبنا وأزالت كل الفوارق الوهمية التي حاول النظام القديم زرعها في تربة هذه البلاد الطيبة، ينتظرنا ان نبعد كل العسكر من المشهد، ونقتلع جذور الفساد الذي صار منهج حكم دولة الكيزان، حيث أصبح الفساد هو القاعدة والنزاهة هي الاستثناء، فساد شمل كل مناحي الحياة، فتراجع كل شيء، وضاعت أجيال كاملة واندثرت قيم الشفافية والعدالة. وتراجعت جودة الخدمات التي تقدمها مؤسسات الدولة المختطفة الى الحضيض بسبب تعيين اهل الولاء محل اهل الكفاءة والتأهيل والإخلاص، وأصبحت الدولة أشبه بمنظومة جريمة منظمة تعمل فقط لصالح منسوبيها وتحتكر لهم كل شيء.
ينتظرنا أن نعيد بناء بلادنا بحيث تتوزع مشروعات التنمية الزراعية والصناعية والتعليمية والصحية في كل جهاتها دون استثناء، ويصبح لدينا عاصمة خالية من اية مظاهر عسكرية، تكون فقط للعمل الحكومي ولإدارة الدولة. ان التنمية المتوازنة التي تغطي البلاد كلها هي السبيل الأمثل لإبقاء وحدة هذه البلاد ونزع فتيل الفتن والمؤامرات التي تحدق بها. ان التعليم حق لكل مواطن، يجب ان توفره الدولة للجميع، لا يضمن ذلك فقط تحقيق العدالة بل ويجعل البلاد تستفيد من عقول أبنائها التي تضيع هدرا بسبب تحول التعليم الى سلعة للقادرين على دفع تكاليفها.
عاشت ذكرى ديسمبر العظيمة، مشاعل تطرد الاستبداد والظلام وتنير للأجيال طريق الحرية والكرامة.
والمجد والخلود لشهداء الثورة
#لا_للحرب
أحمد الملك
ortoot@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: ثورة دیسمبر هذه البلاد
إقرأ أيضاً:
بعد عامين من الحرب هل ينجح السودان في النهوض باقتصاده؟
الخرطوم – بدأ اقتصاد السودان يستفيق من صدمة الحرب التي اندلعت قبل عامين، غير أن خبراء ومستثمرين لحق الدمار بمؤسساتهم يرون أن إعادة الإعمار وإنعاش الإنتاج ودورة الحياة الاقتصادية يحتاج رؤية وخطة فاعلة واستقطاب تمويل ضخم لا يتوفر في داخل البلاد.
وحسب صندوق النقد الدولي، بأن الناتج المحلي الإجمالي في السودان انكمش 18% في عام 2023، وتوقع وزير المالية السوداني جبريل إبراهيم أن يصل الانكماش في الاقتصاد السوداني إلى حوالي 28% بنهاية العام 2024 قبل أن يرتد ليحقق نموًا بنحو 0.3%، ثم 0.7% في العامين المقبلين.
وانهارت العملة الوطنية في السودان بشكل كبير منذ 15 أبريل/ نيسان 2023، فصار الدولار يُتداول بنحو 2700 جنيه سوداني في السوق الموازي حاليًا، مقارنة بحوالي 600 جنيه سوداني قبل الحرب.
حقائق وأرقاموحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء في السودان، تراجع معدل التضخم في فبراير/شباط الماضي إلى 142.34% مقارنة مع 145.14% في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وانخفضت قيمة كل من الصادرات والواردات خلال العام الماضي، لكنّ مقدار الانخفاض في الوارد كان أكبر بكثير:
تراجعت قيمة الصادرات السودانية إلى 3.13 مليارات دولار في 2024 من 4.35 مليارات دولار في 2022، بانخفاض بنحو 28%. انخفضت قيمة الواردات إلى 4.91 مليارات دولار من 11.09 مليار دولار بتراجع 66%، وفق وزارة التجارة. إعلانيرى الباحث الاقتصادي إبراهيم صالحين أن الاقتصاد السوداني تأثر سلبيًا بشكل كبير جراء الحرب، الأمر الذي يجعل إصلاحه يتخذ مسارات عدة، أولها إنهاء الحرب بشكل كامل وإعادة الاستقرار السياسي إلى البلاد، وإنعاش القطاع الزراعي.
ويقول صالحين لـ (الجزيرة نت) إن القطاع الزراعي يتمتع بإمكانات وفرص كبيرة تُمكن الاقتصاد من الانتعاش، إلى جانب في الاستثمار في البنية التحتية والخدمات الأساسية، مثل الكهرباء وإمدادات المياه ما يدفع نحو التعافي في العام الثالث لتفجر النزاع.
ورغم الدمار الواسع في الصناعة بولاية الخرطوم التي تستخوذ على أكثر من 80% من الصناعات، عادت بعض المصانع في العمل، إذ استأنفت مطاحن روتانا للغلال نشاطها الشهر الماضي على أن تتبعها مطاحن أخرى بنهاية الشهر الجاري.
من جهته، يقول محمد عبد المنعم صاحب مصنع بالخرطوم بحري دمرته الحرب، إن الحرب أفقرت أصحاب الصناعات بعدما فقدوا الأجهزة والمعدات بالإضافة إلى بنية الصناعة، ويحصل غالبيتهم في تمويل من البنوك ما يتطلب إعادة جدولة ديونهم ومنحهم إعفاءات حتى يعودوا للإنتاج.
وشكك المستثمر في تصريح لـ (الجزيرة نت) في إمكانية عودة من نقلوا استثماراتهم إلى خارج البلاد بسبب حالة عدم اليقين والامتيازات التي صاروا يستفيدون منها، فضلا عن انتقال الحرب إلى غرب البلاد التي عدها مصدرا رئيسيا للحبوب الزيتية والثروة الحيوانية، بالإضافة إلى انهيار البنية التحتية وأزمة الطاقة (الكهرباء) التي تعتمد عليها الصناعة.
رؤية للإعمارأقرت اللجنة العليا للإعمار التي شكلها مجلس السيادة السوداني رؤية إطارية تستهدف توجيه الطاقات نحو إعادة بناء النسيج الاجتماعي والعمراني بأفضل مما كان قبل الحرب، وتوظيف واقع التدمير لإعادة بناء المؤسسات والأمكنة بجودة معمارية وهندسة اجتماعية واقتصادية.
إعلانوأوضحت الخطة، التي حصلت الجزيرة نت على نسخة منها، أن تنفيذها سيكون بمشاركة الدولة والمجتمع والقطاع الخاص والمنظمات الإقليمية والدولية، عبر 4 مداخل استراتيجية تشمل الإداري والتشريعي، والسياسي، والعمراني، والاجتماعي.
وحددت الخطة 3 مراحل للإعمار كالتالي:
الأولى: الاستجابة الأولية التي تلي توقف الحرب وتشمل الخدمات الإنسانية الطارئة ودعم الاستقرار وحالة السلام. الثانية: الفترة الانتقالية وتركز على تطوير قدرات المجتمع وإنشاء آليات للإعمار الاقتصادي والسياسي. الثالثة: مرحلة تعزيز الاستدامة بتفعيل خطط إعادة الإعمار وترسيخ كل كوابح عدم العودة للصراع.وقدّرت الخطة خسائر القطاع الاقتصادي بنحو 108.8 مليار دولار، وحددت مصادر التمويل كالتالي:
فرض ضريبة إعمار على المقتدرين من السودانيين في داخل البلاد وخارجها (المغتربين). خفض الإنفاق الحكومي، وتقديم صيغ التمويل بالصكوك. التمويل الخارجي بالقروض والمنح من الدول والصناديق العربية والأفريقية والاسلامية.واقترحت الخطة التركيز على القطاعات المؤثرة والبدء بالقطاع الزراعي الذي يساهم في الناتج المحلي الاجمالي بنسبة 28.9% ثم قطاع الخدمات الذي يساهم بـ 56.7% والصناعي 14.4%، وكان الزراعي أقل تضرراً والأسرع نمواً.
ودعت الرؤية إلى فتح نوافذ للقطاع الخاص والمحلي والأجنبي للمشاركة في إعادة الإعمار وفق صيغ التمويل ونظام البناء والتشغيل ثم إعادة الملكية، وتأسيس صناديق صكوك في السوق العالمية والتوسع في الاستثمار الحلي والأجنبي.
ولتعويض المواطنين والمستثمرين الذين فقدوا منازلهم وممتلكاتهم واستثماراتهم، تقترح الرؤية تأسيس صندوق تعويضات إقليمي وعالمي، وتوفير تمويل ميسر للمتضررين للقطاع الخاص حتى يعود للإنتاج، وإصلاح النظام المصرفي للمساهمة في إنعاش الاقتصاد عبر صيغ تمويل مرنة.
متاعب الخدماتمن جانبه، يقول وزير الصحة السوداني هيثم محمد إبراهيم إن الخسائر في قطاع الصحة فادحة، إذ تبلغ قيمة الأجهزة والمعدات الطبية التي فقدتها المستشفيات العامة والخاصة بالنهب والتدمير بولاية الخرطوم فقط 2.2 مليار دولار.
إعلانويقول إبراهيم لـ (الجزيرة نت) إن المؤسسات المعنية استطاعت خلال فترة الحرب استيعاب 13 ألف طبيب، كما سمح مجلس الأدوية والسموم لـ 19 مصنعاً للأدوية طالها التدمير، بالصناعة التعاقدية خارج البلاد وتوريد أدويتهم بذات علاماتها التجارية، مما ساهم في توفر الأدوية.
ووفقاً لوزير الصحة فإن خطة للنهوض بالقطاع تستند إلى الجهود والمبادرات الداخلية، كما تلقت الحكومة تعهدات من السعودية وقطر بدعم الصحة في المرحلة الإسعافية، واستقبلت مدينة بورتسودان خلال الأسبوع الماضي وفودًا فنية من الدولتين، بجانب منظمات دولية تساهم حاليًا في إنعاش القطاع.
بدوره، يقول الخبير الاقتصادي محمد الناير إن القطاع الصناعي أكثر القطاعات تضررًا بنسبة تتجاوز 80% يليه القطاع التجاري، بجانب تدهور سعر صرف الجنيه في مقابل العملات الأجنبية بسبب التأخر في استبدال العملة الوطنية وتفشي التزوير.
وفي حديث لـ (الجزيرة نت) يرى الناير أن الشهور الأخيرة شهدت استقرارا نسبيا في سعر صرف العملة بعد زيادة عائدات تصدير الذهب إلى أكثر من ملياري دولار في 2024، بالإضافة إلى عودة السيولة للجهاز المصرفي والتعامل الإلكتروني في الخدمات ما يدعو للتفاؤل باستقرار اقتصادي في حال انحسرت الحرب.
وتوقع الخبير تراجعًا في البطالة التي تجاوزت 40% قبل الحرب، بعد تحرك عجلة الاقتصاد بإعادة الإعمار وتدفق استثمارات داخلية بعد هجرة مستثمرين للخارج وانتعاش القطاع الخاص مما يساهم في تشغيل الأيدي العاملة.