تصاعدُ وتيرة التغوّل الإسرائيلي في دول المنطقة سواء في غزة أو لبنان وصولاً إلى سوريا مؤخّراً، وتركيز القصف الإسرائيلي لكلّ مقدّرات سوريا العسكرية، ومن غير المستبعد أن ينتقل هذا التغوّل أكثر بالتدريج لاستباحة دول أخرى، لم يكن كلّ ذلك عبثاً بل تطبيقاً لخطة إسرائيلية مدعومة توراتياً بغطاء يميني متطرّف كرّرها نتنياهو مراراً وتكراراً في خطاباته الأخيرة، مستغلّاً ظروف المنطقة بشكل عام ومجريات الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة.


تقوم المعادلات الإسرائيلية هذه المرة على مرتكزات مكشوفة لتحقيق حلم نتنياهو تزامناً مع وصول الرئيس الأميركي الجديد ترامب إلى سدّة الحكم مرة أخرى، أملاً في تحقيق أكبر قدر من أحلام نتنياهو من ولاية ترامب المقبلة.
المخطط الذي تعمل “إسرائيل” عليه في المنطقة حالياً يرتكز إلى هدف أساسي هو إنهاء المشروع الإيراني فكرة ومقاومة، والذي يتعارض مع أهداف وأحلام المشروع الصهيوني بالدرجة الأولى، وتوظيف ذلك في تطبيق رغبة إسرائيلية في التوسّع في دول المنطقة لتفتيتها وتهجير سكانها بما يضمن لها السيطرة الكاملة عليها بسهولة، وهذه السيطرة بالدرجة الأولى ستكون وجهتها منطقة ودول بلاد الشام تحديداً كما نرى على مدار عام وأكثر في استهداف لبنان وسوريا وفلسطين وربما مستقبلاً وقريباً الأردن.
تقوم الاستراتيجية الإسرائيلية في هذا السياق على مرتكزين أساسيين وعليها تعمل بهدف فرض معادلات جديدة ضمن مفهوم مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي بشّرت به وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايز قبل سنوات وتعثّر مراراً، لتعود حالياً وتسعى لفرضه في المنطقة من جديد، وقد صرّح بذلك نتنياهو مؤخّراً في اتصاله الأخير مع الرئيس ترامب وفي حواره مع إيلون ماسك، والذي أشار فيه إلى أنّ نّما تقوم به “إسرائيل” في المنطقة يهدف إلى تغيير وجه الشرق الأوسط الجديد كي يتناسب مع حلم “إسرائيل الكبرى”.
المعادلة الأولى/الاستباحة والتدمير: وهي معادلة قائمة على الضرب والاستهداف في كلّ مكان ومن دون توقّف سواء في غزة أو لبنان وسوريا، وشهدنا مدى التغوّل العسكري الإسرائيلي في الأراضي السورية وقبلها في الأراضي اللبنانية، إذ إن هذا التغوّل في أراضٍ عربية سيمكّنها من عزل الدول العربية عن بعضها مما يسهّل تحقيق هدف “إسرائيل” الكبرى وفرض حدود جديدة لها، وهو ما ينسجم مع تصريحات ترامب التي قال فيها بوضوح إنه سيعمل على توسيع خريطة “إسرائيل” مستقبلاً.
المعادلة الثانية/التفوّق: وتهدف لفرض واقع جديد في دول المنطقة بما يعزّز استمرار تفوّق “إسرائيل” عسكرياً وبما يضمن تحجيم قدرات الدول المحيطة وحركات المقاومة ومنع التفوّق العسكري الذي يؤثّر في موازين القوى في أيّ مواجهة، كما شهدنا التفوّق العسكري لحزب الله أثناء معركة أولي البأس مؤخّراً.
ترنو “إسرائيل” مستغلّة قدوم إدارة ترامب الجديدة إلى تشكيل شرق أوسط جديد وتعلن ذلك بصراحة وقد بدأت خطوات عملية في هذا الاتجاه، شرق أوسط يتشكّل أولاً من سيطرة على جغرافيا جديدة وتشكيل تحالفات جيوش من دول المنطقة التي طبّعت معها بقيادة أميركا بما يضمن ويحقّق لها ثلاثة أهداف، على رأسها حماية الأنظمة العربية الحاكمة المطبّعة بالدرجة الأولى، وحماية المصالح الأميركية في المنطقة تحديداً، وصولاً إلى تشكيل جبهة كبيرة موحّدة تكون مهمتها الأساسية مواجهة التمدّد الصيني في المنطقة والذي يعدّ المنافس الأكبر للمشروع الأميركي.
ثمّة تساؤلات مهمة تطرح نفسها أمام انكشاف المخطّط الذي تعمل “إسرائيل” على فرضه في المنطقة: متى ستلتفت الدول العربية لما يحاك ويخطّط له للتخلّص من الاحتلال الإسرائيلي؟ وكيف يمكن أن تنهض سوريا بجيش ومقدّرات كما كانت وتكون قادرة على ردّ العدوان الإسرائيلي والتصدّي وإفشال مخطّطات “إسرائيل الكبرى”؟
تدلّل كلّ المؤشرات إلى نوايا إسرائيلية على استباحة وقضم واحتلال أجزاء كبيرة من سوريا، بمعنى أدقّ “إسرائيل” باتت تستبيح سوريا براً وجواً وبحراً وتعمّدت تدمير كل أسلحتها التي تشكّل ذخراً استراتيجياً لها، فبعد التغوّل بدأت بتصفية واغتيال العلماء والنخب السورية، ثم دمّرت البنية العلمية في سوريا وهو نموذج مكرّر لما جرى في العراق، وهذا مؤشّر على أن سيناريو احتلال سوريا مقبل لا محالة، وأنها لن تعود كما كانت تشكّل محور ارتكاز وخطّ إمدار لدول محور المقاومة في المستقبل القريب.
التغوّل الإسرائيلي في سوريا له ما بعده وتنظر “إسرائيل” إليه على أنه فرصة لا تعوّض لتحقيق إنجازات استراتيجية وتحقيق النبوءات الموجودة في الأسفار اليهودية التي ذكرها نتنياهو في خطاباته أكثر من مرة.
على الزاوية الأخرى من الصورة ، بات واضحاً أن ترامب له أجندته المختلفة عن نتنياهو ويريد وقف الحرب في غزة كي يدخل البيت الأبيض في أجواء غير ساخنة أو متوترة عن تلك التي كانت في عهد بايدن، أما نتنياهو فيريد الاستمرار في مغامراته لإرهاب المنطقة ويريد صفقة محدودة مع حماس لا إنهاء الحرب ويعمل علناً لشرق أوسط جديد، كلّ ذلك حفاظاً على مستقبله السياسي أولاً ثم تجنّباً لسقوط ائتلافه مع سيموتريتش وبن غفير، وهذا ما يطرح تساؤلات، من يسحب الآخر إلى مربّعه؟
الواقع يقول، إن الرئيس ترامب يريد إنهاء حرب غزة وأزمة الأسرى لدى حماس وعبّر عن ذلك بوضوح، ويريد فرض اتفاقيات تطبيع مع السعودية ودول أخرى، وربما يشمل ذلك إنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وبالتالي إذا استطاع ترامب الضغط على “إسرائيل” ستتراجع أحلام نتنياهو، واذا استجاب ترامب للمسار الذي يسلكه نتنياهو ويعمل على تصاعده، فهذا يعني أنه سيتورّط في مستنقع المنطقة مرة أخرى كما فعل بايدن لكن بشكل مختلف إلى حد ما.
المؤكد هنا أنّ أحلام نتنياهو ستتبدّد كما انتهت أحلامه من قبل مع الفلسطينيين وفي لبنان، والأحلام الأولى التي رسمها نتنياهو لنفسه هي أحلام الهيمنة السياسية، لكنه الآن وبعد حال التغوّل على دول بعينها في المنطقة يريد توسّعاً جغرافياً بنكهة توراتية متطرّفة.
سؤال مهم يطرح نفسه هنا: هل يمكن الجزم أنّ أحلام نتنياهو ستتحقّق في ولاية ترامب؟ لن يتحقّق منها الكثير في جوهر الصراع في ظلّ وجود المقاومات الفلسطينية واللبنانية والعراقية واليمنية، وربما تظهر للمشهد مقاومات أخرى، فكلّ أحلام نتنياهو هي أحلام يرافقها الغرور والغطرسة، فيما يوجد شعب لديه من الصمود الأسطوري والإرادة والتحدّي ما سيحطّم أحلام نتنياهو.
وعوداً على ذي بدء، تقع على إيران مسؤولية كبيرة وبالغة الأهمية تجاه ما يحاك ويخطط للمنطقة، وفي ظل استهدافها العمل على إنقاذ فكرة المقاومة كوسيلة ومشروع في ظل دعوات بعض الأطراف السياسية للتعايش والتطبيع مع “إسرائيل”، إذ إنّ ما تقوم به “إسرائيل” في غزة ولبنان وسوريا يستهدف بشكل واضح تهديد فكرة المقاومة وكي الوعي وتدفيع جمهور وشعوب هذه الدول ثمناً باهظاً إزاء التمسّك بالمقاومة فكراً وعملاً والتفافاً، إذ تبيّن بالفعل أنّ كل ما جرى هو عبارة عن مقدّمات وأنّ المشروع الاستراتيجي لـ “إسرائيل” هو قتل روح المقاومة فكراً وعملاً في دول تتبنّى المقاومة نهجاً وترفض التطبيع سلوكاً وصولاً إلى القضاء التامّ عليها، والعين على إيران.
كاتب ومحلل سياسي فلسطيني

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

الأطماع المائية “الإسرائيلية”.. تهديد متجدّد لموارد سوريا والأردن

 

الثورة /

كان التحكم في موارد المياه واستغلالها من العناصر الأساسية في استراتيجية إسرائيل منذ الأيام الأولى للمشروع الصهيوني
بداية شهر يناير الجاري واستغلالاً للفوضى التي أعقبت سقوط دمشق، وسّعت القوات الإسرائيلية من توغّلها البرّي في جنوب سوريا حتى وصلت إلى محيط سد المنطرة، أكبر سدود جنوبي سوريا، في الريف الغربي للقنيطرة وهو من أكبر وأهم السدود المائية في الجنوب السوري.
لقد لعبت الموارد الطبيعية دوراً حاسماً في تشكيل الديناميكيات الجيوسياسية، حيث أدى توزيعها غير المتكافئ إلى تعزيز إما الصراع أو التعاون عبر التاريخ.
وعلى مر التاريخ، تنافست الدول على الوصول إلى الأراضي الغنية بالمياه، والتأثير على طرق التجارة والتحالفات والتقدم التكنولوجي.
وفي العصر الحديث، لا تزال ندرة المياه تشكل الاستراتيجيات السياسية والاستقرار الإقليمي.
وتُعتبر منطقة غرب آسيا وشمال أفريقيا المنطقة الأكثر ندرة في المياه في العالم، حيث يتعرض 83% من السكان لضغط مائي شديد الارتفاع في الأراضي العربية المحتلة تشكّل الصحاري أكثر من نصف المساحة وهو ما انعكس من خلال الضغط المائي المرتفع بشكل كبير على كيان العدو. تتمثل موارد المياه العذبة الرئيسية في إسرائيل في بحيرة طبريا، ونهر الأردن، والخزان الجوفي الساحلي، والخزان الجوفي الجبلي، وما تزال المياه السطحية والمياه الجوفية هما المصدران الرئيسيان لإمدادات المياه.
وقد أدّت التغيّرات المناخية إلى زيادة حدّة التحدّيات المائية للكيان. ففي السنوات الأخيرة، أصبحت الأحداث الجوية المتطرفة أكثر تواترًا واستمرت لفترة أطول، بما في ذلك السنوات التي كانت إما رطبة أو جافة للغاية. وبحسب خبراء، في ظل “سيناريو الانبعاثات العالية”، يمكن أن ترتفع درجة الحرارة السنوية المتوسطة بما يصل إلى 4.4 درجة مئوية بحلول نهاية القرن؛ ويمكن أن تكون 60٪ من الأيام “أيامًا حارة”، وفي الوقت نفسه، يمكن أن ينخفض إجمالي هطول الأمطار السنوي بنسبة 25٪، مع تقلبات كبيرة من عام إلى آخر في ظروف الجفاف.
كما أنها لمعالجة هذه التحدّيات، عملت إسرائيل على جمع ومعالجة حوالي 94% من مياه الصرف الصحي، وإعادة استخدام 87% منها، في المقام الأول للزراعة، وبشكل عام، بين عامي 2000 و2018م، انخفضت حصة الزراعة من عمليات سحب المياه العذبة من 64% إلى 35% من إجمالي عمليات سحب المياه، لكن مع ذلك، تبقى الحلول التكنولوجية مثل تحلية المياه ومعالجة مياه الصرف الصحي مكلفة وغير كافية لسد الفجوة، ونتيجة لهذا، لجأت إسرائيل إلى مصادر المياه الإقليمية، بما في ذلك نهر اليرموك في الأردن ونهر الليطاني في لبنان، لتأمين إمدادات إضافية.
لقد كان التحكم في موارد المياه واستغلالها من العناصر الأساسية في استراتيجية إسرائيل منذ الأيام الأولى للمشروع الصهيوني. فالمياه ليست مجرد مورد أساسي للبقاء، بل إنها تشكل أيضاً عاملاً حاسماً في العلاقة بين الأرض والشعب. ومنذ تأسيس الحركة الصهيونية من خلال الحروب والاحتلالات والمفاوضات مع الدول العربية المجاورة، وكان الوصول إلى المياه يشكل أولوية استراتيجية لإسرائيل.
تاريخياً، كانت المياه جزءاً لا يتجزأ من الخطط الصهيونية للتنمية الزراعية والتوسع الإقليمي. وقد أبرز القادة الصهاينة الأوائل، مثل حاييم وايزمان، أهمية المياه من مناطق مثل جبل الشيخ ونهر الليطاني للري والتنمية الاقتصادية، وبعد تأسيس إسرائيل في عام 1948م، أممت الحكومة موارد المياه ونفذت مشاريع واسعة النطاق مثل الناقل الوطني للمياه لنقل المياه من الشمال الأكثر رطوبة إلى الجنوب القاحل. وقد شملت هذه الجهود الاستفادة من خزانات المياه الجوفية في الضفة الغربية، والتي أصبحت مصدراً حيوياً للمياه بعد حرب 1967م، وبحلول ذلك الوقت، كانت إسرائيل تسيطر على أراضٍ غنية بالمياه، بما في ذلك الضفة الغربية وغزة ومرتفعات الجولان. وكانت هذه المناطق تزوّد أجزاء كبيرة من احتياجات إسرائيل من المياه، حيث كانت الضفة الغربية وحدها تمثل ما يصل إلى 40٪ من إمدادات المياه في إسرائيل.
وكان نهج إسرائيل في إدارة المياه، يأتي في كثير من الأحيان على حساب الفلسطينيين والدول العربية المجاورة. فبالنسبة للفلسطينيين في الضفة الغربية، فإن الوصول إلى المياه مقيد بشدة، فهم يعتمدون على الآبار والينابيع والصهاريج للحصول على المياه، ولكن هذه الموارد محدودة، حيث يبلغ متوسط استهلاك الفرد من المياه 20 متراً مكعباً سنوياً مقارنة بـ 60 متراً مكعباً في إسرائيل، وتنظم الحكومة الإسرائيلية بشكل صارم استخدام الفلسطينيين للمياه، وتحظر حفر آبار جديدة وتفرض غرامات على تجاوز الحصص، في حين لا تواجه المستوطنات الإسرائيلية مثل هذه القيود، والنتيجة هي تفاوت رهيب في الوصول إلى المياه، حيث تظل الزراعة الفلسطينية متخلفة وغير فعالة، في حين تتمتع المستوطنات الإسرائيلية بأنظمة الري الحديثة.
وبعيداً عن الضفة الغربية، تمتد سياسات المياه الإسرائيلية إلى مرتفعات الجولان وجنوب لبنان. مثلا، يوفر الجولان سيطرة استراتيجية على حوض جبل الشيخ، وهو مصدر حيوي للمياه لنهر الأردن.
بالنسبة للبنان، تمتد جذور الأطماع الصهيونية في المياه اللبنانية إلى أواخر القرن التاسع عشر، أي قبل قيام الكيان الصهيوني في عام 1948، كما أن الحركة الصهيونية منذ نشأتها، أولت أهمية خاصة لمسألة المياه، حيث ركز قادة المشروع الصهيوني على تحديد حدود فلسطين بما يشمل مصادر المياه الضرورية لها، ومن بين هؤلاء القادة، برز ثيودور هيرتزل، زعيم المنظمة الصهيونية، الذي أكد ضرورة أن تشمل الدولة اليهودية جنوب لبنان، مشددًا على أهميته الاقتصادية والعسكرية واحتوائه على مصادر مياه حيوية لتطوير الحياة الاقتصادية والاجتماعية في فلسطين.
وقد مارست الحركة الصهيونية ضغوطًا هائلة خلال مؤتمر الصلح في باريس عام 1919م، سعيًا لضم منابع نهر الأردن ونهر الليطاني وسهل حوران في سوريا إلى فلسطين. إلا أن هذه المطالب قوبلت برفض من الجانب الفرنسي، الذي كانت له اليد العليا في سوريا ولبنان بموجب اتفاقية سايكس-بيكو عام 1916م وانتدابهما لاحقًا.
وفي عام 1941م، أعلن ديفيد بن غوريون، الذي أصبح لاحقًا أول رئيس وزراء لإسرائيل، تصريحًا واضحًا حول أهمية نهر الليطاني، قائلًا: “علينا أن نتذكر أنه لا بد أن يكون نهر الليطاني ضمن حدود الدولة اليهودية لضمان قدرتها على البقاء”، وبالتالي، يمكن القول إن دولة الاحتلال لن تتوارى يومًا عن استغلال أي فرصة تخوّلها تحقيق أطماعها المائية المعلنة منذ التأسيس في لبنان.
وبالإضافة إلى ذلك، تشير الدراسات التي أجريت حول المياه خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين إلى أن مشروع جونستون الإسرائيلي عام 1953م تجاهل الحدود السياسية لدول حوض نهر الأردن، معتبراً بحيرة طبريا خزانًا طبيعيًا لمياه النهر، فمنذ إعلان قيامها عام 1948م، خططت إسرائيل لتحويل مجرى مياه نهر الأردن لصالحها، وبدأت فعليًا في تنفيذ هذه الخطط عبر شركة “ميكوروت” الإسرائيلية منذ عام 1953م.
وتمثلت هذه الجهود بتحويل مياه نهر الأردن وروافده إلى بحيرة طبريا، وهو ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه في البحر الميت. بدأت مساحات البحر الميت بالتقلص تدريجيًا مع جفاف أجزائه الجنوبية بسبب تحويل مجاري الروافد لاستخدامات الري والتوسع الزراعي، وإلى جانب ذلك، ساهمت نسبة التبخر العالية الناتجة عن درجات الحرارة المرتفعة في منطقة غور الأردن في تسريع تراجع مستوى المياه، وبحلول مطلع تسعينيات القرن الماضي، وصل منسوب مياه البحر الميت إلى أقل من 410 أمتار تحت مستوى سطح البحر، مما يهدد بشكل جدي بموته التدريجي كمورد طبيعي فريد.
ورغم كل ما ذكر، يُظهر الأداء الإسرائيلي الأخير في جنوب سوريا استمرارًا لسياسات مواجهة تحدّيات الكيان المائية من خلال التوسّع الإقليمي، وما تنتظره إسرائيل لتحقيق هذه الأطماع في دول الجوار هو اللحظة المناسبة فقط، فالزلزال السياسي في سوريا شكّل الفرصة التاريخية للكيان لتعزيز هذه الأطماع، ولا بد من الإشارة هنا، أن أحداث المنطقة تؤكّد أن الرادع الأساسي أمام منع العدو من استغلال الموارد المائية اللبنانية هي المقاومة المُجدية التي نجحت حتى الآن بمنع جيش العدو من تحقيق أمر مشابه لما حقٌقه في الأردن وسوريا والضفة.
وتشير تقارير حديثة إلى أن تل أبيب تسيطر الآن على 40% من موارد المياه المشتركة بين سوريا والأردن، فبعد سيطرة العدو، في كانون الأول الماضي، على سد الوحدة في حوض اليرموك الواقع على الحدود السورية الأردنية قام جيش العدو باستكمال توغّله ليسيطر أيضا على سد المنطرة السوري.
ويُعد حوض اليرموك منطقة جغرافية ذات أهمية استراتيجية بارزة في الريف الغربي لمحافظة درعا جنوب سوريا، ويشكّل جزءًا من الحدود الطبيعية بين سوريا والأردن، ويمتد الحوض كجزء من وادي نهر اليرموك، الذي يُعتبر من أكبر روافد نهر الأردن.
يحمل نهر اليرموك، الذي ينبع من بحيرة مزيريب في درعا، أهمية حيوية لكونه المصدر المائي الرئيسي الذي يغذي الأراضي الزراعية ويوفر مياه الشرب لمناطق في درعا والسويداء في سوريا، بالإضافة إلى شمال الأردن، ويقطع النهر مسافة 57 كيلومترًا، منها 47 كيلومترًا داخل الأراضي السورية، فيما يشكل المتبقي جزءًا من الحدود السورية الأردنية. على ضفافه، أقامت سوريا عددًا من السدود، أبرزها سد اليرموك، إلى جانب سد الوحدة الذي يُعد الأكبر، وتصل طاقته التخزينية إلى 225 مليون متر مكعب.
وتُستخدم هذه السدود في ري مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية، تقدر بحوالي 13.640 هكتارا، فضلاً عن تزويد القرى المحيطة بمياه الشرب عبر شبكات ضخ رئيسية مثل “خط الثورة” الذي يمتد من الحوض إلى مدينة درعا وريفها وصولًا إلى ريف السويداء.
من هنا، تُجسّد التحركات الإسرائيلية الأخيرة في جنوب سوريا تصعيداً خطيراً في استراتيجيتها المائية، والتي تركز على تأمين الموارد على حساب الأمن المائي لدول الجوار، وتسلّط هذه التحركات الضوء على طموحات إسرائيل المتواصلة للسيطرة على مصادر المياه الإقليمية، مما يشكّل تهديداً مباشراً للاستقرار في كل من سوريا والأردن ولبنان بشكل أساسي، ولعل الأحداث المتسارعة في المنطقة لا تسمح لكثيرين للالتفات لخطورة ما يقوم به جيش العدو من تهديد للأمن المائي الإقليمي، ولكن ما يحدث الآن يدق ناقوس الخطر فالواضح أن أطماع إسرائيل لا نهاية لها.

مقالات مشابهة

  • فايننشال تايمز: غزة أسقطت خيار “إسرائيل ” بالاعتماد على القوة لهزيمة الشعب الفلسطيني
  • نتنياهو: الرئيسان بايدن وترمب منحا “إسرائيل” الحق في العودة للقتال  
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تواصل التوغّل والبناء في المنطقة العازلة مع سوريا
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تواصل البناء في المنطقة العازلة على الحدود مع سوريا
  • الأمم المتحدة: إسرائيل تواصل انتهاك المنطقة العازلة مع سوريا
  • أمير منطقة جازان يرعى حفل موسم “شتاء جازان 25”
  • الأطماع المائية “الإسرائيلية”.. تهديد متجدّد لموارد سوريا والأردن
  • حماس: تم حل كل “الإشكاليات” وليس أمام “نتنياهو” فرصة للهروب 
  • الشرع: ذرائع تقدم إسرائيل في سوريا لم تعد قائمة.. ونحترم اتفاقية 1974
  • الأمير محمد بن ناصر يرعى غدًا حفل موسم “شتاء جازان 25”