البابطين.. المال وعجلة الثقافة
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
اعتادت المؤسسات التي تقيم مسابقات أن تحتفـي بالفائزين بعد إعلان أسمائهم، بحضور أعضاء لجان التحكيم، لكنّ مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافـية، دأبت على دعوة مجموعة من الأدباء، والمثقّفـين، والشعراء، والإعلاميين لمشاركتها الاحتفاء بالفائزين ليتحوّل حفل توزيع الجوائز إلى مناسبة ثقافـية كبيرة، تقيمها بعاصمة من العواصم العربية، أو الأجنبية، على مدى أيام، تتخلّلها قراءات شعريّة، وجلسات نقديّة فـي شخصية شعرية مؤثّرة، فاحتفتْ بكلّ من: محمود سامي البارودي وأبي القاسم الشابي، وأحمد مشاري العدواني، والأخطل الصغير، وأبي فراس الحمداني، وعبدالقادر الجزائري، وعلي بن المقرب العيوني، وإبراهيم طوقان، وابن زيدون، وأحمد شوقي، ولامارتين، وخليل مطران، وحملت الدورة الأخيرة (الدورة التاسعة عشرة) اسم مؤسّسها الشاعر عبدالعزيز سعود البابطين بمناسبة مرور عام على رحيله فـي 15 ديسمبر 2023م، وقد أقيمت فـي الكويت، وتشرّفنا بحضور أعمالها التي اختتمت الثلاثاء الموافق17 ديسمبر الجاري، فأتاحت لنا هذه الدعوة فرصة للاطّلاع على أنشطة المؤسّسة التي أنشئت عام 1985م وأسفرت عن إنجازات ثقافـية، لعلّ أبرزها ما تمّ إنجازه فـي مجال الصناعة المعجمية، فرفدت الثقافة العربية بمعجم البابطين للشعراء العرب الأحياء الذي صدرت طبعته الأولى فـي أكتوبر عام 1995م بالكويت، وقد جاء بـ(9) مجلدات واشتمل على (2514) شاعرا وشاعرة، وكذلك معجم البابطين لشعراء العربية فـي القرنين التاسع عشر والعشرين الخاص بالشعراء الراحلين، وقد جاء فـي (25) مجلّدا واشتمل على (9518) شاعرا وشاعرة، ومعجم البابطين لشعراء العربية فـي عصر الدول والإمارات (1258-1800م) واشتمل على تراجم ونماذج شعرية لـ (9462) شاعرا، وشاعرة، وجاء فـي (25) مجلدا ، وتخطّط المؤسسة فـي المرحلة المقبلة لإصدار معاجم جديدة لشعراء العصر العباسي، وعصر ما قبل الإسلام، وعصر صدر الإسلام والعصر الأموي، ولو لم تقم المؤسسة بعمل سوى هذا لكفاها، فالعمل المعجمي، كما هو معروف، يحتاج إلى جهود كبيرة من دارسين وباحثين، لكنّ مشروع المؤسسة تجاوز ذلك إلى الجائزة والإصدارات الشعرية، وكتب الدراسات، وتنظيم الندوات، وإرسال طلبة مبتعثين لإكمال دراستهم فـي الخارج، وإنشاء مكتبة البابطين التي تفتح أبوابها للباحثين والدارسين، وتنظيم فعالية (ربيع الشعر العربي) التي تحتفـي بشعراء عرب محدثين، وما إلى ذلك من جهود تهدف إلى خدمة الثقافة بشكل عام والشعر العربي بشكل خاص، فقد نال الشعر حصّة الأسد من اهتمام الراحل به، كونه شاعرا، أصدر 3 دواوين هي: بوح البوادي 1995م، ومسافر فـي القفار 2004م وأغنيات الفـيافـي 2017م ، ولم تبعده أعماله، ومشاريعه التجارية عن حبّه للشعر واهتمامه بقضاياه، ودعمه لكلّ ما يخدم اللغة العربية، وخلال الندوة التي أقيمت فـي الدورة الأخيرة تحدّث فـيها عدد من الأصدقاء المقرّبين من الراحل عن فكرة المؤسّسة التي بدأت بحلم كان يسكن مخيّلة الراحل، لسنوات طويلة، وفـي منتصف الثمانينيات وجد أن الوقت حان لتحويل الحلم إلى واقع، يقول د.
ومن المبهج أن الراحل عبد العزيز البابطين، خصّص للمؤسسة جزءا من ثروته ليكون وقفا، لكي يستمرّ عملها بعد رحيله، وأوكل لأبنائه مهمّة تسيير أعمال المؤسسة، فأدّوا الرسالة على أكمل وجه، وفـي حفل افتتاح الدورة الأخيرة، تمّ إقرار مضاعفة قيمة الجوائز، فـي الدورات القادمة، وحين ذكرت عريفة الحفل عن اسم الفائز، وقيمة الجائزة، طلب رئيس المؤسسة منها أن تصحّح الرقم، فالمؤسسة، ستبدأ بتطبيق القرار كما قال «الآن» ليقابل الجمهور إشارته بالتصفـيق، ليستمر المشروع، كونه فـي أيد أمينة، فقد صار البابطين، كما تقول د. منى المالكي «رمزا للاستثمار الثقافـي فـي العالم العربي، حيث أثّرت جهوده بشكل كبير فـي نشر الأدب العربي وحماية التراث ومن خلال مؤسساته ومبادراته، ساهم فـي إعادة إحياء الاهتمام بالشعر العربي الكلاسيكي والحديث، وفتح آفاقا جديدة للشعراء، والمثقفـين العرب»
ولا يشبهه بهذا سوى الراحل سلطان العويس الذي أسّس جائزة حملت اسمه عام 1987م بهدف تكريم الأدباء والمفكرين العرب، وتحوّلت الجائزة إلى مؤسسة ثقافـية عام 1992م حملت اسم (مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافـية)، وكذلك الأردني عبدالحميد شومان الذي أسّس مؤسّسة عبدالحميد شومان الثقافـية.
وكم نتمنّى أن يحذو حذو الكويتي البابطين والإماراتي سلطان العويس، والأردني عبد الحميد شومان، رجال أعمال عرب وخليجيون يمتلكون ثروات طائلة، ولم يدعموا الثقافة العربية بشيء بسيط مما رزقهم الله !
وكم هي الثقافة العربية اليوم بحاجة لمثل هذا الدعم، بعد أن أثّرت الأزمات الاقتصادية على الدعم المؤسساتي! وذلك لدفع عجلة العمل الثقافـي للأمام، فوقوف هذه العجلة من شأنه أن يلحق أضرارا بالغة بالمجتمعات .
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الثقافة العربیة
إقرأ أيضاً:
مؤمن الجندي: ما الذي لا يستطيع المال شراؤه؟
في إحدى الأمسيات، جلس رجل ثري على شرفة قصره الفخم، يتأمل الأضواء المتلألئة التي تملأ المدينة، كان يملك كل شيء يمكن للمال أن يشتريه سيارات فارهة، طائرات خاصة، وحتى جزيرة خاصة باسمه.. لكن في تلك اللحظة، شعر بفراغٍ لم يملأه أي من ممتلكاته! في الجهة الأخرى من العالم، كان شابٌ بسيط يجلس على ضوء خافت، يخطط لتحقيق حلمه الذي لطالما راوده، رغم أنه لا يملك سوى الإصرار وشغف الإنجاز.
مؤمن الجندي يكتب: مقادير صناعة الأسطورة مؤمن الجندي: هل أنت حر أم تحت السيطرة بلا أجرة؟ مؤمن الجندي يكتب: 11:59 مؤمن الجندي يكتب: وصفة للفوضىهنا، تبدأ الحكاية الأزلية هل يمكن للمال وحده أن يمنحنا المعنى؟ وهل يغلب بريقه على أشياء أعمق، مثل الصحة، الحب، أو إرث يبقى بعدنا؟ إنها معركة قديمة بقدر الزمن، ومع ذلك لا تزال حية في كل يوم يواجه فيه الإنسان خيارًا بين ما يملكه وما يعيشه.
ومن وجهة نظري، أرى أن المال قد يمنحك رفاهية الحياة، لكنه يقف عاجزًا أمام ألم مرضٍ ينهش الجسد أو غصة فقدان القدرة على عيش اللحظة بصحة وعافية، أما النجاح، فهو الحلم الذي لا يمكن للمال تحقيقه وحده! النجاح الحقيقي يتطلب شغفًا وكفاحًا، ويمتد أثره ليصنع لك مكانةً في ذاكرة الناس، بينما المال يشتري لك الأضواء فقط، وليس الاحترام أو التقدير الحقيقي.
والحب؟ هنا يقف المال في مواجهته عاجزًا تمامًا.. يمكن للمال شراء الولائم والهدايا الفاخرة، لكنه لن يشتري قلبًا ينبض بحب صادق! الحب الحقيقي لا يُباع ولا يُشترى؛ هو شعور ينبع من القلب ويُبنى على المصداقية والعطاء.
وفي مواجهة كل ذلك، نجد أنفسنا أمام معضلة الملك المصري محمد صلاح، نجم ليفربول الذي يُكتب اسمه بحروف من ذهب في تاريخ النادي الإنجليزي.. يقترب صلاح بخطوات ثابتة من أن يصبح الملك المتوج على عرش ليفربول، لكنه يواجه حاليًا اختبارًا كبيرًا! المال المغري الذي يعرضه الهلال السعودي قد يُزيد من أرصدته، لكنه يضعه في حيرة هل يترك إرثه الذي سيكون عظيمًا في ليفربول ليبدأ رحلة جديدة تحت ضغط الإغراء المالي؟ قرار كهذا يعكس الصراع الأبدي بين المجد الشخصي والبريق اللحظي الذي يمكن للمال أن يقدمه.
في النهاية، الحياة مليئة بالمفترقات التي تتطلب منا أن نختار بحكمة، قد يغري المال بسطوته، لكنه لن يعوض عن الصحة، الحب، أو بصمة التاريخ.. النجاح الحقيقي يكمن في أن تحقق توازنًا بين ما تملكه وبين ما تصنعه بنفسك، المال وسيلة، لكنه ليس الغاية! العظمة الحقيقية ليست في الثراء، بل في القناعة، وفي إرث يبقى بعدك ليشهد أنك عشت حياتك بشرف وهدف ومعنى.