خلال العقود الخمسة من حكم عائلة الأسد، فر فنانون وغيرهم من ذوي التوجهات الثقافية من البلاد، سواء لتجنب القمع أو لمجرد عدم القدرة على التحدث بحرية في بلدهم، وانتهى الأمر بالعديد منهم في بلدان مختلفة حول العالم.

 وتمثل بعض صالات العرض الفنية، مثل "معرض أيام" الذي يتخذ من دبي مقراً له (ويمتلك أيضاً فروعاً في لندن وجدة وبيروت)، والذي تأسس في سوريا عام 2006، عدداً من الفنانين السوريين، وكثيراً ما اضطر هؤلاء الفنانون إلى اللجوء إلى رسائل مشفرة للتعبير عن أنفسهم بشأن الوضع في وطنهم، وخاصة إذا كان لديهم أقارب هناك قد يكونون عرضة للانتقام.




ويستعرض موقع "آرت نيوز"، بعضاً من قصص ورؤى وتصورات فنانين سوريين لمستقبل ما بعد الأسد.


رشوان عبد الباقي

وصل الفنان السوري رشوان عبد الباقي إلى الولايات المتحدة بتأشيرة مقدمة من صندوق حماية الفنانين التابع لمعهد التعليم الدولي، قبل تولي ترامب منصبه لفترة ولايته الأولى، وتخرج عام 2007 من كلية الفنون الجميلة في دمشق، وعرض أعماله في متحف كوينز في نيويورك وجامعة جورج ماسون في فيرفاكس بولاية فرجينيا، من بين أماكن أخرى.
و يشكل الخوف موضوعاً رئيسياً في أعماله، فهو غالباً ما يرسم شخصيات بعين واحدة مفتوحة كاستعارة لعدم القدرة على النوم بسلام.

 وهو أيضاً فنان مناظر طبيعية ظهرت أعماله في برامج تلفزيونية مثل American Horror Story وSeverance.  وقال في رسالة بالبريد الإلكتروني: "لقد كان لنظام الأسد تأثير عميق على جميع الفنانين في سوريا، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، لقد خلق بيئة من الرقابة والخوف والقمع، مما حد من الحرية الإبداعية والتعبير، لقد فرض النظام سيطرة صارمة على الإنتاج الفني، وروج للفن المعتمد من الدولة والذي يتماشى مع أجندته الإيديولوجية والسياسية، بينما خنق أي شيء يتحدى أو ينتقد الحكومة، شخصياً، في ظل هذه الظروف، قررت مغادرة البلاد منذ 12 عاماً ولم أرَ عائلتي منذ 8 سنوات ولكنني سأذهب لزيارتها قريباً، في الوقت الحالي، أنا هنا وسأفعل أي شيء مطلوب لمساعدة شعبي هناك، ولجعل صوتهم مسموعاً، الخوف لم يعد موجوداً، وسيأتي هذا بثماره".


ديانا الحديد

غادرت هذه الفنانة عائلتها لسبب بسيط وهو رؤية فرص أكبر، وهاجرت إلى ضواحي كليفلاند بولاية أوهايو، وعلى الرغم من جمال سوريا وشعبها وثقافتها وطعامها، قالت إنها تدرك الآن مدى بصيرة والدها في الهروب من الحياة القاسية هناك.
ومنذ حصولها على درجة البكالوريوس في الفنون الجميلة من جامعة ولاية كنت عام 2003 ودرجة الماجستير في الفنون الجميلة من جامعة فيرجينيا كومنولث عام 2005، شاركت في معارض رئيسية مثل معرض فرونت ترينيالي 2022، وبينالي الشارقة 2009، وبينالي شيكاغو للهندسة المعمارية 2023-24، وتظهر أعمالها، التي تشمل النحت والنقوش الجدارية والأعمال على الورق، في متاحف دولية بما في ذلك متحف ويتني للفن الأمريكي في نيويورك، ومتحف توليدو للفنون، والمتحف العربي للفن الحديث في الدوحة، قطر.

 وزارت الحديد مدينتها حلب عدة مرات، لكنها لم تعد إليها منذ اندلاع الحرب الأهلية، وكثيراً ما ظهرت الياسمين، الزهرة الوطنية لسوريا، في أعمالها، وهي تتمتع بعلاقة معقدة مع الحنين إلى الماضي، استناداً إلى علاقتها الخاصة بوطنها، وتتذكر أنها سافرت إلى سوريا عندما كانت في الثالثة عشرة من عمرها، حين سمعت عبارة "الجدران لها آذان"، وكان هناك خوف من أن تختفي، كما تقول.
وترى الحديد أن لا شيء أسوأ مما عاشته سوريا في ظل النظام البائد، وترى أن الخلاص والبناء ينتظر السوريين.


شيرين أتاسي

 تأسست مؤسسة أتاسي في دبي عام 2016 للنهوض بالمشهد الفني السوري، وهي مؤسسة عائلية.
اتخذت في البداية شكل معرض فني في حمص عام 1986 من قبل الأختين منى ومايلا أتاسي، اللتين أنشأتا لاحقاً معارض منفصلة في دمشق ودبي، وتشاركتا بعض البرامج، و تضم المؤسسة الآن مجموعة من أعمال القرنين العشرين والحادي والعشرين لأكثر من 90 فناناً سورياً.
وتستضيف معارض وإقامات فنية، وتتعاون مع منظمات غير ربحية أخرى، وتقرض المعارض، وتنشر مجلة إلكترونية، و تتولى شيرين أتاسي إدارة كل هذا، وتقول عما يجري:  "إنها حالة من النشوة في الوقت الحالي، هناك الكثير من السعادة، هذا الشيء الضخم قد رحل عنك، لكن لا يمكنك ألا تفكر في 160 ألف شخص تم اعتقالهم أو قتلهم ولكنك لا تستطيع حتى العثور على جثثهم، ما مدى الشر الذي يمكن أن تصل إليه؟ هناك الكثير لمعالجته".

وقالت أتاسي إنه فيما يتعلق بأي نوع من أنواع النظام البيئي الفني في سوريا، فهو "كسير، لا توجد متاحف للفن الحديث، ولا توجد منشورات جيدة، وحتى هواة الجمع قليلون ومتباعدون، لأن الناس بالكاد يستطيعون تلبية احتياجاتهم. تأسست أكاديمية الفنون الجميلة في عام 1961 وما زالوا يعملون على نفس المنهج. إنه أمر جنوني".
وفي خضم هذه اللحظة غير المؤكدة، أفادت بأن مجموعة واسعة من الناس لا يضيعون الوقت في وضع الخطط. "الكثير من الأصدقاء في المجتمع المدني والصحافة، الجميع يعودون، الجميع يشعر بأن هناك أملاً، هناك الكثير من التحديات، لكن الجميع يشعر بالمسؤولية عن إعادة البناء، و سيكون هذا عبئاً ثقيلاً، لا يمكن عكس السنوات الأربع والخمسين الماضية في يوم أو يومين، أو عام أو عامين أعتقد حقاً أن لدينا الكثير من القدرات، سواء في سوريا أو بين الأشخاص الذين غادروا، نحتاج فقط إلى فهم أن كل واحد منا لديه دور يلعبه، وعلينا إنجاز العمل".
أما بالنسبة لها، فهي لم تفتتح مؤسسة أتاسي في دمشق بعد، لكن جلسات العصف الذهني جارية فيما يتعلق بإمكانية وجود ممثل للمؤسسة هناك وربما تنظيم ورش عمل وما شابه ذلك.


خالد بركة

 فر الفنان خالد بركة المقيم في برلين من البلاد في عام 2011، بعد اندلاع الحرب الأهلية، وكان قد غادر البلاد للحصول على درجة الماجستير في الدنمارك، لكنه عاد إلى سوريا عندما اندلع الصراع، وبعد مشاركته في الاحتجاجات، لم يكن أمامه خيار سوى الفرار، وحصل لاحقاً على درجة الماجستير الثانية في Städelschule في فرانكفورت، وعرض أعماله في Künstlerhaus Stuttgart، وشنغهاي بينالي، وFrankfurter Kunstverein، وArtspace New Zealand، وBusan Biennale، وMKG Hamburg، من بين العديد من الأماكن الأخرى.

 ويقول بركة: "سأحتاج إلى 13 عاماً أخرى لأعرف كيف أشعر، شعرت وكأنني استيقظت من كابوس، وكابوس طويل جداً، لكنه حدث مثل الحلم، لثانية واحدة فقط، لقد فوجئنا جميعاً بحدوث ذلك، ومدى سرعته، وأنه لم يكن هناك قتال، ولا دماء، أعتقد أنني ما زلت في حالة انتشاء من الفكرة، إنها وتجعلني أعيش في واقع آخر".
ويضيف: "حتى لو ساءت الأمور، إذا كنت تعيش في نفس الحفرة لمدة 55 عامًا، فأنت ترحب بأي تغيير، لأنه من المأمول أن يؤدي إلى المزيد من التغيير، كانت لدينا جذور جافة متعفنة، وبعد اقتلاعها، تشعر وكأنه في يوم واحد أزهرت بالفعل، وأنا فخور بكوني سورياً ولم أعد لاجئاً بعد الآن، إن مسألة اللاجئين لها وصمة عار، الآن عدت إلى كوني فناناً سورياً، أو مجرد فنان."

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: سقوط الأسد حصاد 2024 الحرب في سوريا عودة ترامب عام على حرب غزة إيران وإسرائيل إسرائيل وحزب الله غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية سقوط الأسد الفنون الجمیلة الکثیر من فی سوریا

إقرأ أيضاً:

غارديان: لا تقيسوا مستقبل سوريا بخيبات الأمل من الثورات السابقة

حذر مقال رأي نشرته صحيفة غارديان البريطانية من تصور سيناريو سلبي لما ستؤول إليه الأوضاع في سوريا بعد الإطاحة بنظام الرئيس المخلوع بشار الأسد.

وقالت كاتبة العمود في الصحيفة نسرين مالك إن المشاهد التي اعتقد الناس أنهم لن يروها مرة أخرى قد حدثت بالفعل، فقد تدافعت جموع السوريين نحو الميادين، وتكشفت ثروات الطغاة الفاحشة واقتُحمت حصونهم وشوهت صورهم وتماثيلهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2لوموند: نشوة النصر لم تلملم جراح 13 عاما من القمع في غوطة دمشقlist 2 of 2نيويورك تايمز: الشيوخ الأميركي عرقل ترشيح أول قاض مسلم لمحكمة فدراليةend of list

وأضافت أن تلك المشاهد استثارت شعورا ربما يكون مألوفا وأحيانا مثيرا للشفقة ينطوي على احتمالات متباينة لما ستتمخض عنه الثورة الشعبية في سوريا من تغيير.

تفاؤل حذر

وأبدت كاتبة المقال تفاؤلا حذرا حين أشارت إلى أن صنوف القتل والتعذيب والاعتقال والنفي التي مارسها الأسد تجاه شعبه تجعل نهاية الثورة السورية الناجحة "حلوة ومرة" في آن معا، ولأن الثمن كان "باهظا جدا" فإن ذلك يجعل من المغانم المترتبة أعز وأثمن، على حد تعبيرها.

وأعادت إلى الذاكرة ثورات ما يسمى الربيع العربي التي حدثت في بعض دول المنطقة قبل 14 سنة، وقالت إن تلك الثورات إما تفككت أو أعادت الأنظمة الاستبدادية لتموضعها تحت إدارة جديدة.

ولذلك، فهي تعتقد أن "التفاؤل الجامح" الذي أعقب سقوط تلك المجموعة الأولى من الطغاة يخفف حدة الحذر مما سيأتي بعد ذلك، بل وينبغي أن يكون حذرا مثمرا لا مدعاة لليأس.

إعلان

وتشدد نسرين في مقالها على ضرورة أن تستفيد سوريا من دروس ثورات الربيع العربي من خلال فهم هشاشة المرحلة التي تمر بها.

واستعادت ما حدث في الثورات التي وقعت في دول الربيع العربي، مثل مصر والسودان، إذ كانت الأنظمة السابقة كامنة بعيدا بحيث تعذر اقتلاعها على الرغم من إزاحة رموزها.

وفي أماكن أخرى مثل اليمن حدث فراغ في السلطة، وكانت هناك جماعات مسلحة سعت إلى الاستيلاء على السلطة ثم استقطبت وكلاء لها أشعلوا فتيل الحرب الأهلية، وفق المقال.

مسرح لأطراف مختلفة

ومضت نسرين إلى القول إن الثورة السورية كانت مسرحا لطموحات أطراف مختلفة، فقد تحركت روسيا وإيران لدعم نظام بشار الأسد، وركزت الولايات المتحدة جهودها على محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، في حين حافظت تركيا على وجودها في شمال سوريا لمنع ظهور حركة كردية قابلة للحياة تطالب بالحكم الذاتي.

ووفقا لكاتبة العمود، فإن ثمة أمورا كثيرة يمكن أن تتكشف، مضيفة أن إسرائيل تستغل الوضع "الهش" لسرقة المزيد من الأراضي السورية.

وقالت إن أي حكومة جديدة تتشكل في دمشق سوف ترث تحديات لا تقتصر على إدارة بلد ممزق دمرته سنوات فحسب، بل أيضا إدارة المصالح المتضاربة للأطراف الأجنبية "المتشككة والمارقة" ومجموعات المقاتلين والأسلحة المدججين بها.

الحقائق الملموسة

وأشارت نسرين إلى أن منطق التحليل المجرد للسياسة الخارجية يشي بأن هناك حقائق ملموسة تتجلى في سقوط أحد أكثر الأنظمة وحشية في العالم، وإطلاق سراح عدد هائل من السجناء، والاحتفاء الشعبي ولمّ الشمل، وربما عودة ملايين اللاجئين السوريين الذين تعرضوا لسنوات من التمييز في المنافي أو لقوا حتفهم في معابر محفوفة بالمخاطر.

ومع ما تحقق من نجاح فإن نسرين تلفت إلى أن هناك هواجس من أن يسفر سقوط الأسد عن أجندات أميركية "إمبريالية" رغم أن الإطاحة به نبعت من رغبة في داخل سوريا وليس خارجها.

إعلان ضرورة تجاوز الخطابات السائدة

وتضمّن المقال تحذيرا أطلقه الباحث السوري المتخصص في الحركات الشعبية ياسر منيف من النظر إلى سوريا من خلال الموقع الذي تحتله في الخطابات السائدة، مشددا على ضرورة تجاوز الخطابات الاستشراقية من أجل فهم عمق المعارضة وجغرافيتها.

وأشار إلى أن دور الدين في المعارضة لا يعني بالضرورة أن يكون لهذه القوى "نوع من الأيديولوجية الشمولية".

وخلصت الكاتبة إلى أن التاريخ وعدد الأطراف الفاعلة في المنطقة يؤثران على سوريا، مما يفرز جهات تحاول السيطرة على المشهد ظنا منها أنها على دراية بوعورة المسار وتضاريسه ومنعطفاته.

ولذلك، فهي تؤكد أن "البوصلة" باتت الآن في أيدي السوريين الذين لا ينبغي أن تُكبت فرحتهم وتؤرق راحتهم في الحال بسبب ما قد ينتابهم من مخاوف بشأن ما سيأتي بعد.

وبالتالي -وفق نسرين- لا ينبغي أن يكون مستقبل السوريين رهينة خيبات أمل سابقة، ولا ينبغي إحباط ثورتهم الممتدة الفريدة بتأويل ما تخبئه من نذر.

مقالات مشابهة

  • الجولاني يتحدث عن مستقبل سوريا..ويطمئن إسرائيل
  • غارديان: لا تقيسوا مستقبل سوريا بخيبات الأمل من الثورات السابقة
  • الخارجية الروسية: مستقبل سوريا يجب أن يحدده السوريون بأنفسهم
  • الاتحاد الأوروبي: لا مكان لروسيا وإيران في مستقبل سوريا
  • روسيا: لا قرارات نهائية حول مستقبل قواعدنا في سوريا
  • نيويوركر: مستقبل سوريا التحدي الأكبر
  • كيف يؤثّر مصير سوريا على مستقبل اوروبا؟
  • سوريون بفرنسا يخشون فقدان صفة اللاجئ حالَ زاروا بلدهم
  • طلاب سوريون يعودون إلى مدارسهم بعد سقوط الأسد / فيديو