بداية جديدة لعام مليء بالإنجازات
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
د. خلود بنت أحمد العبيدانية **
مع اقتراب بداية العام الجديد، يعد الوقت مناسبًا للتأمل في إنجازاتنا ووضع خطط استراتيجية شخصية لتحقيق أهداف جديدة. والتخطيط الاستراتيجي الشخصي وإدارة الطاقة هما عنصران حيويان لتحقيق النجاح الشخصي والمهني. يمكن أن يساعد التخطيط الاستراتيجي الشخصي في تحديد الأهداف وتوجيه الجهود نحو تحقيقها، بينما تساهم إدارة الطاقة في الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاجية والرفاهية.
التخطيط الاستراتيجي الشخصي يبدأ بتحديد الرؤية الشخصية والأهداف طويلة الأمد. من المهم أن تكون هذه الأهداف واضحة وقابلة للقياس. بعد تحديد الأهداف، يمكن تقسيمها إلى أهداف قصيرة الأمد وخطط عمل محددة. يساعد هذا النهج في تتبع التقدم وتحقيق الأهداف بشكل تدريجي ومنظم فهو عملية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن والنجاح في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الجانب المهني، الشخصي، الصحي، المالي، الاجتماعي، والروحي. من خلال تحديد الأهداف بوضوح ووضع خطط عملية لتحقيقها، يمكننا تحسين جودة حياتنا وزيادة فرص النجاح والرضا الشخصي. يشمل ذلك ممارسة الرياضة بانتظام، تناول غذاء صحي، إدارة الأموال بحكمة، بناء علاقات اجتماعية قوية، والبحث عن معنى وغاية في الحياة. التخطيط الاستراتيجي الشخصي يساعدنا على تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية، مما يعزز من جودة حياتنا بشكل عام. على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو تحسين المهارات المهنية، يمكن تقسيم هذا الهدف إلى خطوات مثل حضور دورات تدريبية، قراءة كتب متخصصة، والمشاركة في ورش عمل. كل خطوة تقرب الشخص من تحقيق الهدف النهائي.
أما إدارة الطاقة تتعلق بكيفية استخدام الشخص لموارده البدنية والعقلية بشكل فعال. يمكن تقسيم إدارة الطاقة إلى عدة جوانب: الطاقة البدنية: تشمل ممارسة الرياضة بانتظام، تناول غذاء صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم. هذه العوامل تساعد في الحفاظ على مستويات طاقة عالية طوال اليوم. والطاقة العقلية: تتضمن تخصيص وقت للراحة والاسترخاء، وتجنب الإجهاد الزائد. يمكن أن تساعد تقنيات مثل التأمل والتنفس العميق في تحسين التركيز وتقليل التوتر. والطاقة العاطفية: تتعلق بإدارة العلاقات الشخصية والحفاظ على توازن عاطفي. يمكن أن يكون الدعم الاجتماعي والتواصل الفعال مع الآخرين مصدرًا كبيرًا للطاقة الإيجابية. أما الطاقة الروحية: تتعلق بالبحث عن معنى وغاية في الحياة.
ويمكن أن يكون الانخراط في أنشطة تعزز الشعور بالرضا والإنجاز، مثل العمل التطوعي أو ممارسة الهوايات، مفيدًا في هذا الجانب. ولتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، يمكن تقسيم الهدف إلى خطوات مثل تحديد ساعات عمل محددة والالتزام بها، تخصيص وقت يومي للعائلة والأصدقاء، وممارسة نشاط ترفيهي أسبوعي. أما لتحسين الصحة العامة، فيمكن تقسيم الهدف إلى ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يوميًا، تقليل استهلاك السكر والدهون، وإجراء فحوصات طبية دورية.
ثم تأمل تحقيق أهدافك فالتأمل في إنجازات الحياة هو عملية مستمرة تساعدنا على التقدير والامتنان، وتعزز من ثقتنا بأنفسنا، وتعلمنا دروسًا قيمة. اجعل من التأمل عادة منتظمة في حياتك، وستجد أن لديك الكثير لتفخر به وتشعر بالامتنان له. كما يقول الله تعالى في سورة الحشر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (الحشر: 18). هذه الآية تحثنا على التأمل في أعمالنا وما قدمناه، والتفكير في المستقبل ووضع خطط لتحقيق أهدافنا بما يرضي الله.
ختامًا.. من خلال دمج التخطيط الاستراتيجي الشخصي مع إدارة الطاقة، يمكننا تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية، وزيادة الإنتاجية، والشعور بالرضا العام. هذا النهج المتكامل يساعد في تحقيق الأهداف بفعالية أكبر ويعزز من جودة الحياة بشكل عام. اجعل من التأمل عادة منتظمة في حياتك، وستجد أن لديك الكثير لتفخر به وتشعر بالامتنان له. وأهم حاجة أكتب جميع أهدافك في دفتر يمكنك الرجوع لها مع نهاية العام المقبل للتأمل إنجازاتك. "اجعل من كل يوم فرصة جديدة لتحقيق أحلامك، ولا تتوقف عن السعي نحو الأفضل".
أتمنى لكم تحقيق كل أمنياتك وأحلامك، وأن يكون العام الجديد مليئًا بالنجاحات والسعادة.
** باحثة تربوية في مجال علم النفس والإرشاد، عضو المجلس الاستشاري الأسري العُماني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
المجتمع يفقد بوصلته.. بين الاستهلاك المادي وضياع الأهداف!
في ظلّ التحولات الاجتماعية والسياسية المعاصرة، باتت مجتمعات عديدة تواجه تحديًا وجوديًّا يتمثل في فقدان بوصلة التوجه والغاية. لقد أدركت بعض الأنظمة الحاكمة أن تفكيك المجتمع، وإلهاء أفراده بالماديات والملذات، يُعد وسيلة فعّالة للسيطرة عليهم وإبعادهم عن قضاياهم المصيرية؛ فكلما انشغل الأفراد بتحقيق رغباتهم الشخصية، وانجرفوا نحو نمط استهلاكي فارغ، تضاءل اهتمامهم بالشأن العام، وأصبح توجيههم أكثر سهولة وفقًا لمقتضيات السلطة.
لكن السؤال الجوهري هنا: هل يمكن تزييف الأولويات إلى الأبد دون أن يدفع المجتمع ثمنًا باهظًا؟
من تفكّك الأهداف إلى هشاشة المجتمع
إن الخطر الحقيقي لا يكمن فقط في تفكيك المجتمع، وإنما في قلب المعادلة بين الوسائل والغايات.
حينما يتحوّل المال والمتعة من أدوات لتحقيق حياة كريمة إلى أهداف بحد ذاتها، يفقد الإنسان إدراكه قيمته كغاية في ذاته، ويتحول إلى مجرد وسيلة لخدمة مصالح ضيقة. وهذا التحول يفرز مجتمعا هشًّا، مجردًا من القيم التي تحميه والمبادئ التي تصونه، ما يجعله عرضة لأي قوة داخلية أو خارجية تسعى لاختراقه.
في المجتمعات التي تفتقد إلى رؤية واضحة لمستقبلها، يصبح الأفراد مأسورين للحياة الاستهلاكية، فتتراجع لديهم روح الابتكار والإنتاج، ويتلاشى الشعور بالمسؤولية الجماعية.
فحين يُختزل الطموح في تحقيق الملذات الآنية، تغيب الأهداف الشخصية، وتتفكك الأسر، ويضعف الانتماء الوطني والقومي. وهذا لا يؤدّي فقط إلى تدهور القيم الاجتماعية، بل يسهم أيضًا في خلق بيئة غير مستقرة، يكون ولاء الأفراد فيها هشًّا، ومبنيًّا على المصالح الآنية بدلًا من المبادئ الراسخة.
الإلهاء الجماعي: دور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي
لقد ساهم التطور التقني والتكنولوجي في تسريع وتيرة هذا التحول، حيث أصبح الإنسان منشغلًا بشكل غير مسبوق بوسائل التواصل الاجتماعي والمحتوى الترفيهي المستمر، ما أدّى إلى تآكل الوقت المتاح للتفكير العميق أو العمل الجاد على تحقيق الأهداف الشخصية والوطنية.
في هذا السياق، تتحول وسائل الإعلام الرقمية إلى أدوات لإعادة تشكيل الأولويات وتوجيه الرأي العام وفقًا لمصالح القوى المهيمنة، ما يجعل الأفراد عرضة للتلاعب دون وعي.
إن الاستخدام المفرط لهذه الوسائل لم يعد مجرد وسيلة للترفيه، بل أصبح عنصرًا رئيسيًّا في إعادة برمجة العقول، حيث يحل محل الطموحات الكبرى محتوى سريع الاستهلاك، يرسخ قيم الفردية والانعزال عن قضايا المجتمع.
وبدلًا من أن تكون التكنولوجيا أداة لتوسيع المدارك وتحقيق التنمية، تحولت إلى وسيلة لصرف الانتباه عن المشكلات الحقيقية، ما أدى إلى تفاقم الشعور بالضياع وغياب الأهداف.
عواقب المجتمع المفكّك على استقرار الدولة
إن المجتمع الذي يُعاد تشكيله وفق نمط استهلاكي فارغ سرعان ما ينقلب ضد السلطة عند أول أزمة، لأنه لا يحمل ولاء حقيقيًّا، بل تحركه المصالح الآنية.
وهكذا، فإن الحاكم، الذي اعتقد أنه عزز سيطرته، يجد نفسه في مواجهة مجتمع مفكك، غير قادر على التماسك وقت الحاجة. فحين ينهار العقد الاجتماعي المبني على المبادئ والقيم المشتركة، يصبح الاستقرار السياسي مهددًا، ويتراجع الإحساس بالمسؤولية الجماعية تجاه الدولة، ما يفتح الباب أمام الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
إن فطرة الإنسان تدفعه بطبيعته نحو الإنجاز والتأثير في محيطه، فهو ليس كائنًا استهلاكيًّا محضًا، بل يسعى دائمًا إلى تحقيق معنى في حياته. لكن، حين تنجح السلطة أو القوى المهيمنة في تحويل أحلامه إلى مجرد تحقيق اللذات الآنية، فإنه يفقد هويته ويصبح أداة طيعة في يد من يتحكم بمصادر الترفيه والتكنولوجيا.
وهنا تتجلّى خطورة فقدان الهدف الشخصي، إذ إن غياب الطموح الفردي يؤدي إلى تفكك الأسرة، وغياب الرؤية الوطنية، وضعف الانتماء القومي، ما يضعف المجتمع بأسره ويجعله غير قادر على مواجهة التحديات الكبرى.
استعادة البوصلة: ضرورة بناء مجتمع قائم على القيم والمبادئ
إنّ بناء مجتمع متماسك يرتكز على القيم والمبادئ ليس ترفًا، بل هو ضرورة لضمان استقرار الدولة على المدى الطويل. فالمجتمعات التي تمتلك وعيًا جماعيًّا بأولوياتها، وتعتمد على ثقافة المشاركة والمسؤولية، تصبح أكثر قدرة على الصمود في وجه الأزمات.
أما سياسة الإلهاء وتحويل الإنسان إلى مستهلك للملذات دون هدف، فهي مجرد وهم زائل، قد يبدو فعالًا على المدى القصير، لكنه حتمًا سينهار أمام أول اختبار حقيقي.
ولذلك، فإن الحلّ لا يكمن فقط في مقاومة التلاعب الإعلامي أو التقني، بل في إعادة بناء منظومة القيم التي تحفّز الأفراد على التفكير النقدي، وتحقيق التوازن بين الطموح الشخصي والهدف الأسري، وبين الانتماء الوطني والمسؤولية القومية.
فالمجتمع الذي يمتلك رؤية واضحة لمستقبله، ويؤمن بضرورة تحقيق الإنجاز والتقدم، هو المجتمع الذي يمكنه مواجهة تحديات العصر، والحفاظ على استقراره، واستعادة بوصلته التي تحدد مساره نحو مستقبل أكثر ازدهارًا.
*نشر أولاً في مدونة الجزيرة
لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *
التعليق *
الاسم *
البريد الإلكتروني *
الموقع الإلكتروني
احفظ اسمي، بريدي الإلكتروني، والموقع الإلكتروني في هذا المتصفح لاستخدامها المرة المقبلة في تعليقي.
Δ
شاهد أيضاً إغلاق آراء ومواقفرسالة المعلم أهم شيئ بنسبة لهم ، أما الجانب المادي يزعمون بإ...
يلعن اب#وكم يا ولاد ال&كلب يا مناف&قين...
نقدرعملكم الاعلامي في توخي الصدق والامانه في نقل الكلمه الصا...
نشكركم على اخباركم الطيبه والصحيحه وارجو المصداقيه في مهنتكم...
التغيرات المناخية اصبحت القاتل الخفي ، الذي من المهم جدا وضع...