تدخل سوريا مرحلة جديدة في تاريخها الحديث، مع تسارع التحولات السياسية والعسكرية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبعد أكثر من 14 سنة من الحرب المدمرة، والتي أودت بحياة مئات الآلاف ودمرت البنية التحتية للبلاد، أصبحت سوريا الآن على مفترق طرق حاسم.

وفي مرحلة ما بعد الأسد، بدأت الدول الغربية، خاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إعادة تقييم سياساتها تجاه دمشق، وهو ما يثير تساؤلات حول طبيعة الأهداف الغربية في هذه المرحلة".



ومع مرور الوقت، بدأ الغرب، وبالأخص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، في إعادة فتح قنوات الحوار والتواصل مع الحكومة السورية الجديدة، مما أثار العديد من التساؤلات حول الأهداف الحقيقية لهذا التوجه الجديد.

التحولات الدبلوماسية الغربية نحو سوريا

وفي تحول كبير في السياسة الأوروبية تجاه دمشق، بدأت بعض الدول الغربية في إعادة فتح قنوات التواصل مع الحكومة السورية، كان من أبرز هذه التحولات زيارة وفد فرنسي رفيع المستوى إلى دمشق في خطوة تعد الأولى من نوعها منذ 14 عشر عامًا.

وخلال الزيارة، رفع العلم الفرنسي فوق مبنى السفارة الفرنسية التي كانت مغلقة منذ عام 2012، وصرح المبعوث الفرنسي إلى سوريا، جان فرنسوا غيوم، بأن "فرنسا مستعدة للوقوف إلى جانب السوريين في المرحلة الانتقالية"، وهو ما يعكس رغبة فرنسا في بناء علاقات جديدة مع الحكومة السورية، حتى في ظل غموض مستقبل حكم الأسد.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)


وأكدت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تواصلت مع جميع الأطراف المعنية في سوريا، وأنها لا تستبعد إرسال وفد إلى دمشق في المستقبل القريب، بينما أرسلت بريطانيا وفدًا رسميًا إلى دمشق للقاء السلطات السورية الجديدة، وأعلن وزير خارجيتها ديفيد لامي، في 16 كانون الأول/ ديسمبر 2024، أن بلاده أوفدت مسؤولين رفيعي المستوى إلى دمشق للاجتماع مع السلطات السورية المؤقتة الجديدة.

وخلال اللقاء، طالب قائد هيئة العمليات العسكرية في سوريا، أحمد الشرع، بضرورة رفع العقوبات الدولية المفروضة على سوريا، لتسهيل عودة اللاجئين الذين فروا بسبب الحرب.

وأعلنت العديد من الدول الأوروبية عن نية فتح بعثات دبلوماسية في سوريا، وهو ما يعد مؤشرًا على رغبة في إعادة تفعيل علاقات اقتصادية ودبلوماسية مع دمشق بعد سنوات من القطيعة.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)
أولويات الولايات المتحدة في سوريا
لطالما كانت أولويات الولايات المتحدة في سوريا مركزة على ضمان أمن حليفتها "إسرائيل"، ومنذ بداية الأزمة السورية، وواصل الغرب مراقبة تطور الأحداث في بحذر شديد، بالنظر إلى الموقع الاستراتيجي للبلاد في قلب منطقة الشرق الأوسط، بالإضافة إلى ما يمثله هذا النزاع من تهديد للأمن الإقليمي، خصوصًا فيما يتعلق بإيران وحزب الله.

وتظل إحدى أولويات السياسة الأمريكية تتمثل في منع تحول سوريا إلى مركز تهديدات إضافية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وتسعى الولايات المتحدة، دائمًا إلى الحد من طهران في سوريا، فتواجد القوات الإيرانية، سواء بشكل مباشر أو من خلال دعمها لحزب الله اللبناني، يعد مصدر قلق كبير لدى واشنطن.

وتركز الولايات المتحدة بسبب ذلك على استراتيجيات تهدف إلى محاربة أي وجود عسكري إيراني في سوريا، مما قد يشمل زيادة الوجود العسكري الأمريكي في بعض المناطق الاستراتيجية، بما في ذلك المناطق التي تضم حقولًا نفطية في شمال شرق البلاد.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)


نزع الأسلحة السورية
ومن القضايا الأساسية التي يسعى الغرب لضمان تحقيقها في سوريا، هي مسألة الأسلحة الكيميائية، منذ أن تم توقيع اتفاقية بين سوريا والمنظمات الدولية في عام 2013 لتدمير الأسلحة الكيميائية، ظل هذا الملف أحد الملفات العالقة في علاقات دمشق مع الدول الغربية، وفي العام 2013، وقع هجوم كيميائي على الغوطة الشرقية الذي أسفر عن مئات الضحايا، وقد تسبب ذلك في توتر العلاقات بين دمشق والمجتمع الدولي.

ويعتبر الغرب أن التزام سوريا الجديدة بنزع أسلحتها الكيميائية هو شرط رئيسي للمضي قدما في تطبيع العلاقات، وقد تم إدانة الحكومة السورية السابقة مرارا وتكرارا من قبل المنظمات الدولية بسبب عدم تنفيذ بعض التزاماتها الخاصة بهذا الشأن، وهو ما ساهم في فرض المزيد من العقوبات الدولية عليها.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)

إيران وحزب الله.. تحديات مستمرة للغرب
وفي ظل الوضع الراهن، تزداد المخاوف الغربية بشأن النفوذ الإيراني في سوريا، وهو ما تعتبره الدول الغربية تحديا كبيرا لسياساتها في المنطقة، ومنذ بداية الأزمة السورية، كانت إيران داعما رئيسيا لنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد، حيث قدمت دعما عسكريا مباشرا عبر الميليشيات الشيعية التابعة لها، بالإضافة إلى تواجد قوات الحرس الثوري الإيراني في سوريا، وكانت تهدف إيران من خلال هذا الدعم إلى تعزيز مصالحها في المنطقة وبسط نفوذها على الأراضي السورية.

التواجد العسكري والنفوذ الاستراتيجي
ومنذ عام 2015، عززت الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا، حيث قام الجيش الأمريكي بتطوير نقاط مراقبة في شمال شرق سوريا، وهو ما أدى إلى زيادة التواجد الأمريكي في المنطقة، وفي وقت لاحق، توسعت مهمة القوات الأمريكية لتشمل حماية حقول النفط والغاز، وهي مناطق غنية بالموارد التي تشكل أهمية اقتصادية كبيرة.

والوجود العسكري الأمريكي في سوريا ليس فقط من أجل محاربة تنظيم "داعش"، بل يتعدى ذلك إلى أهداف استراتيجيّة تهدف إلى تحقيق النفوذ العسكري في منطقة الشام، ومع تطور هذا الوجود، أصبحت الولايات المتحدة في موقف قوي يسمح لها بالضغط على الدول الإقليمية الكبرى مثل إيران وروسيا، بما يضمن السيطرة على مفاصل القوة في المنطقة.

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)


إعادة الإعمار.. فرص اقتصادية للغرب وتركيا
رغم التحديات الاقتصادية الهائلة التي تواجه سوريا بعد سنوات طويلة من النزاع، إلا أن بعض الدول الغربية ترى في عملية إعادة الإعمار فرصة اقتصادية هامة.

وتعتبر الولايات المتحدة وبعض دول الاتحاد الأوروبي إعادة بناء البنية التحتية المدمرة في سوريا فرصة للاستثمار في مشاريع ضخمة، خاصة في المناطق التي تضررت بشدة جراء الحرب.

وعلى الرغم من ذلك، فإن أي تعاون اقتصادي يتطلب التزام دمشق بتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية ضرورية. تركيا أيضًا، بصفة خاصة، تسعى للاستفادة من هذه الفرص الاقتصادية لتوسيع نفوذها في سوريا، عبر الانخراط في مشاريع إعادة الإعمار، مما يعكس التنافس الدولي على الموارد الاقتصادية في المنطقة."

لو قامت كل 10 عائلات بكفالة عائلة في #سوريا
وأهم مافي الكفالة ( إعمار منزل ) ولو كان صغيراً
وانتشرت هذه الفكرة في العالم الإسلامي
لتخلّص الناس من معاناة عظيمة
الناس ليس لديهم (حطب) ينقذهم من الموت برداً فكيف يُعيدون إعمار منازلهم ! شاهد عادوا إلى ماذا
pic.twitter.com/9Vm0xYXs1p — عبدالوهاب الساري (@a_alsarii90) December 14, 2024
هل تحقيق التوازن
وتتزايد الضغوط على الحكومة السورية لتحقيق توازن بين مصالحها الداخلية وضغوط القوى الكبرى الغربية، فإذا تمكنت دمشق من تلبية مطالب الغرب، خاصة في ما يتعلق بالأسلحة الكيميائية والإصلاحات السياسية، فإن فرص سوريا في إعادة الإعمار والاندماج في النظام الدولي قد تزداد. في المقابل، سيظل الأمن الإقليمي، خاصة في ظل التهديدات الإيرانية، محط اهتمام دائم لدى الغرب.

ويبقى التحدي الأكبر بالنسبة لسوريا هو الحفاظ على سيادتها واستقلالها في مواجهة الضغوط الخارجية المستمرة، سيظل السؤال المركزي: هل ستتمكن سوريا من تجاوز الأزمات الداخلية والضغوط الخارجية لتحقيق التوازن المطلوب؟

View this post on Instagram A post shared by Arabi21 - عربي21 (@arabi21news)

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سوريا الغربية الولايات المتحدة الدبلوماسية إعادة الإعمار سوريا الولايات المتحدة الغرب الدبلوماسية إعادة الإعمار المزيد في سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الحکومة السوریة إعادة الإعمار الدول الغربیة فی المنطقة إلى دمشق فی إعادة فی سوریا وهو ما

إقرأ أيضاً:

ماذا أهمية سوريا لجهود حزب الله في إعادة بناء لبنان؟

ذكر موقع "National Public Radio" الأميركي أنه "مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل حيز التنفيذ، عاود حزب الله تقديم التعويضات للضحايا في لبنان وتعهد بإعادة بناء المنازل المهدمة. ولكن الخسائر الفادحة التي خلفتها الحرب قد تعقد هذه الجهود. فالدمار أكبر بخمس مرات مما كان عليه في عام 2006، كما واغتالت إسرائيل العديد من كبار قادة حزب الله ودمرت مقره في الضاحية الجنوبية لبيروت. والآن، قد يؤدي التغيير المفاجئ للنظام في سوريا المجاورة إلى قطع طرق الإمداد لحزب الله. وكل هذه الأمور قد تعوق قدرة الحزب على القيام بجهود إعادة بناء تاريخية".
وبحسب الموقع، "في الخامس من كانون الأول، ألقى الأمين العام لحزب الله نعيم قاسم خطاباً مصوراً من مكان غير معلوم، وحدد نظاماً للتعويض للأشخاص في لبنان الذين دمرت منازلهم بسبب الهجمات الإسرائيلية. وقال إن حزب الله سيمنح 14 ألف دولار سنوياً، لكل عائلة دُمر منزلها في بيروت وضواحيها، و12 ألف دولار لأولئك الذين دمرت منازلهم خارج العاصمة. وأعلن قاسم أن هذه الأموال هي هدية من راعي حزب الله، إيران. وقال "إن إعادة الإعمار هي تعزيز للنصر، وأشكر الجمهورية الإسلامية الإيرانية لأنها قدمت الجزء الأكبر من المبلغ". في بداية شهر كانون الأول، أرسل حزب الله رسائل عبر تطبيق واتساب إلى أنصاره، حسبما قال الأشخاص الذين تلقوا هذه الرسائل للموقع، طالبين منهم توثيق الأضرار وتقديم الفواتير إلى جمعية جهاد البناء، وهي شركة بناء لبنانية يديرها حزب الله. ومن غير الواضح ما إذا كانت أي مدفوعات قد بدأت في التدفق حتى الآن".
وتابع الموقع، "إن طرق إمداد حزب الله تنطلق غرباً من إيران، عبر العراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان، وقد تعطلت هذه الطرق في الأسابيع الأخيرة بسبب الغارات الجوية الإسرائيلية على المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، والقتال بين المتمردين في مختلف أنحاء سوريا، والأهم من ذلك كله سقوط الرئيس السوري بشار الأسد، حليف إيران وحزب الله. وقالت أمل سعد، الخبيرة في شؤون حزب الله والمحاضرة في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة كارديف: "لم نر بعد كيف سيتغلب حزب الله على هذه العقبات الجديدة".وكانت الجماعة المتمردة التي قادت الإطاحة بالأسد، هيئة تحرير الشام، مرتبطة ذات يوم بتنظيم القاعدة ولديها تاريخ من المواجهات مع حزب الله. بعد بدء الحرب الأهلية السورية في عام 2011، تسللت هيئة تحرير الشام إلى لبنان، واشتبكت مع عناصر من حزب الله، الذي قاتل على الجانب الآخر في الصراع السوري. وفي لبنان، اختطف متمردو هيئة تحرير الشام سكانًا محليين وفجروا قنابل انتحارية".
وأضاف الموقع، "في منطقة الحدود، يخشى العديد من اللبنانيين من أن يقوم مقاتلو هيئة تحرير الشام بغزو البلاد مرة أخرى. ويزيد من الخطر الذي يواجهه حزب الله وجود قوات إسرائيلية أرسلت لاحتلال الأراضي السورية، وهو ما يعني عملياً أن إسرائيل أصبحت الآن تحاصر حزب الله من الجنوب والشرق. لكن سعد قالت إن الصعوبات التي يواجهها حزب الله في سوريا ربما بدأت قبل ذلك، عندما كان الأسد لا يزال في السلطة. فقد عاد الحاكم السوري السابق إلى جامعة الدول العربية العام الماضي وقدم مبادرات إلى جيرانه من دول الخليج العربية لكسب الدعم لإعادة الإعمار، وهو ما كان من شأنه أن يسمح بعودة اللاجئين السوريين.وأضافت: "لقد سمعت هذا من مصادر في حزب الله، أن الأسد كان في الواقع ينفصل عن إيران، وبالتالي، جعل من الصعب للغاية على حزب الله الحصول على الأسلحة"."
وتابع الموقع، "أشارت سعد إلى أن حزب الله ربما بدأ في تهريب أسلحته عبر سوريا بطريقة أكثر سرية حتى قبل أن تسيطر هيئة تحرير الشام على البلاد. وأضافت أن مقاتلي حزب الله في لبنان ربما كانوا يستخدمون هذه الأسلحة بوتيرة أقل. وتابعت سعد قائلة إن أي انقطاع في خطوط الإمداد المادية لحزب الله لا يزال قائما.وقالت سعد: "اعتقد أن دور حزب الله في تلبية احتياجات الناخبين المحليين سوف يتعمق أكثر فأكثر. ويبدو هذا وكأنه مرحلة جديدة بالنسبة لحزب الله". وأضافت أن حزب الله يحول اهتمامه مرة أخرى إلى إدارة المستشفيات والبنوك والمدارس وبرامج الرعاية الاجتماعية. في الواقع، سوف تكون هذه الأمور ضرورية لأي إعادة بناء، إلى جانب مشاريع البنية الأساسية الكبرى في دولة كانت تكافح حتى قبل هذه الحرب. وقد ساعدت مثل هذه المبادرات حزب الله على كسب الدعم الشعبي". المصدر: خاص "لبنان 24"

مقالات مشابهة

  • تحركات دبلوماسية مصرية للتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار في غزة
  • على خطى أمريكا وبريطانيا.. ألمانيا تعلن إجراء محادثات مع قادة الإدارة السورية الجديدة
  • انفتاح غربي حذر على القيادة السورية الجديدة واستعداد لفتح سفارات
  • سوريا بعد الأسد.. تحركات دبلوماسية عربية وأجنبية.. و"قسد" تعلن فشل الوساطة الأمريكية
  • بعثات دبلوماسية أوروبية تتوافد إلى دمشق الجديدة
  • بوتين: الولايات المتحدة والغرب يواصلان السعي نحو فرض هيمنتهما على العالم
  • شرف الدين: الغرب يريد ضمان مصالح إسرائيل لإبرام أي اتفاقيات مع بيروت
  • ماذا أهمية سوريا لجهود حزب الله في إعادة بناء لبنان؟
  • بريطانيا تعلن إجراء اتصالات دبلوماسية مع هيئة تحرير الشام في سوريا