سرايا - دعا مجلس الأمن الدولي الثلاثاء، إلى تنفيذ عملية سياسية "جامعة ويقودها السوريون"، وذلك بعد مرور قرابة عشرة أيام على فرار الرئيس المخلوع بشار الأسد من سوريا، مشددا أيضا على وجوب تميكن الشعب السوري من أن "يحدّد مستقبله".

وفي بيان صدر بإجماع أعضائه الخمسة عشر ومن بينهم خصوصا روسيا، حليفة الأسد، والولايات المتحدة، ناشد المجلس سوريا وجيرانها الامتناع عن أيّة أعمال من شأنها أن تقوّض الأمن الإقليمي.



وقال المجلس في بيانه إنّ "هذه العملية السياسية ينبغي أن تلبّي التطلعات المشروعة لجميع السوريين، وأن تحميهم أجمعين، وأن تمكّنهم من أن يحدّدوا مستقبلهم بطريقة سلمية ومستقلة وديمقراطية".

وإذ شدّد أعضاء المجلس في بيانهم على "التزامهم القوي سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامة أراضيها، دعوا جميع الدول إلى احترام هذه المبادئ".

كما أكّد مجلس للأمن الدولي في بيانه "على ضرورة أن تمتنع سوريا وجيرانها بشكل متبادل عن أيّ عمل أو تدخّل من شأنه تقويض أمن بعضهم البعض".

وأصدر المجلس بيانه بعدما حذّر المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن خلال الجلسة نفسها من أنّه رغم الإطاحة بالأسد فإنّ "الصراع لم ينته بعد" في سوريا، في إشارة إلى المواجهات الدائرة في شمال هذا البلد بين فصائل مدعومة من تركيا ومقاتلين أكراد.

كذلك، دعا بيدرسن إسرائيل إلى "وقف جميع الأنشطة الاستيطانية في الجولان السوري المحتل"، مشيرا إلى أنّ رفع العقوبات المفروضة على سوريا أساسي لمساعدة هذا البلد.

وتحاول البلدان الغربية تحديد مقاربة للتعامل مع هيئة تحرير الشام، التنظيم الإسلامي الذي قاد بقية فصائل المعارضة في إطاحتها بالأسد والمدرج في الغرب على قائمة التنظيمات "الإرهابية".

وفي حين اجتمعت بعثات أجنبية عدة في دمشق مع السلطات الجديدة، تحدّث المبعوث الأممي لسوريا غير بيدرسن أمام مجلس الأمن عن الاشتباكات في شمال البلاد بين القوات الكردية السورية والجماعات المدعومة من تركيا، في أعقاب هجوم الفصائل المعارضة الذي أطاح بشار الأسد من السلطة في 8 كانون الأول.

وقال بيدرسن "وقعت مواجهات واسعة خلال الأسبوعين الماضيين، قبل أن تجري وساطة لوقف إطلاق النار.. انقضت مهلة وقف لإطلاق النار مدته خمسة أيام الآن وأشعر بقلق بالغ حيال التقارير عن تصعيد عسكري.. من شأن تصعيد كهذا أن يكون كارثيا".

لكن واشنطن أعلنت الثلاثاء، تمديد الهدنة بوساطتها "حتى نهاية الأسبوع"، مشيرة إلى أنها تعمل على "تمديد وقف إطلاق النار إلى أقصى حد ممكن في المستقبل".

وتعتبر تركيا قوات سوريا الديمقراطية التي شكّلت وحدات حماية الشعب الكردية المتحالفة مع الولايات المتحدة عمودها الفقري، فرعا لحزب العمال الكردستاني الذي تصنّفه أنقرة وواشنطن "منظمة إرهابية".

وقال القائد العسكري لهيئة تحرير الشام مرهف أبو قصرة، المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي، الثلاثاء في مقابلة مع وكالة فرانس برس إن مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق البلاد "ستُضّم" الى الإدارة الجديدة للبلاد، مؤكدا رفض وجود أي فدرالية.

وأضاف أبو قصرة المعروف باسمه الحربي أبو حسن الحموي، أنّ بناء مؤسسة عسكرية تنضوي ضمنها كل الفصائل المعارضة، يشكل "الخطوة المقبلة" بعد إطاحة الأسد.

وقال أبو قصرة "في أي دولة، يجب أن تنضوي كل الوحدات العسكرية ضمن هذه المؤسسة". وعما إذا كان سيصار الى حل جناح الهيئة العسكري، أجاب "بالتأكيد..سنكون إن شاء الله من أول المبادرين وسنبقى مبادرين لأي توجه يحقق المصلحة العامة للبلد".

وكان أبو محمد الجولاني، قائد "هيئة تحرير الشام"، تعهّد "حلّ الفصائل" المسلّحة في البلاد، داعيا إلى "عقد اجتماعي" بين الدولة وكل الطوائف ومطالبا برفع العقوبات المفروضة على دمشق.

أما أبو قصرة فطالب الولايات المتحدة و"الدول كلها" بإزالة فصيله وقائده أحمد الشرع (أبو محمّد الجولاني) عن قائمة "الإرهاب"، واصفا هذا التصنيف بأنه "جائر".

وبعد هجوم خاطف استمرّ 11 يوما، تمكّنت فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة قبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة) من دخول دمشق في 8 كانون الأول، وإنهاء حكم عائلة الأسد الذي استمرّ أكثر من نصف قرن.

وتتطلع قوى غربية إلى تواصل مع السلطات الجديدة في سوريا، بهدف تجنّب فوضى على غرار تلك التي سادت في العراق أو ليبيا، بعد سقوط حكم الأسد.

وأوفدت فرنسا التي عاد علمها ليرفرف فوق سفارتها المقفلة منذ العام 2012 مبعوثا وكذلك فعلت المانيا والمملكة المتحدة والأمم المتحدة.

وأجرى دبلوماسيون ألمان محادثات الثلاثاء مع الجولاني للتباحث في "العملية الانتقالية السياسية"، وفق برلين.

وقال الموفد الفرنسي جان-فرنسوا غيوم "تستعد فرنسا لتقف إلى جانب السوريين" خلال المرحلة الانتقالية.

ومن جهته، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه "مستعد" لإعادة فتح سفارته في العاصمة السورية فيما أقامت الولايات المتحدة اتصالات بهيئة تحرير الشام.

لكنّ إسرائيل تبدي موقفا أكثر تحفظا تجاه السلطات الجديدة في سوريا، وقد عقد رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الثلاثاء اجتماعا أمنيا على جبل الشيخ في الجولان السوري المحتل، بعدما سيطرت إسرائيل على منطقة عازلة تراقبها الأمم المتحدة تفصل بين القوات الإسرائيلية والسورية.

ووصفت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شارين هسكل الجولاني بأنه "ذئب في ثوب حمل".

ويقصف جيش الاحتلال الإسرائيلي بعنف منذ الثامن من كانون الأول المواقع العسكرية السورية.

وطالب القائد العسكري لهيئة تحرير الشام الثلاثاء المجتمع الدولي بالتدخل لوقف الغارات والتوغل الاسرائيلي في سوريا، مؤكدا أن بلاده لن تكون منطلقا لأي "عداء" تجاه أي من الدول.

في مختلف أنحاء البلاد يعمل السكان على استعادة حياتهم العادية، بعد 14 عاما على اندلاع الحرب في 2011 على خلفية قمع تحركات احتجاجية وتظاهرات مطالبة بالديموقراطية ما أوقع البلاد في حرب أهلية تحولت إلى نزاع معقد قضى فيه نصف مليون شخص ولجأ ستة ملايين آخرين إلى خارج البلاد.

في أسواق دمشق القديمة، أعاد معظم التجار فتح محالهم. واستكمل أصحاب محال سوق الحميدية صباح الثلاثاء طلاء واجهات محلاتهم باللون الأبيض بدلا من ألوان العلم السوري ذي النجمتين الخضراوين الذي كان معتمدا خلال فترة الحكم السابق.

وفيما ارتفعت أسعار بعض المواد، انخفضت أسعار معظم السلع الغذائية والأساسية في ظلّ رفع الضرائب بشكل موقت.

قال أبو عماد الذي حوّل سيارته الصغيرة إلى دكان لبيع الخضار في ساحة السبع بحرات في وسط دمشق "الخير جاء دفعة واحدة، سقط النظام وانخفضت الأسعار وتحسّنت الحياة ونتمنى ألا يكون ذلك موقتا وأن يستمر على طول".

لكن المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة إيمي بوب قالت الثلاثاء لفرانس برس إنها لا توصي حاليا بعودة جماعية إلى سوريا قبل أن يستقرّ الوضع في البلاد بعد إطاحة الأسد.

وفيما كان بشار الأسد يقدّم نفسه على أنه حامي الأقليات في البلاد ذات الغالبية السنية، تترقب الكثير من الدول والمنظمات التي رحّبت بسقوطه، كيف ستتعامل السلطات الجديدة مع هذه الأقليات.

وتحدثت بوب عن تقارير تفيد بأن أفرادا من الطائفة الشيعية هربوا من البلاد "ليس لأنهم تعرضوا لتهديد فعلا، بل لأنهم قلقون إزاء أي تهديد محتمل".

وقال أحمد الشرع الاثنين خلال لقائه أعضاء من الأقلية الدرزية التي تقدّر بنسبة 3% من السكان، إنّ "سوريا يجب أن تبقى موحّدة، وأن يكون بين الدولة وجميع الطوائف عقد اجتماعي لضمان العدالة الاجتماعية".

وخلال لقائه دبلوماسيين بريطانيين في دمشق، أشار إلى "ضرورة عودة العلاقات"، مؤكدا في الوقت ذاته على "أهمية إنهاء كافة العقوبات المفروضة على سوريا حتى يعود النازحون السوريون في دول العالم إلى بلادهم".

وقد بدأ البعض بالعودة في مدنهم المدمرة كما الحال في معرة النعمان في غرب سوريا حيث خلفت المعارك التي اندلعت اعتبارا من 2012 دمارا هائلا.

ويقول الشرطي جهاد شاهين البالغ 50 عاما "النشاط يعود إلى المدينة ... تم تنظيف هذا الحي ونحن هنا لحماية الناس وممتلكاتهم. سنعيد البناء بأفضل مما كان عليه من قبل".

لكن كفاح جعفر المسؤول المحلي في "مديرية المناطق المحررة" يقول إن الأمر يتطلب وقتا.

ويقول "لا مدارس ولا خدمات اساسية. في الوقت الحالي نحاول تنظيم أنفسنا لمساعدة الناس بأفضل طريقة. لكن الأمر سيستلزم جهدا والكثير من المساعدة، فالمدينة تفتقر إلى كل شيء".

وفي سجن صيدنايا قرب دمشق أنهى 120 مسعفا تركيا الثلاثاء عمليات بحث كانوا باشروها الاثنين عن أقبية أو زنزانات يعتقد أنها مخفية تحت الأرض في هذا السجن السيئ السمعة، وفق ما أعلن مدير الوكالة التركية لإدارة الكوارث أوكي ميميش.

وقال ميميش إنّ "كامل المبنى تم تفتيشه ومسحه ضوئيا ولم يتم العثور على أي شخص حي".

وهذا السجن الذي اعتبرته منظمة العفو الدولية بمثابة "مسلخ بشري"، يقع شمال العاصمة السورية، وقد أصبح رمزا لانتهاكات حقوق الإنسان في ظل حكم عائلة الأسد، وخصوصا منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في العام 2011.

 

إقرأ أيضاً : غزة تحت القصف: استمرار الانتهاكات وتصاعد المعاناة الإنسانيةإقرأ أيضاً : مجلس الأمن يناقش القضية الفلسطينية اليومإقرأ أيضاً : الأرصاد: طقس بارد نسبيًا حتى الخميس وعدم استقرار جوي الجمعة



تابع قناتنا على يوتيوب تابع صفحتنا على فيسبوك تابع منصة ترند سرايا
وسوم: #روسيا#العالم#المانيا#فرنسا#الوضع#أسواق#المدينة#مجلس#العراق#سوريا#تركيا#اليوم#الدولة#أمن#الناس#الله#غزة#الاحتلال#أحمد#الشعب#جبل#محمد#رئيس#الوزراء#الرئيس#القوات#الوحدات



طباعة المشاهدات: 2151  
1 - ترحب "سرايا" بتعليقاتكم الإيجابية في هذه الزاوية ، ونتمنى أن تبتعد تعليقاتكم الكريمة عن الشخصنة لتحقيق الهدف منها وهو التفاعل الهادف مع ما يتم نشره في زاويتكم هذه. 18-12-2024 08:39 AM

سرايا

لا يوجد تعليقات
رد على :
الرد على تعليق
الاسم : *
البريد الالكتروني :
التعليق : *
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :
اضافة
سائق أجرة يعيد 8 ملايين جنيه لصاحبها ويرفض المكافأة في مصر أوليفيا بينسون: أغنى قطة في العالم بثروة تفوق الملايين "عيون الثعبان" خطر يهدد مستخدمي "ميزوثيرابي" وفاة طفل خلال نومه في منزله .. والعائلة تهاجم مدرسته "ملازم في المخابرات الجوية" .. الكشف عن... صدمة في مصر .. رجل يقطع أذن محاميه داخل المحكمة! "أحرقتهم وعدت للنوم" .. اعتراف صادم... مخاوف من لوحات تحكم باللغة "العبرية" في... انفجار ضخم يودي بحياة قائد قوات الدفاع النووي... تقدم في محادثات وقف إطلاق النار بغزة وسط مساع...توقعات بعودة مليون سوري إلى بلادهم خلال 6 أشهرغزة تحت القصف: استمرار الانتهاكات وتصاعد المعاناة...مجلس الأمن يناقش القضية الفلسطينية اليومالأرصاد: طقس بارد نسبيًا حتى الخميس وعدم استقرار...مصر تنفي توقعات توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة...مكتب نتنياهو: ما يتداول عن تعهدات بالسماح بإقامة...ميقاتي يطالب لجنة مراقبة وقف إطلاق النار بوقف...واشنطن: بات ممكنا التوصل لوقف إطلاق النار بغزة مسلسل عن "صيدنايا" يجمع الفنانين السوريين... محكمة تطالب بحذف أغنية أديل "منذ مليون... بعد زلّة اللسان .. شيرين تعتذر عن حضور حفل تأبين... أسرار جديدة عن أحمد زكي تُكشف للمرة الأولى دانييلا رحمة تكشف تفاصيل خاصة عن زواجها من ناصيف زيتون الأسطورة يكشف المفاجأة: صلاح "أمسك القلم" .. بهدوء بسبب زوجته .. لاعب كرة سلة شهير ينهي حياته في ظروف مأساوية إصدار جدول مباريات ربع نهائي الكأس ثنائية أبو جاموس تقود الوحدات للفوز على السلط فينيسيوس يفوز بجائزة أفضل لاعب في العالم زلزال عنيف بقوة 7.4 يهز المحيط الهادي ويُسبب أضراراً جسيمة صدق أو لا .. تلوث الهواء يزيد مخاطر إصاباتك بجلطات الدم لم يرحم مرضها .. طفلة قتلها خالها في مصر لسبب غريب خامنئي: أميركا والصهاينة مخطئان باعتقادهما أنّ المقاومة ستنتهي بعد 32 عامًا .. اعتقال مسن متورط بعملية قتل ظلت تفاصيلها غامضة لعقود الإمارات .. السجن المؤبد وغرامة 500 ألف درهم لدليفيري "مخدرات" "أحرقتهم وعدت للنوم" .. اعتراف صادم لجزائري قتل أبناءه الـ 4 صدمة في مصر .. رجل يقطع أذن محاميه داخل المحكمة! شاهد ما يشبه انفجار قنبلة ذرية في جزيرة بمساحة قطاع غزة مسؤول حقوقي يكشف تفاصيل عن مقبرة جماعية في سوريا تحوي 100 ألف جثة

الصفحة الرئيسية الأردن اليوم أخبار سياسية أخبار رياضية أخبار فنية شكاوى وفيات الاردن مناسبات أريد حلا لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر(وكالة سرايا الإخبارية) saraynews.com
الآراء والتعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها فقط
جميع حقوق النشر محفوظة لدى موقع وكالة سرايا الإخبارية © 2024
سياسة الخصوصية برمجة و استضافة يونكس هوست test الرجاء الانتظار ...

المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية

كلمات دلالية: مجلس الرئيس الشعب سوريا سوريا مجلس سوريا أمن تركيا سوريا مجلس القوات تركيا سوريا الشعب سوريا الوحدات الله محمد الدولة أحمد العراق فرنسا المانيا فرنسا رئيس الوزراء جبل القوات الاحتلال أسواق سوريا الوضع أحمد الدولة سوريا العالم سوريا المدينة الناس الناس تركيا روسيا العالم المانيا فرنسا الوضع أسواق المدينة مجلس العراق سوريا تركيا اليوم الدولة أمن الناس الله غزة الاحتلال أحمد الشعب جبل محمد رئيس الوزراء الرئيس القوات الوحدات السلطات الجدیدة وقف إطلاق النار تحریر الشام مجلس الأمن فی سوریا من الدول فی مصر

إقرأ أيضاً:

مشاهد لافتة لمن يزورها للمرة الأولى.. رحلة في دمشق ما بعد الأسد

دمشق- لم تعد العاصمة السورية كما كانت؛ تغيّر إيقاعها، واختلفت تفاصيل يومياتها، وصارت الحياة فيها تتدفق بوتيرة جديدة. في شوارع دمشق المتشابكة وأزقتها العتيقة، يتداخل صوت محركات السيارات مع صخب الأسواق، وتمتزج رائحة المازوت بدخان المقاهي، بينما تتردد في الأرجاء نقاشات سياسية بلا تحفظ أو مواربة، فـ"الحيطان لم تعد لها آذان" كما كان يقول السوريون.

لم يعد شيء على حاله، فالاختناق المروري تضاعف بعد سقوط النظام، وأعداد السيارات في الشوارع زادت بشكل ملحوظ. الصرافون الجوالون صاروا جزءا من المشهد اليومي، يتنقلون بأوراق نقدية مكدسة، يعرضون خدماتهم علنا دون خوف من الملاحقة. أما الجدران التي لطالما حملت صور حافظ وبشار الأسد، فقد أضحت فارغة، إيذانا بدخول حقبة جديدة.

شوارع دمشق تعيش اختناقا مروريا

في قلب العاصمة السورية، لا تكاد السيارات تتحرك، لا سيما في مناطق وسط البلد. يشكو سكان دمشق من ازدحام غير مسبوق، وهو ما يؤكده سائقو التاكسي الذين يقضون ساعات في الطرقات. يقول أحدهم إنه بدأ يشكو من ألم في ركبتيه من كثرة التنقّل بين دواستي الوقود والدبرياج.

يرجع البعض السبب الرئيسي لهذه الأزمة إلى الانخفاض الحاد في أسعار السيارات، إذ باتت تلك التي كانت تُباع قبل أشهر بـ15 ألف دولار، تُعرض الآن بـ3 آلاف فقط. ومع هذا التراجع المفاجئ، اندفع كثيرون نحو الشراء، خشية أن تعاود الأسعار ارتفاعها في أي لحظة.

يتغيّر سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار بشكل متكرر يوميا (الجزيرة)

لكن ليس هذا العامل الوحيد لتفاقم المشكلة، فقد توافد إلى دمشق عدد كبير من السوريين القادمين من المحافظات الأخرى بسياراتهم الخاصة، وهو أمر لم يكن مألوفا في السابق حينما كانت البلاد مقطّعة الأوصال. كما اختار بعض المغتربين القدوم إلى سوريا بسياراتهم، ليضيفوا عبئا جديدا على الشوارع التي لم تكن مصممة لاستيعاب هذا العدد من المركبات.

إعلان

اللافت أن الاختناقات المرورية لم تعد مصحوبة بالتوتر المعتاد، بل اختفت الشتائم التي كانت تُطلق في أثناء الزحام -حسب سائق التاكسي المسن الحاج أبو طارق- الذي قال إن "الكفريات" (الألفاظ الكفرية) لم تعد تُسمع أيضا.

بورصة مفتوحة على الأرصفة

في ساحات المدينة وعلى أرصفتها، باتت تجارة العملات مشهدا مألوفا؛ عشرات الصرافين الجوالين ينتشرون في الشوارع، يحملون رزما ضخمة من الأوراق النقدية، ينادون على المارة، ويعرضون أسعار الصرف التي تتغير كل لحظة.

حتى وقت قريب، كان التعامل بالدولار في السوق السوداء جريمة قد تودي بصاحبها إلى غياهب السجون. أما اليوم، فقد أصبح الأمر علنيا تماما. بعض هؤلاء الصرافين يستخدمون عدادات نقدية لإضفاء طابع الاحترافية، بينما يعمد آخرون إلى استغلال الزحام والضجيج لخداع الزبائن، حيث يقومون بإنقاص ورقة أو اثنتين من المبلغ المتفق عليه من دون أن يلاحظوا ذلك.

أكشاك الصرافة تنتشر في معظم الشوارع الرئيسية بالعاصمة دمشق (الجزيرة)

المفارقة أن الأوراق النقدية القديمة من الدولار لم تعد تحظى بالقيمة نفسها، إذ يرفض الصرافون قبولها بالسعر نفسه الذي تُصرف به الأوراق الجديدة، بل يفرضون عليها خصما عند التصريف.

كما بات موضوع الصرافة أشبه بالبورصة، إذ يتغير سعر الصرف كل بضع دقائق، ويجد المواطنون أنفسهم مضطرين لمتابعة هذه التقلبات عن كثب، خشية أن تفقد أموالهم جزءا من قيمتها بين لحظة وأخرى.

حقيبة الأموال ضرورة يومية

في ظل غياب أنظمة الدفع الإلكتروني العالمي، بات حمل كميات كبيرة من النقود أمرا لا مفر منه، إذ لا وجود لبطاقات ائتمانية دولية، ولا مجال للتحويلات المصرفية، فالأموال تتنقل مباشرة من يد إلى يد في اقتصاد يعتمد على التعامل النقدي بالكامل.

حجم الرزم المالية اللازمة لدفع حساب عشاء 4 أشخاص في أحد مطاعم دمشق (الجزيرة)

ومع تضخم الأسعار، أصبحت المبالغ المطلوبة للمعاملات اليومية ضخمة إلى الحد الذي لم تعد معه المحافظ التقليدية أو الجيوب كافية لرزم النقود السميكة، وهو ما يضطر كثيرين إلى حمل حقائب صغيرة مخصصة للنقود.

إعلان بائعو البنزين المتجولون

لم تعد العملات وحدها السلعة الغريبة التي تباع على الأرصفة، فالبنزين أيضا أصبح سلعة متاحة على قارعة الطريق، حيث تصطف عبوات الوقود بانتظار الزبائن الذين بات بعضهم يعتمدون على المهربين بدلا من محطات الوقود.

بعض الباعة المتجولين يبيعون البنزين على قارعة الطرقات في العاصمة السورية (الجزيرة)

يزعم البعض أن هذا البنزين مصدره لبنان، حيث يُشترى من هناك بأسعار أقل، ثم يُهرب إلى دمشق ليباع مقابل هامش ربح جيد. أما آخرون، فيقولون إن جودته (95) أفضل من ذاك المتاح في محطات الوقود (91).

الجدران بلا صور آل الأسد

وفي شوارع العاصمة السورية، لم يعد هناك أثر للصور الضخمة التي لطالما غطت الجدران لعقود، فاختفت صور الرئيس السابق حافظ الأسد وابنه المخلوع بشار تماما، من دون أن تحل محلها صور للرئيس الجديد أحمد الشرع، كما اختفت الأقوال "المأثورة للقائد الخالد" حسبما يطلق عليه محبوه.

وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي إقدام البعض على طباعة أعلام تحمل صورة الرئيس الشرع، سرعان ما صدرت تعليمات رسمية بإزالتها ومنع طباعتها مجددا.

بقايا العلم السوري القديم لا تزال موجودة على أبواب بعض المحال التجارية في العاصمة السورية (الجزيرة)

في المقابل، لا تزال بقايا العلم السوري القديم موجودة وإن بخجل، خصوصا على الأبواب الحديدية لبعض المحال التجارية.

أما في محلات التحف والمقتنيات القريبة من الجامع الأموي، فلا تزال بعض التذكارات تحمل رموز العهد السابق، لكن كثيرا منها خضع لتعديلات سريعة، كما قال أحد التجار مبتسما، "في يوم سقوط النظام، أمسكت القلم وبدأت أعدل على بعضها. أجريت عملية ’تكويع‘ سريعة لبعض التحف والتذكارات".

إحدى المقتنيات التي تعرضت لعملية "تكويع" بعد يوم من سقوط نظام الأسد (الجزيرة) المقاهي "تتنفس" سياسة

في مقاهي العاصمة السورية، لم تعد السياسة موضوعا محظورا، بل باتت هي الموضوع الأكثر تداولا بين الجالسين. بعد أن كانت هذه النقاشات تتم في الماضي همسا وبصوت منخفض -هذا إن تجرأ أحدهم على خوضها- أصبح الجميع يتحدثون اليوم بلا قيود، يذكرون أسماء السياسيين الجدد ويناقشون مستقبل البلاد بصوت مرتفع وبلا خوف.

يكسو الظلام معظم شوارع دمشق في الليل بسبب انقطاع التيار الكهربائي (الجزيرة)

الأمر اللافت أن بعض المقاهي، مثل مقهى الروضة الشهير، لم تكتفِ بذلك، بل بثت أغاني ساخرة عن النظام السابق، وسط تفاعل كبير من رواد المكان، الذين لم يعتادوا مثل هذا الانفتاح من قبل.

إعلان

دمشق التي تغيرت ملامحها، بات فيها كل شيء مختلفا، من حركة المرور إلى التداول العلني للعملات الصعبة، وصولا إلى خوض الناس في السياسة بلا خوف. ومع ذلك، تحتفظ هذه المدينة العريقة بروحها الفريدة، حيث يمتزج القديم بالجديد في مشهد لا تراه في كثير من المدن.

مقالات مشابهة

  • مشاهد لافتة لمن يزورها للمرة الأولى.. رحلة في دمشق ما بعد الأسد
  • غوتيريش يدعو أعضاء مجلس الأمن للتغلب على الانقسامات لتحقيق السلام
  • يهود سوريون يعودون إلى دمشق بعد عقود من فرارهم.. تعرف على القصة كاملة
  • غوتيريش يدعو مجلس الأمن الدولي إلى التركيز على الإجماع المطلوب وترك الخلافات لتحقيق السلام
  • بعد انتهاء مهلة الانسحاب واستمرار الخروقات.. لبنان يلجأ لمجلس الأمن لإنهاء احتلال أراضيه
  • جامعة بورسعيد تستضيف مبادرة تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ابني وعيك
  • جامعة بورسعيد تستضيف مبادرة تنسيقية شباب الأحزاب "ابني وعيك"
  • مطار دمشق كما لم تعرفه من قبل
  • مسؤول روسي: الشركات الأميركية خسرت 300 مليار دولار بمغادرة البلاد
  • الديوان الملكي الأردني يعلن خضوع الملك عبدالله لعملية جراحية