محمد بن أنور البلوشي

للموسيقى طريقة عميقة في لمس الروح، وبالنسبة لي، هناك مغنيان يحتلان مكانة خاصة في قلبي. عندما أستمع إلى الأغاني والموسيقى العربية، فإن أول اسم يتبادر إلى ذهني هو الأسطورة ماجدة الرومي. وعلى الجانب الآخر، عندما أغوص في الأغاني البلوشية، فإن المغني الذي يأسرني دائمًا هو نورل البلوشي.

كلاهما يتمتعان بأصوات فريدة وأساليب مميزة وقدرة سحرية على التواصل بعمق مع جمهورهما.

ما زلت أتذكر بوضوح أول مرة استمعت فيها إلى ماجدة الرومي. كان ذلك في عام 1991، عندما كنت طالبًا في المدرسة في الخوض. وفي إحدى الأمسيات التي لا تُنسى، قدمني صديقي، الذي كان يدرس في الكلية التقنية في الخوير، إلى صوتها الآسر. كنا ندرس اللغة الإنجليزية معًا في معهد بوليغلوت، الذي كان يقع بالقرب من دوار وادي عدي. كان صديقي يمتلك سيارة وغالبًا ما كان يعطيني توصيلة إلى المنزل.

في تلك الأمسية، وبينما كنا عائدين من الصف ونسير في الشوارع الهادئة، قام بتشغيل شريط الكاسيت في سيارته. ما ملأ الأجواء كان أغنية لم أسمع مثلها من قبل إنها أغنية "كلمات" لماجدة الرومي. كان اللحن مذهلًا، والإيقاع مريحًا، وصوتها كان سحرًا خالصًا.

عرفت لاحقًا أن كلمات الأغنية كتبها الشاعر الأيقوني نزار قباني، الذي تحمل كلماته عمقًا عاطفيًا يتردد صداه في كل مستمع. كانت تلك اللحظة بداية حبي لموسيقى ماجدة الرومي.

بالأمس فقط، حضرت اجتماع عمل في الخوير، وبينما كنت أقود سيارتي عبر الطرقات المألوفة، عادت بي الذكريات إلى تلك الأمسية في عام 1991. كان الحنين جارفًا. أغنيات مثل "كلمات" تمتلك جودة خالدة، تنقلك إلى عالم آخر وتعيدك إلى روحك. إنها تقدم إحساسًا بالاسترخاء ووقفة ضرورية من فوضى الحياة اليومية.

وبالمثل، يعود ارتباطي بـ نورل البلوشي إلى عام 1987، عندما كنت طالبًا في مدرسة بولاية محضة، في البريمي. كانت تلك أيامًا خالية من الهموم مليئة باللحظات التي لا تُنسى، وكانت سيارة والدي الزرقاء من نوع تويوتا كريسيدا جزءًا كبيرًا من طفولتي.

في تلك السيارة، سمعت لأول مرة صوت نورل البلوشي الساحر. الأغنية كانت بعنوان "يك برء دوست" (مرة واحدة يا صديق)، وهي تحفة تركت انطباعًا دائمًا في ذاكرتي.

كانت كلمات الأغنية، التي كتبها الشاعر الراحل "مراد ساحر"، رحلة شعرية في حد ذاتها. تم اختيار كل كلمة في اللغة البلوشية بعناية فائقة، لترسم صورًا حية للطبيعة والاتصال الإنساني. وجلب صوت نورل الأغنية إلى الحياة، ونسج لحنًا بدا وكأنه يندمج مع الكون نفسه—مع الرياح، والأنهار، والجبال، والطيور، والقمر، والنجوم. وكأنه لم يكن فقط يغني بل يتوحد مع العالم من حوله.

كلا ماجدة الرومي و نورل البلوشي لديهما قدرة مذهلة على تجاوز اللغة والثقافة، والوصول إلى قلوب مستمعيهما. سواء كان ذلك أناقة ماجدة في الغناء العربي أو روحانية نورال في الألحان البلوشية، كلاهما يشتركان في موهبة فريدة في رواية القصص من خلال الموسيقى. وكما قال نزار قباني بحق: "المغنون هم أصواتنا، ونحن مجهولون بدونهم."

في الحقيقة، هؤلاء الفنانين ليسوا مجرد مغنين بل أوعية للمشاعر والتاريخ والثقافة. إنهم يجلبون الشعر إلى الحياة بطرق لا تستطيع الكلمات وحدها تحقيقها. أداء ماجدة لأغنية "كلمات" يجعلك تفكر في قوة الحب والحنين، بينما تذكرك أغنية نورل "يك برء دوست" بجمال البساطة والاتصال.

الموسيقى من هذا النوع تصبح جزءًا من هويتك، ترافقك عبر فصول حياتك. وعندما أنظر إلى تلك اللحظات مساء عام 1991، عندما سمعت صوت ماجدة الرومي لأول مرة، ورحلة عام 1987 عندما لامست أغنية نورل، أدرك السحر الدائم للموسيقى العظيمة. هذه الأغاني ليست مجرد ألحان؛ إنها ذكريات، ومشاعر، وقصص تشكل من نحن.

كل من ماجدة ونورل، بطريقتهما الفريدة، لا يزالان يلهمانني ويمنحاني السكينة، مما يخلق جسرًا بين الماضي والحاضر. موسيقاهما، مثل شعر نزار قباني ومراد ساحر، تبقى خالدة، لتثبت أن الفن العظيم لا يختفي؛ بل يصبح أكثر عمقًا مع مرور الزمن.

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في ذكراها.. محطات من حياة ماجدة الخطيب

يحل اليوم الاثنين 16 ديسمبر ذكري وفاة الفنانة ماجدة الخطيب، تعتبر واحدة من أهم فنانات جيلها، وكان لمشوارها العديد من المواقف خاصة على المسرح. 

حياة ماجدة الخطيب 

ولدت ماجدة الخطيب 2 أكتوبر 1943، كان والدها السياسي محمد كامل الخطيب، أحد القياديين في حركة "مصر الفتاة" في أواخر الأربعينيات وبداية الخمسينيات، في عام 1982 قضت مدة ثمانية أشهر في سجن الاحتياط على ذمة محاكمتها في تهمة قتل مواطن عن طريق الخطأ أثناء قيادتها سيارتها، وهي مخمورة، وحكمت عليها المحكمة بالسجن عام مع وقف التنفيذ وغرامة بلغت 5000 جنيه مصري، في عام 1985 عندما ألقي القبض عليها بتهمة تعاطي مخدرات حيث حكمت عليها المحكمة بالسجن لمدة 5 سنوات، توفيت في ديسمبر 2006 عن عمر ناهز 63 عامًا، بعد معاناة استمرت شهرًا مع المرض. 

مسيرة ماجدة الخطيب الفنية 

بدأت ماجدة الخطيب حياتها الفنية مطلع عام 1960 بدور صغير في فيلم «حب ودلع» أعقبته بمشاركتها في فيلم «لحن السعادة» ثم توالت أفلامها في فترة الستينيات من القرن الماضي، حصلت على أول بطولة مطلقة في فيلم "دلال المصرية" للمخرج حسن الإمام، انطلقت نحو النجومية وشاركت في أعمال مميزة. 

أهم أعمال ماجدة الخطيب 

وكان من أشهر أفلامها “نصف ساعة زواج”، ثم “دلالة المصرية”، وشيء فى صدرى، والبعض يعيش مرتين، وفى عام 1972 فيلم “امتثال”،فيلم "بنات وسط البلد" (2005)، فيلم "إسكندرية نيويورك" (2004)، فيلم "خالي من الكوليسترول، فيلم "من نظرة عين" (2003). 

وشاركت بعدد من الأعمال التليفزيونية، وكان آخر عمل لها فيلم “آخر الدنيا”، مسلسل "أم كلثوم" (1999)، مسلسل "زيزينيا" (2000)، مسلسل "لا أحد ينام في الإسكندرية" (2006)، مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا" (2000)، مسلسل "ريا وسكينة" (2005).

خلاف هياتم مع ماجدة الخطيب 

حدث شجار بين الفنانة هياتم وماجدة الخطيب أثناء عرض مسرحية « يا انا يا أنت» والتي انتجتها هياتم، وبدأ الشجار العنيف على خشبة المسرح حتى ظن الجمهور أن ذلك ضمن سياق العمل، ووصل الأمر إلى إصابة ماجدة بكسر في الساق وبعض الكدمات، ما دفع الشهور إلى استعادة ثمن التذكرة والتوجه إلى قسم الأزبكية وتحرير محضر ضد هياتم.

مقالات مشابهة

  • صديق: اللغة العربية وعاء الحضارات ومن أكثر اللغات ثراءً وعمقًا
  • البلوشي يشارك في ندوة «فنية الجودو»
  • لازاريني: لا كلمات تكفي لوصف الوضع في غزة
  • رحيل الرومي الشاعر الصوفي الشهير في مثل هذا اليوم
  • «هارشك» أحدث كلمات أغنية حمادة هلال يا ريت أهالينا ما ربونا
  • صديق ليام باين يكشف تفاصيل جديدة عن لقائه الأخير معه قبل وفاته
  • في ذكراها.. محطات من حياة ماجدة الخطيب
  • كلمات عن اقتراب رمضان 2025
  • في حال شعرت بالوحدة.. يمكنك استئجار صديق لتسلق الجبال في الصين