سرايا - أصدر الرئيس السوري المخلوع بشار الأسد بياناً هذا الأسبوع، أصر فيه على أن هروبه من سوريا لم يكن مخططاً له مسبقاً، بل كان إجلاءً طارئاً رتبته موسكو.

ولكن كيفية مغادرة الرئيس السوري من البلاد لا يشكل أهمية كبيرة بقدر ما يشكل وحشية حكمه بحسب تقرير لـ "الفينشيال تايمز".

وما يريدة مئات الآلاف من عائلات القتلى والمختفين والمسجونين والمغتصبين والمعذبين على يد نظامه هو تقديم الأسد ومعاونيه إلى العدالة لمحاسبته على حصيلة مروعة من الفظائع التي ارتكبت على مدى عقود من الزمن.



ومن بين أكثر مقاطع الفيديو والروايات إيلاماً منذ الإطاحة بالأسد، تلك التي تصور سجناء هزيلي البنية يتم إطلاق سراحهم من سجن صيدنايا سيئ السمعة وغيره من السجون. وقد تجولت العائلات بين زنزانات السجن وفتشت الملفات والصور بحثاً عن أي أثر لأحبائهم.

وبحسب تقرير "الفينشيال تايمز" ، فإن السوريين يستحقون العدالة والتعقيد الرئيسي للجهود الرامية إلى محاسبة الأسد وعائلته وأتباعه هو أن العديد منهم فروا بالفعل.

وتشير التقارير إلى أن بعض كبار الجنرالات والمسؤولين فروا، أو اختبأوا في مدنهم الأصلية.

وأوضح التقرير أن الأولوية المباشرة يجب أن تكون تأمين الأدلة التي يمكن استخدامها لبناء القضايا ضدهم بشأن الفظائع التي ارتكبت خلال حكم عائلة الأسد الذي دام أكثر من 50 عامًا.

وجمعت لجنة العدالة والمساءلة الدولية، وهي هيئة غير حكومية، بالفعل 1.1 مليون وثيقة داخلية وشهادة من آلاف الضحايا، لاستخدامها في المحاكمات المستقبلية.

كما قامت الآلية الدولية المحايدة والمستقلة، وهي هيئة شبه قضائية أنشأتها الأمم المتحدة في عام 2016، بجمع الأدلة أيضًا. لكن القيادة المؤقتة في سوريا، التي تعهدت بتقديم مرتكبي الفظائع إلى العدالة، تحتاج بشكل عاجل إلى إنشاء هيئة مستقلة لحماية المسار الوثائقي الذي خلفته بيروقراطية الأسد القاتلة.

والقضية التالية هي أين يمكن سماع هذه الأدلة؟
سوريا ليست عضوًا في المحكمة الجنائية الدولية، ومن المرجح أن تستخدم روسيا والصين حق النقض ضد أي قرار لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لمنح المحكمة الاختصاص. وإن البديل هو الاتفاق مع الأمم المتحدة على إنشاء محكمة خاصة، مماثلة لتلك التي تم إنشاؤها في سيراليون أو كوسوفو، وتعمل بموجب القانون الدولي.


الهدف محاكمة الأسد..ألمانيا تفضح بالأدلة معتقلات النظام
ويمكن أن تتم المحاكمات بموجب القانون المحلي، ولكن يتعين على القادة الجدد في سوريا أن يظهروا احترامهم لسيادة القانون وتشكيل إدارة شاملة وتمثيلية.. وحتى في هذه الحالة قد يفتقر نظام العدالة السوري إلى القدرة والمصداقية اللازمة للنظر في مثل هذه القضايا بحسب التقرير.

محكمة دولية مدعومة بعملية العدالة الانتقالية
وقد يكون أحد السيناريوهات بالنسبة لسوريا محكمة دولية مدعومة بعملية العدالة الانتقالية ــ على غرار الأمثلة في جنوب إفريقيا وتشيلي ورواندا ــ والتي تجمع بين القضايا القضائية والتدابير غير القضائية مثل لجان الحقيقة التي تهدف إلى تعزيز الشفاء المجتمعي.

وحتى لو أمكن إنشاء عملية كهذه، فهل يمكن تقديم الأسد نفسه للمحاكمة؟

بحسب التقرير يبدو من غير المرجح الآن أن يتعاون فلاديمير بوتين، الذي يخضع هو نفسه لمذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية بتهمة ارتكاب جرائم حرب مزعومة في أوكرانيا، في تسليم زعيم آخر إلى العدالة الدولية. ولكن الأسد قد ينتهي به المطاف في مكان آخر.

وفي نهاية المطاف، ينبغي للسوريين أن يختاروا النموذج الأكثر ملاءمة للسعي إلى الإنصاف القانوني.

ويشير التقرير إلى مهام أكثر إلحاحاً، بما في ذلك إطعام شعب فقير واستقرار الحكومة وهو أمر بعيد كل البعد عن المضمون. ومع ذلك، قد يكون بعض الوعد الواقعي بالعدالة لجرائم عهد الأسد أمراً حيوياً للبدء في بناء سيادة القانون.

وتشير الخبرة في أماكن أخرى إلى أنه كلما تأخرت المساءلة القانونية عن الفظائع، استغرق المجتمع وقتاً أطول للتصالح مع ما حدث. ولابد وأن يكون تقديم زعماء النظام السابق وشركائه إلى المحاكمة جزءاً أساسياً من صحوة سوريا من كابوسها الوطني الطويل.

إقرأ أيضاً : الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية "اغتيال" كيريلوفإقرأ أيضاً : من "قمة جبل الشيخ" .. نتنياهو: سنبقى هنا إلى أن نضمن أمن "إسرائيل"إقرأ أيضاً : النمسا تطالب باستراتيجية أوروبية لإعادة اللاجئين السوريين



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #روسيا#جرائم#ألمانيا#النمسا#سوريا#الحكومة#أمن#الشفاء#جبل#أوكرانيا#بوتين#الرئيس#موسكو



طباعة المشاهدات: 1512  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 18-12-2024 10:38 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
أسوء قائد عسكري بالتاريخ .. خسر 700 ألف جندي بأشهر بسبب خططه سائق أجرة يعيد 8 ملايين جنيه لصاحبها ويرفض المكافأة في مصر أوليفيا بينسون: أغنى قطة في العالم بثروة تفوق الملايين "عيون الثعبان" خطر يهدد مستخدمي "ميزوثيرابي" "ملازم في المخابرات الجوية" .. الكشف عن... الأرصاد لـ "سرايا": حالة عدم استقرار جوي... رسالة الأسد للشعب السوري .. لماذا لم يستطع مُواصلة... المسعفون الأتراك أنهوا عمليات البحث في سجن صيدنايا الحكم بالإعدام على فتاة قتلت والدها بعيار ناري... الأمن الروسي يعلن اعتقال منفذ عملية...من "قمة جبل الشيخ" .. نتنياهو: سنبقى هنا...النمسا تطالب باستراتيجية أوروبية لإعادة اللاجئين...شكوى ضدّ الحكومة الأميركية بسبب المساعدة العسكرية...اشتعال النار في مستشفى كمال عدوان إثر استهداف...عميد سوري منشق يكشف تفاصيل منع ضباط الأسد من الصلاة...اشتباكات واعتقالات .. ماذا يجري في الضفة؟تقدم في محادثات وقف إطلاق النار بغزة وسط مساع...مجلس الأمن يدعو لعملية سياسية "جامعة" في... مسلسل عن "صيدنايا" يجمع الفنانين السوريين... محكمة تطالب بحذف أغنية أديل "منذ مليون... بعد زلّة اللسان .. شيرين تعتذر عن حضور حفل تأبين... أسرار جديدة عن أحمد زكي تُكشف للمرة الأولى دانييلا رحمة تكشف تفاصيل خاصة عن زواجها من ناصيف زيتون هل حصل فينيسيوس على جائزة الأفضل بـ"الدموع" ؟ الأسطورة يكشف المفاجأة: صلاح "أمسك القلم" .. بهدوء الأسطورة يكشف المفاجأة: صلاح "أمسك القلم" .. بهدوء بسبب زوجته .. لاعب كرة سلة شهير ينهي حياته في ظروف مأساوية إصدار جدول مباريات ربع نهائي الكأس وفاة طفل خلال نومه في منزله .. والعائلة تهاجم مدرسته زلزال عنيف بقوة 7.4 يهز المحيط الهادي ويُسبب أضراراً جسيمة صدق أو لا .. تلوث الهواء يزيد مخاطر إصاباتك بجلطات الدم لم يرحم مرضها .. طفلة قتلها خالها في مصر لسبب غريب خامنئي: أميركا والصهاينة مخطئان باعتقادهما أنّ المقاومة ستنتهي بعد 32 عامًا .. اعتقال مسن متورط بعملية قتل ظلت تفاصيلها غامضة لعقود الإمارات .. السجن المؤبد وغرامة 500 ألف درهم لدليفيري "مخدرات" "أحرقتهم وعدت للنوم" .. اعتراف صادم لجزائري قتل أبناءه الـ 4 صدمة في مصر .. رجل يقطع أذن محاميه داخل المحكمة! شاهد ما يشبه انفجار قنبلة ذرية في جزيرة بمساحة قطاع غزة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: الرئيس سوريا الرئيس روسيا سوريا الشفاء جرائم الحكومة سوريا روسيا جرائم ألمانيا النمسا سوريا الحكومة أمن الشفاء جبل أوكرانيا بوتين الرئيس موسكو

إقرأ أيضاً:

سوريا الأسد: ألف ويلة وويلة

إن حكاية "التاجر والعفريت" حكاية عجيبة من حكايات ألف ليلة وليلة، وهي تماثل ما كان يجري في عصر "ألف ويلة وويلة"، عهد الأسدين، الأب والابن وفرع القدس، أو فرع فلسطين، تقول الحكاية: قالت شهرزاد: بلغني أيها الملك السعيد، أنه كان تاجر من التجار كثير المال والمعاملات في البلاد، قد ركب يوما، وخرج يطالب في بعض البلاد، فاشتَدَّ عليه الحر، فجلس تحت شجرة وحطَّ يده في خُرجه، وأكل كسرة كانت معه وتمرة، فلما فرغ من أكل التمرة رمى النواة، وإذا هو بعفريت طويل القامة وبيده سيف، دنا من ذلك التاجر، وقال له: قُمْ حتى أقتلك مثلما قتلتَ ولدي. فقال له التاجر: كيف قتلتُ ولدَك؟ قال له: لما أكلتَ التمرة ورميتَ نواتها، جاءت النواة في صدر ولدي فقُضِي عليه ومات من ساعته. وتتمة الحكاية مشهورة ويمكن الرجوع إليها لن يريد، وملخصها أن التاجر يستأذن العفريت في أداء ديونه ووداع أهله فيمهله بعد أخذ المواثيق عليه، ويعود، فيجد شيوخا ثلاثة يعرفون بحكايته، ويروي كل واحد منهم قصته العجيبة للعفريت شرط أن يهبه ثلث دمه، لكن عفريتنا حافظ الأسد والعفريت الابن لم يكونا يحبّان الحكايات، بل كانا من صناع الحكايات المروعة الماسخة.

يتعجب التاجر من أمر قتله ابن الجني، عجبَ أحد مهندسي شركة "المشاور" الفنلندية العاملة في محطة توليد الطاقة الكهربائية التي عمل فيها كاتب هذه السطور، وذلك أنَّ مديرنا في الشركة طلب طلبا غريبا من أحد مهندسي الشركة المشاورة، وهي شركة فنلندية وسيطة بين الفريقين المتعاقدين؛ الفريق الأول السوري، والفريق الثاني الياباني، وكان أحد شروط العقد أن يكون بينهما وسيط مشاور للرجوع إليه في أمور العقد المختلف عليها. التمس المدير السوري من الوسيط المشاور أن يكلف عمال الشركة السورية بـأعمال حفر وتسجيل قراءات وهمية، ومراقبة آلات تراقب نفسها، أي تكليف السوريين بأعمال سخرة لا معنى لها، إشغالا لهم عن بعضهم البعض، فتعجب المهندس الفنلندي وقهقه ضاحكا عندما أدرك غاية المدير العجيبة، وتعجب عجبا يشبه عجب التاجر آكل التمرة وقاذف نواتها التي قتلت ابن الجني، وأبى وقال: افعل أنت ذلك، هذا ليس من شأني!

لم يكن العفريت السوري يتعزى بالحكايات مثل عفريت حكاية ألف ليلة وليلة الثاكل، لكن طريقته في الاعتقال والتهمة تشبه هذه الطريقة، وهي تهمة القتل بنواة تمرة طائشة في صحراء خالية
انتشرت لوحات من مرايا وبقعة ضوء تروي حكايات أمراء فروع أمن يعاقبون عناصرهم (والعناصر لفظ يشمل المجندين والمخبرين) بتفريغ بركة السباحة في فيلا رئيس الفرع من الماء بملعقة الطعام، أو أكل البصل بقشره، أو حفر بئر ماء بإبرة، أو دفع حائط وإزاحته عن مكانه، وكأنه حائط من فلين على عجلات، أمر يشبه تكليف مديرنا عمال الشركة بالتنقيب عن معدن الجلجليوم، أو يشبه لبوث عفاريت النبي سليمان في العذاب المهين.

لم يكن العفريت السوري -وهو كناية عن السجان والمحقق وفرع الأمن-يحبُّ سماع الحكايات، فهو صانعها، ولم يكن ثمة تمر في سوريا، ولا راحة لمسافر أو مقيم، وقد شحَّ التمر منذ تولي الأسد زمام السلطة والحكم في سوريا، فانقطع وروده من العراق والخليج، وغلا سعره، وشرف كثيرا، فبتنا لا نراه سوى في رمضان، ربما كان العفريت السوري في بعض الأحوال يقبل الفدية، إن كان المتهم بريئا، خالص البراءة.

لم يكن العفريت السوري يتعزى بالحكايات مثل عفريت حكاية ألف ليلة وليلة الثاكل، لكن طريقته في الاعتقال والتهمة تشبه هذه الطريقة، وهي تهمة القتل بنواة تمرة طائشة في صحراء خالية، بل إن كاتب السطور وجد نفسه في مأساة "نووية" -نسبة إلى نواة التمرة- عندما كان واقفا على الطريق في مدينة سورية نائية وفقيرة اسمها القامشلي، فمرت به سيارة حديثة فاخرة، لم يرَ مثلها في البلاد، فجحظت عيناه من شدة العجب، فلحظ السائق عجبه من وراء زجاجها المضبب بغشاوة ساترة، وكان عجبه ممزوجا بالإنكار والاحتقار، فنزل السائق وهو يحمل سلاحه مهددا، وقال: "على ايش عم تتطلع اولاه"؟ فأيقن بالهلاك، وجفَّ ريقه من الخوف، والتصق لسانه بحلقه، لولا أن تداركته رحمة ربه فقال: مبارك عليكم السيارة الغريبة الحلوة.

وله واقعة أخرى عجيبة، وهي أنه كان في عمله، في يوم عطلة، والشركة هي شركة إنتاج كهرباء، وهي لا تُعطل في أيام الأعياد والعطل الرسمية، فوجد الحرس يستدعيه من أجل حل مشكلة رجل يدعي أنه من حرس الشرف الرئاسي، ويريد مقابلة المدير بحثا عن عمل، وظهر له أنَّ الرجل قد فقد عقله، وكان يبرز صورة له وهو في زي الحرس الرئاسي، فتخلص صاحب السطور منه بأن تصدق عليه ببعض المال كي ينصرف ويكفَّ عن الإلحاح، فوجد كاتب السطور نفسه في اليوم التالي مدعوا إلى التحقيق في فرع أمن الدولة، لأنه أحسن إلى رجل مشبوه ومطرود، أمر يشبه قذف نواة تمرة على ابن العفريت وقتله بها!

روى لي أحد معارفي المحررين من قماقم الأسد، وكان قد قضى في السجن 12 سنة، بتهمة متابعة قنوات فضائية مغرضة مثل الجزيرة والعربية، وكان ينقل الأدوية للجرحى، وظن أنهم عرفوا بأمره، لكنه اعتقل بتهمة أخرى، وهي التهمة المذكورة، فرجال الأمن والمخابرات من هواة الصيد، وطرائدهم هي البشر، والاعتقال مهنة و"بيزنس"، واستفداء وديّات، ولعلهم يريدون أمرا آخر غير التربح، وهو الترعيب والترهيب.

السوريون لم يكن لهم عقد اجتماعي أو سياسي ظاهر مع النظام الحاكم، وإنَّ أكثر ما شكا منه السوري هو جهله بالحرام والحلال السوريين، ولم يكن يميّز الخط الأبيض من الخيط الأسود من ظلام البعث، ولو عرفه السوري لنجا أو تحرز منه
وكان من المحررين من سجون النظام الساقط رجل اعتقل على حاجز لأنه من قرية أبو الظهور، وهي منطقة طيران عسكري، فاتهموه بسرقة طائرة وإخفائها في البستان وسط الأشجار بعد جرِّها بجرّار زراعي! واعتقل آخر بتهمة سرقة دبابة، وثالث بتهمة سرقة كابلات ألياف ضوئية، مع أن استخراجها من جوف الأرض بغرض بيعها يكلف السارق أكثر من أرباح البيع، وقد اعتقلت أسر بأكملها نساء وأطفالا وشيوخا كرهائن، للمبادلات مع أسرى الجيش الحر.

لم أقرأ عن تعذيب أطفال أو اغتصابهم في السجون النازية أو محاكم التفتيش الإسبانية في الأندلس، ولم أرها في الأفلام التي تقبّح النازية تقبيحا شديدا، لكنها شائعة في سجون الأسد. ومن المعروف أنّ الصبية طل الملوحي اعتقلت دون سن البلوغ العالمي، لإرسالها رسالة مفتوحة على صفحتها إلى الرئيس الأمريكي، فهي لا تعرف عنوان أوباما، وأوباما لا يقرأ بالعربية، وخرجت مع المحررين بعد 14 سنة. أما تهمة الاعتقال بتحفيظ القرآن، فهي تهمة معقولة ومفهومة، وليست تهمة خيالية. وأعرف شخصين عادا من السعودية بعد غياب طويل، وخطر لأحدهما أن يرفع شاخصة على الطريق من حمص إلى دمشق فيها دعوة للمسافرين بذكر الله، كتب عليها: لا تنسَ ذكر الله، فاعتقلا، وهي تهمة سببها الجهل بالقوانين الخفية للحكم. فالسوريون لم يكن لهم عقد اجتماعي أو سياسي ظاهر مع النظام الحاكم، وإنَّ أكثر ما شكا منه السوري هو جهله بالحرام والحلال السوريين، ولم يكن يميّز الخط الأبيض من الخيط الأسود من ظلام البعث، ولو عرفه السوري لنجا أو تحرز منه.

كانت فروع الأمن والحواجز شبكات صيد، وكانت سوريا بركة، تعكر ماؤها بالقوانين غير المعلومة، كما تعكر بركة المياه الراكدة حتى يضطرب السمك ويسهل صيده، والسمك هو الشعب.

ومن قصص الاعتقالات الغريبة، التي تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، أنَّ شابين يعملان في مكتبة، اعتقلا لأنهما طبّعا وعرضا للبيع خريطة عليها مواقع أثرية، تسهيلا للسائحين الأجانب، ولم يكونا يعلمان أنهما يحركان مياه التاريخ الراكدة، والتاريخ عدو الطغاة، فالطغاة يخافون الذكريات. وروى أحدهما لي بعد أن خرج أنَّ القاضي قضى على أحدهما -واقفا في ممر المعتقل، وليس في محكمة- بثلاث سنوات، والآخر بخمس، تضليلا وتمويها، وقال مبررا لهما عدم المساواة والعدل بينهما: حتى نجعل الناس محتارين في القوانين، ومدد العقوبات.

وكان ذكر اسم الدولار-عملة أمريكا العدو في الأدبيات السياسية- تهمة، فهي عملة قوة، فكان الناس يسمون الدولار "الشو اسمو"، مثل تكنية مرض السرطان، وقد اعتقل كثيرون لذكره، أو لحمل قطعة نقدية تعادل مائة دولار، فانتهوا وراء الشمس، في الثقب الأسود.

ومن ظرف بعض رجال الأمن أن فرعا أمنيا احتجز رجلا استلم حوالة قدرها مائة دولار، وهو من الغوطة، فحقق معه مدة 140 يوما، وعرض عليه المحقق ثلاث تهم (كما في برامج المسابقات؛ الانضمام لجماعة مسلحة، تمويل الإرهاب، القتل والقصف)، ورقَّ له الضابط ونصحه باختيار تهمة التمويل، فحكم عليه بما حكم، وهو السجن والنسيان.

وروى أحد المحررين أن رجلا أعمى اعتقل بتهمة قناص، أما أعداد المسيحيين المتهمين بالانتساب إلى جماعة الإخوان المسلمين فهي غير قليلة، وأحدهم هو من شخصيات رواية القوقعة، وهي رواية تسجيلية. واعتقل شاب لأنه خاطب صاحبه مازحا: يا كبير، وهما يمران بجانب الحاجز، واعتقل آخران لأنهما تصورا صورة بجانب الحاجز، فالحاجز أمن قومي، وعورة.

روت محامية أنها رأت وهي مسافرة إلى روسيا شبابا من سوريا هيئاتهم حسنة، وصحتهم جيدة، على الخطوط الجوية الروسية، واستطاع أحدهم أن يهمس لها طالبا منها إخبار أهله، أنهم معتقلون مخطوفون من أجل سرقة أعضائهم، وهذا يعني أنّ مقابرنا الجماعية المكتشفة، والمستترة، لا تضم رفات كل المفقودين، فثمة قبور بجانب الحواجز، وهي بالآلاف، وثمة قبور خارج البلاد، وثمة أجداث في بطون الأسماك.

وهناك قصة مشهورة عن أم حموية، خُيّرت أن تختار واحدا من أبنائها السبعة، وهذه القصة تظهر أنَّ الطغاة يميلون إلى الفكاهة السوداء والتسلية الدامية. وروى لي أحد معارفي قصة من الثمانينيات، عقب مجازر حلب في حي المشارقة، أنهم قتلوا عضوا من الإخوان المسلمين، وجمعوا أهل الحي وأمروهم أن يمروا به ويبصقوا عليه، وإنّ أحد هؤلاء وقف أمام الجثة، ولهول الموت وهيبته، وقسوة القتل، جفَّ ريقه، فلم يستطع أن يبصق، فاعتقل مدة 12 سنة. أما صديقي الرسام حسن إدلبي، فروى لي أنّ توأمه حسين خرج في أوائل الثمانينيات منتعلا خفا رياضيا، فاعتقله حاجز، وخرج بعد عدة أشهر لشجاعة أمه، ورشى أغدقوها على ضابط رفيع الشأن، وإلا كان ضاع في تدمر.

قصة نواة التمر هي قصة أقدار أيضا، فالمرء لا يدرك ما تخبئه له الأقدار، وهذه أخبار جمعتها من غير جهد كبير، ولو أنى أنشأت صفحة وصبرت عليها، لجمعت أخبارا، وعملت مصنفا
وعلمت من الأخبار التي رواها لي صديق أنَّ قريبا له، كان يخدم العلم (وهي تسمية رسمية للخدمة العسكرية، والخدمة سنتان أو أكثر من الذل والجوع)، اعتقل هو وسبعة من زملائه، وكانوا جميعا من المدللين والمحظيين، وهم من أبناء كبار القوم، ولم يعرف أحد سبب اعتقالهم إلا بعد أربعة أشهر من التعذيب. وعلم صاحبنا أنَّ سبب الاعتقال، هو أنّ أحدهم وشى بهم، وكان بلغهم نبأ موت ناعسة أم الرئيس، فقال محتجا، وكان قد حصل على إجازة، ألغيت بموتها: ما عرفت تموت إلا بإجازتي! والوحيد الذي خُفف عنه العذاب، هو الذي روى القصة، وكان أقلهم عذابا لأنه لام صاحب الإجازة على قوله ونَهَره ووبخه. وقرأت في نشرة كلنا شركاء أنّ كاتبا اعتقل مدة ستة أشهر لأنه كتب قصة رمزية عن كلاب تعض البشر، فسرها الأمن بأدوات التحليل النقدي، أنه يقصدهم بها.

قصة نواة التمر هي قصة أقدار أيضا، فالمرء لا يدرك ما تخبئه له الأقدار، وهذه أخبار جمعتها من غير جهد كبير، ولو أنى أنشأت صفحة وصبرت عليها، لجمعت أخبارا، وعملت مصنفا، كمصنف "المستطرف في كل أمر مستظرف" للأبشيهي، يكون عنوانه: المستبشع في كل فنٍّ مستفظع.

وأختم بخبر من تجاربي وخبراتي، أني عندما زرت البحر أول مرة، حيث يكثر العلويون، فوجدت خليجيا سائحا يريد أن يشتري بعض اللحم المشوي، فأبى البائع، وقد عرفه من زيه ولهجته، أن يبيعه، لأنه من الخليج وطرده من محله قائلا: أنتم رجعيون وأذناب الإمبريالية، فتعجب الخليجي السائح، وتقهقر وهو يدمدم غضبا وحنقا وغيظا، وهممت بأن أعتذر للسائح الخليجي عنه، وعن السوريين، لكني جبنت وخشيت أن يكون مخبرا متنكرا.

ثمة حديث نبوي يقول: ادرؤوا الحدود بالشبهات، أما القاعدة القانونية والأمنية السورية البعثية الأسدية فكانت: أقيموا الحدود بالشبهات. والعمل بنقيض الآية: "وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ"، وتقول شهادة للقاضي الشرعي محمود معراوي إن الآية تليت على بشار الأسد، فقال: بل سأزر.

يمكن أن نقول بعد زوال الغمّة، وتحرر هذه الأمة، ونحن نروي قصصا شبيهة بالقصص الخيالية في ألف ليلة وليلة: إنّ الجني السوري خرج من قمقم لبث فيه نحوا من نصف قرن، فأبشروا بالخير تجدوه.

x.com/OmarImaromar

مقالات مشابهة

  • كركوكي: حق تقرير المصير للكورد شرعي وفق الاتفاقيات الدولية
  • أول وفد روسي منذ سقوط الأسد.. الشرع يلتقي بوغدانوف في دمشق
  • في عهد الأسد.. لجنة التحقيق الدولية تكشف عن جرائم ضد الإنسانية في سوريا
  • أول وفد من روسيا منذ سقوط الأسد يصل سوريا وهذه أبرز التطورات
  • انتهاكًا للشرعية الدولية.. مجلس رؤساء محاكم الاستئناف يدين تهجير الفلسطينيين
  • عمر أبو نبوت للجزيرة نت: مذكرة التوقيف ضد الأسد تتويج نحو العدالة لكل السوريين
  • تحت الأرض في رمضان.. شركة كلاكيت تعود للتصوير بسوريا بعد رحيل بشار الأسد
  • سوريا الأسد: ألف ويلة وويلة
  • رئيس «الدستورية»: نسعى لإنشاء منصة رقمية للتواصل خاصة بالقضاء الأفريقي
  • تحديات تطبيق العدالة الانتقالية في سوريا