من خسر أسلحة أكثر.. روسيا في سوريا أم أميركا في أفغانستان؟ كشف بخسائر تفوق الوصف والخيال
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
من دون إراقة دماء، دخلت إدارة العمليات العسكرية إلى العاصمة، وفر الرئيس من البلد، وبدأت حليفته المدهوشة من كل ما حدث، وهي دولة أجنبية، بالتفاوض على إخلاء قواتها، ومن هنا نكتشف بأن سقوط نظام الأسد خلال هذا الشهر يتقاطع من عدة نواح مع سقوط النظام في أفغانستان قبل ثلاث سنوات، إذ في كلتا الحالتين، حدث انهيار قوات النظام بشكل مفاجئ وكامل، ولم يتبين حتى الآن حجم الترسانة التي تركها الأسد للثوار المنتصرين، ومعظمها مؤلفة من أسلحة سوفييتية أو روسية الصنع، هذا على فرض بأن ما تبقى من الأسلحة التي استهدفتها الغارات الجوية الإسرائيلية خلال الأسبوع الماضي والتي كان هدفها تدمير أكبر قدر من تلك الترسانة، يشتمل على بوارج وطائرات حربية إلى جانب مخازن للذخيرة.
ومما يزيد الأمور تعقيداً هو احتمال ترك القوات الروسية النظامية والمرتزقة الروس لمزيد من الأسلحة عند هروبهم من مواقعهم وتوجههم نحو القاعدتين الروسيتين الكبيرتين في طرطوس واللاذقية، حيث تجري عمليات إجلاء منظمة للجنود والعتاد على قدم وساق حالياً. بيد أن هنالك أمر بغاية الوضوح، وهو أنه بعد عقود من الوصاية التي قدمتها قوة عظمى، خلف النظامان في سوريا وأفغانستان جبالاً من الأسلحة والذخائر التي قدمتها له الدولة التي ترعاه، ولكن أي دولة راعية خسرت من انهيار عميلها أكثر من الأخرى؟ أهي الولايات المتحدة أم روسيا؟
الترسانة السورية
تعود العلاقة القائمة على السلاح بين روسيا وسوريا إلى أيام الحرب الباردة، عندما استعان الاتحاد السوفييتي بمصنعه العسكري الضخم لإرسال الطائرات والدبابات والمدفعية والصواريخ إلى الدول التابعة له في مختلف بقاع العالم، وتظهر البيانات التي يقدمها المعهد الدولي لأبحاث السلام في ستوكهولم بأنه خلال الفترة ما بين 1950-1991، كانت الأسلحة السوفييتية تمثل 94% من واردات السلاح السورية.
خسرت سوريا كميات هائلة من الأسلحة والعتاد في حرب النكسة عام 1967 وحرب تشرين مع إسرائيل عام 1973، ولكن خلال الفترة ما بين 1975-1991، عاد السوفييت لتزويد قوات حافظ الأسد بالعتاد، إذ قدم الاتحاد السوفييتي لسوريا أو باعها 20 قاذفة للقنابل، و250 طائرة حربية مقاتلة، و117 مروحية، و756 مدفعية رشاشة، و2400 مركبة مخصصة للمشاة، و2550 دبابة، وما لا يقل عن 7500 صاروخاً مضاداً للدبابات، وأكثر من 13 ألف صاروخ أرض-جو.
وعند بداية الحرب السورية في عام 2011، كان لدى سلاح الجو السوري 700 طائرة حربية ذات أجنحة ثابتة ومتحركة بمستويات متفاوتة من الجاهزية، وكان لدى قواتها البرية نحو 5000 دبابة، و4000 عربة مصفحة، و3400 مدفعية، و2600 سلاحاً مضاداً للدبابات، و600 مركبة للاستطلاع.
دُمرت معظم تلك الأسلحة في قتال مدن شرس داخل معاقل المعارضة وضد تنظيم الدولة، ولقد استعان الباحثون الذين يعتمدون على المصادر المفتوحة بأدلة تشتمل على صور وفيديوهات للتأكد من خسارة جيش النظام السوري لما لا يقل عن 3380 دبابة وعربة مصفحة خلال الفترة ما بين 2011-2020، غير أن توريد روسيا لطائرات مقاتلة ومروحيات حربية ومئات من الدبابات والصواريخ التكتيكية، والآلاف من الصواريخ المضادة للدبابات وصواريخ الدفاع الجوي خلال فترة النزاع عوض قوات الأسد عن الخسائر التي تكبدتها، وكما رأينا خلال هذا الشهر، فإن كل هذا السلاح لم يكف لضمان بقاء النظام.
لم يتضح حتى الآن عدد الدبابات والمركبات المصفحة التي تركها نظام الأسد وراءه، فقد وثق مرصد أوريكس المتخصص بالنزاعات والذي يعتمد على المصادر المفتوحة استيلاء هيئة تحرير الشام على معدات للنظام خلال الهجوم السريع الذي نفذته، وشملت تلك المعدات ما لا يقل عن 150 دبابة وأكثر من 75 مدفعية، و69 مركبة مخصصة للمشاة، و64 قاذفة للصواريخ المتنوعة، ومدافع مضادة للطائرات، ومن المرجح أن تصل إلى أيدي هذه الجماعة آلاف مؤلفة أخرى من المركبات المصفحة والرشاشات والصواريخ، والتي يعتقد أنها وصلت إلى أيديهم بالفعل منذ أيام.
بيد أن ترسانة الأسلحة التي كان من المتوقع لهيئة تحرير الشام أن تحصل عليها تلقت ضربة موجعة قبل أن يستوعب الناس حجم الانتصار الكبير الذي تحقق، إذ خلال الأسبوع الماضي، قصف الجيش الإسرائيلي قرابة 500 هدف في سوريا، وزعم بأنه دمر ما بين 70-80% من الإمكانيات العسكرية لجيش النظام البائد، وبحسب ما أعلنه الجيش الإسرائيلي، فإن غاراته: "دمرت معظم ما خزنه نظام الأسد من الصواريخ وغيرها من الأسلحة الاستراتيجية" والتي تشمل: "صواريخ سكود، وكروز، وصواريخ أرض-جو، ومسيرات، وطائرات مقاتلة، ومروحيات هجومية، ودبابات، كما دمرت غارات استهدفت مينائي البيضا واللاذقية العشرات من الصواريخ طويلة المدى والصواريخ المضادة للسفن والمركبات التي كانت تحملها، وقصف الجيش الإسرائيلي أيضاً مطارات عسكرية في سوريا، وحظائر للطائرات ومواقع عدة لتصنيع الأسلحة.
"صنع في روسيا"
ولكن ثمة سبب وجيه للتشكيك ببعض مزاعم إسرائيل، لأن الاستنزاف المترتب على القصف الجوي يجري تضخيمه على الدوام، كما أن حملات القصف الجوي التي استهدفت دول البلقان وإيران وتنظيم الدولة لم تقوض إمكانات العدو (أو تحد من الإصابات بين صفوف المدنيين) بقدر ما زعمت التقييمات الأولية للأضرار التي خلفتها المعركة. ثم إن الجماعات التي تدعمها إيران سرقت الأسلحة الروسية، إذ وصلت نظم صاروخية مثل نظام كورنيت المضاد للدبابات إلى لبنان عبر سوريا، ويقدر الجيش الإسرائيلي بأن 60-70% من سلاح حزب الله الذي صادرته إسرائيل في لبنان خلال الأيام الأولى للاجتياح الإسرائيلي الذي وقع خلال الخريف الماضي صُنع في روسيا.
كما أن القوة العسكرية الروسية الموجودة في سوريا والتي تضم طائرات وسفناً حربية، قد سحبت من هناك، ويبدو بأن الروس يخلون مواقعهم في سوريا بصورة جزئية، إلا أن روسيا لم تنسحب من سوريا بشكل كامل حتى الآن، ولهذا من المرجح قيام مفاوضات جديدة حول عقد الإيجار الذي تملكه روسيا بما يتيح لها البقاء في قاعدتيها اللتين أقامتهما في كل من اللاذقية وطرطوس.
ما الذي فعلته طالبان عند انتصارها مقارنة بما فعلته هيئة تحرير الشام؟
قدرت هيئات الرقابة الحكومية الأميركية بأن طالبان سيطرت على عتاد تفوق قيمته سبعة مليارات دولار أميركي عقب سقوط الحكومة الأفغانية المدعومة غربياً قبل ثلاث سنوات، إذ في تقرير صدر في آب عام 2022 عن وزارة الدفاع الأميركية، تبين بأن عربات برية تصل قيمتها إلى 4.12 مليارات دولار وطائرات عسكرية تبلغ قيمتها 923.3 مليون دولار بقيت في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي. وفي تقرير رفع للكونغرس ومن الممنوع نشره ورد بأن هنالك 9524 قطعة من ذخائر جو-أرض، و40 ألف مركبة، و300 ألف سلاح خفيف ومليون وخمسمئة ألف قطعة من الذخيرة بقيت في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي.
أصبح لدى طالبان قوتها الجوية اليوم، إذ في تقرير صدر في تشرين الثاني عام 2022 عن هيئة رقابة حكومية أميركية تبين بأنه: "قبل أسبوعين تقريباً من تولي طالبان لمقاليد الحكم، تحدثت سجلات وزارة الدفاع الأميركية عن امتلاك سلاح الجو الأفغاني لـ162 طائرة حربية قدمتها أميركا لأفغانستان، وهذه الطائرات موجودة ضمن أسطولها، وبينها 131 طائرة يمكن استخدامها"، إلا أن الطيارين الأفغان استعانوا بما يقارب من ثلث عدد هذه الطائرات والمروحيات حتى يسافروا بها إلى طاجيكستان وأوزبكستان خلال الأيام الأولى من الانسحاب الأميركي. وهنالك 80 طائرة أخرى موجودة في مطارات كابول لكن الجيش الأميركي عطلها وحولها إلى طائرات غير صالحة للاستخدام، ويعتقد بأن بعضها أجريت عليه إصلاحات منذ أن تولت طالبان السلطة. وفي تلك الأثناء، اعتمدت طالبان على ما تبقى من طائرات تعود للحقبة السوفييتية وذلك لنقل جنودها، ومن أجل شحن المعدات العسكرية والمواد الإنسانية، ولنقل مسؤولي النظام.
عقب الانسحاب الأميركي، تحولت أفغانستان إلى سوق عملاقة لبيع الأسلحة وشرائها، وهكذا ظهرت الأسلحة الأميركية في كشمير وباكستان وغزة، ولابد لها أن تظهر في ساحات قتال أخرى مستقبلاً، إذ يرى الخبراء بأن ما حدث يمثل أكبر عملية في التاريخ لتبادل الأسلحة.
بيد أن الأرقام الأولية التي نعاينها ونحن نقارن بين أفغانستان وسوريا تخفي بين طياتها فارقاً هائلاً بين الترسانة التي خسرها كلا الشعبين، إذ بوسع الروس الاستعانة بهذه الأسلحة اليوم، في حين أن الولايات المتحدة تركت بعضاً من أفضل معداتها في أفغانستان، وجرى تشكيل الجيش الوطني الأفغاني وقوات الشرطة الأفغانية من أجل الحفاظ على الأمن الداخلي، ولهذا زود كلا الجهازين بمعدات أميركية من الدرجة الثانية والثالثة والتي تفي بغرض التعامل مع أي تمرد مسلح بسيط. ثم إن عملية شحن معظم السلاح الأميركي الموجود في أفغانستان إلى الولايات المتحدة عملية مكلفة للغاية، وتفتقر إلى القيمة العسكرية التي تجعلها تستحق التنفيذ، ولهذا كان من الأرخص تفكيك معظم المركبات الأميركية وتحويلها إلى خردة أو تركها لتستفيد منها قوات الأمن الأفغانية.
وبالمقابل خسرت روسيا آلاف المركبات القتالية والطائرات بل حتى السفن الحربية منذ غزوها لأوكرانيا في شباط 2022، فمنذ بداية تلك الحرب، خسرت روسيا نحو 8800 من مركباتها القتالية المصفحة وأكثر من ثلاثة آلاف دبابة، وما يقرب من 250 طائرة حربية ومروحية، ناهيك عن خسارة روسيا لنحو 300 دبابة في معركة امتدت لخمسة أشهر من أجل السيطرة على مدينة أفدييفكا الأوكرانية لوحدها.
وحتى في اقتصاد الحرب، لا يمكن لعملية إنتاج أسلحة جديدة أن تعوض تلك الخسائر، فلقد استنزفت روسيا مخزونها الهائل من الأسلحة والذخائر السوفييتية، وذلك عندما استعانت بدبابات ومركبات مصفحة قديمة في المعارك، ثم إن عدم وجود ما يكفي من آليات لتصنيع السبطانات أدى لظهور تلف كبير طال سبطانات المدفعية التي تعتبر جزءاً أساسياً ومهماً من الحرب الدموية التي قامت في الدونباس، كما تعاني روسيا من نقص حاد في أصناف عديدة من الأسلحة، مما قد يؤدي إلى إضعاف قدرتها على القتال في عام 2025.
وبخلاف طائرات إم-16 التي تمتلكها طالبان وشاحنات فورد رانجر التي لديها والتي من الصعب أن تقضي على أي عدو خطير، يمكن لترسانة سوريا أن تزود قادتها الجدد بإمكانيات عسكرية حقيقية، بيد أن معظم هذه الحسابات قائمة على افتراضات بنيت على أساس ما دمرته الغارات الإسرائيلية من القواعد والمقارّ العسكرية في سوريا، ولكن بالنسبة لعدد ونوع الأسلحة التي خسرتها روسيا وخسرها عميلها السابق الذي كان موجوداً في دمشق، فإن موسكو تلقت ضربة موجعة أكثر من تلك التي تلقتها واشنطن بسبب ما خسرته في أفغانستان من عتاد كثر الجدل والنقاش حوله في الأوساط المعنية الأميركية.
المصدر: The Foreign Policy
المصدر: مأرب برس
إقرأ أيضاً:
البيت الأبيض: كييف تحتاج إلى ورقة "ضغط" للمفاوضات مع روسيا
صرح مدير الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض مايكل كاربنتر، بأن كييف تحتاج إلى ورقة "ضغط" للمفاوضات مع روسيا، ومن المهم أن تفهم الإدارة الأمريكية المقبلة هذا الأمر.
وقال كاربنتر في حدث للمجلس الأطلسي: "المفاوضات تتطلب نفوذا، فهي لن تؤدي لوحدها إلى أي شيء. نحن نبذل كل ما في وسعنا، ونقدم لهم (نظام كييف) المساعدة: أنظمة الدفاع الجوي، وحتى الألغام المضادة للأفراد، وكل شيء حتى يكونوا في وضع آمن".
وأضاف: "لكنهم سيحتاجون إلى المزيد. سؤال للفريق الجديد (إدارة ترامب): أين هو النفوذ؟ سؤال آخر: كيفية إقناع روسيا بالمشاركة في المفاوضات حتى تتحدث عن شيء آخر غير استسلام أوكرانيا".
ووفقا لمدير الشؤون الأوروبية في مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض: "لا يوجد عدد كاف من الأوكرانيين على خط المواجهة فيما يتعلق بالقوات الروسية".
وفي وقت سابق، وعد الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب بأنه سيكون قادرا على تحقيق تسوية تفاوضية للصراع الأوكراني. وقد صرح مرارا بأنه سيكون قادرا على حل الصراع في أوكرانيا في يوم واحد، ومن جانبها، أشارت روسيا إلى أن هذه مشكلة معقدة للغاية بحيث لا يمكن إيجاد حل بسيط كهذا.
كما أشارت روسيا إلى أن إمدادات الأسلحة إلى أوكرانيا تتعارض مع التسوية، وتشرك دول حلف شمال الأطلسي بشكل مباشر في الصراع، وأوضح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى أن أي شحنة تحتوي على أسلحة لأوكرانيا ستصبح هدفا مشروعا للقوات الروسية.
ووفقا له، فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي متورطان بشكل مباشر في الصراع، بما في ذلك ليس فقط من خلال توفير الأسلحة، ولكن أيضا من خلال تدريب الأفراد في بريطانيا وألمانيا وإيطاليا ودول أخرى.
كما أكد الكرملين أن تزويد أوكرانيا بالأسلحة من الغرب لا يساهم في المفاوضات وسيكون له تأثير سلبي، وقال المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، في وقت سابق إن الجانب الأوكراني لا يزال يرفض التفاوض مع روسيا، مشيرا إلى أنه في أوكرانيا يحظر التفاوض مع روسيا على المستوى التشريعي.
وسبق أن طرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مبادرات لحل سلمي للصراع في أوكرانيا، حيث ستوقف موسكو إطلاق النار على الفور وتعلن استعدادها للمفاوضات بعد انسحاب القوات الأوكرانية من أراضي المناطق المعاد توحيدها مع روسيا.
وأضاف أنه بالإضافة إلى ذلك، يتعين على كييف أن تعلن تخليها عن نوايا الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وتنفيذ عملية نزع السلاح والتخلص من النازية، فضلا عن قبول وضع محايد وغير انحيازي وخالي من الأسلحة النووية، ورفع العقوبات المفروضة على روسيا