ما حقيقة الانطباع عن تأجيل انتخاب الرئيس لما بعد 9 كانون الثاني؟!
تاريخ النشر: 18th, December 2024 GMT
منذ عيّن التاسع من كانون الثاني المقبل موعدًا لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية، يحرص رئيس مجلس النواب نبيه بري على التأكيد بأنّ هذه الجلسة التي دعا إليها السفراء، ولا سيما ممثلي اللجنة الخماسية المعنيّة بالشأن اللبناني، لن تكون كسابقاتها، بل ستكون مثمرة ومنتجة، وبالتالي ستفضي إلى تصاعد الدخان الأبيض، مشدّدًا على أنّ من سيغيب عن هذه الجلسة سيتحمّل مسؤولياته أمام الرأي العام، وكذلك أمام المجتمع الدولي.
لكنّ هذه الأجواء "التفاؤلية" التي يصرّ بري على ضخّها في الأوساط السياسية، لا تجد حتى الآن "ترجمة أمينة"، وفق ما يقول كثيرون، فالمؤشرات لا توحي بنضوج ظروف التوافق الذي يراه كثيرون "شرطًا" لإنتاجية الجلسة، بل إنّ بعض التصريحات السياسية من هذا الفريق أو ذاك، تترك انطباعًا بأنّ الأمور لا تزال "مقفلة"، وسط مخاوف من أنّ إجازة الأعياد التي تستمرّ حتى أسبوع الجلسة المفترضة يمكن أن "تجمّد" المشاورات السياسية "الجدّية".
ولعلّ ما يزيد من مستوى "الضبابية" في هذا السياق، يكمن في ما يتسرّب عن دعوات بدأت تصدر عن بعض القوى، لتأجيل انتخاب الرئيس بضعة أيام بعد التاسع من كانون الثاني، أو لما بعد وصول الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بحيث تكون الصورة الشاملة في المنطقة قد تبلورت، بل إنّ المفارقة المثيرة للانتباه أنّ بعض هذه الدعوات تصدر عن شخصيات محسوبة على المعارضة، التي تطالب منذ أشهر طويلة بعدم التأجيل!
الترقّب سيّد الموقف
بعيدًا عن التصريحات المتفائلة لرئيس مجلس النواب، والتي كان آخرها تأكيده أن جلسة الانتخاب لا تزال قائمة في موعدها المحدّد، وأنها ستكون مثمرة، يقول العارفون إنّ الأجواء لا تزال "ضبابية" بصورة عامة، حيث لم يسجّل خرق حقيقيّ وملموس يمكن البناء عليه، باستثناء المرونة التي أبداها الطرفان بعيد تحديد موعد الجلسة، والتي بدأ زخمها يتراجع للمفارقة، خصوصًا مع رفع السقف الذي لجأت إليه بعض القوى السياسية في الأيام الأخيرة.
ثمّة من يقول إنّ "الخرق" يبقى مؤجَّلاً لما بعد إعلان رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية انسحابه بصورة رسمية، وهو ما تتقاطع العديد من الأوساط على ترجيح حصوله قريبًا جدًا، وربما في الساعات القليلة المقبلة، علمًا أنّ المشاورات الفعلية والحقيقية ستنطلق بعد ذلك، خصوصًا أنّ قوى المعارضة كانت قد اشترطت إعلانًا رسميًا من "الثنائي" بالتخلي عن فرنجية، قبل فتح قنوات الاتصال معه، وهو ما لن يحصل قبل أن ينسحب فرنجية طوعًا.
لكن في مقابل التفاؤل بتوافق ما بعد انسحاب فرنجية، ثمّة من يشير إلى أنّ الأمور لا تبدو بهذه السهولة، خصوصًا أنّ قوى وازنة في المعارضة تعتبر أنّ الفريق الآخر، وتحديدًا "حزب الله"، بات في أضعف حالاته، بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان وسقوط نظام بشار الأسد في سوريا، وهي تريد "تقريش" ذلك على مستوى الاستحقاق الرئاسي، علمًا أنّ ثمّة حديثًا صريحًا في هذا الإطار عن أنّ معادلات الاستحقاق اليوم، لا يمكن أن تكون مثلها مثل معادلات الأشهر السابقة.
هل ينفع التأجيل؟
بمعزل عن هذه المعادلات، ثمّة في الأوساط السياسية من يعتبر أنّ المدّة الفاصلة عن جلسة التاسع من كانون الثاني لم تعد كبيرة عمليًا، ولو بدت كذلك ظاهريًا، باعتبار أنّ إجازة الأعياد قد تقف عائقًا أمام المشاورات الحقيقية في المرحلة المقبلة، خصوصًا أنّ مثل هذه المشاورات لم تبدأ بعد، ولو أنّ هذا الرأي يصطدم بوجهة نظر أخرى تقول إنّ مناسبة الأعياد قد تشكّل فرصة لتكثيف المشاورات على هامش احتفالاتها، وبروحيّة إيجابيّة.
وضمن الحديث عن التأجيل، ثمّة من يشير إلى وجود انطباع بوجوب انتظار وصول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، للبناء عليه في رسم معالم الاستحقاق، علمًا أنّ هناك اعتقادًا بأنّ وصول ترامب إلى البيت الأبيض سيسبقه حسم الكثير من الملفات العالقة، والتي تؤثر على لبنان، ومن بينها الحرب على غزة، علمًا أنّ التأجيل في هذه الحالة لبضعة أيام فقط قد يأتي بتمنٍ من الكتل السياسية، بغية إتمام التوافق والتفاهم.
وبين هذا الرأي وذاك، يبقى رأي وازن يقول إنّ الانتخاب يجب أن يتمّ في جلسة التاسع من كانون الثاني، وأنّ تأجيلها لن ينفع، فالوقت الفاصل عنها أكثر من كافٍ لإنجاز التوافق، وما لم يحصل ذلك، فيمكن أن يتمّ الانتخاب وفق ما ينصّ عليه الدستور، علمًا أنّ هناك تقاطعًا بين الجميع على أن إنجاز الاستحقاق أكثر من ضروري من أجل التحضير لليوم التالي للحرب على لبنان، خصوصًا مع بدء العدّ العكسي لانتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار.
كثيرة هي الأسباب التي تدفع للاعتقاد بأنّ انتخاب الرئيس "يجب" أن يتمّ في جلسة التاسع من كانون الثاني، وإن تأجّلت فلأيام، وليس لأسابيع، من بينها الانطباع السائد بأنّ هذا الانتخاب هو الجانب غير المُعلَن من "اتفاق وقف إطلاق النار"، وبالتالي أنّ عدم الالتزام به قد يؤدي إلى "فرط" الاتفاق، وعودة عقارب الساعة إلى ما قبله، علمًا أنّ الرهان الأساسي لدى القوى السياسية يبقى على الأيام الأولى من العام الجديد لحسم الأمور نهائيًا! المصدر: خاص "لبنان 24"
المصدر: لبنان ٢٤
كلمات دلالية: علم ا أن ما بعد خصوص ا
إقرأ أيضاً:
لولا التدّخل الخارجي لما كان للبنان رئيس
من المبكر التكهن بما سيكون عليه شكل الحكومة الأولى في العهد الجديد. ولكن ليس من المبكر على الاطلاق التكهن بما سيتضمنه البيان الوزاري، الذي لا يمكن إلا أن يكون مستوحىً مما جاء في خطاب القسم وبيان التكليف. وفي هذا الخطاب وذاك البيان ما يكفي من المواقف المبدئية، التي تسمح ببدء نقل البلاد من ضفة الانهيار إلى ضفة التعافي التدريجي، خصوصًا أن أمام العهد وحكومته الأولى الكثير من العمل المتواصل، وفي الوقت نفسه الكثير من العراقيل والمعوقات، التي حالت في الماضي دون التمكّن من تحقيق الاصلاحات السياسية، والاقتصادية، والمالية، والإدارية. إلاّ أن ما يمكن البناء عليه فهو ما أحدثه انتخاب العماد جوزاف عون وتكليف القاضي نواف سلام تشكيل حكومة العهد الأولى من صدمة إيجابية ومن عصف لجرعات التفاؤل لدى القواعد الشعبية، التي انتظرت طويلًا وصبرت كثيرًا.لكن التجارب السابقة مع رؤساء الجمهوريات السابقين الذين خرجوا من المؤسسة العسكرية قوادًّا، وهم على التوالي: اميل لحود وميشال سليمان وميشال عون وجوزاف عون كانت بدايات عهودهم مفروشة بالورد والياسمين، وانتهت بفراغات في سدّة الرئاسة الأولى. لكن هذه الواقعية في رسم خيوط الماضي لا تعني بالضرورة أن عهد الرئيس جوزاف عون ستكون نسخة منقحة عن خيبات الأمل السابقة.
إلاّ أن ما يميز بداية العهد الجديد عن العهود السابقة هو هذا التأييد وذاك الدعم الدولي والعربي غير المسبوقين، خصوصًا أن انتخاب العماد عون جاء مباشرة بعد سقوط نظام البعث في سوريا، وتزامن مع ثلاث محطات خارجية وداخلية مهمة، وهي: بدء سريان اتفاق وقف النار في قطاع غزة، وتسّلم الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مفاتيح البيت الأبيض في 20 الشهر الجاري، وبدء انسحاب الجيش الإسرائيلي من البلدات والقرى الجنوبية في 27 الجاري، وإكمال الجيش تمركزه في هذه البلدات والقرى، التي سينسحب منها الجيش المحتّل.
فالمملكة العربية السعودية لم تكن راضية كثيرًا عندما توافقت القوى السياسية على انتخاب العماد ميشال عون رئيسًا للجمهورية في خريف عام 2016، ولم تقتنع بما قُدّم لها من براهين عن أن الرئيس عون قادر بحكم علاقاته الجيدة مع "حزب الله" أن يقرّبه إلى الخيار العربي، فكانت النتيجة أن أُخرج لبنان من محيطه العربي بفعل السياسات، التي اتبعت في حينه، خصوصًا بعدما تولى رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل حقيبة الخارجية.
إلاّ أن وقوف المملكة كداعمة أساسية لانتخاب العماد جوزاف عون رئيسًا للجمهورية، وعودتها إلى الساحة اللبنانية من بابها العريض بعد التطورات السريعة في سوريا، سيكونان السند الرئيسي في عملية انتشال لبنان من رماله المتحركة، وإعادة اعمار ما هدّمته إسرائيل في الجنوب وبيروت والبقاع، وبعد التوصّل إلى اتفاق لوقف النار وافق عليه "حزب الله" بعد مفاوضات قادتها الولايات المتحدة الأميركية بشخص آموس هوكشتاين مع "الأخ الأكبر" لـ "الحزب" الرئيس نبيه بري.
ولولا هذا الدعم الخارجي لبقي الوضع الداخلي يراوح مكانه، خصوصًا أن ظروف بوادر الحل لم تكن الساحة اللبنانية بما فيها من تعقيدات وتشابكات مهيأة لها. ومن بديهيات الأمور أن التوازنات الداخلية لم تكن تسمح بالانتقال من ضفة إلى ضفة أخرى وتأمين عبور آمن. والدليل أن الفراغ الرئاسي دام سنتين وشهرين وتسعة أيام، ولم يكن أحد يتوقع حدوث أي خرق في جدار المواقف المتناقضة بين "المعارضة" من جهة، والقوى "الممانِعة" من جهة أخرى، والتي أدّت إلى عدم التوصّل إلى تفاهمات بحدّها الأدنى، وبالأخصّ أن الحرب الإسرائيلية على لبنان زادت من نسبة التشاؤم في إمكانية إنهاء الشغور الرئاسي.
إلاّ أن موافقة "حزب الله" على اتفاق وقف إطلاق النار ببنوده الثلاثة عشر، وهي بنود لا تصبّ في مصلحته، شجّع الرئيس بري على تحديد موعد للجلسة الانتخابية في 9 الجاري. ولكن هذا التحديد لم يكن يعني بالضرورة الافراج عن أسر الرئاسة الأولى، وأن الأجواء التي كانت سائدة حتى قبل 48 ساعة من موعد الجلسة لم تكن حاسمة بالنسبة إلى إمكانية تصاعد الدخان الأبيض من مدخنة البرلمان. ولولا دخول الرياض على خط الأزمة الرئاسية عبر الأمير يزيد بن فرحان لما كان للبنان اليوم رئيس للجمهورية ورئيس مكّلف بتشكيل حكومة يعتقد البعض أنها لن تبصر النور في السرعة، التي تفرضها الظروف التي انقلبت رأسًا على عقب، وبسحر ساحر، خلال ساعات.
المصدر: خاص لبنان24