يواجه الكونغرس الأمريكي تحديات كبيرة في الحفاظ على سلطاته الدستورية، حيث يسعى الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى توسيع سلطات الرئاسة عبر سياسات مثيرة للجدل.

ويقول المجلل الأمريكي الدكتور إيفان إيلاند، زميل معهد الاستقلال ومدير مركز المعهد للسلام والحرية، في تقرير نشرته مجلة "ناشونال إنتريست" الأمريكية، إنه على مر التاريخ الأمريكي، تطورت الأحزاب السياسية واستمرت في التحول.

As President-elect Donald Trump threatens impoundment and recess appointments, Congress must step up to protect its central constitutional role, writes Ivan Eland. https://t.co/XMs2K2gThW

— National Interest (@TheNatlInterest) December 17, 2024

وكان الحزب الديمقراطي، الذي يعود تاريخه إلى فترة أقدم من الحزب الجمهوري المعروف بـ "الحزب العظيم القديم"، في البداية حزب الحكومة الصغيرة والضرائب المنخفضة، ومر بمرحلة شعبوية قبل أن يستقر على دوره المعروف كحزب تقدمي يدعم الحكومة الكبيرة.

وأما الحزب الجمهوري، فقد بدأ كحزب تقدمي تحت قيادة أبراهام لينكولن، داعياً إلى منع العبودية في الأراضي الغربية وتبني "النظام الأمريكي" للحكومة الكبيرة، والذي تضمن نظام البنك المركزي وتحسين البنية التحتية الاتحادية وتوزيع الأراضي والرسوم الجمركية المرتفعة. غير أن الجناح التقدمي للحزب خسر أمام الجناح الداعم لقطاع الأعمال الكبيرة في أواخر القرن الـ 19، لكنه عاد إلى الواجهة خلال إدارات تيودور روزفلت وويليام هوارد تافت.

ولم يصبح الحزب الجمهوري حزب الحكومة الصغيرة إلا في العشرينيات من القرن الماضي، خلال إدارات وارن هاردينج وكالفين كوليدج. وخلال وبعد برنامج "الصفقة الجديدة" لفرانكلين روزفلت وبرنامج "الصفقة العادلة" لهاري ترومان، قبل التيار الرئيسي للجمهوريين معظم توسعات الحكومة الجديدة رغم استمرار الخطاب الذي يشيد بفوائد الحكومة الصغيرة. 

فعلى سبيل المثال، رغم أن رونالد ريجان قال إن "الحكومة كانت المشكلة"، ازداد الإنفاق الفيدرالي بشكل كبير خلال فترة ولايته. ويقول إيلاند إن ريجان أدرك أن الحزب يمكنه كسب الأصوات من خلال خفض الضرائب دون المساس بالبرامج الحكومية الشعبية. وبعد جورج بوش الأب، آخر رئيس جمهوري يهتم بعجز الموازنة والديون الناتجة، وبيل كلينتون، وكلاهما بذل جهوداً لتحقيق مسؤولية مالية أدت في النهاية إلى فائض في الموازنة، عاد جورج بوش الابن ودونالد ترامب إلى الصيغة الانتخابية الناجحة التي تجمع بين خفض الضرائب وزيادة الإنفاق.

وقد لخص هذا النهج نائب بوش، ديك تشيني، بقوله: "أثبت ريجان أن العجز لا يهم". أما الديمقراطيان باراك أوباما وجو بايدن، فقدما أداء ضعيفاً مقارنة بكلينتون في معالجة هذه النواقص التي خلفها الجمهوريون لاحقاً. والآن، يرغب الرئيس المنتخب دونالد ترامب، على الأقل من الناحية الخطابية، في إحياء ادعاء ريتشارد نيكسون بأن الرئيس التنفيذي يمكنه حجز بعض الأموال التي خصصها الكونغرس بشكل قانوني والتي وقع الرئيس بالفعل على إنفاقها.

ويلمح ترامب إلى أن هذا الإجراء يهدف إلى منع الكونغرس من إنفاق الكثير من الأموال. ومع ذلك، وبالنظر إلى سجله الخاص بالإنفاق المفرط خلال فترته الأولى (حيث أضاف 7.4 تريليون دولار إلى الدين الوطني)، من المرجح أنه يريد إنفاق الأموال المحتجزة في مجالات أخرى. فعلى سبيل المثال، خلال فترته الأولى، نقل أموالاً من وزارة الدفاع للبدء في بناء جداره الحدودي.

ونظراً لأن الدستور يمنح الكونغرس السلطة الأساسية على المال باعتبارها واحدة من وظائفه المركزية في نظام الضوابط والتوازنات في الولايات المتحدة، فإن قيام الرئيس بشكل أحادي بحجب الأموال المخصصة قانونياً يعد أمراً غير دستوري وغير قانوني بموجب قانون مراقبة الميزانية والحجز لعام 1974. ويقول إيلاند إنه يجب على الكونغرس عدم التنازل عن هذا الدور الدستوري الحيوي.

وعندما كان الديمقراطيون يسيطرون على البيت الأبيض لمدة عقدين، من عام 1933 إلى عام 1953، كان الحزب الجمهوري يسعى جاهداً للتمسك برؤية واضعي الدستور التي تهدف إلى تقييد صلاحيات الرئيس. لكن مع تحسن فرص الجمهوريين للفوز بالرئاسة مجدداً، بدأوا ينضمون إلى الديمقراطيين في توسيع دور الرئيس التنفيذي. وقام رؤساء جمهوريون مثل ريتشارد نيكسون، ورونالد ريجان وجورج بوش الأب وجورج بوش الابن ودونالد ترامب، بزيادة صلاحيات السلطة التنفيذية وفقاً لما يخدم مصالحهم.

وفي الآونة الأخيرة، ركز رؤساء مثل جورج بوش الابن ودونالد ترامب على هدف أساسي أثناء فترة حكمهم، وهو توسيع سلطات الرئيس التنفيذي من خلال نظرية مثيرة للجدل تعرف بـ"نظرية السلطة التنفيذية الموحدة". وتزعم هذه النظرية أن الرئيس يتمتع بسيطرة مطلقة وغير محدودة على الفرع التنفيذي. ولو كان واضعو الدستور أحياء اليوم، لكانوا قد صدموا لرؤية نظام الضوابط والتوازنات الذي كان الكونغرس يهيمن عليه قد أصبح خاضعاً لرئاسة امبريالية وقضاء متسلط، وهما الجهتان اللتان كان من المفترض أن تحدا من نفوذ الكونغرس، لا أن تتوليا زمام الأمور بأنفسهما.

ويرغب الرئيس المنتخب دونالد ترامب أيضاً في أن يتنازل الكونغرس عن سلطته الأساسية، المتمثلة في الموافقة على تعيينات الرئيس التنفيذي في المناصب الوزارية وغيرها من الوظائف الفيدرالية العليا، ويطلب من الكونغرس اتخاذ خطوة غير مسبوقة تتمثل في تعليق جلساته لأقصر فترة ممكنة، مما يسمح له بتعيين مسؤولين مؤقتين كـ"تعيينات أثناء العطلة" دون أي موافقة من الكونغرس.

وفي القرون الأولى للجمهورية، كان الكونغرس يجتمع لبضعة أشهر فقط في السنة بسبب متطلبات الاقتصاد الزراعي، والقيود الشديدة على وسائل النقل والاتصال من وإلى العاصمة الوطنية، وكانت التعيينات المؤقتة أثناء العطلة في الدستور تعتبر إجراء نادراً يستخدم فقط لحين عودة الكونغرس للانعقاد.

وأما اليوم، فإن الكونغرس يبقى في حالة انعقاد شبه مستمرة. ولو كان واضعو الدستور أحياء اليوم، لكانوا مستائين من رؤية الفرع الحكومي الأهم يتعمد تعليق جلساته أو الاستسلام لصالح رئاسة امبريالية جديدة تستولي على ما تبقى من سلطاتهم الأساسية. وبالتالي، أمام الجمهوريين المسيطرين على مجلس الشيوخ ومجلس النواب فرصة أخيرة لمواجهة تجاوزات السلطة التنفيذية، وهو الأمر الذي كان واضعو الدستور يخشونه أكثر من غيره، والذي صمم نظام الضوابط والتوازنات لمنعه.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية الرئيس المنتخب دونالد ترامب الكونغرس عودة ترامب الكونغرس الرئیس التنفیذی الحزب الجمهوری

إقرأ أيضاً:

إليكم ما يجب معرفته عن تلميحات ترامب لتوليه ولاية ثالثة

رغم أن ولاية الرئيس الأميركي دونالد ترامب الثانية بدأت للتو، فإنه وحلفاءه قد بدأوا يلمحون إلى احتمال ترشحه لولاية ثالثة، حتى إنه صرح لشبكة إن بي سي نيوز بأنه "لا يمزح" بشأن هذا الاحتمال، رغم أنه يتعارض مع الدستور.

هكذا انطلقت مجلة تايم في تتبع ما قيل ويقال بشأن ترشح ترامب لولاية ثالثة، رغم أن التعديل الثاني والعشرين للدستور يقول "لا يُنتخب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من مرتين، ولا ينتخب أي شخص شغل منصب الرئيس أو تولى مهامه لأكثر من عامين من فترة انتخب لها شخص آخر رئيسا، لمنصب الرئيس أكثر من مرة واحدة".

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتب إسرائيلي: لسنا بحاجة للعيش في جيب أميركاlist 2 of 2حركة صهيونية متطرفة تتوعد طلاب الجامعات الأميركية المؤيدين للفلسطينيين بالترحيلend of list

وبالفعل قال ترامب إن "الكثير من الناس يريدون مني أن أفعل ذلك. لكنني أقول لهم ببساطة إن أمامنا طريقا طويلا"، وفي حديث للصحفيين، قال "طلب مني المزيد من الناس الترشح لولاية ثالثة، وهي إلى حد ما ولاية رابعة لأن الانتخابات الأخرى، انتخابات 2020 كانت مزورة تماما"، وأضاف "لا أفكر في ذلك. لا أريد الحديث عن ولاية ثالثة الآن".

ترامب يلمح غير مازح إلى احتمال ترشحه لولاية ثالثة (الفرنسية) ترامب ليس الأول

وذكرت المجلة بأن ترامب ليس أول رئيس يعتقد أنه يستحق البقاء في البيت الأبيض لأكثر من 8 سنوات، إذ انتخب الديمقراطي فرانكلين ديلانو روزفلت لولاية رابعة عام 1944، مما دفع الجمهوريين في الكونغرس إلى السعي لتعديل دستوري لإضفاء الطابع الرسمي على حدود الولايات الرئاسية، بعد أن كانت مجرد قاعدة وضعها الرئيس الأول جورج واشنطن.

وقد نافس يوليسيس غرانت وثيودور روزفلت على ولاية ثالثة دون جدوى، وكان وودرو ويلسون يخطط لذلك قبل أن يصاب بسكتة دماغية أثناء ولايته الثانية، وحتى بعد التصديق على التعديل الثاني والعشرين عام 1951، فكر بعض الرؤساء في ولاية ثالثة، مثل رونالد ريغان الذي رأى أن التعديل يحد من نفوذ الرئيس، وأنه يجب إلغاؤه، ومثل باراك أوباما الذي قال إنه يعتقد أنه سيفوز لو استطاع الترشح لولاية ثالثة، لكنه أقر بأنه لا يستطيع ذلك لأن "القانون هو القانون".

والآن يقول ترامب "لا، لا، أنا لا أمزح. أنا لا أمزح"، وأكد لشبكة "إن بي سي" عندما سُئل هل حديثه المتكرر عن ولاية ثالثة جاد "أحب العمل، لكنني لست كذلك. من السابق لأوانه التفكير في ذلك".

إعلان

وكانت إحدى المرات الأولى التي طرح فيها ترامب فكرة تمديد رئاسته لما بعد ولايته الثانية أثناء حملته عام 2020، حين قال "سنفوز في نيفادا وسنفوز بأربع سنوات أخرى في البيت الأبيض. وبعد ذلك سنتفاوض. أليس كذلك؟ لأنه من المرجح بناءً على الطريقة التي عوملنا بها أن يكون لنا الحق في أربع سنوات أخرى بعد ذلك".

في مقابلة مع مجلة تايم في أبريل/نيسان 2024، رفض ترامب فكرة الطعن في التعديل الثاني والعشرين، وقال "سأخدم لفترة واحدة، وسأؤدي عملا رائعا. ثم أغادر"، لكنه في مايو/أيار الماضي قال "كما تعلمون، روزفلت أمضى 16 عاما. أمضى أربع فترات. لا أعلم هل سنعتبر ثلاث فترات أم فترتين؟".

وقال ترامب في مجلس النواب في فلوريدا "جمعت الكثير من المال للانتخابات القادمة، وأفترض أنني لا أستطيع استخدامه لنفسي، لكنني لست متأكدا تماما، أعتقد أنه لا يسمح لي بالترشح مرة أخرى. هل يسمح لي بالترشح مرة أخرى يا مايك؟" وأشار إلى رئيس مجلس النواب مايك جونسون، قبل أن يقول "من الأفضل ألا أشركك في هذا الجدل".

وقد صرح ترامب لشبكة "إن بي سي" يوم 30 مارس/آذار قائلا "هناك طرق يمكنك من خلالها تحقيق ذلك"، وقد حددت مجلة بوليتيكو مؤخرا أربع طرق يمكن لترامب من خلالها "انتزاع ولاية ثالثة على الرغم من التعديل الثاني والعشرين للدستور"، ولخصتها على أنها، تغيير الدستور أو تجاوزه أو تجاهله أو تحديه.

وأقرّت المدعية العامة لترامب بام بوندي بأن ولاية ترامب الثالثة ستتطلب تغيير الدستور، وبالفعل قدم النائب الجمهوري آندي أوغلز قرارا مشتركا لمحاولة إطلاق تعديل الدستور بحيث يكون "لا ينتخب أي شخص لمنصب الرئيس أكثر من ثلاث مرات، ولا ينتخب لأي ولاية إضافية بعد انتخابه فترتين متتاليتين".

ولكن رغم امتلاك الجمهوريين الأغلبية في كل من مجلس النواب والشيوخ، فإن تعديل الدستور -حسب الصحيفة- يتطلب عتبة أعلى بكثير من إقرار مشاريع القوانين العادية، لأنه يتطلب موافقة ثلثي المجلسين، ثم تصديق ثلاثة أرباع الولايات.

إعلان حظوظ ضئيلة

ويقول الباحث الدستوري إروين تشيميرينسكي إنه "من المستحيل" أن يلبي هذا التعديل هذه العتبات وحتى مع تجاهل المعارضة السياسية، ويقول ديفيد شولتز أستاذ العلوم السياسية والدراسات القانونية "إن الجوانب اللوجستية والسياسية لهذا الأمر تجعله شبه مستحيل".

نائب الرئيس جيه دي فانس (يمين) يطرح فكرة أن السلطة التنفيذية يجب أن تتجاهل السلطة القضائية (رويترز)

أما تجاوز الدستور باستغلال ثغرة غير ملحوظة مثل تولي ترامب الرئاسة من منصب نائب الرئيس، فقد يعوقه التعديل الثاني عشر للدستور الذي ينص على أنه "لا يجوز لأي شخص غير مؤهل دستوريا لمنصب الرئيس أن يكون مؤهلا لمنصب نائب الرئيس".

وتساءلت المجلة كيف يُمكن لترامب تجاهل الدستور أو تحديه؟ لترد بأن المحكمة العليا التي عليها إيقافه، يمكن أن تصدر حكما لصالح ترامب، بتفسير التعديل الثاني والعشرين بحيث ينطبق فقط على فترات متتالية، أو بالقبول بثغرة صعود نائب الرئيس من خلال تجاهل مخاوف التعديل الثاني عشر، أو غير ذلك.

ولكن لورانس ترايب، الأستاذ الفخري للقانون الدستوري بجامعة هارفارد استبعد هذا الاحتمال، قائلا "المحكمة مؤيدة لترامب بشدة، لكنها ليست مجنونة"، إلا أن مايكل كلارمان، أستاذ التاريخ القانوني بجامعة هارفارد يرى أن "الحجج الضعيفة قد تفوز في المحكمة العليا عندما يرغب أحدهم في فوزها بشدة".

ورأت المجلة أن هناك احتمالا أن يرفض ترامب ببساطة ترك منصبه في عام 2029، بغض النظر عن الدستور والمحاكم، وقد طرح نائب الرئيس جيه دي فانس فكرة أن السلطة التنفيذية يجب أن تتجاهل السلطة القضائية، وإن كان ذلك يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات.

وسيتطلب هذا المسار دعما شعبيا كبيرا، يستبعد خبراء قانونيون أن يتمكن ترامب من الحفاظ عليه، خاصة أنه سيكون ابن 82 عاما بحلول عام 2029، مما يعني أن احتمال بقائه في منصبه لأكثر من 8 سنوات ضئيلا.

إعلان

مقالات مشابهة

  • رغم حظر الدستور.. ترامب: لا أمزح بشأن الترشح لـ«ولاية ثالثة»
  • ثغرة دستورية تفسح المجال لبقاء ترامب في السلطة حتى عام 2037
  • إليكم ما يجب معرفته عن تلميحات ترامب لتوليه ولاية ثالثة
  • ترامب: لا أمزح بشأن ولايتي الثالثة
  • من بينها ثغرة.. ترامب لديه 4 طرق إلى "الولاية الثالثة"
  • وول ستريت جورنال: المشهد السياسي الفرنسي قد يشهد تحولا زلزاليا
  • إعلام: ثغرة دستورية تمنح ترامب إمكانية البقاء في السلطة حتى عام 2037
  • ترامب قد يبقى رئيسًا حتى عام 2037 بسبب ثغرة في الدستور
  • أوروبا في مواجهة التحولات الاقتصادية العالمية .. تحديات جديدة وأفق من التعاون
  • فضيحة جديدة في إدارة ترامب: وزير الدفاع يصطحب زوجته إلى اجتماعات عسكرية سرية