في صعيد مصر الجبن يصنع بالبيت والمصنع عبارة عن ( زير كبير ) يضعون فيه كل المكونات اللازمة للإنتاج ويحكمون غطاءه بخرق من الملابس وبعض النباتات ويتركونه علي هذه الحال لمدة تقارب منتصف العام وبعد ذلك يزاح الغطاء وتبدو قطع الجبن زاهية وبهية تسر الناظرين ولكن المشكلة الكبري أن هذا الطعام المحبب لاهل المنطقة تحيط به أسراب ( الدود ) إحاطة السوار بالمعصم وازاء هذا الموقف نجد المجتمع المحلي منقسم علي نفسه في تناول هذا الطعام غير المستورد والمصنوع بخبرة توارثوها كابرا عن كابر فالشباب يرفض جملة وتفصيلا أن يدخل الي جوفه شيء الدود جزء أصيل من تركيبته وشباب اخر لا مانع لديهم في تناول هذه الوجبة الغذائية الدسمة لكن بشرط أن يغسل عنها الدود أما أحد الشيوخ المخضرمين فقد كان من أشد المتحمسين لاكل الجبن علي علاته وبما علق منه من دود الكثيرون تقززوا منه واشاحوا بوجهم عنه وإن كان لابد من تناول هذا الصنف الجميل بطعمه المالح العجيب الذي يخلب الألباب عليهم بالتوجه الي اقرب ( مول ) والتزود بالجبن الذي يريدون ويجدونه متوفرا ومستجلبا من دول عريقة اشتهرت بصناعة منتجات الألبان مثل هولندا والدنمارك !!.
هذا الشيخ المخضرم كان يضع أمامه طبق كبير من الجبن المحتشد بالدود وياكل بتلذذ من طبق الخير هذا من غير خوف أو وجل وتهيب ويخاطب من حوله بقول فيه من الحكمة الكثير :
( كلوه قبل ماياكلكم ) !!..
وطبعا لايخفي عليكم مايرمي إليه هذا الشيخ المخضرم !!..
دعونا نعود من صعيد مصر اتذكرون يوم كان اللحم يقطع شرائح شرائح ويعلق علي الحبال ليجف ومن ثم يتم ( سحنه) وتحويله الي ملاح ( تقلية ) مع العصيدة أو الكسرة تكون من هذا الثلاثي وجبة إفطار تراثية بعض النساء المخضرمات تفنن فيها ولو كان هنالك انصاف لنلن بها جائزة نوبل في الوجبات المفضلة للسودانيين بمختلف اعراقهم واشكالهم والوانهم وحتي مغتربيهم في زوايا الدنيا الأربعة يخثون اهلهم في أرض الوطن أن يرسلوا لهم بمناسبة الشهر الفضيل وعيد الفطر علبة محترمة من اللحم المجفف مصحوبة ب ( بدرة الويكة ) وبهارات جاهزة وياحبذا لو كانت الرسالة تحمل اكياسا من الشطة الحمراء ( القبانيت ) وارد نيالا !!..
نسيت أن اقول لكم أن حبل الغسيل الذي يستضيف شرائح اللحم لزوم التجفيف يعج بالذباب من كل لون وجنس ليس هذا فحسب فهنالك جيوش غازية من الدود ... وبكل أريحية يتم جمع الشرائح بعد أن تتصلب وتتكرمش علامة أنها قد جفت وحان غطافها وبعد أن تتحول هذه البدرة الساحرة السودانية الحائزة علي براءة الاختراع بايد سودانية نجد الشباب في ذاك الزمان لا يقتربون من ( الملاح ) الملوث كما قد شاهدوا بأنفسهم ولم يحدثهم أحد ولكن شيوخنا المخضرمين زمان قد شاركوا شيوخ صعيد مصر نفس الحكمة :
( كلو الدود قبل أن ياكلكم ) !!..
العالم كله يحسدنا علي الأراضي الزراعية الخصبة التي حبانا الله سبحانه وتعالي وجاء علينا زمان توهمنا فيه أننا سنلبس المقالات ونركب افخم السيارات وتستورد غذائنا الذي صار يباع في ( المولات ) هذا الغذاء غير الصحي ويستاهل عن جدارة واستحقاق أن يرمي في برميل النفايات من هامبرجر وهوت دوق وما شابه ذلك بها مواد حافظة مسببة للسرطان وافتك الأمراض والمشروبات الغازية التي تسبب هشاشة العظام وأمراض الجهاز الهضمي والسكري وماخفي أعظم !!..
في مصر يستصلحون الأراضي في الصحراء والجبال ويزرعون في الصيف والشتاء ويصدرون حتي الملوخية لأمريكا وأوروبا وهذا الاستصلاح يتم بشق الأنفس ومع ذلك فهم لايكلون ولا يملون والعاقبة أرض زراعية تدر الخير العميم ونحن في السودان قد عافت نفوسنا الزراعة وهجر المزارع الأرض خاصة أهل الجزيرة المعطاءة وجاءوا الي العاصمة الخرطوم التي أصبحت نتوء بحمولتها من البشر الوافدين من الداخل والخارج حتي شحت الخدمات وتكدست المواصلات وصار ايجار الغرفة بالشيء الفلاني وصارت الدولة لاتقدم للمواطن شيئا مجانيا حتي أنها أصبحت تبيع له الصحة والتعليم وهذه خدمات من حق المواطن أن ينالها بموجب الدستور .
خلاصة الموضوع نستطيع أن نستعيد عافيتنا إذا رجعت البيوت والأسر لصناعة غذائها بالبيت وان يتم إغلاق كل هذه المولات التي تستجلب الكماليات باهظة الثمن وفي نفس اللحظة تكبد المواطن خسائر في الأرواح لما تحتوي من سموم وبلاوي .
يجب أن نترك الفشخرة وعقدة الخواجة وان نتجه للريف ونزرع ونرعي الماشية وان يكون الاقتصاد زراعيا وحيوانيا وان يعاد تأهيل كلية الزراعة والبيطرة وان يتم اختيار للوزراء من التكنوقراط خاصة في هذين المجالين وان تكون الوزارة حاشدة بالكفاءات !!..
اظننا إن شاء الله سبحانه وتعالى بعد أن تتوقف هذه الحرب اللعينة العبثية المنسية سنراجع كثيرا من اخفاقاتنا وخيباتنا خاصة في الزراعة والثروة الحيوانية ونظام التعليم !!..
حمد النيل فضل المولي عبد الرحمن قرشي .
معلم مخضرم .
ghamedalneil@gmail.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مختص يوضح تفاصيل التعديلات الجديدة على نظام العمل
الرياض
تحدث المختص في الموارد البشرية، علي عبدالله آل عيد، عن التحديثات الأخيرة لنظام العمل ، لافتاً إلى إنها ارتكزت على جوانب مختلفة، وأهمها دعم جاذبية العمل، وبخاصة ما يتعلق بتعزيز التدريب والتطوير، والإلزام بإيجاد سياسة خاصة للمنشآت بهذا الشأن، الأمر الذي ينعكس على رفع مستويات التوطين وتعزيز الكفاءات الوطنية في المنشآت.
وقال آل عيد : وفي جانب إنهاء العلاقة العمالية، أضافت التعديلات الأخيرة آلية لإنهاء التعاقد في العقود محددة المدة، كما أضافت تعريفًا واضحًا وصريحًا للاستقالة وأحكامها، وأهمية رد صاحب العمل عليها، حيث إنه في حال عدم الرد خلال 30 يومًا، تُعتبر الاستقالة مقبولة، ومن منطلق حفظ التوازن في العلاقة العمالية ودفع الضرر، منحت التعديلات لصاحب العمل الحق في تأجيل استقالة العامل لمدة لا تزيد على 60 يومًا في حال وجود ظروف عملية تستدعي التأجيل.
وأشار إلى أن كل التغييرات الحالية والمستقبلية التي تستهدفها وزارة الموارد البشرية تعمل باتزان لخلق سوق عمل سعودي جاذب يدعم التحاق أبنائه به، ويعزز بناء قدراتهم، كما يكون جاذبًا للكفاءات العالمية.