هذه السطور لا تدور عما يجرى فى سوريا أو دلالاته، وإنما تحلق فى آفاق الأحداث هناك. فبعيدًا عن السقوط السريع لنظام بشار رغم مقاومته وصلابته فى وجه معارضيه على مدى أكثر من 13 سنة منذ 2011، وبعيدًا عن الأسباب التى وقفت وراء هذا التحول، فإن ردود الفعل المتباينة والتى تشير إلى حالة استقطاب حادة بشأن الحدث أمر يثير التساؤلات والدهشة فى آن!
على المستوى الشخصى أتصور أننى لست مبالغًا إذا قلت إن الحدث السورى يعيد إلى ذاكرتى أحداث الفتنة فى صدر الإسلام، تلك التى نعانى منها حتى الآن وأدت إلى انقسام المسلمين إلى سنة وشيعة.
على النحو ذاته أو هو أقرب يبدو الموقف من الحدث السورى، فقد استقبل السوريون– وهذا حقهم– الأمر بالفرحة والسرور على شاكلة ما حدث من المصريين مثلًا أو التونسيين إثر إسقاط مبارك وبن على. وبنفس الشعور الفطرى طغت نشوة السعادة بهذا التطور على أى جوانب أخرى. كان لسان حال الجماهير السورية أو القطاع الأكبر منها فليحدث ما يحدث المهم أننا تخلصنا من الطاغية. وكانت الأوضاع المزرية والمأساوية التى تكشفت بعد رحيل بشار والخاصة بالمعتقلين وغيرهم تعزز هذا الأمر وتؤكد صحته ومنطقيته، إنها ثورة ظلت فى حالة مخاض لأكثر من عقد كامل.
على الجانب المقابل بدا آخرون وكأنهم يضعون أيديهم على قلوبهم خوفًا مما ينتظر سوريا من مصير مظلم. ومنطق هذا الفريق أن وراء الأكمة ما وراءها، وأن المعارضة السورية لم يكن لها أن تمضى قدمًا كما السكين فى قالب من «التورتة» إلا بمساعدة خارجية لها أغراضها الخاصة. من الغريب هنا أن تكون الاتهامات مركزة على تركيا وإسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة. مصدر الغرابة هو الجمع بين تركيا التى رفعت خلال الفترة الماضية لواء الدفاع عن غزة وفلسطين، فى مواجهة حرب الإبادة الإسرائيلية هناك، ولكن السياسة لا تعرف العواطف ولا تسير سوى وراء المصالح. أما واشنطن فالتوأمة بين مواقفها ومواقف تل أبيب لا تدعو لأى اندهاش.
عزز هذا الطرح بعيدًا عن تفصيلاته، التى ليس هنا مجالها أو القصد منها، تأثير ما جرى على إيران وروسيا، حيث كان سقوط بشار إيذانًا برحيل قوات طهران من هناك، وتقليصًا لمعالم وحدود التواجد الروسى هناك. لو تم النظر للأمر على هذا النحو، وهى من وجهة نظرنا زاوية التركيز الأساسية التى يجب أن تكون محل النظر، فإن ما جرى يشير إلى أن سوريا فى النهاية لم تكن سوى ساحة ملعب لصراع دولى كبير تم حسمه لصالح فريق يضم واشنطن وتل أبيب وأنقرة فى مواجهة موسكو وطهران ونظام الأسد، وأن المعارضة لم تكن سوى الأداة أو الكرة التى تم من خلالها تحقيق هذا النصر لذلك الطرف وإلحاق الهزيمة بالآخر.
هل يجب أن يقلل ذلك من فرحة السوريين؟ لا ولكنها فرحة يجب أن تكون ممزوجة بشعور القلق على مستقبل الوطن. هل يمكن الركون إلى أن المعارضة المنتصرة ستقود الوطن إلى مرحلة أفضل؟ أمر مشكوك فيه.. فهى فى منظور القوى التى ناصرتها ليست سوى أقرب لطالبان أخرى، ليس أسهل من إشهار التهمة التى تسهم فى إسقاطها مرة أخرى وهى التطرف والإرهاب. من أجل ذلك ربما يكون التريث والتمهل فى الحكم أفضل شىء حتى لا نسقط فى فتنة الحدث السورى.
[email protected]
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: تأملات فتنة سوريا د مصطفى عبدالرازق هذه السطور
إقرأ أيضاً:
بمساعدة فلسطينية.. إسرائيل تسعى وراء "هدف ثمين" في سوريا
تسعى إسرائيل من خلال وسطاء تحديد مكان رفات جندي اسرائيلي اعتبر في عداد المفقودين بعد اختفائه في عام 1982 في سوريا، إلى جانب الجاسوس إيلي كوهين. كما أفاد مسؤول فلسطيني.
وقال المسؤول الفلسطيني: "تم التواصل معنا عبر وسطاء من أجل المساعدة في العثور على رفات جندي إسرائيلي ثالث فقد عام 1982".
وأضاف المسؤول المقيم حاليا في دمشق: "هناك اتصالات أخرى لمعرفة مكان رفات العميل الإسرائيلي المعروف إيلي كوهين".
وأكد مسؤول فلسطيني آخر، أن الوساطة تتم عبر روسيا ومع مسؤولين فلسطينيين خارج سوريا.
وتحاول إسرائيل منذ سنوات طويلة معرفة مكان رفات الجاسوس إيلي كوهين الذي أعدم شنقا في دمشق عام 1965 بعد أن نجح في اختراق مجتمع سوريا النخبوي أوائل الستينيات.
وفي عام 2019، أفرجت إسرائيل عن سجينين سوريين بعد أن استعادت عبر روسيا رفات الجندي الإسرائيلي زخاري باومل الذي فقد منذ عام 1982 في لبنان.
وفقد باومل في معركة بين القوات الإسرائيلية والقوات السورية قرب قرية السلطان يعقوب اللبنانية القريبة من الحدود مع سوريا في يونيو 1982، بعد اجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان.
وكان الجيش السوري ينتشر آنذاك أيضا في أجزاء كبيرة من لبنان.
ومازال جنديان إسرائيليان هما يهودا كاتز وزفي فلدمان مفقودين منذ ذلك الوقت.