بمزيج من الدهشة والاستنكار قوبلت تغريدة قائد الجيش الأوغندي، الجنرال موهوزي كاينيروغابا، وهو أيضاً ابن الرئيس يوري موسيفيني، التي هدد فيها باجتياح الخرطوم. فالتغريدة أثارت التساؤلات حول دوافعها في هذا التوقيت، وتأثيراتها المحتملة بين بلدين ظلت العلاقات بينهما متأرجحة منذ عقود، ومتوترة في صمت، في الآونة الأخيرة، بسبب تداعيات الحرب السودانية.
الغريب أن الجنرال موهوزي ربط كلامه التهديدي بالتغيير القادم في واشنطن قائلاً: «نحن ننتظر فقط أن يصبح زميلنا القائد دونالد ترمب رئيساً، وبدعمه سنتمكن من اجتياح الخرطوم»، وكأنه يوحي بانقلاب في سياسة أميركا تجاه السودان، يسمح بخطوة كهذه، وهو أمر لا يمكن لأي عاقل أخذه على محمل الجد.
صحيح أن إدارة بايدن أيدت فكرة إرسال قوات أفريقية بغطاء دولي للسودان، لكن أدركت صعوبة تنفيذها في ظل رفض الحكومة السودانية لها، وفشل تمريرها في مجلس الأمن عندما عرضتها بريطانيا وسيراليون في مشروع قرار اصطدم بالفيتو الروسي.
على أي حال، الموقف الأميركي لا يمكن تفسيره بالطريقة التي ذهب إليها الجنرال موهوزي، بأنه يطلق يد أوغندا للتفكير في اجتياح الخرطوم.
هل التغريدة مجرد زلة لسان أو أنها تعكس نيات مبيتة من أطراف إقليمية لاستغلال ظروف الحرب والتدخل العسكري المباشر في السودان؟
ليس سراً أن عدداً من دول الجوار الأفريقي إما مشاركة بشكل مباشر في تأجيج الحرب، وإما أنها تقف على حياد مصطنع، في حين أنها تدعم، لأسباب متباينة، قوات الدعم السريع.
فأوغندا مثلاً، وعلى الرغم من مشاركتها في مبادرات دبلوماسية لمعالجة الحرب وتبني الرئيس موسيفيني محاولة فاشلة لترتيب لقاء بين الفريق عبد الفتاح البرهان وقائد «الدعم السريع» محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فإن اسمها ورد في عدد من التقارير الدولية على أنها كانت من ضمن نقاط العبور لشحنات السلاح المتوجهة إلى قوات الدعم السريع عبر مطار أم جرس في تشاد.
إضافة إلى ذلك فإن الرئيس موسيفيني استقبل حميدتي في ديسمبر (كانون الأول) 2023 في أول جولة خارجية يقوم بها قائد «الدعم السريع»، وظهوره في صور مع قادة بعض الدول الأفريقية للرد على التقارير عن مقتله في أول أيام الحرب.
الأمر الآخر اللافت أن تغريدة الجنرال موهوزي جاءت بعد يوم واحد من زيارته لأديس أبابا ولقائه رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، ما يوحي بأن الوضع السوداني كان ضمن المحادثات لكون البلدين ضالعين في الأزمة السودانية.
في هذه السياقات، أثارت التغريدة التساؤلات حول دوافعها الكامنة، مثلما شحنت السودانيين بالغضب من جراء اللغة التي احتوتها مثل قوله: «سينتهي هذا العبث في السودان قريباً... إذا كان هؤلاء الأولاد في الخرطوم لا يعرفون ما هي الحرب فسوف يتعلمون».
لهذا أعلنت الخارجية السودانية أنها سترد على هذا الكلام والموقف الذي احتواه، وهو موقف عدائي غير مسبوق في علاقات البلدين، يستوجب الرد عليه بشكل قوي، ومدروس بشكل جيد في الوقت ذاته. فالسودان ليس في وارد فتح جبهات ساخنة جديدة، وهو مشغول بحربه التي دخلت الآن مرحلة مهمة مع التقدم الكبير للجيش في عملياته العسكرية.
أضف إلى ذلك أن المرجح هو أن التغريدة تعكس واحدة من زلات لسان الجنرال موهوزي، أكثر من كونها تمثل موقفاً رسمياً للدولة، وهناك بعض المؤشرات على ذلك، أولها أن التغريدة حذفت من حسابه الشخصي على منصة «إكس» أمس. الأمر الآخر أن هذه ليست المرة الأولى التي يثير فيها الرجل الجدل بتصريحاته أو تغريداته، وسجله حافل في هذا المجال.
فقد سبق له أن هدد بغزو كينيا قائلاً في تغريدة أواخر عام 2022: «لن يستغرق الأمر معي ومع جيشي أكثر من أسبوعين للاستيلاء على نيروبي عاصمة كينيا»، مثيراً أزمة دبلوماسية دفعت والده للاعتذار رسمياً، وعزل ابنه من منصب قائد القوات البرية آنذاك. لكن الغضب على الابن الذي يتردد على نطاق واسع أنه يُجهز لخلافة والده، لم يستمر طويلاً فأعيد إلى موقعه بعد هدوء الضجة وتراجعه عن التغريدة بقوله إنها كانت مزحة، ثم احتجابه عن وسائل التواصل الاجتماعي بضعة أشهر.
ومن سوابقه الأخرى أيضاً تهديده بسحق الصحافيين الذين يهاجمونه، وتلويحه بطرد السفير الأميركي بعد أن اتهمه بإهانة الرئيس موسيفيني، ثم إعلانه أن أوغندا سترسل جنوداً للدفاع عن موسكو «إذا تعرضت للتهديد من الإمبرياليين». فهو معجب بروسيا التي وصفها بأنها «أقوى بلد في العالم اليوم وتأتي بعدها إسرائيل» التي قال إنها لو أرادت يمكنها أن تدخل بيروت في أسبوع.
الكرة الآن في ملعب أوغندا لمعالجة هذه الأزمة، مثلما عالجت أزمة تغريدة «الاستيلاء على نيروبي»، أما بالنسبة للسودان فإنه مع الرد على هذه «الزوبعة»، يحتاج إلى أن يبقى متيقظاً لكل ما يدور أو يحاك في المنطقة في ظل حربه التي عقدها وغذاها التورط الخارجي.
الشرق الأوسط
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الخرطوم السودانية أوغندا الدعم السريع السودان الخرطوم أوغندا الدعم السريع سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدعم السریع
إقرأ أيضاً:
عام ثالث من حرب السودان والجبهات تشتعل غربا
تتواصل في السودان منذ 15 أبريل/نيسان 2023 حرب شرسة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع وتتجه في عامها الثالث للاشتعال بعدة مناطق بالبلاد، لا سيما الغربية.
واندلعت المواجهات أول مرة في العاصمة الخرطوم، ثم امتدت إلى ولايات عدة، لتدخل البلاد في دوامة نزاع صنفه مراقبون بأنه أدى إلى أكبر أزمة نزوح في العالم تاركا ملايين المدنيين في مواجهة أوضاع إنسانية غاية في الصعوبة.
وفي تطور ميداني بارز، تمكنت قوات الجيش في 26 مارس/آذار الماضي، من استعادة القصر الرئاسي بالخرطوم، الذي ظل خاضعا لسيطرة الدعم السريع لنحو عامين.
وينظر إلى هذه الخطوة على أنها تحول مهم في مجريات الحرب، لكنها لا تعني بالضرورة نهاية المعارك، بحسب ما أكده محللون ومصادر ميدانية.
وبعد فقدانها مواقعها بالقصر الرئاسي في الخرطوم، صعدت قوات الدعم السريع وتيرة هجماتها على مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور غربي البلاد، والتي تفرض عليها حصارا خانقا منذ العاشر من مايو/أيار 2024.
وفي 26 سبتمبر/أيلول 2024، أطلق الجيش السوداني عملية برية ضد مواقع الدعم السريع في الخرطوم، وامتدت العمليات إلى ولايات أخرى، وأسفرت عن إحكام السيطرة على أغلب مناطق ولاية سنار جنوبا، وكامل ولايتي الجزيرة والنيل الأبيض وسط البلاد.
إعلانوفي الخرطوم، حققت القوات المسلحة السودانية تقدما ملحوظا، واستعادت في 21 مارس/آذار الماضي القصر الرئاسي، الذي كان تحت سيطرة قوات الدعم السريع منذ اندلاع الاشتباكات في أبريل/نيسان 2023.
وعقب الخسارة، بدأت قوات الدعم السريع بسحب عناصرها من العاصمة، متوجهة نحو الغرب عبر جسر جبل أولياء جنوبي الخرطوم.
وفي غضون ذلك، استعاد الجيش السيطرة على معظم أحياء العاصمة، وتمكن من تحرير أكثر من 4 آلاف شخص كانت قوات الدعم السريع تحتجزهم كرهائن.
وفي 26 مارس/آذار الماضي، هبط رئيس مجلس السيادة وقائد الجيش عبد الفتاح البرهان، في مطار الخرطوم الدولي، الذي كانت تستخدمه قوات الدعم السريع كقاعدة عسكرية، وانتقل منه إلى القصر الرئاسي.
وفي تصريحات أدلى بها من داخل القصر، أعلن البرهان تحرير الخرطوم بينما سيطرت قوات الجيش في 28 مارس/آذار الماضي على سوق ليبيا في منطقة أم درمان غربي الخرطوم، والذي كان أحد أبرز معاقل الدعم السريع في العاصمة.
وبناء على هذه التطورات، تمكن الجيش، بحسب خبراء، من فرض سيطرته على معظم مناطق العاصمة الخرطوم.
شهد السودان عام 2018 اندلاع احتجاجات شعبية واسعة على خلفية تردي الأوضاع المعيشية والاقتصادية، تحولت لاحقا إلى ثورة أطاحت بنظام البشير بعد 30 عاما من الحكم.
وشارك الجيش وقوات الدعم السريع في الإطاحة بالرئيس المعزول عمر البشير، وشكلّا معا مجلسًا عسكريا انتقاليا، تولى رئاسته قائد الجيش البرهان، بينما شغل محمد حمدان دقلو منصب نائب رئيس المجلس.
وبموجب اتفاق تقاسم السلطة، تشكل ائتلاف حكومي مشترك بين العسكر وتحالف مدني بمسمى قوى الحرية والتغيير إلى أن قام الجيش والدعم السريع بإقصاء المكون المدني من السلطة في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021.
بدأ التوتر يتصاعد بين الجانبين، لا سيما في ظل الخلافات حول آلية دمج قوات الدعم السريع في صفوف الجيش، إلى جانب تدخلات من أطراف خارجية، مما فاقم من الاحتقان السياسي والأمني في البلاد.
إعلانوفي تلك الأثناء، شدد الجيش على ضرورة دمج قوات الدعم السريع خلال عامين فقط، بينما طالبت الأخيرة بمهلة لا تقل عن 10 سنوات لإنجاز هذه العملية.
وفي 13 أبريل/نيسان 2023، أقدمت قوات الدعم السريع على تحريك وحدات كبيرة نحو مطار مروي والقاعدة الجوية العسكرية في شمال البلاد، وهو ما اعتُبر الشرارة الأولى التي فجّرت الصراع المسلح الحالي.
وأعلن المتحدث باسم الجيش، نبيل عبد الله، حينها أن قوات الدعم السريع بدأت بالتحرك والانتشار في العاصمة وبعض المدن الأخرى دون أي تنسيق أو موافقة من قيادة القوات المسلحة.
وفجر 15 أبريل/نيسان 2023، دوت أصوات إطلاق نار في عدد من المناطق المهمة في العاصمة الخرطوم، مثل حي أركويت، والمدينة الرياضية، والقيادة العامة للقوات المسلحة، والقصر الرئاسي، ومبنى التلفزيون الرسمي، والمنطقة التي تضمّ مقر إقامة رئيس مجلس السيادة البرهان.
بعدها، بدأت تسمع بأنحاء العاصمة أصوات الاشتباكات العنيفة، وتصاعدت أعمدة الدخان الكثيف في مناطق مختلفة، كما شهد محيط مطار الخرطوم الدولي تحركات عسكرية مكثفة، أدت على الفور إلى خروجه من الخدمة.
وطيلة العامين الماضيين، تعرّضت البنية التحتية في السودان لأضرار جسيمة جراء الحرب لا سيما في الخرطوم، إذ دُمّرت بعض الجسور، وتعرضت محطات الكهرباء والمياه للتخريب، وأُحرقت مبانٍ، وتعرضت أسواق ومتاجر لعمليات نهب.
وحتى المتاحف لم تسلم من الفوضى والنهب، في حين تضررت مصافي النفط بشكل بالغ، بينما لحقت أضرار جسيمة بمطار الخرطوم الدولي.
ووفق الأرقام الرسمية، فإن عدد الضحايا الذين لقوا حتفهم مباشرة بسبب الاشتباكات بلغ 20 ألف شخص، غير أن التقديرات تشير إلى أن العدد الحقيقي تجاوز 150 ألفا.
وتسببت الحرب بالسودان في أكبر أزمة نزوح في العالم، وأثرت بشدة على النظام الصحي في البلاد.
إعلانوهربا من القتال، اضطر أكثر من 11 مليون شخص للنزوح داخليا، بينما لجأ قرابة 4 ملايين إلى دول الجوار.
ووفق بيانات الأمم المتحدة، فإن أكثر من نصف سكان السودان، أي ما يزيد على 30.4 مليون شخص، باتوا بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة.
وبات الأطفال في البلاد يواجهون مخاطر متعددة تشمل العنف، والانتهاكات، والنزوح القسري، وسوء التغذية، والأمراض.
ويقدر عدد الأطفال المعرّضين لخطر الإصابة بأمراض قاتلة نتيجة انهيار النظام الصحي بأكثر من 3 ملايين طفل، في حين أن 17 مليون طفل باتوا خارج مقاعد الدراسة.
ورغم استعادة الجيش لمعظم ولاية الخرطوم، لا تزال الاشتباكات مستمرة بولايات أخرى، مع إصرار قوات الدعم السريع على عدم التفريط بسيطرتها على 4 من أصل 5 ولايات في إقليم دارفور، كما تستمر المعارك في ولايات غرب وجنوب وشمال كردفان.
وضمن ولايات البلاد الـ18، لم تعد الدعم السريع تسيطر سوى على أجزاء من ولايتي شمال كردفان وغرب كردفان وجيوب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق، بجانب 4 من ولايات إقليم دارفور (غرب).
وبعد معارك الخرطوم، صعّدت قوات الدعم السريع هجماتها المكثفة على مدينة الفاشر، مركز ولاية شمال دارفور، والتي تخضع لحصار خانق منذ العاشر من مايو/أيار 2024، رغم أنها لا تزال تحت سيطرة الجيش.
وتواصل القوات المسلحة الحكومية وحلفاؤها الدفاع عن المدينة، في وقت تشير فيه التقارير إلى أن الوضع في مخيمات النازحين هناك، التي تستضيف ملايين المشردين، كارثي ومروّع.
ويشدد قادة الجيش على أنهم لن يتوقفوا قبل طرد قوات الدعم السريع من آخر نقطة في البلاد، في حين أعلن قادة الدعم السريع عن استعدادهم لشن هجمات على ولاية نهر النيل شمال السودان، وهي إحدى الولايات التي لم تصلها الحرب مثل ولايات الشرق.
إعلانبينما يرى خبراء أن الجيش السوداني، رغم الانتصارات التي حققها في الآونة الأخيرة، يواجه تحديات كبيرة وصعوبات ميدانية تعيق حسم النزاع بشكل نهائي.