دائما مايحن الإنسان إلى زمان وأيام زمان ، أيام البركة والبساطة والمحبة ، أيام الحصير الزلق والحلف ووابر الجاز واللمبة الجاز ، وأواني النحاس والهون ، توارت أشياء كثيرة  بفعل التطور  والحداثة ، وبرغم انها مريحة إلا ان الإنسان مازال يحن لأيام زمان .

وزمان ومنذ عدة عقود مضت كانت الأواني النحاسية الأكثر استخداما لبيوت الريفيين بقرى محافظة المنيا ، والريف والمصرى عموما ، وكانت جزءا أساسيا من « شوار العروس» ، حيث كانت قيمة النحاس تالية مباشرة الذهب، فكان تباهي الريفيين بإمتلاكهم الذهب والنحاس .

وكان النحاس يمثل مخزونا إستراتيجيا للأزمات ، فإذا ألمَّت بالعائلات أزمات مالية «تفُك زنقتها» بثمن النحاس، لأنه مخزن قيمة سعره غالبا ما يزيد، وكانت مهنة « تبييض النحاس » من المهن المختلفة التي اختفى بعضها لأسباب كثيرة أهمها التطور التكنولوجي الذى قضى على بعض المهن، منها مهنة مبيض النحاس، والتي تعتبر من المهن التقليدية القديمة، حيث تعمل على تنظيف الأواني النحاسية وإزالة طبقة الصدأ السامة ثم طليها بطبقة من القصدير، وكانت هذه المهنة من المهن المنتشرة قديماً، نظراً لاستخدام الكثير من المنازل الأوانى النحاسية.

ولكن مع تطور العصر، اختفت الأواني النحاسية وظهر بدلاً منها العديد من الأنواع المختلفة، مما دفع الكثير من أبناء مهنة تبييض النحاس والتي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم إلى البحث عن مهنة أخرى توفر لهم لقمة العيش بعدما تخلى الكثير من الناس عن الأوانى النحاسية.

رغم عدم استخدام الكثير من الأشخاص الأواني النحاسية، لكن بعض أبناء المهنة مازالوا يعملون بها في شارع المعز لدين الله الفاطمى عدد من المحلات التي تعمل على تبييض الأوانى النحاسية، حيث يحضر المبيض الأواني النحاسية ويسخنها على النار ثم يضيف بداخلها الرمل ويفركها بقطعة من الجلد، بواسطة قدميه للتخلص من الصدأ ويستغرق ذلك وقتاً طويلاً وجهدا من المبيض.

ثم تذوب مادة القصدير مع النشادر ويفرك داخل الوعاء بواسطة قطعة من القطن، حتى تبيض الأوانى ومن ثم تفرك بالرمل وتغسل بالماء، وهذا كان الحال قديماً، ولكن تطور طرق تبييض النحاس وأصبحت تستخدم مواد مثل الأسيد ومادة روح الملح، والتي ساعدت أكثر على تبييض النحاس.

فكان «مُبيِّض النحاس» يتجول في قرى وعزب ونجوع المنيا ، ويعلن عن قدومه لتأتيه النساء بأوعيتهن «المجنزرة»، أي التي اخضرَّ لونها، ويحط رحاله في مكان فضاء لعدة أيام، ويشتغل بحماس في تبييض الأواني النحاسية بقوة ليزيل عنها «الجنزار» الذي أصابها، ثم يضعها علي نار حامية ليتمكن من طليها بالقصدير وهي ساخنة.

فالحرارة الشديدة تساعد علي ذوبان القصدير وانتشاره علي سطح النحاس والإلتصاق الشديد به، وتساعد النشادر علي اكتمال هذه العملية بسهولة، فتصبح الطبقة بيضاء وهذا سبب تسمية المهنة «مبيض» والقصدير كان يشكل طبقة عازلة للنحاس حتي لا يتفاعل مع الطعام ويفرز عناصر سامّة، وكان الجنزار دليلا علي انتهاء مفعول القصدير، وإشارة لضرورة التبييض.

وكان مبيض النحاس يحتاج إلي قدرة كبيرة علي الإحتمال،  ويلجأ الى الغناء الشجي والشعبي ويلتف حوله الأطفال والنحاس ، فيعفيه من التأوه حتي لو كان الغناء غير مفهوم، المهم أن يتوافق مع حركة جسده، ويكون فعالا في مقاومة حرارة النحاس، ولكي يحرك جسده بحرية وكأنه يؤدي «رقصة التويست» فكان يقبض بيديه علي شئ ثابت كشجرة او جزع نخلة ، وإذا أنجز الإناء يقفز قفزتين سريعتين ليعلن اكتمال تبييضه ليبدأ في آنية أخري ، ولا يغادر القرية حتي يكون قد أعفي أهلها وخلَّص أوانيها النحاسية من مخاطر الجنزار الأخضر.

فللريفيين عادات وتقاليد تتوافق مع النحاس ، فمثلا (الهون  النحاس ) والذي كان يستخدم قديمًا في فرم الكفتة،  ودق الثوم،  وتنعيم الملح، وكان يستخدم في مناسبات احتفالية مثل أسبوع الطفل ، لإصداره رنينًا كنوع من الإيقاع الموسيقي أثناء الغناء للإحتفال بالمولود الجديد،  وفي الزمن  القديم كان "جهاز" العروسة  اغلبه من النحاس فكان معظم الأواني ، والأباريق،  والطشت ، حتى السرير من النحاس ، وكانت العروسة المميزة والجميلة يتم شراء نحاس أحمر  كجهاز لعش الزوجية ، وفي قاهرة المعز كان هناك شارع خاص يطلق عليه أسم شارع النحاسين .

فحين يتقدم شاب للزواج بفتاة  فالإتفاق بين أهل العروسين علي «النحاس» كان يرتبط بالكلام عن الذهب، فكما يُسأل عن جرامات الذهب التي سيقدمها لعروسه، تتم مفاوضته أيضا علي كم قنطارا من النحاس يمكنه أن يشتريها للشوار. ليتمكن أهل العروسين من التباهي بالذهب والنحاس معا أمام المجتمع بأواني الطهو، والإبريق، والصواني، و«طشوت الغسيل»، وغير ذلك من الآنيات النحاسية.

ومن الطرائف المرتبطة بالنحاس ، أن الريفيين كانوا إذا ضبطوا لصاً لدي أحدهم ، كانوا «يُشيّلُونه نحاس البيت»، ويدورون به في شوارع القرية ليُجرسُوه بفعل السرقة، ومن هنا جاءت كلمة «زفُّوه بالنحاس» دلالة علي فضيحة من يضبط بجريمة ويفتضح أمره بين الناس.

وفي عام 1944 بمديرية المنيا ، قام بعض الأهالي بتقديم شكوى للصحة والتموين ، ضد مبيض النحاس لعدم الدقة وتسرع النحاسون في طلاء الأواني النحاسية ، خشية تفشي الأمراض وعلل الأهالي شكواهم للصحة والتموين ، أن النحاسين يستبدلون القصدير بمواد مصنعة في طلاء الأواني مقابل تقاضيهم أجورا مرتفعة وهذا الأمر به الكثير من الفتن على أصحابها والإرهاق الشديد على الفقراء وأن الطلاء بغير القصدير سريع الزوال تصدأ بعده  الآنية بعدة أيام قليلة ، مؤكدين في شكواهم أن النحاس إذا صدىء علته طبقة من الزرنيخ قد تكون قاتلة 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: زمان ألتون أخبار محافظة المنيا من النحاس الکثیر من

إقرأ أيضاً:

النائب العام يصل الخرطوم ويتّخذ قرارات مهمة حول التعامل مع المسروقات والأجانب وتصدير النحاس

الخرطوم: السوداني/ بدأ النائب العام مولانا، الفاتح طيفور، زيارة لولاية الخرطوم وكان في استقباله والي الخرطوم أحمد عثمان حمزة، وانخرط في اجتماع مع لجنة شؤون أمن ولاية الخرطوم، ناقش عدداً من القضايا التي أفرزتها الحرب. واستمع إلى تقارير حول سير العمليات العسكرية للقضاء على بقايا المليشيا وتقرير حول الأوضاع الأمنية الجنائية ونشر قوات الشرطة بافتتاح مراكز الشرطة في المحليات التي تم تطهيرها مؤخرا من المليشيا المتمردة.
والي الخرطوم، أثنى على الزيارات المتكررة التي قام بها النائب العام ووصفها بأنها مهمة لمعالجة العديد من القضايا، وقال: “إنّنا ندعم استئناف كل مؤسسات الدولة لنشاطها من داخل ولاية الخرطوم لمقابلة متطلبات العودة الطوعية للمواطنين”.
وأضاف الوالي أنّ الولاية تحتاج إلى تكييف قانوني للتعامل مع المسروقات التي تم ضبطها. كما استمع الاجتماع إلى تقرير من لجنة دراسة أوضاع المواطنين الذين كانوا محتجزين في معتقلات المليشيا المتمردة وتم تحريرهم بعد دحر المليشيا وتم علاجهم وغادر أغلبهم إلى ذويهم.
من جهته، قال النائب العام، إنه رغم الحرب فإنه تم فتح العديد من النيابات في ولاية الخرطوم عقب الانفتاح الأخير وتحرير أغلب مناطق الولاية، وبلغ عدد البلاغات التي صدرت فيها أحكام (769) بلاغا في السودان، مما يؤكد أن الحرب لن تؤثر على سير العدالة.
ورحب النائب العام بعودة السجون لولاية الخرطوم للعمل لمعالجة تكدس المتهمين في الحراسات.
وفيما يتعلق بالأجانب، دعا النائب العام ولاية الخرطوم بالمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات القانونية مع الأجانب المتواجدين بصورة غير شرعية ولا يوجد مبرر لوجودهم بالولاية. ودعا النائب العام، سلطات الولاية بالتعامل مع المسروقات المضبوطة وفقاً لقانون الإجراءات الجنائية وإعلان أصحابها وتحديد مدة معينة لاستلامها.
وشدد على منع تصدير أي نحاس أو حديد خردة إلا عبر النيابة المختصة وتوجيه تهمة الثراء الحرام لكل شخص توجد بحوزته – بحسب ما أورده إعلام ولاية الخرطوم.  

مقالات مشابهة

  • سوق الشنيني... حرف وبضائع تراثية تقاوم الحداثة
  • مرقص: شابات وشباب لبنان ينتظرون منا الكثير لأنهم فعلاً يستحقون التميّز
  • اعتقال مسؤول كبير بمجلس جهة فاس و صاحب شركة سياحية معروفة في قضية تبييض الأموال
  • أسوان تُحيي شريانًا سياحيًا مهجورًا: تطوير طريق إدفو/مرسى علم بعد عقدين من النسيان
  • سعر النحاس الخردة اليوم الأربعاء 23 أبريل 2025 في السوق.. الكيلو بكام النهاردة؟
  • هل ندم مارك زوكربيرج على شراء إنستجرام؟.. رسائل داخلية تكشف عن الكثير​
  • ختام فعاليات “اليوم العالمي للتراث” وسط حضور لافت وتجارب تراثية ملهمة
  • النائب العام يصل الخرطوم ويتّخذ قرارات مهمة حول التعامل مع المسروقات والأجانب وتصدير النحاس
  • رائد فضاء يعود إلى الأرض بعد 7 أشهر بحفنة ساحرة من الصور التي وثقها للكون
  • العلامة فضل الله: المرحلة تتطلب الكثير من الثبات والحكمة