جدل الخيانة الدوّار
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
خالد فضل
1
هل كلنا كسودانيين خونة؟ سؤال مقلق يخطر على البال من كثرة ما أطلقت هذه الصفة. ذات مرّة وقف أحد الزملاء الصحفيين يهاجم زميلا له كانا شريكين في إحدى الصحف وصفه بالخيانة والحرمنة وكال له من العيار الثقيل لقد كانا وثالث لهما أبناء (كار) إسلاموي واحد.
يكثر في أوساط المعلمين الذين يؤسسون مدارس خاصة عن طريق الشراكة إطلاق نعت الخيانة على بعضهم البعض عندما يتفرق شملهم غالبا .
2
هذا على مستوي الأنشطة الخاصة إنها حالة انعكاس لحالة الحياة السياسية العامة منذ يوم الإستقلال الأول وحتى عهد صراع جنرالات الحرب الراهنيين أنشوطة مكتملة من حالة التخوين شملت الجميع دون فرز . مولانا القاضي /السياسي جنوب السوداني (حاليا) أبيل ألير أفرد كتابا رصد فيه وقائع خرق العهود في الحياة السياسية السودانية. أليس خرق العهود هو الخيانة وإن لم يتم تسميته بها مباشرة !! وقد ظلّ الجنوبيون يتهمون رصفائهم الشماليين بالخيانة للعهود والمراوغة في التقدم بخطوات حقيقية وصادقة تجاه حل قضيتهم المركزية وهي قضية جعل الدولة السودانية (تسع) جميع أهلها دون انتقاص لحق فرد في أن يكون كما هو كائن وهو اتهام يصدق بأمانة في معظم أزمان الدولة السودانية التي غلب على جل وقتها عنصران اثنان سيطرة العسكر أي الجيش السوداني وهيمنة التيارات الإسلامية السياسية وإلى هذين المكونيين تُرد كثير من أدبيات رمي الآخرين المخالفين لهما بـ(الخيانة).
إنّ أكبر مفرخة لتوليد صفة الخيانة والعمالة هي الحكومات السودانية نفسها؛ خاصة بصفتيها المار ذكرهما. الملاحظ أن الرمي بصفة الخيانة قد انحسر إلى حد بعيد فقط في الفترة القصيرة التي تشكلّت فيها الحكومة الانتقالية الأخيرة برئاسة د. عبدالله حمدوك وإلى شباب الثورة يعود الفضل فقد ابتدعوا صيغا (سلمية) عميقة المغزى من ذلك وصف الحركات السياسية المسلحة التي تنشط في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق بـ(حركات الكفاح المسلّح) عوضا عن النعوت القبيحة التي كانت تسود ل30سنة من حكم الثنائي المدمّر (عسكر/اسلامي).
3
الحقيقة أن الحاكمين ظلوا يسرفون في وصف من يعارضهم بالخيانة بمناسبة أي اختلاف يعجز الحاكم عن ايجاد صيغ معقولة لحلحلته يلجأ للحيطة القصيرة أو عند بلوغ حالة الإختلاف مرحلة المواجهة السياسية أو العسكرية يستل الحكام – ذوي الطبيعة العسكرية أو الإسلامية أو الجامعين لكليهما – من معين اللغة العربية الذاخر (بالخيرات الهجائية) ما يصادفهم ليطلقوه على المخالفين لهم وأدنى العبارات والصفات ( الخونة والمرجفون والعملاء). لقد تم وصفي شخصيا بالعمالة مثلا في كتابات بعض شباب وشيوخ الإسلاميين في الصحف السودانية وفصّل بعضهم في هذا الشرح الموثق تفصيلا لدرجة (شكيت) في كوني عميل أمريكي لسفارة لم أتشرف بعد بمعرفة موقعها بالضبط في الخرطوم .. أها نسيت أعترف بأن أحد أصدقائي وقريبي وزميل دراسة منذ الطفولة يعمل موظفا في تلك السفارة الأمريكية ولذلك فشخصي (عميل) ولو بصورة غير مباشرة ها ها هااااااا !!! وعفوا للاستطراد في ما نال شخصي من بلاوي الاسلاميين.
في حكومات الستينيات من القرن الماضي كان يتم اتهام بعض الوزراء بأنهم عملاء مصر في السودان؛ خاصة الوزراء الاتحاديين، وفي فترة العسكري المرحوم النميري شملت قائمة الخيانة الجميع يسارا ويمينا ووسطا وهي ذات الحالة التي انطبقت في ثلاثينية العسكري البشير وهي الحقبة الأوسع زمنيا والأكثر في توزيع صكوك الخيانة والعمالة في تاريخ السودان. لم ينج الصادق المهدي عليه الرحمة وبالطبع لم ينج نقد رحمه الله وما بينهما من بعث وجون قرنق وعقار وحتى جبريل إبراهيم ّ!! لكن شباب الثورة ورئيس وزاء فترة الانتقال كانوا عفيفي اللسان هل سمع أحدكم عبدالله حمدوك يصف شخصا بالخيانة والعمالة والارتزاق؟ حاشا وكلا فقد كان أفق الرجل يؤسس لدولة تتجاوز جحر الضب الخرب هذا ولكن تأتي الانقلابات والاسلاميين بما لا تشتهي سفن عبور البلاد غلى برّ الأمان وتدور الدائرة التخوينية تلفح معها هذه المرة (حميدتي) وبالطبع مع ثبات السابقين من المنعوتين بالخيانة , ولله في السودانيين شؤون .
و خالص التعازي لأبناء عمي المرحوم موسى ود حاج أحمد في فقيدنا الشاب الملازم أبوالناس الذي لقي ربه مطلع الإسبوع الفائت ليروح كضحية لصراعات التخوين الخاسرة بين جنرالات الحرب الدائرة الآن في الخرطوم وغيرها من مناطق السودان لقد كان أبو الناس شابا من ذوي الهمة والبسالة واتسع افقه القومي مترفعا عن دنايا التخوين والتبعيض كان حلمه كأترابه من عشريني العمر وطن بالفيهو نتساوى نحلم نقرا نتداوى لكنها رصاصة خائرة من أصبع شاب أخر دون شك أردته قتيلا ولو علم القاتل من ستقتل رصاصته لما أطلقها أساساً إن القاتل والمقتول من شباب السودان الذين من حقهم أن يعيشوا لا أن يقتلوا وقودا لشراهة المزايدين بالدين والوطنية أو الطامعين في شهوات السيطرة والحكم تبا لمن يقتل ويرفد الحرب بالوقود النتن تبا لهم , ورحم الله أبا الناس وغيره من شباب غر ميامين فجعت بفقدهم قلوب أمهات وأسر .
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: السودان
إقرأ أيضاً:
التجربة اليابانية.. والخلطة السودانية!
* طالبوا الجيش بالاتعاظ من التجربة الإثيوبية واتباع الخلطة اليابانية بالاستسلام للمليشيا والخضوع لشروطها المُذَّلة بتفاوضٍ مُهين، كانوا يرجون منه أن يعيدهم إلى السلطة على جماجم الشعب المنكوب ودمائه المسفوحة وشرفه المنتهك.
* عللوا مطالبهم الدنِسة الخؤونة بأنهم يخافون على الجيش من الانكسار، وعندما رد عليهم جنودنا البواسل بياناً بالعمل، وطحنوا المليشيا المجرمة وحققوا انتصاراتٍ باهرةٍ وفتوحاتٍ متتالية في أم درمان وسنار وفاشر السلطان والدندر والسوكي وجبل موية وسنجة والحاج عبد الله وأم القرى وبيكة والكريبة ومدني السني وبحري والقيادة والمهندسين والإشارة والمدرعات والمصفاة وقرِّي والخرطوم بحري وغيرها؛ طفقوا يبخسون انتصاراتٍ باهرةً، كان مهرها دماءً غالية، ونفوساً زكية، لفرسانٍ حملوا هم الوطن في حدق العيون، ودفنوه في صدورٍ لا تعرف الخوف، وقلوبٍ لا تقبل الهزيمة، ونفوسٍ لا ترضى الهوان.
* لم تتقبل نفوس الخونة انتصارات الجيش المتلاحقة فطفقوا يتحدثون عن تسليمٍ متبادل، وصفقاتٍ خفية سعياً لتبخيس الانتصارات وقتل فرحة الشعب العارمة بها، وفات عليهم أن جيشنا الباسل عاهد شعبه الحُر على دحر التمرد وكفلائه وتنظيف البلاد من دنس الأوباش، وإعادة كل مواطنٍ إلى داره وعمله وأهله كريماً معززاً آمناً لا يخشى على نفسه إلا من تصاريف القدر.
* ادعوا أنهم يخشون على الجيش من الانكسار والاندثار، وما دروا أنه عصيٌّ على الهزيمة، ومحصّن ضد الانكسار.
* التحية والتجلة لجيشنا الباسل الذي أبهج النفوس وأقرَّ العيون بانتصاراتٍ متتاليةٍ جليَّة، وفتوحاتٍ ندية، ونشكر المولى عز وجل على موفور فضله وعظيم نعمائه، ونقول لمن ادعوا أنهم يخافون على جيشنا من الهزيمة وطالبوه بالاستسلام إنه من الظلم أن نطلق على جنودنا البواسل مُسمّى (جنود)، لأنهم في الحقيقة (أسود)، وننصحكم بأن توفروا دموع التماسيح، وتنتظروا المزيد من الهمِّ والغمِّ والحَزَن، لأن الشعار المرفوع حالياً لدى هؤلاء الأسود الكواسر هو: (نحن يا دوب ابتدينا).. وقادمكم مع جيشنا المنصور صاحب (التجربة السودانية) أسوأ بكثير وأشدُّ قتامةً وفتكاً.. يا جنجويد!
د. مزمل أبو القاسم
إنضم لقناة النيلين على واتساب