المعتقلين الأميركيين مقابل دواء الإيرانيين.. ماذا وراء الصفقة الجديدة بين واشنطن وطهران؟
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
مقدمة الترجمة:
قبل حوالي أسبوع، أطلقت السلطات الإيرانية سراح 4 أميركيين من أصل إيراني، ووضعتهم قيد الإقامة الجبرية داخل البلاد في خطوة أولى ضمن اتفاق مع الولايات المتحدة لا يزال التفاوض جاريا بشأن تفاصيله كاملة، حيث تقضي الصفقة وفق المُعلَن منها حتى الآن بإعادة المحتجزين الأربعة مع مواطن خامس آخر مُحدَّد الإقامة منذ وقت سابق، مقابل رفع قرار التجميد عن بعض الأرصدة الإيرانية في الخارج شريطة إنفاقها على الغذاء والدواء.
وقد اعتقلت إيران "سياماك نمازي" الأميركي-الإيراني قبل 8 سنوات، وهي أطول مدة احتجاز لمواطن أميركي في سجن إيراني، بالإضافة إلى "مراد طاهباز" و"عماد شرقي" اللذين اعتُقلا عام 2018، في حين تظل هوية الأخيرَيْن مجهولة بناء على طلب عائلتيهما. في هذا المقال يناقش "ريان كوستيللو"، مدير السياسات بالمجلس الوطني الإيراني-الأميركي، أثر العقوبات السيئ على الاقتصاد الإيراني وعلى المواطنين العاديين، ومغزى الصفقة الإيرانية الأميركية.
نص الترجمة:
في يوم الخميس 10 أغسطس/آب الجاري، صدر قرار في إيران بالإفراج عن 5 مواطنين أميركيين من أصل إيراني كانت السلطات قد اعتقلتهم في وقت سابق، وكشف القرار عن صفقة جديدة متعددة الخطوات بين الولايات المتحدة وإيران بخصوص تبادل المعتقلين. ووفقا للتقارير الواردة، فإن الولايات المتحدة ستلغي قرار التجميد بحق 6 مليارات دولار تملكها إيران في بنك بكوريا الجنوبية، بعد أن جُمِّدت تحت طائلة العقوبات الأميركية على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي. وسيتم إيداع الأموال الإيرانية في بنك قطري على أن تُشرِف عليها الحكومة القطرية وتتأكَّد من إنفاقها في شراء الغذاء والدواء، وهي سِلَع لا تخضع للعقوبات.
رغم أن هناك من انتقد الصفقة في أروقة السلطة الأميركية، فإنها مُربِحة في الأخير للشعبين الأميركي والإيراني (ووفقا لتقرير صحيفة الواشنطن بوست الأميركية عن الصفقة، رفضت طهران مرارا التفاوض المباشر مع واشنطن منذ وصول "جو بايدن" إلى السلطة، وطلبت وساطة أطراف ثالثة. وقد لعبت قطر دورا بارزا في تسهيل المحادثات بين الطرفين حول إطلاق سراح الرهائن واستضافة المفاوضات وفقا لأحد المسؤولين المطّلعين على تفاصيلها، كما لعبت سلطنة عُمان والإمارات العربية المتحدة والعراق وسويسرا دورا في الحوار بين واشنطن وطهران).
أزمة الدواء هناك حوالي 170-180 نوعا من الدواء شحيحا الآن في البلاد، وهو رقم في تزايد، وفقا لما صرَّح به "حسين علي شهرياري"، رئيس لجنة الصحة والعلاج بالبرلمان الإيراني. (شترستوك)
تقف وراء تلك المناورات الدبلوماسية أوضاع ضارة أمكن تجنُّبها تتعلَّق بأزمة الدواء في إيران، حيث باتت الأدوية الضرورية لإنقاذ حياة الكثيرين شحيحة في البلاد، رغم المليارات التي تملكها الحكومة الإيرانية في أرصدتها المُجمَّدة حول العالم. وتتراوح الأزمة من الأدوية المُخصَّصة لعلاج أمراض الدم والسرطان، وحتى الأدوية العادية لمعالجة السعال والمضادات الحيوية، وهي عقاقير متاحة دوما في شتى أنحاء العالم، لكن الإيرانيين في أمسّ الحاجة إليها. وقد اضطر العديد من المرضى اليائسين في إيران إلى دفع أثمان باهظة والسفر مسافات طويلة، بل واللجوء للسوق السوداء، من أجل الحصول على الأدوية التي يحتاجون إليها.
هناك حوالي 170-180 نوعا من الدواء شحيحا الآن في البلاد، وهو رقم في تزايد، وفقا لما صرَّح به "حسين علي شهرياري"، رئيس لجنة الصحة والعلاج بالبرلمان الإيراني، الذي عبَّر عن قلقه البالغ في مقابلة أجراها مؤخرا مع صحيفة "دنياي اقتصاد" الإيرانية (وأكَّد شهرياري على وجود نقص خطير في الأدوية الضرورية لعلاج مرض الثلاسيميا، وهو نوع وراثي من الأنيميا يُسببه الإنتاج المعيب للهيموغلوبين، ومرض نقص العامل الرابع، وهو مرض وراثي يسبب النزيف الحاد بسبب عجز الدم عن التخثُّر أو التجلُّط. وقد دفعت أزمة مماثلة العام الماضي في إمدادات الأدوية الضرورية والشائعة بوزارة الصحة الإيرانية إلى طلب استيراد أدوية من الهند على وجه السرعة).
ليست العقوبات السبب الوحيد في شُح الدواء في إيران، لكنها السبب الرئيسي، فنتيجة لتقييد قدرة الحكومة الإيرانية على الوصول إلى نظام البنوك العالمي والعملة الصعبة، حالت العقوبات دون حصول إيران على الأدوية والمواد الأولية الضرورية لإنتاج العديد من العقاقير محليا. ولم يكن ذلك الوضع سائدا دوما في إيران، ففي الفترة القصيرة إبان توقيع الاتفاق النووي الشهير في فيينا عام 2015، أدى تطبيق الاتفاق إلى تقليص نقص الأدوية إلى حد كبير، بيد أن كل ذلك تغيَّر بعد وصول "دونالد ترامب" إلى السلطة في الولايات المتحدة، ما أسفر عن انسحاب واشنطن من الاتفاق وتبنّيها سياسة "الضغط الأقصى" على النظام الإيراني. وقد أشارت "إليزابيث روزنبِرغ"، خبيرة العقوبات الأميركية، إلى أن "المختلف هذه المرة (في عام 2018) أن الولايات المتحدة أعادت العقوبات التي رفعتها وقت الاتفاق، وأضافت إليها تفاصيل جديدة، بما في ذلك وضع بعض المؤسسات المالية الإيرانية التي لم تخضع للعقوبات سابقا على القوائم، وهي مؤسسات معنية بالأساس بتسهيل توزيع الغذاء والدواء واستيراد الأدوية".
اقتصاد الظل يتضرَّر بالأساس المواطنون الإيرانيونمن العقوبات، أولا عن طريق أثرها المباشر على الاقتصاد ككل، وثانيا عن طريق شبكات التهريب التي ترفع الأسعار وتخلق نقصا في الدواء وغيره من سلع حيوية. (شترستوك)
في غضون ذلك، تسبَّبت طبيعة المجالات الاقتصادية المصطنعة التي خلقتها العقوبات في تفاقم الفساد إلى مستويات غير مسبوقة، ومكَّنت شبكات التهريب من أن تجني أرباحا ضخمة على حساب المواطن الإيراني العادي. وعلى سبيل المثال، أدت لعبة المضاربة في سوق العملة الصعبة وطرح أكثر من قيمة رسمية لشراء الدولار إلى نقص في مخزون الإنسولين عام 2020.
ثمة علاقة وثيقة بين الفساد والعقوبات، حيث تكشف لنا دراسات كثيرة أجريت على بلدان خضعت سابقا للعقوبات، مثل العراق ويوغوسلافيا وهاييتي وإيران، أن العقوبات الدولية تُعزِّز من اقتصادات الظِّل، وتُحفِّز على الانخراط في المعاملات الفاسدة وتهريب السلع المحظورة. وقد أوردت "شبكة المبادرة العالمية" في تقرير لها عن اقتصاد الظل في إيران أن "العقوبات تمثل فرصة لجني عوائد هائلة بالنسبة لشبكات الجريمة وبعض المؤسسات الحكومية، وفي هذه الحالة تُستخدم العوائد لتدعيم الاقتصاد، وضخ الأموال في شبكات المصالح، وكذلك دعم الشبكات التي تعمل بالوكالة لصالح إيران في المنطقة". وعلى وجه التحديد، استفادت الشبكات المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني من نقص السلع الذي تسبَّبت فيه العقوبات، حيث تُسجِّل عمليات التهريب عبر الحدود الآن أرقاما أكبر بكثير من فترة ما قبل الاتفاق النووي، التي بلغت فيها قيمة عمليات التهريب حوالي 12 مليارات دولار سنويا فقط.
تضع كل هذه الحقائق صنّاع القرار الأميركيين في موقف صعب، إذ إن العقوبات التي صمّموها لاستهداف النظام الإيراني ما انفكّت تفشل في إلحاق الضرر به، في حين يتضرَّر بالأساس المواطنون الإيرانيون، أولا عن طريق أثر العقوبات المباشر على الاقتصاد ككل، وثانيا عن طريق شبكات التهريب التي ترفع الأسعار وتخلق نقصا في الدواء وغيره من سلع حيوية.
يظل بايدن على صواب في إلغاء تجميد الأرصدة الإيرانية لإتاحة شراء السلع الأساسية في البلاد وإطلاق سراح المواطنين الأميركيين-الإيرانيين، وهو قرار يُعزِّز المصالح الأميركية. (رويترز)في غضون ذلك، يُعدُّ رفع التجميد عن الأرصدة الإيرانية لتخفيف وطأة نقص الدواء طريقة أميركية ذكية للضغط على الحكومة الإيرانية، التي سيتعين عليها العمل بجدية لمعالجة الأزمة أو المخاطرة بإشعال غضب الإيرانيين. أضف لذلك أن العقوبات التي فرضها الكونغرس على إيران تشمل استثناءات صريحة لأشكال التجارة الإنسانية، فوفقا للبند (1245) من تشريع العقوبات الذي يستهدف مبيعات النفط الإيراني، "لا يفرض الرئيس الأميركي العقوبات… على أي شخص يُجري معاملة تجارية أو يُسهِّلها من أجل شراء الغذاء أو الدواء أو المعدات الطبية لإيران"، ومن ثَم فإنه بموجب سياسة الكونغرس نفسه، يُسمح لأرصدة إيران المُجمَّدة بأن تُنفَق مقابل العمليات التجارية الإنسانية.
في ظل السياسة المتوترة بين واشنطن وطهران التي تلقي بظلالها على أي محاولة لنزع فتيل الصراع بينهما، يظل بايدن على صواب في إلغاء تجميد الأرصدة الإيرانية لإتاحة شراء السلع الأساسية في البلاد وإطلاق سراح المواطنين الأميركيين-الإيرانيين، وهو قرار يُعزِّز المصالح الأميركية (على عكس ما قاله نُقَّاد تخفيف العقوبات في الإدارة الأميركية)*. وقد صدق بايدن حين دفع إدارة ترامب يوما ما من موقعه في المعارضة كي تفتح قنوات التبادل التجاري الإنساني مع إيران أثناء جائحة كوفيد-19، حيث قال حينها إنه "مهما تكن خلافاتنا الكثيرة جدا مع الحكومة الإيرانية، فسيكون (فتح باب المساعدات الإنسانية) القرار الصائب والإنساني". وينطبق المنطق نفسه على مساعدة الإيرانيين اليوم في تأمين احتياجاتهم من الدواء في خضم أزمة النقص الحاد التي تضرب البلاد، إن تخفيف العقوبات على إيران هو السياسة الصائبة والإنسانية في الوقت الراهن.
——————————————————————————————-
هذا المقال مترجم عن Defense One ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان.
ترجمة: ماجدة معروف.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الحکومة الإیرانیة الأرصدة الإیرانیة الولایات المتحدة فی البلاد فی إیران عن طریق
إقرأ أيضاً:
ماذا وراء تكثيف حزب الله قصف وسط إسرائيل؟ خبير عسكري يجيب
قال الخبير العسكري العميد إلياس حنا إن حزب الله يحاول -عبر رشقاته الصاروخية المكثفة نحو وسط إسرائيل اليوم الأحد- "رسم معادلة جديدة عنوانها قلب بيروت مقابل تل أبيب".
وأوضح حنا -في حديثه للجزيرة- أن حزب الله أثبت قدرته على القصف الصاروخي من الخطوط الأمامية إلى الداخل الإسرائيلي، مشيرا إلى العدد الكبير من الصواريخ الذي أطلقه اليوم مقارنة مع معدل يومي سابق يتراوح بين 70 و100 صاروخ.
وفي هذا السياق، ذكرت القناة الـ14 الإسرائيلية أن حزب الله أطلق أكثر من 250 صاروخا -اليوم الأحد- من لبنان باتجاه إسرائيل، في حين أفادت القناة الـ12 بإطلاق 10 صواريخ من لبنان باتجاه تل أبيب الكبرى.
ووفق الخبير العسكري، فإن قصف حزب الله بهذا العدد من الصواريخ يؤكد أن لديه قدرة صاروخية بعدة مستويات، كما أنه لا يعاني لوجستيا مثلما ادعت إسرائيل.
وأعرب حنا عن قناعته بأن حزب الله بإمكانه تحمّل قصف ضاحية بيروت الجنوبية، في حين لا يمكن لإسرائيل أن تتحمل شللا لفترة طويلة على كامل مدنها في ظل قصف الحزب الصاروخي.
ودوت أصوات انفجارات عنيفة في تل أبيب الكبرى اليوم الأحد بعد استهدافها بصواريخ من لبنان للمرة الثالثة، في حين أعلنت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن قرابة 4 مليون شخص دخلوا إلى الغرف المحصنة في إسرائيل منذ صباح اليوم.
ويستعمل حزب الله -وفق حنا- وسائل قتالية ثمنها قليل، ولكن بمردود إستراتيجي مهم، وذلك استعدادا لمعادلةٍ ما تناسبه في مرحلة من المراحل عند الحديث عن تطبيق القرار الأممي 1701.
وكان مجلس الأمن الدولي قد تبنى في أغسطس/آب 2006 القرار 1701 الداعي لوقف حرب لبنان الثانية التي اندلعت في يوليو/تموز 2006، وانسحاب مقاتلي حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، والسماح بنشر قوات الجيش اللبناني في الجنوب.
ويستهدف الحزب القواعد العسكرية الإسرائيلية بكل أنواعها، الجوية والبرية والبحرية، في حين شدد الخبير العسكري على أن الصواريخ القصيرة المدى تبقى هاجسا حقيقيا لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وبيّن أن هذه الصواريخ سهلة النقل، وهناك قدرة كبيرة على إطلاقها والتخفي خلافا للصواريخ البعيدة المدى، إضافة إلى أن نتنياهو يضع إعادة مستوطني الشمال إلى أماكنهم هدفا رئيسيا للحرب الحالية على لبنان.
وكان وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك يوآف غالانت (أقيل لاحقا) قال أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، إن حزب الله لم يعد يحتفظ إلا بنحو 20% فقط من القدرة الصاروخية والقذائف التي كانت لديه قبل الحرب.