تحليل لـCNN: لماذا تستمر القوى الأجنبية في استهداف سوريا بعد سقوط الأسد؟
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
تحليل من إعداد مصطفى سالم ونادين إبراهيم من شبكة CNN
(CNN)-- لقد سقط بشار الأسد ونظامه الذي دام سنوات، لكن البلاد لا تزال ساحة معركة لمجموعة من الجهات الفاعلة التي تسعى إلى تأمين مصالحها في ما قد ينشأ عنه فراغ خطير في السلطة.
ومع تولي "هيئة تحرير الشام" القيادة الفعلية، لا تزال سوريا تتعرض للهجوم من قبل الدول المجاورة، وتظل مسرحا للقتال الداخلي بين الجماعات ذات المصالح المتعارضة.
ويبدو أن بعض اللاعبين يسعون إلى استغلال هذا الفراغ المحتمل في السلطة، حريصين على استخدام تضاريس ما بعد الأسد لتوسيع السيطرة أو القضاء على الأعداء.
وتسعى تركيا إلى القضاء على المسلحين الأكراد، وضربت إسرائيل بقايا الأصول التي كان يمتلكها الجيش السوري ووسعت سيطرتها الإقليمية، بينما كثفت الولايات المتحدة ضرباتها على تنظيم "داعش" ونقلت السفن الحربية إلى المنطقة.
إليك ما نعرفه عن القتال في سوريا.
المصالح التركية في الشمال الشرقي
لطالما كانت لتركيا مصالح راسخة في سوريا، وقبل سقوط الأسد، تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان مرارا وتكرارا بشن عملية برية في شمال سوريا، بهدف إفراغ المنطقة من المقاتلين المتحالفين مع "حزب العمال الكردستاني"، والذي تعتبره تركيا والولايات المتحدة منظمة"إرهابية"، فضلا عن إنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين.
وبعد بدء هجوم الفصائل المسلحة التي كانت تعارض الأسد قبل أسبوعين تقريبا، اندلع القتال بين "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا والمسلحين الأكراد في الشمال الشرقي.
ولطالما اعتبرت الحكومة التركية الجماعات الكردية السورية جزءا من "حزب العمال الكردستاني" أو مرتبطة به.
ومع ذلك، عملت القوات الكردية كشركاء رئيسيين للولايات المتحدة في الحرب ضد "داعش" وتسيطر على مساحات شاسعة من الأراضي في شمال شرق سوريا.
وعندما أطاحت الفصائل التي تقودها "هيئة تحرير الشام" بالأسد بنجاح، تصاعد القتال المفتوح بين "الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا والقوات الكردية على مدى الأسابيع الماضية.
ولم تهدأ المخاوف من التوغل التركي، ففي يوم الثلاثاء، نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أمريكيين لم تسمهم قولهم إن تركيا وحلفائها من الميليشيات يحشدون قوات بالقرب من كوباني (عين العرب)، وهي مدينة ذات أغلبية كردية في سوريا، وسط مخاوف من عملية عبر الحدود وشيكة.
القصف الإسرائيلي
في اليوم نفسه الذي استولت فيه الفصائل المسلحة على العاصمة السورية دمشق، بدأت إسرائيل في ضرب الأصول العسكرية التي كانت تابعة لنظام الأسد.
وفي الأيام التي تلت ذلك، صعدت إسرائيل قصفها، وضربت ما يقرب من 500 هدف، ودمرت القوات البحرية وأزالت، كما يزعم الجيش الإسرائيلي، 90٪ من صواريخ أرض- جو المعروفة لدى سوريا.
وقال المسؤولون الإسرائيليون إن الضربات على الأصول العسكرية السورية تهدف إلى منعها من الوقوع "في أيدي المتشددين".
وفرحت الحكومة الإسرائيلية بسقوط الأسد، الحليف القوي لإيران الذي سمح باستخدام بلاده كطريق لإعادة الإمداد لـ"حزب الله" في لبنان لكنها تخشى أيضًا ما قد يأتي من الإسلاميين المتشددين الذين يحكمون سوريا، التي تحد إسرائيل في مرتفعات الجولان المحتلة، كما بدأ جيشها في التقدم على الأرض، واستولى على المزيد من الأراضي في سوريا.
وتحتل القوات الإسرائيلية الآن أعلى قمة في سوريا، جبل الشيخ، وهو موقع استراتيجي يطل على لبنان وسوريا وإسرائيل.
وتقع قمة جبل الشيخ في منطقة عازلة كانت تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية لمدة 50 عاما حتى سقوط الأسد.
وواصل الجيش الإسرائيلي تقدمه بعد القمة، حتى بقاعسم، على بعد حوالي 25 كيلومترًا (15.5 ميلًا) من العاصمة السورية، وفقًا لـ"صوت العاصمة دمشق" وهي مجموعة ناشطة سورية.
ولم تتمكن شبكة CNN من تأكيد هذا الادعاء بشكل مستقل.
واتهم زعيم "هيئة تحرير الشام" أحمد الشرع الملقب بـ"أبو محمد الجولاني" إسرائيل بتجاوز "خطوط الاشتباك" بأفعالها في سوريا، بينما دعت مجموعة من جيران البلاد إسرائيل إلى سحب قواتها من جميع الأراضي السورية.
مخاوف الولايات المتحدة من عودة "داعش"
لقد حافظت الولايات المتحدة لسنوات على وجودها في سوريا، بالشراكة مع قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) التي يقودها الأكراد في العمليات ضد "داعش" في البلاد.
وهناك حوالي 900 جندي أمريكي في سوريا معظمهم في الشمال الشرقي.
وتعرضت القواعد الأمريكية لمزيد من الهجمات على مدار العام الماضي حيث استهدفت الجماعات المسلحة المدعومة من إيران والداعمة لحركة "حماس" في غزة القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، احتجاجا على دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، وردت الولايات المتحدة بضربات جوية.
وفي أعقاب سقوط الأسد، كانت الولايات المتحدة واضحة في أن مهمتها ضد "داعش" ستستمر.
وواصلت القيادة المركزية الأمريكية "سنتكوم" ضرب مواقع في سوريا تقول إنها معسكرات وعناصر معروفين بـ"داعش"، خوفا من أن يستغل التنظيم فراغ السلطة المحتمل بعد زوال الأسد.
وقال قائد "سنتكوم" الجنرال مايكل إريك كوريلا، وفقا لبيان من القيادة المركزية الأمريكية إن "القيادة بالعمل مع الحلفاء والشركاء في المنطقة، لن تسمح لداعش بإعادة تشكيل نفسه والاستفادة من الوضع الحالي في سوريا".
وذكرت القيادة المركزية الأمريكية، الاثنين، أنها "قتلت 12 إرهابيا من داعش في غارات جوية دقيقة، والتي تهدف إلى منع التنظيم من البحث عن فرص لإعادة تشكيل نفسه في وسط سوريا".
وقالت القيادة المركزية الأمريكية في بيانها: "هذه الضربات كانت في مناطق خاضعة لسيطرة النظام وروسيا سابقا، مما يضمن استمرار الضغط على داعش".
وكانت المعارك المتجددة بين قوات "سوريا الديمقراطية" المتحالفة مع الولايات المتحدة والمسلحين المدعومين من تركيا من بين التعقيدات الإضافية.
فبعد الإطاحة بالأسد، قالت قوات "سوريا الديمقراطية" إنها تعرضت لهجوم من قبل الجماعات المدعومة من تركيا، واستهدف بعضها معسكرات احتجاز عناصر"داعش" التي تقول "قسد" إنها تحاول حراستها.
وكان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في أنقرة الأسبوع الماضي، حيث التقى بنظيره التركي هاكان فيدان لمناقشة الوضع في سوريا - والمخاطر المتمثلة في أن يوفر الصراع المتجدد في الشمال فرصة لإحياء "داعش".
أمريكاإسرائيلإيرانتركياسورياأبومحمد الجولانيالأكرادالجولانالجيش الأمريكيالجيش الإسرائيليالجيش التركيالجيش السوريالحكومة الإيرانيةالحكومة السوريةبشار الأسدحركة حماسحزب اللهداعشرجب طيب أردوغانغزةنشر الأربعاء، 18 ديسمبر / كانون الأول 2024تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2024 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.المصدر: CNN Arabic
كلمات دلالية: الأكراد الجولان الجيش الأمريكي الجيش الإسرائيلي الجيش التركي الجيش السوري الحكومة الإيرانية الحكومة السورية بشار الأسد حركة حماس حزب الله داعش رجب طيب أردوغان غزة القیادة المرکزیة الأمریکیة الولایات المتحدة سقوط الأسد فی الشمال فی سوریا من ترکیا
إقرأ أيضاً:
الشرع وحده لا يكفي.. ماذا ينتظر سوريا؟
برز أحمد الشرع، مؤسس الفرع السوري لتنظيم القاعدة الإرهابي، كزعيم انتقالي لسوريا بعد الإطاحة بحكم الرئيس السابق بشار الأسد، الذي دام 55 عاماً، في حملة عسكرية خاطفة في ديسمبر (كانون الأول) 2024.
مؤيدو الشرع يؤكدون أن تحوله بدأ في إدلب
ورغم ماضيه المتطرف، يسعى الشرع لتقديم نفسه كموحِّد للبلاد، واعداً بإعادة بناء سوريا تحت رايتي الاعتدال والشمولية، ولكن قيادته تواجه تحديات جسيمة، وفق تقرير روبرت إف. وورث، كاتب مساهم في مجلة "ذا أتلانتيك" الأمريكية، منها: العنف الطائفي، والانهيار الاقتصادي، وانعدام الثقة بين الأقليات، ومهمة شبه مستحيلة لإقامة دولة من بين ركام ديكتاتورية، وحرب أهلية دمّرت البلاد لعقود.
Can One Man Hold #Syria Together?
A former jihadist has remade himself in a bid to remake a scarred and divided country. https://t.co/ZhJTcWiFUW
شكَّلَ إسقاط الأسد بحملة عسكرية بزعامة الشرع استغرقت 11 يوماً مفاجأة للعالم، حيث سيطرت قواته، بما فيها تحالف "هيئة تحرير الشام"، على مدن كحلب ودمشق بضبط نفس مدهش، متجنبة الانتقام الدموي المُتوقَّع من جماعة سابقة للقاعدة.
وفي حلب، روى مسيحيون تعاملاً محترماً من مقاتلي هيئة تحرير الشام، الذين وزعوا الطعام وحافظوا على الهدوء، وتناقض هذا الانضباط بوضوح مع الصورة النمطية للجماعات الإرهابية.
وفي خطاب تنصيبه بدمشق، قدم الشرع نفسه كـ"ابنٍ بار" لـ"أمٍّ حزينة" (سوريا)، مُتعهداً بملء فراغ السلطة ومنع أعمال الانتقام. إن تحوُّله من قائد متشدد – معروف سابقاً بلقب "أبو محمد الجولاني" – إلى رجل دولة أنيق يرتدي بذلات حديثة يرمز لمحاولته كسب الشرعية.
قال الشرع في خطابه محاولاً الابتعاد عن ماضيه العسكري: "قد تُسقِط الثورة نظاماً، لكنها لا تبني دولةً".
العنف الطائفي وتحديات الحكم
ورغم وعود الشرع، أصبحت الأقلية العلوية – طائفة الأسد – هدفاً للخطف والمجازر.
وما زالت الأقليات، كالمسيحيين والدروز، يشعرون بالتوجس من جذور الشرع، روى القس فراس اللطفي كيف أخفى رجالاً شيعة خلال سقوط دمشق.
ويسود القلق موقف الشرع الغامض من مستقبل سوريا، إذ يعد بالشمولية، ويتجنب التصريح بالديمقراطية. وحين سُئل عن تبني الديمقراطية، أجاب: "إذا كانت تعني أن يختار الشعب حكامه، فنعم".
ولا شك في أن وجود عناصر متطرفة داخل تحالف الشرع يُضعف صورته المعتدلة.
وظهرت التناقضات الأيديولوجية داخل النظام من خلال تعيينات مثيرة للجدل، مثل وليد كبولة، وهو المشرف التعليمي الذي دعا إلى "تطهير سوريا من العلويين والشيعة واليهود".
إعادة الإعمار والانهيار الاقتصادي
وتعاني بنية سوريا التحتية من الخراب. تفتقر المدارس إلى الورق والتدفئة؛ يتقاضى المعلمون 20 دولاراً شهرياً. وفي مستشفى ابن سينا النفسي قرب دمشق، يرتجف المرضى خلف القضبان، ويعيشون على تبرعات الطعام بينما توزع الممرضات السجائر لتهدئتهم. تساءلت ممرضة: "من سيبقى مع مجانين دون حصوله على راتب؟"
Many Syrians agree that after 14 years of brutal civil war, there is now a need for a strong pair of hands that can keep the country together.
✍️ Daniel Thorpe https://t.co/dgJNNJQXoZ
ويعاني الاقتصاد المُنهك بالحرب والعقوبات من العزلة. اعتماد الأسد على تجارة الكبتاغون خلّف إرثاً ساماً. داهمت قوات الشرع مستودعات تخزين كان يسيطر عليها ماهر الأسد (شقيق بشار)، وأحرقت كميات ضخمة من المخدرات. لكن تحويل الميليشيات المعتمدة على التهريب لخدمة الجيش والدولة تحدّ لا يعرف أحد نتيجته.
تؤدي العقوبات الدولية، المفروضة بسبب تصنيف هيئة تحرير الشام كإرهابية، إلى خنق سبل التعافي. ويُحجم الغرب عن تقديم المساعدة برغم مناشدات الشرع. أما تركيا، الداعم الرئيس، فتفتقر للأموال اللازمة، بينما تباطأت وعود الخليج.
وحذر محللون من أن "فشل الشرع في إنعاش الاقتصاد سيؤدي إلى تفكيك تحالفه" متخيلين سيناريو ليبي من الفوضى.
مناورات سياسية ووحدة هشة
برعت حنكة الشرع في صفقاته السياسية كالاتفاق مع الأكراد. وفي مارس (آذار) 2024، منح حكماً ذاتياً للشمال الشرقي، مُدمجاً ميليشياتهم المدعومة أمريكياً في الدولة. وأُطلقت الأفراح أعيرة نارية، لكن التوترات باقية: الأكراد يسيطرون على النفط، والمفاوضات المستقبلية ستختبر مدى ولائهم. أما الدروز فيقاومون الاندماج. طالب زعيمهم الشيخ حكمت الحجري بـ"دولة قانون" قبل نزع السلاح. وفي إدلب، أظهرت تجربة "شبه الدولة" بزعامة الشرع نجاحاً؛ فقد كبح المتطرفين، وأقام المحاكم وأعاد الخدمات.
التصور الشعبي: أملٌ مقابل شكوك
السوريون منقسمون. بعضهم، كالمصور ضياء السيد، يرون الشرع "صاحب رؤية". كان ضياء موثِّقاً جيداً لجرائم الأسد، وأشاد بجهود الشرع وتركيزه على "طي الصفحة". أما آخرون، وخاصة العلويين، فيرونه "ذئباً في ثياب حمل". وقال ناشط علوي: "نخشى أن يظهر الجولاني الذي بداخل الشرع".
مؤيدو الشرع يؤكدون أن تحوله بدأ في إدلب، حيث حكم بنزعة براغماتية. أقام "ديوان مظالم" لمعالجة شكاوى المواطنين، وتقبل الاحتجاجات سواء إسلامية أو علمانية. "تعامل بحكمة مع الحركات"، هكذا قال الجراح خلدون الملاّح، الناجي من وحشية تنظيم داعش الإرهابي.
وأشارت المحللة السياسية دارين خليفة إلى تحوله التدريجي بقولها: "إنه إسلاموي براغماتي يقرأ سياسات المنطقة".
أمة عند مفترق طرق
وحذر معد التقريرمن أنه إذا تعثر الإعمار، فقد يصبح الفشل الليبي نموذجاً محتملاً لمستقبل سوريا. وتعتمد عملية التعافي الاقتصادي بشكل حاسم على المساعدات الخارجية ورفع العقوبات، لكن الغرب تساوره شكوك كبيرة بشأن المستقبل السوري.
وتواجه قيادة أحمد الشرع تحدياً رئيساً يتمثل في التوفيق بين ماضيه العنيف وصورته الحالية كرجل دولة. ورغم أن كاريزميته وقدرته على إبرام الصفقات توفر أساساً هشاً للوحدة الوطنية، فإن الانقسامات العميقة في سوريا - بسبب التوترات الطائفية والانهيار الاقتصادي والتدهور المؤسسي - تشكل تهديداً وجودياً.
ويكمن الاختبار الأهم للشرع، وفق الكاتب، ليس في المجال العسكري، بل الأخلاقي: هل يستطيع، بصفته جهادياً سابقاً، إعادة تشكيل نفسه كقائد لإعادة بناء سوريا؟، أم أن إرث سجون الأسد و"دولة الخلافة" سيبقى يطارد مستقبل البلاد؟ الإجابة تتوقف على قدرته على تجاوز ماضيه وإقناع الشعب بالسير في الاتجاه ذاته.