ماذا وراء دعوة بنغلاديش لتنشيط منظمة آسيوية تقاطعها الهند؟
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
بنغلاديش – جدد رئيس حكومة بنغلاديش محمد يونس دعوته إلى إعادة تنشيط منظمة "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي"، التي لا تزال مجرد حبر على ورق دون تنفيذ فعلي، حسب قوله.
وكرر يونس دعوته عدة مرات، آخرها كان الأسبوع الماضي حيث شدد على أن "المشاكل بين البلدين (الهند وباكستان) لا ينبغي أن تؤثر على بقية دول جنوب آسيا"، إذ تقاطع نيودلهي قمم المنظمة منذ 2016، متهمة إسلام آباد بدعم "المتمردين الكشميريين".
وتأتي دعوة بنغلاديش في ظل تصاعد التوتر مع الهند بعد الإطاحة بحكومة الشيخة حسينة واجد نتيجة للاحتجاجات الطلابية الشعبية في أغسطس/آب الماضي، وفي سياق التقارب النسبي بين داكا وإسلام آباد.
وتأسست رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي عام 1985، وهي منظمة حكومية دولية تضم جميع بلدان جنوبي آسيا، وتهدف لتوسيع نطاق التعاون، وتشمل النمو الاقتصادي والتقدم الاجتماعي والتنمية الثقافية، وتجمع بلدان جنوب آسيا الثمانية في منصة واحدة.
وتُعتبر التوترات التاريخية بين الهند وباكستان حول كشمير -ذات الأغلبية المسلمة- العقبة الكبرى أمام عمل المنظمة، إذ ألقت النزاعات المستمرة بين الدولتين النوويتين بظلالها على جميع محاولات تعزيز التعاون الإقليمي.
إعلانوكان وزير الخارجية الهندي سوبرامانيام جايشانكار علّق، خلال مؤتمر صحفي، على دعم باكستان المزعوم "للمتمردين" متسائلا: كيف يمكنكم الجلوس معا والتعاون في وقت يستمر فيه "الإرهاب" بهذا الشكل؟ معتبرا أن هذا بمثابة "تحد حقيقي لنا، فهل يمكنكم ببساطة تجاهله والمضي قدما؟ إن فعلتم ذلك، فأنتم تقبلونه كأداة مشروعة للحكم".
ويرى قمر الحسن، الأستاذ في قسم الحكومة والسياسة في جامعة جهانجيرناجار في بنغلاديش، أن الهند تستغل قضية كشمير ذريعة لعزل باكستان، وأن مقاطعتها قمم المنظمة لا تستند إلى مبررات كافية، رغم إشارتها إلى قضية المتمردين في كشمير.
وقال للجزيرة نت إن الهند تُظهر رغبة في الهيمنة على الدول الأعضاء الأخرى، التي تُعد أصغر حجما وأقل تأثيرا من جميع النواحي، مما يسمح لها بالتعامل معها بشكل ثنائي وبعيدا عن الإطار الإقليمي الجماعي.
واعتبر الحسن أن هذا النهج قد يؤدي إلى تقويض أهداف المنظمة، مما يثير تساؤلات عن مستقبلها في ظل هذه السياسات المتعارضة.
من جهته، قال أحمد ناظر رئيس قسم السياسة والعلاقات الدولية بالجامعة الإسلامية العالمية في باكستان، إن بعض قمم الرابطة تأخرت بسبب الإجراءات التي اتخذتها الهند في العقود الماضية، والتي واجهت احتجاجات من سريلانكا ومالديف وبنغلاديش.
واستطرد أن "دول جنوب آسيا يجب أن تجتمع معا للتحدث والحوار من أجل حل مشاكلها".
تقارب وبدائلوفي السياق ذاته، أوضح ناظر، في حديثه للجزيرة نت، أن رئيس وزراء الهند الأسبق إندر كومار طرح عام 1997 "مبدأ جوجرال" الذي تضمن تقديم امتيازات تجارية للدول الإقليمية باستثناء باكستان، وقامت الهند بتأسيس مبادرة خليج البنغال للتعاون الاقتصادي والتقني المتعدد القطاعات، ورابطة حافة المحيط الهندي.
وقال المتحدث إن هذه المبادرات البديلة كانت تهدف إلى تقسيم رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي أو عزل باكستان، مشيرا إلى أن الهند تمكنت من تشكيل هذه المنصات بفضل وجود حكومات صديقة بما فيها بنغلاديش.
إعلانأما الحسن فأشار إلى أن كثيرين يعتقدون أن السياسة الخارجية لبنغلاديش خلال 15 عاما الماضية كانت تساير بشكل كبير السياسة الهندية، وأن هناك عدة أدلة تشير إلى أن السياسة الخارجية لحكومة الشيخة حسينة كانت متوافقة بشكل واضح مع المصالح الهندية، على حد تعبيره.
وعن الرابطة، قال ناظر إنه رغم اعتقاد البعض أن رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي لم تحقق النجاح المطلوب أو أصبحت قديمة، فإنه يمكن إعادة تنشيطها، وأن الأمر -برأيه- يتطلب من زعماء جنوب آسيا، خصوصا من الهند وباكستان وبنغلاديش، أن يلعبوا دورا بناء في تعزيز التعاون الإقليمي، مما سيساعد في إعادة إحياء الرابطة.
في حين يرى الحسن أن إعادة تنشيط الرابطة قد تكون مهمة معقدة لأن التنافس المستمر بين الهند وباكستان يشكل عقبة رئيسية لا يمكن التغلب عليها بسهولة، حيث تستمر التوترات بين البلدين في التأثير على الدينامية الإقليمية.
ويضيف أن العلاقات "العدائية" بين الهند وبنغلاديش تعد عاملا آخر يعوق جهود إعادة تنشيط الرابطة، وأن الشعب في بنغلاديش ينظر إلى الدعم الهندي المستمر لحكومة الشيخة حسينة السابقة على أنه السبب وراء ظهور "نظام فاشي" قوّض حقوق الشعب.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات الهند وباکستان الشیخة حسینة
إقرأ أيضاً:
الدعم الحوثي لغزة: بين المواجهة مع واشنطن ومعادلة الصراع الإقليمي
مقدمةفي ظل تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، برزت اليمن ممثلة بجماعة الحوثي كلاعب إقليمي يوسع دائرة الصراع لتشمل المواجهة مع الولايات المتحدة ودعم الفصائل الفلسطينية لا سيما في قطاع غزة، فمنذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة، تبنى الحوثيون خطابا داعما للمقاومة الفلسطينية، واتخذوا خطوات عسكرية لتعزيز هذا الدعم عبر استهداف الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر، باستهداف السفن المتوجهة للكيان الصهيوني تحت شعار الحصار يقابله الحصار.
هذا الموقف يثير العديد من التساؤلات حول أبعاده العسكرية والسياسية، وكيف يمكن أن يؤثر على موازين القوى في المنطقة، خاصة في ظل التفاعل الأمريكي المتصاعد منذُ تولي دونالد ترامب إدارة الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية مع الهجمات الحوثية، فهل أصبح الحوثيون فاعلا رئيسيا في معادلة الصراع الإقليمي؟ وما تأثير هذه المواجهة على الوضع في اليمن وعلى استقرار المنطقة؟
هل أصبح الحوثيون فاعلا رئيسيا في معادلة الصراع الإقليمي؟ وما تأثير هذه المواجهة على الوضع في اليمن وعلى استقرار المنطقة؟
مفهوم حرب الاستنزاف في استراتيجية الحوثيين
أثبتت جماعة الحوثي قدرتها الفائقة على الصمود في وجه التحديات العسكرية والسياسية، متبعة تكتيكات حرب استنزاف مكّنتها من البقاء رغم التفوق العسكري لخصومها، فقد اعتمد الحوثيون استراتيجيات متعددة، جمعت بين الحرب التقليدية وحرب العصابات، إلى جانب استخدام التكنولوجيا الحديثة في مواجهة التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية ومعها بريطانيا وإسرائيل. فمفهوم حرب الاستنزاف في استراتيجية الحوثيين أنها استراتيجية عسكرية تهدف إلى إنهاك العدو تدريجيا عبر عمليات متواصلة تؤدي إلى خسائره المادية والمعنوية، بدلا من السعي لحسم المعركة سريعا، حيث ما زالوا يراهنوا على عدم قدرة التحالف الأمريكي على الاستمرار في القتال لفترات طويلة خاصة في حال تطور القتال بالتوغل البري. فالتكتيكات العسكرية لحرب الاستنزاف تعتمد على الطبيعة الجغرافية الوعرة في شمال اليمن، خاصة في صعدة وعمران، حيث تصعب العمليات العسكرية التقليدية، فالجبال والكهوف توفر لهم ملاجئ طبيعية وقواعد آمنة تتيح لهم شن هجمات مفاجئة والانسحاب بسرعة دون تكبد خسائر كبيرة، مع اعتماد استخدام تكتيك الكرّ والفرّ لتجنّب الدخول في مواجهات مباشرة، فتكتيكات الكرّ والفرّ، وهي استراتيجية تهدف إلى توجيه ضربات مفاجئة ثم الانسحاب السريع قبل الرد، ترهق القوات المعادية وجعلها غير قادرة على تحقيق نصر حاسم.
طبيعة الدعم الحوثي لغزة
يمكن تصنيف الدعم الحوثي للمقاومة الفلسطينية إلى عدة مستويات، تشمل الجوانب الإعلامية والسياسية والعسكرية، بالإضافة إلى تأثيره على المشهد الإقليمي ككل، فالدعم السياسي والإعلامي كان بارزا في تبني خطاب مناهض لإسرائيل وأمريكا، وإعلان الانخراط في المواجهة منذُ حرب الإبادة، كان ذلك عبر توجيه وسائل الإعلام الحوثية للترويج للمقاومة الفلسطينية، والتنسيق العلني مع محور المقاومة في المنطقة وتحديدا مع المقاومة في غزة، علاوة على ذلك الدعم العسكري واللوجستي باستهداف السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر كوسيلة للضغط على تل أبيب، وشن هجمات صاروخية وبالمسيرات على القواعد الأمريكية في المنطقة، والتهديد بتوسيع نطاق العمليات ليشمل ممرات ملاحية دولية رئيسية مرتبطة كليا بالكيان الصهيوني، وتقديم دعم لحركتي حماس والجهاد الإسلامي عبر التنسيق مع الأطر الحركية المختلفة.
التصعيد الحوثي والمواجهة مع الولايات المتحدة
مع استمرار وتصاعد العمليات الحوثية، دخلت واشنطن على خط المواجهة حيث استهدفت القوات الأمريكية في البداية مواقع عسكرية حوثية في اليمن، ومن ثم اتسعت الرقعة لتشمل المباني المدنية وحتى المواقع الطبية والمنشآت الاقتصادية في صنعاء والحديدة وصعدة، مما أدى إلى خسائر بشرية في صفوف الجماعة، لكنها لم تثن الحوثيين عن مواصلة عملياتهم، فيما أعلنت واشنطن تشكيل تحالف تحت مُسمى حماية الملاحة البحرية تضم قوات أمريكية وبريطانية للعمل ضد الحوثيين، ليتم الإعلان عن استهداف مواقع إطلاق الصواريخ والمسيرات التابعة للحوثيين، وهو ما عزز من الوجود العسكري الأمريكي في البحر الأحمر والخليج، علاوة على فرض عقوبات اقتصادية على قيادات حوثية لزيادة الضغط على الجماعة، إلا أن الرد الحوثي استمر بشن هجمات متواصلة ليس على السفن المتوجهة للكيان فحسب، وانما على السفن والقواعد الأمريكية والغربية المعتدية على أرض اليمن المتواجدة في البحر الأحمر، علما بأن الحوثيين في طور توسيع نطاق المواجهة ليشمل مضيق باب المندب وبحر العرب، ولم يكن ذلك إلا بالتنسيق مع حلف المقاومة في المنطقة بكافة مستوياته لمضاعفة الضغط على الولايات المتحدة.
الأبعاد الإقليمية والدولية للدور الحوثي
لا يقتصر دور الحوثيين على دعم غزة فقط، بل يمتد ليشمل تغييرات في موازين القوى في الشرق الأوسط، وتأثيرا على العلاقات بين الدول الكبرى والإقليمية، فالتصعيد في إطار محور المقاومة بهدف تعزيز موقف المقاومة عبر تقديم الدعم للحلفاء في المنطقة وهو ما يعبّر عن تقارب أوضح بين الحوثيين والفصائل الفلسطينية، لا سيما حركة حماس، علما أن المواقف الحوثية تسهم في تصاعد احتمالات نشوب مواجهة إقليمية أوسع، وذلك بالتأثير على الأمن البحري والاقتصاد العالمي الذي بات يهدد التجارة العالمية بسبب الهجمات على السفن في البحر الأحمر والمرتبطة كليا بالحرب على قطاع غزة. لذا فان ارتفاع تكاليف التأمين على السفن المارة عبر الممرات البحرية وزيادة التوترات بين القوى الكبرى، قد يدفع كلا من الصين وروسيا لاتخاذ مواقف أكثر وضوحا، مع غياب رد فعل عربي وإقليمي سوى بالتعبير عن قلق بعض الدول الخليجية من تصاعد التوترات وتأثيرها على الاستقرار الإقليمي، مع انقسام في مواقف الدول العربية حول كيفية التعامل مع الحوثيين.
التكيف مع المتغيرات والتحديات الجديدة
الدعم الحوثي لغزة ليس مجرد موقف سياسي، بل هو جزء من مشهد إقليمي معقد تتداخل فيه المصالح الإقليمية والدولية، وبينما تسعى الجماعة إلى تعزيز موقعها ضمن محور المقاومة، فإن المواجهة مع الولايات المتحدة تضعها أمام تحديات كبيرة ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا التصعيد دون أن يتحول إلى مواجهة أوسع تهدد استقرار المنطقة بأكملها؟
بدأ الحوثيون بتكتيكات دفاعية جديدة وإعادة ترتيب الأولويات العسكرية مع الضربات الأمريكية المتكررة، تمثلَ ذلك في إخفاء معداتهم الاستراتيجية وإطلاق صواريخهم من مواقع غير متوقعة، خاصة مع تحييد حزب الله من المواجهة بعد الضربات المتتالية التي تلقاها الحزب في الحرب، وسارعوا مع الزمن لتطوير الدعم العسكري واللوجستي لكافة أجنحتهم وألويتهم العسكرية تحضيرا لأسوأ السيناريوهات، إضافة لذلك، تم استخدام الإعلام والحرب النفسية، فقد عمدت الجماعة إلى توظيف الإعلام لإظهار نفسها كقوة ممانعة، واستغلت الضربات الأمريكية لحشد مزيد من الدعم والحاضنة الشعبية المؤيدة لنهجها بالدفاع عن فلسطين.
السيناريوهات المستقبلية
هناك عدة احتمالات لما قد يحدث نتيجة تصاعد المواجهة بين الحوثيين والولايات المتحدة، وتأثير ذلك على الصراع في غزة والمنطقة ككل:
السيناريو الأول: تصعيد أوسع يشمل مواجهة برية مباشرة بين الحوثيين وأمريكا مع استمرار الضربات الأمريكية وردود الفعل الحوثية، مع احتمال تدخل إيران تدريجيا في حال تعرض الحوثيين لضربات مكثفة تُخل في موازين حلف المقاومة في المنطقة، مع دخول إسرائيل على خط المواجهة عبر شن ضربات ضد الحوثيين.
السيناريو الثاني: تراجع الحوثيين بسبب الضغط العسكري والاقتصادي ونجاح الضغوط الأمريكية في الحد من قدراتهم العسكرية، مع تزايد الانقسامات داخل الجماعة الحوثية بسبب الضغوط المتزايدة.
السيناريو الثالث: تحرك دبلوماسي من بعض الدول للحد من التصعيد مع استمرار المواجهة بأسلوب "حرب الاستنزاف" واستمرار الهجمات الحوثية بشكل متقطع دون تصعيد واسع، واستمرار العمليات الأمريكية ولكن دون تدخل بري مباشر مع بقاء الوضع في حالة "لا حرب ولا سلم" لفترة طويلة.
خاتمة
الدعم الحوثي لغزة ليس مجرد موقف سياسي، بل هو جزء من مشهد إقليمي معقد تتداخل فيه المصالح الإقليمية والدولية، وبينما تسعى الجماعة إلى تعزيز موقعها ضمن محور المقاومة، فإن المواجهة مع الولايات المتحدة تضعها أمام تحديات كبيرة ويبقى السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يستمر هذا التصعيد دون أن يتحول إلى مواجهة أوسع تهدد استقرار المنطقة بأكملها؟