وزيرة خارجية ألمانيا: الاحتلال الإسرائيلي الدائم لمرتفعات الجولان انتهاك للقانون الدولي
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
دعت وزيرة خارجية ألمانيا أنالينا بيربوك إلى إشراك كل فئات الشعب في عملية إعادة بناء سوريا، مشددة على أن الاحتلال الدائم لمرتفعات الجولان يعد انتهاكا للقانون الدولي.
وخلال جلسة لمناقشة الأوضاع الراهنة بالبرلمان الألماني يوم الأربعاء، أكدت بيربوك على ضرورة مراعاة حقوق كافة المجموعات العرقية والدينية في سوريا من أجل تحقيق انتقال سلمي.
وفي الوقت نفسه، حذرت بيربوك من عرقلة عملية الحوار السوري بالتدخل الخارجي.
وقالت السياسية التي تنتمي لـ "حزب الخضر": "إذا كنا نريد السلام في المنطقة، فلا ينبغي التشكيك في وحدة الأراضي السورية".
وأكدت الوزيرة الألمانية أن "الاحتلال الدائم لمرتفعات الجولان يعد انتهاكا للقانون الدولي"، وذلك تعليقا على دخول الجيش الإسرائيلي إلى المنطقة العازلة مع سوريا في الجولان عقب سقوط النظام السوري، حيث يبدو أن تل أبيب تدرس فرض سيطرة طويلة الأمد على هذه المنطقة.
وأشادت الوزيرة بدور الأكراد في محاربة نظام الأسد، مشددة مرة أخرى على ضرورة إشراك جميع فئات الشعب السوري في العملية الانتقالية.
وفي السياق أكدت بيربوك أنها ستوضح هذا الأمر على نحو جلي تماما خلال زيارتها إلى تركيا يوم الجمعة 20 ديسمبر الجاري
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: الاحتلال الاسرائيل الأوضاع الراهنة التدخل الخارجي البرلمان الألماني السلام في المنطقة المنطقة العازلة
إقرأ أيضاً:
حقوق الأقليّات وفقًا للقانون الدولي.. سوريا ما بعد الأسد نموذجًا
بسّام علي الكلباني **
لم يكن من إذكاء الصراع الأثني من أهميّة تذكر على سطور التاريخ المقنّن سوى بعد الحرب العالمية الثانية التي أنتجت معالم سياسية وجغرافية جديدة في العالم، الأمر الذي لاحقه قرابة الخمسون عام من التغييرات الجيوسياسية والديموغرافية حتى العام 1992م، إلّا أنّه يمكن القول إن أولى المحاولات البشرية لحماية الأقليّات قد رافقت صدور معاهدة فارساي والتي أشارت ولو بالشكل اليسير إلى فئة ما يجب توفير الحماية لها.
ولمّا كان انهيار أحد قطبي العالم وتفكُّكِهِ لجمهوريّات، والثورة الصناعية والزراعية بقيادة ماوتسي تونج، وتمرّد الزنج في الولايات المتحدة الأمريكية وجنوب أفريقيا نحو التحرّر والمساواة، وصراع الأقاليم كالباسك وكاتالونيا وكردستان وظهور مفاهيم القومية العربية وأخيرًا التقسيمات الجائرة لجنرالات الحرب حول أفريقيا والشرق الأوسط سببًا في جعل الإعلان العالمي لحقوق الانسان ليس وحده كافيًا لضمان تحقيق تلك الحقوق للأقليّات الأثنية والدينية في ظل التقسيمات التي لم تراع فيها الجوانب الثقافية والعرقيّة سيما وأن الإعلان لم يتضمن صراحة حقوق الأقليّات في فقرته الرابع من المادة الأولى على أقلِّ تقدير.
وتكمن أهميّة هذه المقالة في تسليط الضوء على بعض المعوّقات في منطقة الشرق الأوسط المكتظّ بالأقليّات العرقية والدينية، والتي كانت السبب في هذا الثراء الحضاري والثقافي، وعليه فإنّه من واجب القانون الدولي والمحلّي تحقيق الحماية اللازمة لبقاء تلك الهويّات دون طمس أو تماهٍ مع الهويّة الواحدة أو الغالبة، ولعلَّ أبرز مشاكل المقالة هو امكانية اخضاع الدساتير العربية إلى قبول المواثيق الدولية وادراج تلك الحقوق في دساتيرها الوطنية، وهو ما يشكّل تحديًّا كبيرًا لتحقيق ذلك لاسيما وإن بعض الدول العربية لم تكتمل لديها مفاهيم الدولة الوطنية والمواطنة والسواسية أمام القانون، الأمر الذي يجعل إمكانية تحقيق ذلك صعبًا في ظل غياب الدعم الثقافي والقبول المجتمعي.
تهدف المقالة تسليط الضوء على أهمية حماية الأقليّات لتكون عنصرًا فاعلًا في المجتمع وفي الدولة الوطنية، وتجنّب تكرار المآسي والاضطهادات التاريخية كالأثنيّات المختلفة في العراق ولبنان وسوريا والتي غادرت نتيجة عدم الاحتواء الثقافي وعدم إرساء أسس الحماية القانونية اللازمة كما هو الحال في الآتفاقيات والمواثيق لاحقة الذكر.
ويمكن تعريف الأقليّات وفقًا لمحكمة العدل الدولية في أولى محاولاتها بأنها مجموعة من الأشخاص الذين يقيمون في منطقة معينة أو في إقليم ولهم أصول عرقية أو دين أو لغة أو تقاليد وعادات خاصة بهم، ويتوفر لهم شعورًا وإحساس بالترابط والتضامن من أجل حماية سماتهم الخاصة والرغبة في الحفاظ على تقاليدهم وعقائدهم وضمان التعليم لأطفالهم وتربيتهم على غرار تقاليدهم والأصل العرقي لهم والعمل فيما بينهم من أجل مساعدة بعضهم لبعض[1]، ويعاب على هذا التعريف أنّه حصر التعريف حول الأقليّات المنتمية للدولة القطرية، أي الأقليّات المحليّة التابعة للدولة وحسب، وبالتالي يفهم بداهة أن أقلّيات الأجانب لا تشملهم هذه الحماية والحقوق وإنّما مناط تلك الحماية للدولة التي ينتمون إليها الأمر الذي يعيدنا إلى أزمة ترسيم الحدود من قبل الدول الكولونيالية والتي لم تراع ذلك التباين الأثني أثناء تقاسم الحصص، ما انتج عنه صراعًا أثنيًّا استمدَّ شرعيّته ولو بالشكل اليسير على تعريف قاصر من قبل القانون الدولي حينها، سيما وأن تلك الأقليّات لم تكن بعد قد اكتسبت الجنسية وبالتالي لا يشملهم هذا التعريف.
أما بالنسبة لمفهوم الأقليات وفقًا لاجتهاد الفقهاء، فقد اشتركوا في خصائص تلك الأقليات من خلال تعريفها بأنّها كل جماعة عرقية مستضعفة أو مقهورة من الناحية السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية وبغض النظر عن أفراد هذه الجماعة، ولو كانوا يمثلون الأغلبية العددية في المجتمع[2] ويلاحظ في تعريف الفقهاء أتساعه وشموله للأفراد الطبيعيين بعض النظر عن انتمائهم السياسي وتشكيلهم البنيوي في المجتمع: قلّة أكانوا أم غالبية، ومواطنين أم أجانب. واتجهت أراء فقهاء آخرين إلى أنّه لا يمكن تصنيف الأجانب إلى أقليّة، وذلك لوجود فرق بين الأجانب والأقلية الوطنية لتمتع الأخيرة بجنسية الدولة، أمّا الأجنبي فلا يتمتع بها أيًّا كان سبب وجوده ومدة إقامته[3].
الأقليّات في وسط الصراعات والأمم المتحدة
يُشير المُفكِّر الأمريكي (من أصول يابانية) فرانسيس فوكوياما إلى أن العالم بشكل السياسي الحالي ما هو إلّا نتاج لما انتهت إليه الحرب العالمية الثانية وظهور قوىً جديدة أسهمت في تشكّل العالم الحديث[4]، غير مراعية للعديد من الجوانب الأيدولوجيّة والحضارية والأنثروبولجية للوجود البشري الذي سبق تلك المعطيات، وهو ما أدى إلى حروب عديدة يمكن القول على أن الباعث وراءها هو سحق المختلف والسيطرة عليه، بعد أن كان الباعث وراءها في ما مضى هو الحصول على الثروات والتوسّع الجغرافي، ولعلَّ الثورة الفرنسية والأمريكية التي أسهمتا في بلورة وإنتاج مفاهيم جديدة: كالحرية الفردية والفردانية والتعددية الثقافية والسياسية هي من أوقدت الحماس في المجتمعات القوميّة إلى الرغبة في السيطرة وإنهاء تلك المفاهيم السامية، الأمر الذي انتج حركات أوليجارشية وسلطات أوتوقراطية على أعقاب تلك الثورات السامية، ممّا حدى بالعالم أن يواجه النازية والفاشية والكولونيالية بكافة أقطارها بعد أن فقدت تلك الركائز الأساسية للنهضة البشرية، وكان الإعلان العالمي لحقوق الأنسان أوّل الخطوات لتحقيق ذلك، وما أكد نشوب ذلك الخطر المحدق هو صامويل هنتنجتون والذي هو الآخر أكّد على أن الصرعات القادمة سيكون الباعث الأساسي لها هو الاختلافات الثقافية بكافة أشكالها[5]، أي أن التباينات الثقافية وليس الأيدولوجية كما كان في السابق، مرتكزا على فرضية أن تلك التباينات لا يمكن تبديلها كالانتماءات الأيدولوجية.
وعليه فإنّنا يمكن أن نلخّص السبب الأوّل في أن الصراعات المستمرّة تتغذّى على نتائج تلك التقسيمات الأمبريالية كما هو حاصل في أفريقيا على وجه الخصوص، وأن باعث تلك الصراعات هو الهويّة والتباين الأثني والثقافي وأنّه ما من سبيل لانهاء الحروب جذريًّا سوى بمعرفة أسبابها دون أن نعزو ذلك إلى أوهامٍ سياسية وحسب، ولعل تمجيد النازيّة بقيادة الرايخ وإساءة فهم غاية الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه في مفهوم الأنسان السوبرمان، هو من جعل تلك المجتمعات تؤمن بسموّها العرقي عن الآخر، والحق في تهميشه وإلغاءه وانتهاك حقوقه.
القصور في إعلان الأمم المتحدة 1992
إنّنا وإذ نشير إلى إعلان الأمم المتحدة عام 1992 المعني بحقوق الأقليّة، فإن ذلك لا يعني بالضرورة أنه الوحيد الذي تحدّث عن حقوق الأقليات القومية أو الأثنية أو الدينية أو اللغوية، بل سبق ذلك الإعلان معاهدة فارساي 1919، والتي شكّلت لبنة الأساس وأولى المحاولات في هذا المجال، إذ تشير المعاهدة في مادتها (86) من اتفاقية صلح فارساي إلى ضرورة حماية الأقليات التي توجد في أقاليها وعدم تعرّض حقوقها للانتهاك ويعود ذلك بطبيعة الحال إلى التفكّك في الأمبراطوريات الكبرى المنهزمة في الحرب والتي شكّلت تباينًا كبيرًا في تركيبتها العرقية والثقافية ومع حراك الهجرة والتوزّع الديموغرافي بعد الحرب؛ كان لابد من حماية تلك الأقليّات التي حتّمت عليهم نتائج الحرب الهجرة أو كانت هجرة طوعيّة، كذلك هو الحال في ميثاق الأمم المتحدة في فقرته الرابعة من المادة الأولى الذي أشار ضمنيًّا إلى حقوق الأقليّات عند تطبيق حقوق الانسان والحريات الأساسية دون تمييز في الجنس أو اللغة أو الدين[6].
وبالنظر إلى مراحل تطوّر حماية الأقليّات بالأمم المتحدة، إذ تتشكل أولى محاولات الأمم المتحدة في حماية الأقليّات من خلال انشاء لجنة فرعية كانت تهدف إلى منع التمييز وحماية الأقليات، وهي لجنة فرعية تابعة للجنة حقوق الانسان، وقد أوضحت تلك اللجنة في مشورها حقوق الأقلية والمعايير وإراشادات التنفيذ.
بعام 1948 اعتمدت الأمم المتحدة الاتفاقية الخاصة بمنع إبادة الجنس البشري والمعاقبة عليها، والتي وضّحت المعالم الرئيسية والمفاهيم حول جريمة إبادة جماعة قومية أو أثنية أو دينية.
في ستينات القرن المنصرم وتزامنًا مع حركات التمرّد للزنوج في الولايات المتحدة الأمريكية، اعتمدت ثلاث اتفاقيات مهمّة للحد من التمييز:
اتفاقية مناهضة التمييز في التعليم والتي تعترف بحق الأقليات في التعليم دون تمييز. الاتفاقية الدولية لإزالة جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تمنع أي تمييز أساسه اللون أو العرق أو اللغة أو القومية صدور العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وقد نص صراحة في مادته (27) على أحقيّة الأقليات من التمتع بثقافتهم الخاصة والمجاهرة بدينهم وإقامة شعائره أو استخدام لغتهم، وكذلك الأشتراك مع الأعضاء الآخرين في جماعتهم بعام 1992م صدر إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص الذي ينتمون إلى أقليّات، وهو نقلة نوعية في ترسيخ الحقوق الفردانية وقد استفاد من التجارب التطبيقية السابقة واكن بمثابة ثمرة الجهود الطويلة في هذا المجال والتي بذلها المجتمع الدولي.إنَّ الدول التي تمر بمرحلة بناء قائمة على التعدد الثقافي واللغوي والديني وجب عليها تجسير تلك العقبات من خلال تفعيل دورٍ رقابي حول تطبيق كافة بنود الإعلان العالمي لحقوق الأقليات؛ بل إن تلك الحركات المُعبِّرة عن مطالب الأقليات الاثنية تمثل تعبيرًا هُويَّاتيّ يتّسق مع الديمقراطية، وإنْ اتخَذَ منذ انطلاقته منحنىً أثنيًّا[7]، وعليه فإن انفجار الهويّات المختلفة في الأطر الجغرافيّة لا يمكن استيعابه سوى بتفعيل دور رقابي من قبل الأمم المتّحدة وضمان عدم تكرارها وفرض العقوبات على الأنظمة التي لا تلتزم بها، وجب على الأمم المتّحدة أن تلزم الدول بتقنين تلك الحقوق في دساتيرها لتكون حقوقًا دستوريّة تنمح الآخر المختلف حقّه في الوجود، وعدم الاكتفاء بمبدأ المساواة والعدالة وحسب بمفهومه الشمولي، وأن تلزم كافة الدول بالتوقيع على الاتفاقية.
حاولت هذه المقالة تسليط الضوء على أهم المعوّقات التي تتعرّض لها الأقليّات بكافة اشكالها، وقد استنبطت الحاجة إلى ذلك من خلال السجل الحافل للاضطهادات العرقية في الوطن العربي المتثخن بصراعاته نتيجة تقسيمات السيدان ماركس سايكس وفرانسوا جورج بيكو في بداية القرن المنصرم، والتي كانت بالإضافة إلى جورها وعدم شرعيّتها لم تراعِ تقسيمًا ديموغرافيًا وأنثروبولجيّا كان يفترض به أن يكون الهاجس الأكبر لهما، وقد انتج عنه العديد من الصراعات والهجرات وطمس في الهويات الثقافية التي كان لها التواجد الحضاري منذ آلاف السنين، وقد خرجت الورقة البحثية على وجود فراغٍ تشريعي في الوطن العربي كان بمثابة الشرارة الأولى لتلك الحروب الأهلية والأثنية والاستيلاء على السلطة من قبل أثنية ما وتهميش أخرى حتى في الحقوق الوجودية الأساسية، وعليه فإن على الدول العربية أن تؤمن بأن التعايش المشترك ثمرة إعطاء تلك الحقوق لمستحقيها من كافة أطياف الشعب لاسيما الأقليّات، ولمّا كان المنطقة العربية محلًّا لانقلابات عديدة وتغييرٍ في شكل الحكومات وشكل الدول وتعطيل الدساتير وإعمال قوانين الطوارئ والعسكر وتوزّع الحريّات بين مراحل مخابراتية تارة وعسكرية تارة أخرى، فإنّ هذه الأزمة الإنسانيّة لا سبيل في حلّها سوى من خلال إضفاء الشرعية الملزمة في الدساتير العربيّة والانخراط في كافة المعاهدات آنفة الذكر دون تحفّظ في أي من بنودها سيما وإنّها لا تحفظ بقاء تلك الأقليّات أو حقوقها، بل تحافظ على الأمن بكافة أشكاله من التدخلات أو التمرّدات أو الثورات التي تبدو للعالم حينها شرعيّة متى ما تبيّن أضطهاد تلك الفئات.
سوريا بعد بشّار الأسد
مما لاشك فيه بأنّه وبالرغم من جهود الأمم المتحدة في الحد من الانتهاكات التي تحدث للأقليّات، وجب القول أنّه حتى مع توقيع الدول لها ما زالت العديد من الأقليات تواجه نوعًا من التهميش والمعاملة وكأنّهم مواطني درجة ثانية، فحتّى بعد إعلان الأمم المتحدة لحقوق الأشخاص الذي ينتمون لأقليّات عام 1992م؛ ما زالت الأقلّيات تواجه الكثير من الانتهاكات على مستوى المشاركة السياسية والثقافية في مجتمعاتهم، إذا تشير الدراسات أن عدد السوريون الذين ينتمون إلى الطوائف الآشورية والسريان والكلدان والذين ينتمون إلى المسيحية السريانية يتحدثون لغتهم الأم بنسبة أقل 4%[8]، وكذلك حال للأرمن في لبنان[9]، ويمكن القول أنّ تقلّص تلك الفئات في مجتمعاتهم، وعدم تمتّعهم بأي دور فاعل سياسيًا، أو تبنّي دولهم لاحتواء تقفاتهم للحيلولة عن فناءها هو ما جعل تلك الفئات في عزلة تاريخية طويلة، وعليه وإن كان إعلان الأمم المتحدة المعني بالأقليات قد انتج افة مفاعيله؛ إلّا أنّه ما زال غير قادر على تحقيق نتائج أفضل من شأنها أن تعزّز دور الأقليّات في مجتمعاتهم، وليس الحد من انتهاك حقوقهم بالشكل المادي، أي أنّه وجب على الإعلان أن يراعي أنّ تلك البنود لا تخضع الدولة الوطنية وتجبرها على الحفاظ على ثقافة الأقليّات وتحثّهم على المشاركة السياسية والثقافية، بل أكتفت بعدم انتهاك حقوقهم الأنسانية الأساسية، وهو ما انتج عزلة أسهمت في الأخير في تلاشي تلك الأقليّات وخصائص تقافتهم وتماهت مع ما هو سائد ف الدولة الوطنية وآثر البعض الآخر الهجرة إلى تلك الدول التي تتسمع بقدر أكبر من التعددية السياسية والثقافية، وعلى ضوء تلك الإشكالات، فإن المقالة تقترح حلولًا للحيلولة عن وقوع ذلك.
تفعيل دور رقابي من خلال تقديم حلول توافقية أو فيدرالية بين فئات الشعب السوريإن ما ينقص تلك الإعلانات والمواثيق الأمميّة لتكون حيّز التنفيذ هو ضرورة تفعيل آداة رقابية يكون دورها في رفع التقارير الدائمة حول أي انتهاك لحقوق الأقليّات، ويجب أن تشمل تلك التقارير حوكمة أداء الدولة الوطنية وتبيان إرادتها في جعل تلك الأقليات جزء من المجتمع الداخلي، وإذكاء مشاركته الفعلية على كافة الأصعدة السياسية والثقافية والاقتصادية، وحماية وصون تلك الموروثات الثقافية للأقليات كالدين أو اللغة ووضعها في إطار مرتكزات الدولة، كما هو الحال في التجربة الجزائرية والتي حوت اللغة الأمازيغية واعتمدتها لغة رسمية للدولة إلى جانب العربية وفقًا لدستور 1963، وعليه فإن مثل تلك المحاولات الجادة من قبل الدولة الوطنية في تخصيص يوم وطني أو انشاء مؤسسة أو إدراج ثفافة تلك الأقليات في المناهج التدريسية أو الإشارة المباشرة لها في الدساتير والقوانين هو ما يعزز الحفاظ على الأقليات انطلاقًا من حل توافقي. كذلك يمكن للأمم المتحدة أن تقترح حلًّا فيدراليًّا لتلك الدول التي تكون غير ممتثلة لبنود الإعلان أو تشعر الأقليات بأنّها غير متوافقة مع السلطة المركزية، وذلك من خلال تطبيق نظرية الحكم الذاتي والذي من شأنه أن يحافظ على الأقليات وكذلك على سيادة الدولة المركزية كما هو الحال في أقليم كشمير، أو مدينة سبتة ومليلة التابعتان لإسبانيا ذو الإثنيّات المشتركة، وعليه فإن شعبًا ودولة مثخنة بالصراعات التي لم تتوقّف في منذ بداية القرن الماضي، ومليئة بالتوجّهات السياسية والإيديولوجية والأثنية، وفي ظل غياب مفهوم المواطنة سيما بعد حكم عائلة الأسد لما يزيد عن أربعة عقود، فإن المناداة بالحكم الفيدرالي ليس ترفًا أو دعوة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي السوري أكثر ممّا هو وسيلة توافقية لخلق التعدّدية بكافة أشكالها في سوريا الجديدة.
مبدأ تقرير حق المصير لبعض الأقلّيات
إن مبدأ تقرير حق المصير، وإن بدى للكثير من السياسيين بأنه أحد الوسائل في تفكيك الدولة الوطنية، إلّا أنّه مبدأ سامٍ يعطي حق الأفراد في تقرير مصيرهم في الوجود، وفي اختيار شكل الحكم وحقها في تحرير نفسها بنفسها، وتجدر الإشارة إلى أن بنود الإعلان العالمي لحقوق الانسان 1948 وإن لم تشر صراحةً إلى حق الشعوب في تقرير حق المصير، فقد ورد ذلك الحق في صورٍ ضمنية ومتفرقة في هذا الإعلان، ويعزى ذلك أن صدور الإعلان حينها من دولٍ استعمارية لم يكن هذا الحق يخدم مصالحها وطموحاتها الاستعمارية والرغبة في الهيمنة على العالم، لكنه – حق تقرير المصير- قد ظهرت وتشكلت معالمه في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية عام 1966، إذ أشار صراحة في مادته الأولى بحق جميع الشعوب في تقرير المصير بنفسها[10] وعليه فإن دور الأمم المتحدّة يجب أن لا يقتصر على حوكمة أداء السلطات في عدم انتهاكها لحقوق الأقليّات، وإنّما تفعيل أدوات الاستفتاء في حق تقرير المصير أو الحكم الذاتي لما في ذلك من حق وجود أصيل للشعوب التي أشبعتها ويلات الحروب تفكّكًا وتهميشًا بل واستخدمتها بعض الدول مطيّة وعذرًا في الانتهاكات السافرة وفي التهجير القسري وطمس الهويّات، وبلا شك فإن أحد أهم الحلول لاستقرار المنطقة والدولة السورية بالتحديد، هي إعطاء أحد الحقوق الأصيلة للشعوب والإثنيّات في الجغرافيا والثقافة المترامية والمتباينة في تقرير حق المصير.
** محامٍ ومستشار قانوني
[1] محكمة العدل الدولية – الطوائف اليونانية – البلغارية – مجموعة الفتاوي ب، فتوى رقم 17 . صفحة 19 – 22.
[2] حسن قره ولي - الحلول العملية المطبقة لمشكلة الأقليات والقوميات في إطار القانون الدستوري والدولي – دار الفاربي – 2004 – ط1 – صفحة 54.
[3] صلاح الدين عامر – مقدمة لدراسة القانون الدولي العام – ط3 – دار النهضة العربية – القاهرة – 1984 – ص300.
[4] Societies don't have to be secular to be modern
An interview with Francis Fukuyama, author of 'The End of History and the Last Man.'
October 21, 2009 - http://www.csmonitor.com/Commentary/Opinion/2009/1021/p09s07-coop.html
[5] صمويل هنتجتون – صدام الحضارات - مقالة في الفورن أفيرس – 1993 – http://www.hks.harvard.edu/fs/pnorris/Acrobat/Huntington_Clash.pdf
[6] ميثاق الأمم المتحدة – المادة الأولى – الفقرة 4
[7] د رحال بوبريك – مقالة الأقليات الإثنية في زمن الانتقال الديموقراطي – مركز الجزيرة للأبحاث – دراسات – بتصرّف.
[8] The History of Syria (The Greenwood Histories of the Modern Nations) Annotated Edition
by John A. Shoup (Author), Frank W. Thackeray (Series Editor), John E. Findling (Series Editor)
[9] http://www.minorityrights.org/5058/lebanon/lebanon-overview.html
[10] الفقرة الأولى من المادة 1 من العهد الدولي 1966.