بداية جديدة لعام مليء بالإنجازات
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
د. خلود بنت أحمد العبيدانية **
مع اقتراب بداية العام الجديد، يعد الوقت مناسبًا للتأمل في إنجازاتنا ووضع خطط استراتيجية شخصية لتحقيق أهداف جديدة. والتخطيط الاستراتيجي الشخصي وإدارة الطاقة هما عنصران حيويان لتحقيق النجاح الشخصي والمهني. يمكن أن يساعد التخطيط الاستراتيجي الشخصي في تحديد الأهداف وتوجيه الجهود نحو تحقيقها، بينما تساهم إدارة الطاقة في الحفاظ على مستويات عالية من الإنتاجية والرفاهية.
التخطيط الاستراتيجي الشخصي يبدأ بتحديد الرؤية الشخصية والأهداف طويلة الأمد. من المهم أن تكون هذه الأهداف واضحة وقابلة للقياس. بعد تحديد الأهداف، يمكن تقسيمها إلى أهداف قصيرة الأمد وخطط عمل محددة. يساعد هذا النهج في تتبع التقدم وتحقيق الأهداف بشكل تدريجي ومنظم فهو عملية شاملة تهدف إلى تحقيق التوازن والنجاح في مختلف جوانب الحياة، بما في ذلك الجانب المهني، الشخصي، الصحي، المالي، الاجتماعي، والروحي. من خلال تحديد الأهداف بوضوح ووضع خطط عملية لتحقيقها، يمكننا تحسين جودة حياتنا وزيادة فرص النجاح والرضا الشخصي. يشمل ذلك ممارسة الرياضة بانتظام، تناول غذاء صحي، إدارة الأموال بحكمة، بناء علاقات اجتماعية قوية، والبحث عن معنى وغاية في الحياة. التخطيط الاستراتيجي الشخصي يساعدنا على تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية، مما يعزز من جودة حياتنا بشكل عام. على سبيل المثال، إذا كان الهدف هو تحسين المهارات المهنية، يمكن تقسيم هذا الهدف إلى خطوات مثل حضور دورات تدريبية، قراءة كتب متخصصة، والمشاركة في ورش عمل. كل خطوة تقرب الشخص من تحقيق الهدف النهائي.
أما إدارة الطاقة تتعلق بكيفية استخدام الشخص لموارده البدنية والعقلية بشكل فعال. يمكن تقسيم إدارة الطاقة إلى عدة جوانب: الطاقة البدنية: تشمل ممارسة الرياضة بانتظام، تناول غذاء صحي، والحصول على قسط كافٍ من النوم. هذه العوامل تساعد في الحفاظ على مستويات طاقة عالية طوال اليوم. والطاقة العقلية: تتضمن تخصيص وقت للراحة والاسترخاء، وتجنب الإجهاد الزائد. يمكن أن تساعد تقنيات مثل التأمل والتنفس العميق في تحسين التركيز وتقليل التوتر. والطاقة العاطفية: تتعلق بإدارة العلاقات الشخصية والحفاظ على توازن عاطفي. يمكن أن يكون الدعم الاجتماعي والتواصل الفعال مع الآخرين مصدرًا كبيرًا للطاقة الإيجابية. أما الطاقة الروحية: تتعلق بالبحث عن معنى وغاية في الحياة.
ويمكن أن يكون الانخراط في أنشطة تعزز الشعور بالرضا والإنجاز، مثل العمل التطوعي أو ممارسة الهوايات، مفيدًا في هذا الجانب. ولتحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية، يمكن تقسيم الهدف إلى خطوات مثل تحديد ساعات عمل محددة والالتزام بها، تخصيص وقت يومي للعائلة والأصدقاء، وممارسة نشاط ترفيهي أسبوعي. أما لتحسين الصحة العامة، فيمكن تقسيم الهدف إلى ممارسة الرياضة لمدة 30 دقيقة يوميًا، تقليل استهلاك السكر والدهون، وإجراء فحوصات طبية دورية.
ثم تأمل تحقيق أهدافك فالتأمل في إنجازات الحياة هو عملية مستمرة تساعدنا على التقدير والامتنان، وتعزز من ثقتنا بأنفسنا، وتعلمنا دروسًا قيمة. اجعل من التأمل عادة منتظمة في حياتك، وستجد أن لديك الكثير لتفخر به وتشعر بالامتنان له. كما يقول الله تعالى في سورة الحشر: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ" (الحشر: 18). هذه الآية تحثنا على التأمل في أعمالنا وما قدمناه، والتفكير في المستقبل ووضع خطط لتحقيق أهدافنا بما يرضي الله.
ختامًا.. من خلال دمج التخطيط الاستراتيجي الشخصي مع إدارة الطاقة، يمكننا تحقيق توازن أفضل بين العمل والحياة الشخصية، وزيادة الإنتاجية، والشعور بالرضا العام. هذا النهج المتكامل يساعد في تحقيق الأهداف بفعالية أكبر ويعزز من جودة الحياة بشكل عام. اجعل من التأمل عادة منتظمة في حياتك، وستجد أن لديك الكثير لتفخر به وتشعر بالامتنان له. وأهم حاجة أكتب جميع أهدافك في دفتر يمكنك الرجوع لها مع نهاية العام المقبل للتأمل إنجازاتك. "اجعل من كل يوم فرصة جديدة لتحقيق أحلامك، ولا تتوقف عن السعي نحو الأفضل".
أتمنى لكم تحقيق كل أمنياتك وأحلامك، وأن يكون العام الجديد مليئًا بالنجاحات والسعادة.
** باحثة تربوية في مجال علم النفس والإرشاد، عضو المجلس الاستشاري الأسري العُماني
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
هل يمكن لفئة جديدة من التكنولوجيا القابلة للارتداء أن تحسّن حالتك النفسيّة؟
«لقد حققتَ 40 ثانية من التركيز المتواصل». يبدو أن هذا سبب مقنع للاحتفال. على مدى الدقائق العشر الماضية، كنت أحدق في هاتفي، محاولا تحريك كرة رقمية إلى أعلى تل باستخدام قوة عقلي فقط. تقوم سماعات (ماندي) التي أرتديها بتحليل دماغي بنشاط، مما يؤثر على اللعبة التي ألعبها، فكلما زاد تركيزي، ارتفعت الكرة إلى أعلى.
من المفترض أن هذا التمرين يعمل على تدريب عضلاتي العقلية، تمامًا كما قد يستخدم الشخص الأوزان لتدريب العضلات الجسدية، مما يؤدي في النهاية إلى تحسين تركيزي وتقليل التوتر.
مثل الآلاف من الآخرين، أمضيت سنواتٍ وأنا أرتدي ساعة ذكية تساعدني على تتبع لياقتي البدنية وتحسين صحتي البدنية. لكن صناعة الأجهزة القابلة للارتداء تركز أنظارها على هدف جديد وهو صحتنا العقلية. لدينا الآن ساعات ذكية وأجهزة قراءة موجات الدماغ التي لا تحلل نشاط نظامنا العصبي فحسب، بل تتدخل لتحسين رفاهيتنا، مما يجعل دعم الصحة العقلية أكثر سهولة. ويسهل ارتداؤها أكثر من أي وقت مضى. يقول مصطفى حمادة، كبير مسؤولي المنتجات والعلوم في ماندي: «نحن نستفيد من قدرة الدماغ على إعادة توصيل نفسه حتى يتمكن الفرد من زيادة سيطرته العاطفية».
بصفتي شخصًا يعاني من التوتر والقلق، فأنا حريص على تجربة أي شيء من شأنه أن يساعدني في السيطرة على توتري وقلقي. ولكن معرفتي في علم الأعصاب تجعلني أحذر من تصديق كل شيء. لذلك، تعمقت في دراسة مجموعة كبيرة من الأجهزة التي تستهدف زيادة التركيز والانتباه وتخفيف التوتر والقلق لمعرفة كيفية عملها وما إذا كانت قد تحدث فرقًا حقيقيًا في صحتي.
أول جهاز قابل للارتداء كنت حريصًا على استخدامه هو عصابة الرأس (ميوز)، إذ جربتُ نموذجا أوليّا مبكرا منذ أكثر من عقد من الزمان. هناك جهازان للاختيار من بينهما (ميوز-2)، وهي عصابة رأس صلبة تهدف إلى تقليل التوتر وتحسين الحالة المزاجية، و(ميوز-إس)، الذي يستخدم أجهزة استشعار ناعمة يمكن ارتداؤها بشكل مريح في الليل لتتبع النوم أيضًا. يعد (ميوز) فريدًا إلى حد ما بين الأجهزة القابلة للارتداء لكونه يعمل كجهاز تخطيط كهربائي للدماغ بدرجة سريرية، مما يعني أنه بالإضافة إلى كونه منتجًا استهلاكيًا، يستخدمه الباحثون للتحقيق في كل شيء يتعلق بالدماغ، من تشخيص السكتة الدماغية إلى علاجات اضطراب الوسواس القهري.
أحاول استخدام جهاز (ميوز-إس). وهو جهاز بسيط. تستخدم عصابة الرأس سبعة أجهزة استشعار لقياس النشاط الكهربائي للدماغ مع معدل ضربات القلب وإيقاع التنفس والحركة. تحلل هذه البيانات وترسل إليك عبر سماعات الأذن. يلتقط الجهاز التذبذبات العصبية أو الموجات الدماغية، بترددات مختلفة تتوافق مع عقليات مختلفة. ترتبط المزيد من موجات ألفا بحالة الاسترخاء والهدوء. تكون موجات بيتا موجودة عندما تفكر بنشاط في شيء ما، بينما تكون موجات دلتا وفيرة عندما تكون في نوم عميق.
في الليل، يحلل (ميوز) موجات دماغك ويستخدم صوتا مستجيبا، قد يكون التأمل الموجه أو قصص النوم أو المناظر الصوتية، لدفعك إلى العودة إلى النوم عندما يدرك أنك تستيقظ. أثناء ساعات الاستيقاظ، من المفترض أن (ميوز) يقلل من التوتر ويحسن الحالة المزاجية من خلال تقديم ملاحظات مباشرة لمساعدتك على التأمل.
أضع الجهاز على رأسي وأغمض عيني. فأسمع على الفور ريحا قوية تهب حولي. وعندما يسجل جهاز (ميوز-إس) موجات دماغية تعكس حالة تأمل، تهدأ الرياح وتبدأ الطيور في الزقزقة. يقول (أرييل جارتن)، عالم الأعصاب والمؤسس المشارك لجهاز (ميوز): «يقول الأشخاص الذين لم يمارسوا التأمل من قبل: يا إلهي، ماذا يفترض أن أفعل؟». يقول جارتن: «لقد حللنا هذه المشكلة من خلال قراءة نشاط دماغك وإبلاغك عندما تفعل ذلك بشكل صحيح».
عندما يشرد ذهني، تختفي العصافير، وحين تبدأ أفكاري بالانشغال بموعد مغادرتي للمنزل، تلوح العاصفة في الأفق. أعود للتركيز تدريجيًا وأتمكن من استعادة بعض الزقزقات المتفرقة. تقول غارتن: «أنت تتلقى تغذية راجعة فورية تؤكد أنك في حالة من التركيز. أنت تتأمل». لم يكن هناك شك في أنني شعرت براحة أكبر بعد كل جلسة، وبمرور الوقت تحسنت في عملية التأمل، حيث سمعت 11 طائرًا فقط في جلستي الأولى، لكنني تمكنت من استدعاء 46 طائرًا في الأخيرة بعد خمسة أسابيع. لكن هل يساعد هذا الجهاز، الذي يبلغ سعره 300 دولار، حقًا في تقليل التوتر والقلق؟
أولًا، دعونا نفكر في التأمل نفسه. على الرغم من أن هذا الموضوع ليس مسلما به، إلا أن الأبحاث تشير بشكل عام إلى أن التأمل يمكن أن يكون له فوائد.
وتشمل هذه الفوائد تحسينات صغيرة في قدرتنا على التحكم في سلوكنا ومراقبته عند محاولة الوصول إلى هدف ما، مما قد يجعلنا أكثر إنتاجية، بالإضافة إلى بعض العلامات التي تشير إلى أنه يعزز الانتباه ويقلل من القلق والضيق والمزاج السلبي.
لا يفتقر تطبيق (ميوز) نفسه إلى الدراسات التي توضح قدراته ــ فقد أرسلت لي الشركة ما لا يقل عن خمسين دراسة. ومن الناحية الإيجابية، فإن أغلب هذه الدراسات مستقلة، لذا لا ينبغي أن تكون متحيزة. ومع ذلك، فهي محدودة بسبب صغر حجمها أو افتقارها إلى مجموعة تحكم مناسبة. فقد وجدت دراسة صغيرة أجريت على مجموعة تحكم أن طلبة المدارس في الولايات المتحدة الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و14 عاما ويعانون من مشاكل سلوكية والذين استخدموا تطبيق (ميوز) بانتظام أظهروا تحسنا في السلوك مقارنة بمجموعة لم تشارك في أي تدريب على اليقظة الذهنية.
ولم أكن متأكدًا تمامًا أيضًا مما إذا كانت أي تأثيرات ملحوظة ترجع إلى التكنولوجيا نفسها. فهل سأرى النتائج نفسها إذا جلست بهدوء لنفس المدة من الوقت؟
ربما لا. في تجربة مستقلة، تم تقسيم 40 شابًا بالغًا يعانون من ضغوط خفيفة إلى مجموعتين. تلقت إحدى المجموعتين تدريبًا يوميًا على التأمل لمدة تصل إلى 20 دقيقة لمدة شهر باستخدام (ميوز). تأملت المجموعة الأخرى لنفس المدة من الوقت أثناء الاستماع إلى أصوات مثل تلك التي يوفرها (ميوز)، ولكن دون أي ملاحظات في الوقت الفعلي على حالتهم العقلية. أظهر مستخدمو (ميوز) تحسنا أكبر في اختبارات الإجهاد وزيادة التحكم التنفيذي، وهو القدرة على تركيز انتباهك عند الحاجة. وأظهروا زيادة في نشاط الدماغ المرتبط بالاسترخاء بحلول نهاية التجربة.
سألتُ (أدريان أوين)، وهو عالم أعصاب إدراكي في جامعة ويسترن في أونتاريو بكندا، عن رأيه في الجهاز. فقد أكمل مؤخرا دراسة حول التأمل والنوم والإدراك باستخدام جهاز ميوز. وتظهر ورقته البحثية، التي تخضع الآن للمراجعة، أن عصابة الرأس ميوز تعمل على تحسين جودة نوم الناس بنسبة 20% ولكنها لم تؤثر بشكل مباشر على الإدراك. ويقول أوين: «أعتقد أن الجهاز مفيد. وباعتباره جهازا بسيطا لتلقي ردود الفعل العصبية، أعتقد أنه من بين الأجهزة الرائدة».
وهناك أجهزة أخرى مماثلة. وقد جربت أيضا سماعة (ماندي)، التي تكلف نحو 300 دولار وتستخدم تقنية تسمى التحليل الطيفي الوظيفي للأشعة تحت الحمراء القريبة للكشف عن التغيرات في تدفق الدم والأكسجين في الدماغ استجابة لنشاط الدماغ، وتستخدم هذه المعلومات لتحديد متى تكون هادئا ومركّزا. وبدلا من إرسال هذه البيانات إليك من خلال أصوات الطيور، تترجمها إلى حركة كرة على جهازك المحمول. وقد فضل أطفالي سماعة (ماندي) لأنهم وجدوا أنه من الأسهل التحكم في الحافز البصري مقارنة بالتحفيز السمعي، في حين أحببت إغلاق عيني أثناء التأمل، ولذا فضلت سماعة (ميوز).
ومثله كمثل (ميوز)، يشير (ماندي) إلى العديد من الدراسات التي تدعم مزاعمه. ومع ذلك، فإن مجال أجهزة قياس الطيف بالأشعة تحت الحمراء القريبة القابلة للارتداء لا يزال في بداياته، وهناك نقص في التجارب الكبيرة التي تقيس فعالية هذه الأجهزة. وقد وجدت إحدى المراجعات لهذا المجال أن الناس يمكنهم تنظيم إشارات أدمغتهم باستخدام أجهزة قياس الطيف بالأشعة تحت الحمراء القريبة، وهو ما قد يمكنهم من تقليل أعراض القلق، لكنها تنص على أن أي استنتاجات حول فائدتها السريرية «سابقة لأوانها».
تحفيز العصب
بدلا من تدليك الجهاز العصبي من خلال التأمل، تهدف الأجهزة القابلة للارتداء الأخرى إلى التلاعب به من خلال التعديل العصبي، حيث تُستخدم التكنولوجيا لتغيير نشاط الأعصاب من خلال التحفيز المباشر أو غير المباشر. خذ على سبيل المثال جهاز (نيوروسِم)، وهو جهاز يثبت على الغضروف اللحمي أمام أذنك ويرسل رسائل كهربائية إلى العصب المبهم. وفقًا لموقعه على الإنترنت، فإن الاستخدام المنتظم لهذا الجهاز لا يعد بتقليل التعب والاكتئاب والقلق فحسب، بل يساعد أيضًا في علاج كوفيد طويل الأمد وتحسين صحة القلب والمزيد.
لقد حظيَ العصب المبهم باهتمام كبير في الآونة الأخيرة. وهو في الواقع زوج من الأعصاب التي تربط جذع الدماغ بالعديد من الأعضاء الحيوية، وتتحكم في وظائفنا اللاإرادية مثل التنفس والهضم والاستجابة المناعية. كما يقوم بدور حاسم في نظامنا العصبي الباراسمبثاوي، الذي يحكم نشاط «الراحة والاسترخاء» الذي يساعدنا على التعافي بعد أن يبدأ نظامنا العصبي الودي، أو استجابات «القتال والهروب»، في العمل خلال فترة من التوتر.
في ثمانينيات القرن العشرين، استهدف الأطباء العصب المبهم من خلال زرع أجهزة تحفيز كهربائية في أعناق الأشخاص المصابين بالصرع. وقد نجحت هذه الأجهزة في قمع نوباتهم، ولكنها أثرت أيضًا على رفاهيتهم. منذ ذلك الحين، يبدو أن تحفيز العصب المبهم يفيد في علاج كل حالة يمكن تخيلها. يقول (بنجامين ماتكالف) من جامعة باث بالمملكة المتحدة، والذي أجرى بعض التجارب الوحيدة التي سجلت الإشارات الكهربائية من داخل العصب المبهم بشكل مباشر: «يُعدّ العصب المبهم بمثابة علاج لكل الأمراض لأنه كبير ومتصل بالعديد من الأعضاء والأجهزة. ويمكن أن يؤثر على كل شيء من الالتهاب إلى التحكم في القلب».
وفقًا لإليزابيتا بورشي، رئيسة قسم الأبحاث في شركة (باراسيم)، الشركة التي تقف وراء (نيوروسِم)، فإن جهازهم يستهدف فرعًا من العصب المبهم الذي يتجه نحو جذع الدماغ لتعديل نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي، مما يساعد على تهدئة استجابتك المناعية وتقليل التوتر.
في تجربة صغيرة أجريت على 19 شخصًا يعانون من قصور القلب، كان لدى أولئك الذين تلقوا 4 ساعات من التعديل العصبي باستخدام (نيوروسِم) مرتين يوميًا طوال فترة إقامتهم في المستشفى مستويات أقل من الالتهاب وعلامات أقل للإجهاد التأكسدي، والذي يمكن أن يتلف الخلايا، مقارنة بأولئك الذين تلقوا علاجًا وهميًا. شهدت دراسة تجريبية منفصلة أجريت على 24 شخصًا يعانون من كوفيد طويل الأمد انخفاضًا في القلق والاكتئاب والتعب بعد استخدام (نيوروسِم) لمدة 30 دقيقة مرتين يوميًا لمدة 10 أيام.
لقد كنتُ مهتمًا بشكل خاص ببعض الدراسات المستقلة الصغيرة التي أظهرت كيف ترتبط الجلسات القصيرة التي تبلغ مدتها حوالي 5 دقائق مع (نيوروسِم) بزيادة معدل ضربات القلب المتغير، وهو الاختلاف في الفترة بين ضربات القلب المتتالية. يُعد معدل ضربات القلب مؤشرًا للصحة البدنية والعقلية، إذ تساعد التمارين الرياضية والنظام الغذائي الصحي والنوم الأفضل على زيادته، في حين يؤدي تعاطي الكحول والإجهاد المزمن وقلة النوم إلى خفضه. يشير انخفاض معدل ضربات القلب إلى زيادة الالتهاب، المعروف بأنه مقدمة للعديد من الأمراض والوفيات لدى الأشخاص الذين يعانون من مشاكل في القلب. يشير ارتفاعه إلى أنك قد تعاني من ضغوط أقل. لقد استخدمتُ (نيوروسِم) عدة مرات، لكنني وجدت أن ارتداءه غير مريح، لذلك لم أتشجع لاستخدامه.
وعندما يتعلق الأمر بتحفيز العصب المبهم، فإن الدراسات متباينة. ويقول بورشي: «نحن نحاول جمع المزيد من البيانات، ولكن الطريق لا يزال طويلا».
في الوقت الحالي، لا يزال (ماتكالف) غير مقتنع. ويقول إنه لا يوجد إجماع واضح حول ما إذا كان التحفيز غير الجراحي للعصب المبهم له أي فائدة مستهدفة. ويقول إن فريقه أجرى عدة اختبارات غير منشورة للتحفيز غير الجراحي للعصب المبهم باستخدام مجموعة من الأجهزة ولم يجد أي فوائد كبيرة. ويقول: «أتمنى لو كان لدينا. فهذا من شأنه أن يجعل بحثنا أسهل كثيرًا».
يوضح (ماتكالف) أن العصب المبهم يتكون من 20 إلى 30 حزمة من الألياف تسمى الحزم. كل منها يميل إلى القيام بوظيفة مختلفة. قد تتحكم إحداها في معدل ضربات القلب، بينما تتحكم أخرى في الجهاز المناعي. ويقول إن اختيار إحدى الحزم أمر صعب حتى عندما تزرع جهاز تحفيز، ناهيك عن القيام بذلك بطريقة غير جراحية.
ولكن (ماتكالف) يشك في أن العديد من أجهزة العصب المبهم ربما لا تظهر فعاليتها من خلال التعديل المباشر للعصب المبهم، بل من خلال تنظيم الجهاز العصبي صعودا أو هبوطا عبر مسارات أخرى، مثل استجابة الجسم لمدخلات حسية غير عادية. ولنتخيل كيف قد تداعب مؤخرة طفل صغير لتهدئته حتى ينام. ويقول ماتكالف: «أعتقد أنه من المرجح أن تتمكن من تحقيق نفس التأثير المهدئ الذي يحدثه التحفيز ببساطة من خلال تمارين التنفس أو التأمل».
المزيد من الملحقات
عند الحديث عن المدخلات الحسية غير العادية، جربتُ أيضًا جهاز (أبّولّو)، وهو سوار معصم يستخدم الاهتزازات لمعالجة التوتر وتحسين التركيز وزيادة النوم. يتتبع الجهاز، الذي يكلف حوالي 350 دولارًا، بيانات مثل معدل ضربات القلب، ويوفر أنماطًا مختلفة من الاهتزاز اعتمادًا على ما إذا كنت تستخدمه للاسترخاء أو تحسين تركيزك. الأنماط والترددات الدقيقة غير معروفة، حيث تتقدم الشركة بطلب للحصول على براءات اختراع، لكنها تبدو بشكل عام وكأنها نبض لطيف. في تجربتي كان لا يمكن التمييز عن بعضها البعض. إنني أشعر بالقلق من الادعاءات التي قدمها التطبيق بأن أنماطًا معينة يمكن أن تساعدك على التركيز والشعور بالنشاط والشعور بالهدوء وتعزيز العديد من الحالات الأخرى، حيث لم أر أي دليل مقنع حتى الآن على أن الاهتزاز يمكن أن يعدل الحالة المزاجية على وجه التحديد.
يقول (ديفيد رابين)، المؤسس المشارك لشركة (أبولو نيورو)، إن أنماط الاهتزاز وتردده هي المفتاح لتأثيراته. هناك بعض الأبحاث المبكرة التي تشير إلى أن ترددات معينة من الاهتزاز قادرة على تعديل مستويات التوتر والقلق . ومع ذلك، لم تنشر سوى تجربة سريرية واحدة لأبولو نفسها، على أشخاص يعانون من التصلب الجهازي، وهي حالة من أمراض المناعة الذاتية المؤلمة. أظهر المشاركون الذين يستخدمون الجهاز لمدة 15 دقيقة على الأقل يوميًا لمدة أربعة أسابيع انخفاضًا في مستوى التعب، بالإضافة إلى تحسن نوعية الحياة وأعراض أقل للاكتئاب.
ويقول رابين إنه في التجارب غير المنشورة، كان الجهاز قادرًا أيضًا على زيادة معدل ضربات القلب، وإنه يعمل عن طريق تحفيز العصب المبهم بشكل غير مباشر، وتعديل نشاط الجهاز العصبي السمبثاوي.
ولأنني أدرك الانتقادات التي وجهها (ماتكالف) إلى الأجهزة العصبية المبهمة الخارجية، فقد سألت رابين عما إذا كان يعتقد أن تأثيرات أبولو يمكن تكرارها ببساطة من خلال ممارسة تمارين التنفس أو التأمل. فيقول إنه قضى حياته المهنية الطبية بأكملها في تعليم الناس تمارين التنفس، ولكن على الرغم من معرفته بأنها تعمل على تقليل التوتر، فإن الناس لا يمارسونها. ويقول رابين: «مهما حاولنا تعليم الناس، فإنهم ينسون القيام بذلك. وعندما يتعرضون للتوتر، فإنهم ينسون ذلك في كثير من الأحيان. لقد ابتكرنا جهازًا يتجاوز عملية تهدئة نفسك، لأنه يمكنك فقط ربطه على جسمك وسوف يقوم بالعمل نيابة عنك».
ومع عدم نشر أي تجارب كبيرة خاضعة لسيطرة الدواء الوهمي على جهاز (أبّولّو)، حتى الآن، فمن الصعب التوصل إلى أي استنتاجات قاطعة بشأنها. ومع ذلك، فإن تقنية الاهتزاز مثيرة للاهتمام. هناك بعض الأبحاث التي تشير إلى أن الاهتزاز ينشط الخلايا العصبية المثبطة، وهي خلايا دماغية تشارك في تطور حالات الصحة العقلية، كما تقول (أدريانا ليجير) من جامعة (جراند فيو) في ولاية آيوا. كما تظهر الدراسات على الفئران أن الاهتزاز يمكن أن يحسن الأعراض الشبيهة بالاكتئاب من خلال حماية خلايا الدماغ من التدمير.
أثناء تصفحي لمئات الأجهزة المتاحة في السوق، شعرت بالارتباك الشديد بشأن ما ينبغي لي أن أجربه بعد ذلك. هل أرتدي خاتم (آورا) الشهير، الذي أرتديه في إصبعي، والذي يعد بتتبع تأثير النوم على صحتي العقلية، أم أبدأ في استخدام جهاز (نووتش)، وهو جهاز يشبه الساعة بدون شاشة يتتبع بياناتي الفسيولوجية لمساعدتي في مراقبة مستويات التوتر لدي؟
لا يوجد أي من هذه الأجهزة رخيص الثمن، ومع وجود هذه الصناعة في مراحلها الأولى، فإن كلا منها لا يزال أمامه طريق طويل ليقطعه قبل أن يثبت جدارته. شخصيا، سأستمر في استخدام أجهزة التأمل، ولو لمجرد أنها تحفزني على أخذ لحظات من الهدوء. ولكنني سأستمر في متابعة هذا المجال على أمل أن يثبت بعض هذه التكنولوجيا نجاحه في نهاية المطاف.
كلما زادت الأدوات التي نملكها لمساعدتنا على عيش حياة أكثر هدوءًا وتركيزًا، كان ذلك أفضل.
هيلين تومسون
خدمة تربيون عن مجلة «New Scientist»