مبيض النحاس .. أشهر مهن تراثية باتت في طي النسيان بالمنيا
تاريخ النشر: 18th, August 2023 GMT
دائما مايحن الإنسان إلى زمان وأيام زمان ، أيام البركة والبساطة والمحبة ، أيام الحصير الزلق والحلف ووابر الجاز واللمبة الجاز ، وأواني النحاس والهون ، توارت أشياء كثيرة بفعل التطور والحداثة ، وبرغم انها مريحة إلا ان الإنسان مازال يحن لأيام زمان .
وزمان ومنذ عدة عقود مضت كانت الأواني النحاسية الأكثر استخداما لبيوت الريفيين بقرى محافظة المنيا ، والريف والمصرى عموما ، وكانت جزءا أساسيا من « شوار العروس» ، حيث كانت قيمة النحاس تالية مباشرة الذهب، فكان تباهي الريفيين بإمتلاكهم الذهب والنحاس .
وكان النحاس يمثل مخزونا إستراتيجيا للأزمات ، فإذا ألمَّت بالعائلات أزمات مالية «تفُك زنقتها» بثمن النحاس، لأنه مخزن قيمة سعره غالبا ما يزيد، وكانت مهنة « تبييض النحاس » من المهن المختلفة التي اختفى بعضها لأسباب كثيرة أهمها التطور التكنولوجي الذى قضى على بعض المهن، منها مهنة مبيض النحاس، والتي تعتبر من المهن التقليدية القديمة، حيث تعمل على تنظيف الأواني النحاسية وإزالة طبقة الصدأ السامة ثم طليها بطبقة من القصدير، وكانت هذه المهنة من المهن المنتشرة قديماً، نظراً لاستخدام الكثير من المنازل الأوانى النحاسية.
ولكن مع تطور العصر، اختفت الأواني النحاسية وظهر بدلاً منها العديد من الأنواع المختلفة، مما دفع الكثير من أبناء مهنة تبييض النحاس والتي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم إلى البحث عن مهنة أخرى توفر لهم لقمة العيش بعدما تخلى الكثير من الناس عن الأوانى النحاسية.
رغم عدم استخدام الكثير من الأشخاص الأواني النحاسية، لكن بعض أبناء المهنة مازالوا يعملون بها في شارع المعز لدين الله الفاطمى عدد من المحلات التي تعمل على تبييض الأوانى النحاسية، حيث يحضر المبيض الأواني النحاسية ويسخنها على النار ثم يضيف بداخلها الرمل ويفركها بقطعة من الجلد، بواسطة قدميه للتخلص من الصدأ ويستغرق ذلك وقتاً طويلاً وجهدا من المبيض.
ثم تذوب مادة القصدير مع النشادر ويفرك داخل الوعاء بواسطة قطعة من القطن، حتى تبيض الأوانى ومن ثم تفرك بالرمل وتغسل بالماء، وهذا كان الحال قديماً، ولكن تطور طرق تبييض النحاس وأصبحت تستخدم مواد مثل الأسيد ومادة روح الملح، والتي ساعدت أكثر على تبييض النحاس.
فكان «مُبيِّض النحاس» يتجول في قرى وعزب ونجوع المنيا ، ويعلن عن قدومه لتأتيه النساء بأوعيتهن «المجنزرة»، أي التي اخضرَّ لونها، ويحط رحاله في مكان فضاء لعدة أيام، ويشتغل بحماس في تبييض الأواني النحاسية بقوة ليزيل عنها «الجنزار» الذي أصابها، ثم يضعها علي نار حامية ليتمكن من طليها بالقصدير وهي ساخنة.
فالحرارة الشديدة تساعد علي ذوبان القصدير وانتشاره علي سطح النحاس والإلتصاق الشديد به، وتساعد النشادر علي اكتمال هذه العملية بسهولة، فتصبح الطبقة بيضاء وهذا سبب تسمية المهنة «مبيض» والقصدير كان يشكل طبقة عازلة للنحاس حتي لا يتفاعل مع الطعام ويفرز عناصر سامّة، وكان الجنزار دليلا علي انتهاء مفعول القصدير، وإشارة لضرورة التبييض.
وكان مبيض النحاس يحتاج إلي قدرة كبيرة علي الإحتمال، ويلجأ الى الغناء الشجي والشعبي ويلتف حوله الأطفال والنحاس ، فيعفيه من التأوه حتي لو كان الغناء غير مفهوم، المهم أن يتوافق مع حركة جسده، ويكون فعالا في مقاومة حرارة النحاس، ولكي يحرك جسده بحرية وكأنه يؤدي «رقصة التويست» فكان يقبض بيديه علي شئ ثابت كشجرة او جزع نخلة ، وإذا أنجز الإناء يقفز قفزتين سريعتين ليعلن اكتمال تبييضه ليبدأ في آنية أخري ، ولا يغادر القرية حتي يكون قد أعفي أهلها وخلَّص أوانيها النحاسية من مخاطر الجنزار الأخضر.
فللريفيين عادات وتقاليد تتوافق مع النحاس ، فمثلا (الهون النحاس ) والذي كان يستخدم قديمًا في فرم الكفتة، ودق الثوم، وتنعيم الملح، وكان يستخدم في مناسبات احتفالية مثل أسبوع الطفل ، لإصداره رنينًا كنوع من الإيقاع الموسيقي أثناء الغناء للإحتفال بالمولود الجديد، وفي الزمن القديم كان "جهاز" العروسة اغلبه من النحاس فكان معظم الأواني ، والأباريق، والطشت ، حتى السرير من النحاس ، وكانت العروسة المميزة والجميلة يتم شراء نحاس أحمر كجهاز لعش الزوجية ، وفي قاهرة المعز كان هناك شارع خاص يطلق عليه أسم شارع النحاسين .
فحين يتقدم شاب للزواج بفتاة فالإتفاق بين أهل العروسين علي «النحاس» كان يرتبط بالكلام عن الذهب، فكما يُسأل عن جرامات الذهب التي سيقدمها لعروسه، تتم مفاوضته أيضا علي كم قنطارا من النحاس يمكنه أن يشتريها للشوار. ليتمكن أهل العروسين من التباهي بالذهب والنحاس معا أمام المجتمع بأواني الطهو، والإبريق، والصواني، و«طشوت الغسيل»، وغير ذلك من الآنيات النحاسية.
ومن الطرائف المرتبطة بالنحاس ، أن الريفيين كانوا إذا ضبطوا لصاً لدي أحدهم ، كانوا «يُشيّلُونه نحاس البيت»، ويدورون به في شوارع القرية ليُجرسُوه بفعل السرقة، ومن هنا جاءت كلمة «زفُّوه بالنحاس» دلالة علي فضيحة من يضبط بجريمة ويفتضح أمره بين الناس.
وفي عام 1944 بمديرية المنيا ، قام بعض الأهالي بتقديم شكوى للصحة والتموين ، ضد مبيض النحاس لعدم الدقة وتسرع النحاسون في طلاء الأواني النحاسية ، خشية تفشي الأمراض وعلل الأهالي شكواهم للصحة والتموين ، أن النحاسين يستبدلون القصدير بمواد مصنعة في طلاء الأواني مقابل تقاضيهم أجورا مرتفعة وهذا الأمر به الكثير من الفتن على أصحابها والإرهاق الشديد على الفقراء وأن الطلاء بغير القصدير سريع الزوال تصدأ بعده الآنية بعدة أيام قليلة ، مؤكدين في شكواهم أن النحاس إذا صدىء علته طبقة من الزرنيخ قد تكون قاتلة
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: زمان ألتون أخبار محافظة المنيا من النحاس الکثیر من
إقرأ أيضاً:
الصين تتحرك لزيادة صادرات النحاس وسط اضطرابات السوق
أصدرت الصين المزيد من التراخيص التي تسمح لمصاهر النحاس بتصدير المعدن معفى من الضرائب، في خطوة تهدف إلى دعم المنتجين المحليين وفتح المجال أمام زيادة المبيعات الخارجية في وقت يشهد اضطرابات في السوق العالمية.
حصلت شركة "تشاينا كوبر ساوث إيست كوبر" (China Copper Southeast Copper)، التابعة لشركة "ألمنيوم كورب أوف تشاينا"، على الموافقة لممارسة ما يُعرف بتجارة التصنيع التعاقدي، وفقاً لبيان صادر عن الشركة. وفي سياق منفصل، حصلت أيضاً شركة "قوانغشي نانغو كوبر" (Guangxi Nanguo Copper) المملوكة للقطاع الخاص على تصريح مماثل، حسبما أفاد تقرير لشركة "شنغهاي ميتالز ماركت"" (Shanghai Metals Market) دون الإشارة إلى مصادر محددة.
تشهد السوق العالمية للنحاس اضطرابات كبيرة في الوقت الحالي، إذ ارتفع السعر القياسي للمعدن في لندن اليوم إلى أعلى مستوى له في 4 أشهر. في الصين، أكبر مورد للنحاس المكرر في العالم، تكافح المصاهر المحلية للحصول على إمدادات خام تعاني من الندرة، ما يؤثر على ربحيتها، إذ انخفضت رسوم المعالجة في القطاع إلى مستوى قياسي منخفض في وقت سابق من العام الجاري.
الرسوم الجمركية الأميركية
في الولايات المتحدة، أدت إشارات الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن احتمال فرض رسوم جمركية على واردات النحاس إلى ارتفاع الأسعار الأميركية بشكل كبير مقارنة بالمعدلات العالمية في بورصة لندن للمعادن. دفع هذا التباين جزءاً من المخزون لمغادرة آسيا مع سعي المتداولين في الأسواق لتحقيق أرباح من الفروقات السعرية. كما نفذت الإدارة اليوم عملية فرض رسوم جمركية على الألمنيوم والصلب.
تخطط اثنتان من كبرى المصاهر الصينية لشحن ما يصل إلى 45 ألف طن للتسليم في مارس الجاري إلى المستودعات المعتمدة والمخازن الآسيوية ضمن شبكة بورصة لندن للمعادن، وفق أشخاص على اطلاع على التجارة طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم. ستكون هذه الكميات إضافة إلى مبيعاتهما السنوية المخطط لها.
يعني التراخيص الجديدة أن أكثر من 10 مصاهر رئيسية في الصين حصلت حالياً على الموافقة لممارسة تجارة التصنيع التعاقدي، التي تتضمن تصدير النحاس المكرر المُنتج من خام مستورد مع إعفاءات ضريبية.