كان يوما أسودا.. يوم سقوط البلاد بين مخالب هؤلاء!
تاريخ النشر: 19th, December 2024 GMT
اختراق أمريكي جديد للسيادة النقدية.. للبنك المركزي!
وسط ذروة فضيحة سعي جهات ودول غربية.. لنهب أرصدة ليبية.. وهي الفضيحة التي فجرها أمس مندوبو روسيا والصين وفرنسا بجلسة مجلس الأمن حول ليبيا.. والتي مرت على الليبيين وكأن تلك التفجيرات كانت تتحدث عن نهب أرصدة وأموال موزمبيقية وليست ليبية!؟
ووسط ذروة سعي واشنطن لتعيين من تسمية بطرف أجنبي سيادي ثالث.
تأتي ثالث هذه الفضائح بظهور محافظ البنك المركزي الجديد الذي جاء به الانقلاب الأمريكي على الصديق الكبير.. علينا يوم أمس ليفجر فضيحة ثالثة من العيار المروع.. وذلك بإعلانه عن سعيه لتحقيق الاستجابة لضغوط ما أسماه بالبنك الفيدرالي الأمريكي بنيويورك.. عبر إطلاقه (أي المحافظ).. لضغوط إقناع وحمل الجهات الرقابية بالدولة على القبول بتكليف شركة مراجعة (أجنبية خالصة.. وُصِفت بالمتخصصة والمستقلة).. لتوضع على رأس البنك المركزي الليبي.. لتقوم هي وليس البنك المركزي الليبي.. بتأكيد ما إذا كانت إجراءات البنك المركزي الليبي وموارده ومعاملاته ومصاريفه خالية من عمليات غسيل الأموال.. وتمويل الإرهاب.. أم لا!!!
يا عيني عالصبر!! ويا لروعة شماعة غسيل الأموال ومكافحة الارهاب!!!
ولمزيد الشرشحة والتحقير للسيادة الليبية.. يقول محافظ البنك المركزي الليبي: (بأن شركة المراجعة الأجنبية هذه.. لن تكون مقبولة لدى البنك الفيدرالي النيويوركي.. إلا إذا وافق هذا البنك الأمريكي بنفسه عينيا على اسم وهوية هذه الشركة)!
يا عيني.. يا عيني!!!
ويبرر المحافظ الليبي خضوعه لهذا الخرق السيادي المروع.. بتلقيه لتهديدات البنك الفيدرالي النيويوركي.. بتعليق تعامله معنا ومع المصرف الخارجي الليبي بحال رفضنا الخضوع لتسليمه مفاتيح سيادتنا النقدية عبر السماح له بزرع شركته (الشرطية) وسط خزائن البنك المركزي!!!
وهو التهديد الأمريكي الذي يعني (بحسب محافظنا) تعطيل كل عملياتنا بالدولار.. وبكل تعاملاتنا مع كل المراسلين الدوليين.. بيد أن خضوعنا للتفريط بسيادتنا النقدية لهذا البنك الأمريكي.. بالسماح له بتعيين شركة المراجعة الأجنبية التي يختارها ويريدها ويعشقها دون غيرها.. سيجنّبنا مستقبلا ومصيرا ماليا خارجيا قاتما!!
وبينما أغفل محافظنا عن تنبيهنا من خسارتنا لملايين الدولارات التي ستستولي عليها هذه الشركة الأمريكية السياسية المفترضة حتما.. مقابل ما ستقدمه من خدمات مراجعة لن تكون إلا هزيلة.. ولن تتناسب أبدا مع حجم ما (ستلهفه) من أموال الشعب.. إلى جانب إمكانية تأكيد ومنذ هذه اللحظة قيامها بالاستيلاء على الأسرار النقدية السيادية الاستراتيجية للدولة وتوظيفها والمتاجرة بها.. فإن محافظنا لم يغفل عن تنبيهنا عما سيلحق بنا من ضرر وخسائر جسيمة جراء تمسكنا بسيادتنا النقدية.. وتكرمه مشكورا بلفت أنظارنا إلى المخاطر التي ستصيب كل معاملاتنا حتى بالعملات الأخرى (بعد أن كان يتحدث عن معاملاتنا الدولارية فقط).. كما أنه لم ينس تحذيرنا مما ستتعرض له سمعتنا مع جميع المؤسسات المالية الدولية.. من شرشحة وقلة قيمة!!!
بيد أنه والحق يقال.. فإن محافظكم قد قال (مستنجدا بكم).. لأنه يبدو أنه قد أدرك بأن هذا الذي يجري.. هو حتما إجراء (إمبريالي هيمني لم يسبق لواشنطن فرضه بهذه الصورة المهينة على الدول المحترمة المستقلة.. بما فيها تلك الدول ذات الصيت الواسع بغسيل الأموال وتفريخ الإرهاب وجلها صديق وحليف لواشنطن): (بأننا قد بذلنا كل ما في وسعنا لثني البنك الفيدرالي النيويوركي.. عن فرضه لهذا الإجراء “الذي أغفل المحافظ عن ذكر أو مجرد الإشارة إلى أنه غير مسبوق بالنسبة للدول المستقلة والحرة”)!!!
ولقد كان آخر هذه المحاولات (بحسب المحافظ لحماية البنك المركزي من اختراق الهيمنة والتحكم الأجنبي).. هي محاولتنا – والكلام للمحافظ – ثني البنك الأمريكي عن إجراءاته في اجتماعنا معه في تونس قبل أيام.. وذلك بحضوري أنا ونائبي.. وعدد من أعضاء مجلس الإدارة.. ووزارة الخزانة الأمريكية!!!
وحتى يؤكد المحافظ وإن بصورة غير مباشرة.. أن الموضوع إمبريالي سياسي أمريكي.. ولا علاقة له بإجراءات بنك مراسل:
فقد أشار إلى أن هذا الاجتماع الأخير قد تم بحضور وزارة الخزانة الأمريكية!! التي قال عنها.. بأنها كانت مؤيدة حتى النخاع لمطالب وإجراءات البنك الفيدرالي النيويوركي.. بل وكانت تضرب معاه بسبع عصي (حارات)!!!
ما يعني بحسب تلميح المحافظ أن موقف البنك الفيدرالي النيويوركي.. كان في الحقيقة تدخلا حكوميا أمريكا سافرا.. وخرقا جسيما لسيادة البنك المركزي الليبي.. وليس مجرد طلب من بنك أمريكي مراسل والسلام!!!
وحتى يكمل المحافظ الليبي استنجاده بكم.. فقد قال لكم مستسلما.. واضعا الثقل على أكتافكم أنتم الشعب.. إن أردتم تشغيل هذه الأكتاف الخاوية:
(بأن أقصى ما استطعنا التوصل إليه أمام ضغوط واشنطن الرهيبة.. هو تحقيق تأجيل تنفيذ الإجراءات الأمريكية إلى حين إقناع الجهات الليبية المختصة بالموافقة.. على آلية المراجعة التي تفرضها واشنطن علينا.. وهي تعيين شركة محاسبتية أجنبية مستقلة.. بشرط موافقة البنك الأمريكي.. أو المخابرات الأمريكية أو الحكومة الأمريكية عليها (حيث لا فرق يذكر بين هذه الجهات الثلاث)!!!
وأما الفجور البواح هنا.. فهو أنني شخصيا قد سمعت: بدولة مستقلة.. وبنك مركزي مستقل.. وقضاء مستقل!!!
أما شركة (خاصة رأسمالية.. وتجيبها أمريكا.. وتفرضها على دولة تحتلها.. وتكون شركة مستقلة).. فهذه حكاية واسعة واجد!!!
ولا تنطلي إلا على قرود غابات يجتاحها وباء.. حيث لا يمكن لهذا السخف أن ينطلي ولا حتى على قرود غابات تعيش وهي معافاة بين أغصان محميتها!!!
كما أنه.. أي أهبل هذا الذي يمكنه تصديق أن شركة خاصة فردية أو عائلية أو مساهمة أو قابضة.. يمكنها أن تكون مستقلة.. بينما نظام العقوبات التجاري الشنيع الذي تمارسه العمة (واشنطن ) ضد الشركات.. والذي يحاصر هذا الأخيرة ويلاحقها ليل نهار.. حتى أضحت جميعها.. لا تفضل الاستلقاء إلا أسفل الجزمة الأمريكية.. ولا تكره شيئا وتنبذه كما تكره وتنبذ صفة (المستقلة)!!!
بل أن عملاء المخابرات الأمريكية من الشركات حول العالم.. بحسب كتاب إرث من الرماد لمؤلفه تيم واينر.. هم أكثر من عميلات المخابرات الأمريكية من العاهرات حول العالم!!!
وأما خلاصة الأمر فهي كما يلي:
أولا:
إن موضوع نهب الأرصدة والموارد الليبية لن يتحقق للدول والأطراف التي اتهمها مندوبي روسيا والصين وفرنسا بجلسة مجلس الأمن الدولي التي عقدت أمس حول ليبيا إلا بأحكام سيطرتها على بيت مال الليبيين، ولعل ما قصده مندوبي الدول العظمى الثلاث تحديدا هو التنبيه والتحذير من هذه الإجراءات الأمريكية المهينة جدا لليبيين.
وثانيا:
لقد أكد تقرير صدر مؤخراً عن مركز الإمارات للسياسات تحت (عنوان: الدور الصيني في ليبيا: حساباته ومستقبله).. بأن سعي واشنطن للسيطرة على البنك المركزي الليبي من خلال فرضها لما تسميه بالطرف الأجنبي السيادي الثالث والذي سيمثل طرفا منها أو خاضعا لها حتما.. إنما هو استجابة أمريكية مباشرة لما توافر لدى المخابرات المركزية الأمريكية من معلومات حول زيادة النشاط الصيني في ليبيا.. والذي يعززه وقوع ليبيا ضمن المحطات الشديدة الأهمية على مسار مبادرة الطريق والحزام الصينية، ولعل أشد ما تخشاه واشنطن بحسب التقرير.. هو تأكد واشنطن من تطور الأنشطة الصينية في ليبيا اليوم (وجلها اقتصادية) إلى أنشطة سياسية وعسكرية.. ستعزز حتما من الحضور الصيني.. ليس بدول شمال أفريقيا فقط لا سيما مع تطور العلاقات الصينية مع كلاً من مصر وتونس والجزائر إلى مستوى توقيع الصين لاتفاقيات تعاون استراتيجي معها.. بل وبعموم القارة الأفريقية حيث التحدي الأكبر المفروض اليوم على واشنطن والغرب بمواجهة بكين وموسكو!!!
ومن هنا فإنه يمكن لواشنطن من خلال إمساكها بخزائن البنك المركزي الليبي من حرمان الصين من تحقيق أي مكاسب في ليبيًا تمكنها من ترسيخ أقدامها فيها.
وأما ثالثا:
فلقد استغربت شخصيا التفجر المفاجئ لحملة شعواء ضد رئيس ديوان المحاسبة.. بيد أن تصريحات المحافظ قد فسرت لي سر هذه الحملة فعلا بكشف المحافظ عن طبيعة المعارضة الشديدة التي ظهر واضحا أن رئيس ديوان المحاسبة يقودها ضد المشروع الأمريكي الشنيع للإطاحة بالسيادة النقدية للبلاد.
الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.
المصدر: عين ليبيا
كلمات دلالية: البنک المرکزی اللیبی البنک الفیدرالی البنک الأمریکی
إقرأ أيضاً: