طرح العراق رؤية واقعية وموضوعية حول كيفية التعاطي مع المتغيرات الدراماتيكية السريعة والمفاجئة في المشهد السياسي السوري، تمثلت هذه الرؤية، بعدم التدخل في الشأن الداخلي السوري، باعتبار ان أبناء الشعب السوري هم من يقررون مصير بلادهم ومستقبلهم، والعمل على مساعدة السوريين في ظل الظروف والأوضاع الحرجة التي يواجهونها، والحفاظ على أمن العراق ودرء الأخطار المحدقة به، والتعاون والتنسيق مع كل أطراف المجتمع الدولي، والقوى الإقليمية الفاعلة، لترسيخ الاستقرار في سورية وتجنيبها الصراعات الداخلية والاعتداءات الخارجية.


هذه الرؤية، عبرت عنها الرئاسات العراقية الثلاث، متمثلة برئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، ورئيس الوزراء محمد شياع السوداني، ورئيس البرلمان محمود المشهداني، فضلاً عن المرجعية الدينية، وكذلك مختلف القوى والشخصيات السياسية بعناوينها ومسمياتها المتنوعة.
ولعل ما يشغل العديد من النخب السياسية والمجتمعية وعموم الشارع العراقي، هو كيفية منع الارتدادات السلبية لتفاعلات المشهد السوري عن العراق، لا سيما وأن هناك ترابطاً جغرافياً كبيراً، وتداخلات وتشابكات حكمتها وبلورتها طبيعة التحديات المشتركة طيلة عقدين من الزمن تقريباً، ناهيك عن عدم وضوح الصورة الكلية لمسارات الوقائع والأحداث في سورية، في ظل تقاطع المصالح والأجندات والحسابات بين فرقاء إقليميين ودوليين، وبين قوى داخلية متعددة الولاءات والانتماءات.
وربما يتفق الكثيرون حول حقيقة أن مصادر الخطر على العراق من الجبهة السورية، تتمثل بجهتين، الأولى هي الكيان الصهيوني، إذ إنه من المعروف أن الأخير، يعمل منذ فترات طويلة على اختراق العراق أمنياً وسياسياً واجتماعياً، من أجل تفككيه وإضعافه، وتفريغه من كل مكامن القوة والحضور والتأثير، في ذات الوقت الذي لم يفتأ الكيان يحاول جاهداً إدخال العراق في مسار التطبيع المذل، كما هو الحال مع دول وأنظمة أخرى عربية وغير عربية.
فمرة يقدم الكيان الصهيوني على قصف وتدمير المنشآت النووية العراقية، ومرة يستهدف علماءه، ومرة يدفعه-مع الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي-إلى شن حرب عبثية ضد أحد جيرانه، ومرة يغرقه بالجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية، وبنشر مظاهر العنف والإرهاب.
ومن الطبيعي جداً، في ظل أجواء التآمر والاستهداف المتواصل، والأجندات التخريبية التدميرية، أن يتوجس العراق من التوغل الصهيوني في سورية، من خلال استغلال حالة الفوضى والاضطراب بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد، ويتوجس أكثر من الحملات الصهيونية المتواصلة لتدمير المنظومات والقدرات العسكرية والتسليحية السورية بشكل غير مسبوق.
وإذا كان الكيان الصهيوني قد نجح قبل أكثر من أربعين عامًا في تحييد مصر وإخراجها من معادلات الصراع العربي معه، فقد بقي يعمل بنفس الهدف والتوجه على كل من سورية والعراق، وهو يشعر الآن أن الفرصة باتت سانحة أكثر من أي وقت مضى لتحييد سورية بأسلوب آخر، وعبر البوابة السورية يرى أنه يمكن أن يصل إلى العراق بأقصر الطرق. وهذا ما يدركه ويعرفه جيداً أصحاب القرار السياسي في بغداد، وتدركه وتعرفه مختلف النخب السياسية والدينية والثقافية والاجتماعية العراقية.
أما الجهة الثانية لمصادر الخطر على العراق، فتتثمل بتنظيم داعش الإرهابي، وما ينظوي تحت عباءته من أسماء ومسميات، ولا شك أن “داعش” يعد الوجه الآخر للكيان الصهيوني، وأن كلا منهما يكمل مهام الآخر وأدواره من خلال تناغم وانسجام وتوافق كبير جداً.
ومثلما يرى الكيان الصهيوني في الأوضاع السورية المضطربة حالياً، فرصة ذهبية للتوسع والتمدد، للتعويض عن خسائره وانكساراته وهزائمه في غزة ولبنان، فتنظيم داعش هو الآخر يرى في مجريات الأحداث الراهنة، فرصة ذهبية للتعويض عن هزائمه في العراق وسورية، بمساعدة أطراف دولية وإقليمية، وربما حواضن داخلية.
ومما لا شك فيه أن الكيان الصهيوني وتنظيم داعش يعملان ويتحركان وفق نظرية “التخادم”، التي يمكن أن تكون سهلة التطبيق في البيئات المضطربة والقلقة والهشة أمنياً وسياسياً ومجتمعياً.
ففي الوقت الذي راحت تشكيلات من جيش الكيان تتوغل في الأراضي السورية، وطائراته تضرب المواقع الحيوية والاستراتيجية السورية، راحت عصابات داعش تعمل على إعادة تنظيم صفوفها، في سبيل تحقيق أكبر قدر من المكاسب في أقصر وقت ممكن.
وربما يحاول تنظيم داعش تكرار أو استنساخ مشهد التغيير السوري في العراق. ولعل ما يعزز مثل تلك الاحتمالات والهواجس، المعلومات التي تقول، إن الولايات المتحدة الأمريكية جمعت ودربت أحد عشر ألف عنصر داعشي في سورية خلال الشهور القلائل الماضية لمهاجمة العراق، ناهيك عن تفعيل الخلايا النائمة في الداخل لنفس الغرض.
هذه المعلومات التي أوردها القائد العام السابق لقوات الحرس الثوري الإسلامي الإيراني، الجنرال محسن رضائي، تأتي متساوقة مع وقائع ومؤشرات على الأرض، تنبه إليها القادة السياسيون والأمنيون العراقيون، واتخذوا المزيد من الإجراءات الاحترازية. وأضيف لهذه المعلومات، تأكيدات جاءت على لسان السفير الإيراني في العراق، محمد كاظم آل صادق، مفادها أن إيران ستدافع وتساند العراق في حال تعرضه لأي اعتداء إرهابي، حيث قال آل صادق بالنص: “إن الدفاع عن العراق والعتبات المقدسة فيه، أمر واجب إذا ما حاولت العصابات الإرهابية الدخول إلى المدن العراقية والعبث بأمنها”. مضيفاً: “لدى العراق جميع صنوف القوات الأمنية والعسكرية التي تؤهله لمقاتلة أخطر التنظيمات المسلحة والإرهابية، وأنه لا خوف على العراق بوجود قوات الجيش والحشد الشعبي وجهاز مكافحة الإرهاب”.
ومما لا خلاف عليه، هو أن مجمل الوضع الأمني والسياسي الراهن في العراق، يختلف تماماً عما كان عليه في عام 2014 وما قبله، وأن أي مخطط تخريبي داعشي، سيواجه بردود وإجراءات حازمة وقوية من قبل المنظومة الأمنية والعسكرية العراقية، ولكن ما ينبغي التنبيه والتأكيد عليه هو أن الأوضاع القلقة والمرتبكة في سورية، والمفتوحة على كل الاحتمالات، تقتضي المزيد من اليقظة والتأهب، واخذ أسوأ الاحتمالات بعين الاعتبار.
كاتب وصحافي عراقي

المصدر: الثورة نت

إقرأ أيضاً:

السلطات العراقية تعلق على مزاعم تسميم سوريين للطعام

علقت قيادة عمليات بغداد على الأنباء التي تداولتها بعض منصات التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام، بشأن برقية منسوبة إليها تتحدث عن "مخطط لعمال سوريين يعملون في المطاعم لتسميم العراقيين في وقت واحد".

ونفت قيادة العمليات تلك الأخبار مؤكدة أن هذه المعلومات لا أساس لها من الصحة، وهي مجرد شائعات تهدف إلى إثارة الفوضى.

وفي بيان رسمي، شددت قيادة عمليات بغداد على أن الوثيقة التي يجري تداولها "مزورة"، وأنه لم يصدر أي تحذير رسمي حول مثل هذه الادعاءات، ودعت وسائل الإعلام والقنوات الفضائية إلى توخي الدقة في نشر المعلومات، والاعتماد على المصادر الرسمية لتفادي نشر الأخبار الكاذبة التي قد تضر بالأمن والاستقرار في البلاد.


ويأتي انتشار هذه الشائعة وسط أجواء من التوتر الأمني الذي تشهده بعض مناطق العراق، حيث تتكرر محاولات نشر معلومات مضللة تهدف إلى إحداث بلبلة وزعزعة الاستقرار، وسبق أن شهدت البلاد خلال السنوات الماضية انتشار شائعات مماثلة، استهدفت فئات مختلفة، منها العمالة الأجنبية، في ظل حالة من الاستقطاب السياسي والتوتر الأمني.

وتؤدي تلك الاخبار إلى تصاعد التوترات بين المجتمعات المختلفة في العراق، خصوصًا في ظل وجود مئات الآلاف من اللاجئين والعمال السوريين الذين استقروا في البلاد منذ اندلاع الأزمة السورية في 2011.

وكانت الحكومة العراقية قد شددت في عدة مناسبات سابقة على ضرورة التحقق من الأخبار قبل تداولها، مطالبة المواطنين بعدم الانجرار وراء الشائعات التي قد يكون لها تأثير سلبي على الأمن الداخلي، كما حثت الجهات الإعلامية على الالتزام بالمعايير المهنية في نقل الأخبار، وتجنب نشر المعلومات التي لم يتم التحقق من صحتها.


من الجدير بالذكر أن هذه ليست المرة الأولى التي تنتشر فيها شائعات مرتبطة بالأمن الغذائي أو محاولات التسميم في العراق، ففي السنوات الماضية، تم تداول مزاعم مشابهة تتحدث عن محاولات لاستهداف الأمن الغذائي من خلال دس مواد سامة في الأسواق أو المطاعم، إلا أن التحقيقات الأمنية نفت صحتها.

مقالات مشابهة

  • بقائي: حان وقت محاسبة ومحاكمة الكيان الصهيوني المجرم
  • الحكومة العراقية تصدر قرارات جديدة
  • العراق يواجه فلسطين.. تشكيلة أسود الرافدين لموقعة عمان
  • بنك عدن المركزي يتماهى مع الأجندة الأمريكية – الإسرائيلية لكسر الحصار البحري على الكيان الصهيوني
  • اليمن.. معادلة الرعب الجديدة في قلب الكيان الصهيوني
  • احتجاجات أمام السفارة العراقية في عمّان بسبب نفاد تذاكر مباراة العراق وفلسطين
  • صفارات الإنذار تدوي في “تل أبيب” والقدس.. صاروخ يمني يثير الذعر في عمق الكيان الصهيوني
  • السلطات العراقية تعلق على مزاعم تسميم سوريين للطعام
  • المشاركون في مؤتمر فلسطين الثالث يؤكدون حرمة التطبيع مع الكيان الصهيوني
  • لإثبات وجودها في العراق.. الكشف عن استراتيجية جديدة لعصابات داعش