حمدان بن محمد يطلق نظام التوصيل بالطائرات بدون طيار الأول في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
أكد سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، رئيس مجلس أمناء مؤسسة دبي للمستقبل، أن دبي برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، تواصل تطوير البنية التحتية المتقدمة وتوفير البيئة المناسبة لتعزيز الخدمات اللوجستية الذكية وتبنّي أحدث حلول النقل الجوي التي تعزز مكانة دبي في صدارة مدن المستقبل.
جاء ذلك خلال إطلاق سموّه، بحضور سموّ الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للطيران المدني رئيس مطارات دبي الرئيس الأعلى الرئيس التنفيذي لطيران الإمارات والمجموعة رئيس سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة، أول خدمة من نوعها في الشرق الأوسط للتوصيل باستخدام الطائرات بدون طيار، حيث دشّن سموّه طلب الخدمة الأول عبر المنصة المتواجدة في جامعة “روتشستر للتكنولوجيا – دبي”، التي تشكل إحدى نقاط الهبوط ضمن شبكة التوصيل المتكاملة بالطائرات بدون طيار في واحة دبي للسيليكون، فيما انطلق الطلب من إحدى نقاط التوصيل المعتمدة في الواحة.
وقال سموّه ” مستمرون في دعم مقومات الاقتصاد المتنوّع والمرن والرقمي للاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة في دبي وتمكين صناعة الطيران والنقل الجوي في دبي، وتعزيز الشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص كمحفز للبحث والتطوير وتحقيق النمو المستدام ضمن مختلف القطاعات، لاسيما قطاع التنقّل الذكي، دعماً لمستهدفات أجندة دبي الاقتصادية D33 لتكون دبي ضمن أفضل 3 مدن اقتصادية في العالم”.
وأشار سموّه إلى أهمية دعائم النمو الاقتصادي القائم على تبنّي أحدث وسائل التنقّل الحضري وتعزيز البحث والتطوير والابتكار وقال ” على مدى السنوات الماضية أطلقنا حزمة برامج تمكّن تصميم وتطوير الحلول الريادية لمدن ومجتمعات المستقبل الذكية في دبي، والرامية إلى تعزز التكامل الاقتصادي بين مختلف القطاعات، وتوظف التكنولوجيا في خدمة المجتمع؛ بما في ذلك برنامج دبي لتمكين النقل بالطائرات بدون طيار، وبرنامج دبي للروبوتات والأتمتة، وبرنامج دبي للبحث والتطوير، بالإضافة إلى خطة دبي السنوية لتسريع تبني استخدامات وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، واليوم نحصد النتائج النوعية ونواصل المشاريع التحولية التي ستضاعف حجم اقتصاد دبي بحلول عام 2033″.
وأضاف سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم ” مستقبل التقنيات الروبوتية والنظم ذاتية القيادة للأغراض والخدمات التجارية والاقتصادية وتطبيقات الاقتصاد القائم على المعرفة والابتكار والتحوّل الرقمي واستخدامات الذكاء الاصطناعي أصبح واقعاً نعيشه في دبي اليوم”.
وذكّر سموّه بأن دبي كانت منذ وقت طويل الرائدة في إدراك الفرص واستشراف آفاقها مبكراً قائلاً ” دبي سبّاقة في تحفيز البحث والتطوير والابتكار وتفعيل فرص واستخدامات الطائرات بدون طيار في خدمة الأفراد والمجتمعات وقطاعات الأعمال واختبار حلولها وتطبيقاتها لتسهيل الخدمات والارتقاء بجودة الحياة وتعزيز النمو الاقتصادي بالشراكة بين القطاعين الحكومي والخاص، وقد استضافت منذ 10 سنوات جائزة الإمارات للطائرات بدون طيار لخدمة الإنسان، لتشجيع تطبيقات هذه التكنولوجيا. واليوم دبي تُكمِل التجهيزات والمتطلبات لإطلاق عمليات التوصيل باستخدام الطائرات بدون طيار”.
حضر الإطلاق، معالي عمر سلطان العلماء، وزير دولة للذكاء الاصطناعي والاقتصاد الرقمي وتطبيقات العمل عن بُعد، ومعالي مطر الطاير، المدير العام ورئيس مجلس المديرين في هيئة الطرق والمواصلات، ومعالي الفريق طلال بالهول الفلاسي، رئيس جهاز أمن الدولة بدبي، وعدد من كبار المسؤولين.
ويأتي مشروع التوصيل باستخدام الطائرات بدون طيار بالشراكة بين كل من هيئة دبي للطيران المدني وسلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة “دييز” وبالتعاون مع مؤسسة دبي للمستقبل، حيث تضافرت الجهود لإطلاق المشروع الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط، من خلال تطوير المجال الجوي في واحة دبي للسيليكون واستحداث مسارات جوية خاصة ومتناغمة مع الاستخدامات الاعتيادية للمجال الجوي، ضمن المنطقة الاقتصادية المتخصصة بالمعرفة والابتكار والمنضوية تحت مظلة “دييز”.
وأكد سموّ الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، أن الريادة المستمرة لدبي في كل ما يتعلق بقطاع الطيران والخدمات اللوجستية وتنقّل المستقبل، هي نتيجة للرؤية الاستشرافية لصاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي “رعاه الله”، والتي وضعت دبي في مصاف الوجهات الأكثر تطوراً على مستوى العالم في تقديم حلول النقل الجوي والطيران، وأضافت إلى ذلك التميّز في البحث والتطوير واختبار تقنيات المستقبل الواعدة في مجالات الطائرات بدون طيار والخدمات المرتبطة بها، وتفعيل الاستفادة منها للأغراض التنموية وتسخيرها في خدمة الإنسان والمجتمعات دعماً لجهود التنمية والبناء وتعزيز مقومات الرخاء.
وشكّلت الاختبارات التجريبية في واحة دبي للسيليكون تتويجاً لاتفاقية تفعيل مخرجات “برنامج دبي لخدمات النقل بطائرات بدون طيار”، والتي شهد توقيعها سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم في العام 2021 بين مجموعة من الجهات الحكومية والخاصة، ضمت واحة دبي للسيليكون، ومؤسسة دبي للمستقبل، وهيئة دبي للطيران المدني، وهيئة الطرق والمواصلات، ومستشفى فقيه الجامعي، وماجد الفطيم، والإمارات للشحن الجوي.
وكانت واحة دبي للسيليكون شهدت خلال الأشهر القليلة الماضية سلسلة من العمليات التجريبية لعمليات التوصيل باستخدام الطائرات بدون طيار للتأكد من تطبيق أعلى معايير أمن وسلامة الطيران المستحدثة لهذه العمليات، وذلك بالتعاون مع هيئة دبي للطيران المدني، وشركة “كيتا درون” الرائدة في هذا المجال وصاحبة أشهر منصة للتوصيل بالطائرات بدون طيار على مستوى الصين، حيث يعد هذا المشروع أول مشروع للشركة خارج الصين.
وبهذه المناسبة، قال سعادة الدكتور محمد الزرعوني، الرئيس التنفيذي لسلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة: ” نلتزم في سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة بدعم المبادرات التي توظف التكنولوجيا المتقدمة في تحسين جودة الحياة اليومية، وتوفير بيئة نموذجية لها لاختبار الحلول الذكية قبل تطبيقها بشكلٍ واسع، إذ نفخر بأن نكون شريكاً رئيسياً لبرنامج دبي لتمكين النقل بالطائرات بدون طيار”.
وأضاف ” ملتزمون بتعزيز الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص في مجال اختبار وتطبيق المبادرات والمشاريع الواعدة في مجال التنقل الذكي، وعمليات توصيل الطلبات بالطائرات بدون طيار في واحة دبي للسيليكون، التي أصبحت مختبراً لأحدث التقنيات الذكية، ونشهد اليوم إنجازاً جديداً في مسيرة التحوّل نحو مستقبل الابتكار القائم على التكنولوجيا، وتقديم الخدمات الذكية الأكثر تطوراً لسكان دبي، دعماً لاستراتيجية الإمارة وتعزيزاً لمكانتها العالمية كأفضل مدينة للعيش والعمل”.
وقال سعادة محمد عبدالله لنجاوي، مدير عام هيئة دبي للطيران المدني: ” تلتزم الهيئة بالمساهمة الحيوية في تعزيز مكانة دبي باعتبارها من أفضل المدن جاهزية للمستقبل، ومركزا عالميا للابتكار في قطاع الطيران ويعكس هذا الإنجاز الجديد في مجال التوصيل بالطائرات بدون طيّار، الجهود المتواصلة التي تبذلها الإمارة بتوجيهات القيادة الرشيدة، التي أولت أهمية كبيرة لتطوير حلول نقل آمنة وفعالة تسهم في تعزيز اقتصاد دبي المستقبلي وجعلها النموذج الأبرز في تطوير وتطبيق الحلول الذكية في مجال الطيران”.
وأضاف ” من المتوقع أن تصل نسبة تغطية توصيل الطلبات بالطائرات بدون طيار في دبي إلى 33% من مساحتها بحلول عام 2030، لتكون الإمارة رائدة في مستقبل النقل الذكي كما سنواصل دورنا الريادي في خلق فرص جديدة عبر تنظيم وتشغيل الطائرات بدون طيار والتمهيد لاحتواء جميع أنواع التكنولوجيا الناشئة والواعدة في مجال الطيران بالتعاون مع الجهات الحكومية والخاصة، وتطبيق أفضل الممارسات العالمية لضمان سلامة العمليات الجوية واستخدام أحدث التقنيات بما يعزز كفاءة الخدمات اللوجستية المتطوّرة”.
وأكد سعادة خلفان جمعة بلهول، الرئيس التنفيذي لمؤسسة دبي للمستقبل، أن هذا الإنجاز يجسّد الرؤية الاستشرافية للقيادة الرشيدة وحرصها على الاستثمار في تصميم وتنفيذ المستقبل، ويعكس النجاحات والإنجازات البارزة التي حققتها دبي في مجال تطوير البنى التحتية وتوفير منظومة متكاملة لدعم نمو النقل والتوصيل والخدمات اللوجستية الذكية على مدار السنوات الماضية.
وقال إن مؤسسة دبي للمستقبل تحرص على التعاون والتكامل مع مختلف الجهات الحكومية والخاصة تنفيذاً لتوجيهات سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، بتسريع العمل والإنجاز في مختلف القطاعات الاقتصادية والمستقبلية، وسنواصل العمل مع كافة الشركاء عبر كافة مشاريعنا وبرامجنا ومبادراتنا ، لنرسخ معاً ريادة دبي كواحدة من أفضل مدن العالم جاهزية لفرص المستقبل.
وتشكل “كيتا درون” الذراع الدولية المتخصصة في التوصيل بالطائرات بدون طيار لشركة “ميتوان” التكنولوجية في الصين.
وقال الدكتور ينيان ماو، نائب رئيس شركة “كيتا درون”.. ” يتماشى مشروعنا الأول من نوعه في الشرق الأوسط مع استراتيجية النمو التي تنتهجها الشركة الأم ويسرّنا أن نحظى بشراكة مثالية مع هيئة دبي للطيران المدني، حيث تم استقبال وفد من الهيئة في جمهورية الصين الشعبية لإجراء المقارنات اللازمة والتأكد من استيفاء جميع المتطلبات، وكذلك الشراكة مع سلطة دبي للمناطق الاقتصادية المتكاملة التي توفر للشركات والمستثمرين ثلاث مناطق اقتصادية مميزة، وتحتضن المنصة الأولى لتأسيس حضورنا ونمونا في هذه المنطقة. ونحن حريصون، من خلال تواجدنا في واحة دبي للسيليكون، على توفير حلول التوصيل بالطائرات بدون طيار، ونتطلع إلى توسيع نطاق المبادرة في دبي والمنطقة”.
وقال الدكتور يوسف العساف، رئيس جامعة روتشستر للتكنولوجيا في دبي ” سعداء بالشراكة المميزة مع جميع الأطراف من القطاعين الحكومي والخاص في مشروع اختبار وتنفيذ وتدشين أول نظام لتوصيل الطلبات بالطائرات بدون طيار في الشرق الأوسط ضمن واحة دبي للسيليكون، التي ترسخ موقعها كمنصة لتقنيات المستقبل، متطلعين أن تُمكننا المشاركة في هذا المشروع الريادي من تطوير مهارات الكفاءات الأكاديمية، وتمكين المواهب المحلية وتوفير بيئة مختبر أكاديمي وبحثي عالمي المستوى”.
ويمكن للطائرات بدون طيار العمل في مختلف مناطق المدينة بمساعدة خوارزميات متطورة تتحكم في حركتها، وتقنية تحديد المواقع المدمجة متعددة المستشعرات، وهي طائرات مزودة بمراوح منخفضة الصوت مطورة داخلياً، بالإضافة إلى مظلة ونظام تحكم بالطيران.وام
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً:
تركيا في الشرق الأوسط الجديد: لاعب أم صانع قواعد؟
تولي تركيا أهمية مركزية لمنطقة الشرق الأوسط باعتبارها العمق الإستراتيجي لأمنها القومي العسكري والاقتصادي، وسعت أنقرة خلال عقود مضت عبر بوابات الطرق الدبلوماسية المرنة والأدوات الاقتصادية، ثم الخيارات العسكرية، لضمان مصالحها الحيوية الجيوسياسية في المنطقة، وخاصةً مع الدول المحاددة لها؛ حيث تعاملت مع هذه الدول كحقيقة جغرافية وتاريخية وعسكرية تربطها بها على امتداد قرون عديدة، وزاد من ظهور الدور التركي المؤثر وتصاعده خلال العقود الثلاثة الأخيرة، تراجع قدرات دول عربية مهمة كالعراق، وسوريا.
علاقات تركيا مع دول الشرق الأوسط جمعت بين السعي لإحلال السلام من خلال مساهمتها في تخفيف حدة المشاكل بينها وبين هذه الدول بغض النظر عن قربها أو بعدها عن حدودها، وفي ذات الوقت طرح نفسها كشريك استثماري يمكن الوثوق بقدراته بما يجعل من بوابة مشاريع التنمية الاقتصادية في دول الشرق الأوسط وبخاصة الإقليمية منها، مفتاح النجاح في تمكينها من الولوج إلى دوله كقوة مركزية اقتصادية هائلة.
ومثلما نجحت في إيجاد دور مهم لها في تطوير التنمية الاقتصادية، نجحت أيضًا في مطاردة أعدائها أو مواجهتهم عسكريًا، كما هو الحال مع حزب العمال الكردستاني المحظور، وأيضًا خلال أزمتها مع اليونان التي وصلت إلى حدود المواجهة العسكرية؛ بسبب تنازُع البلدين حول جزر في بحر إيجه في العامين: 1987، و1996، بما أظهر قدراتها العسكرية وجرأة قيادتها على اتخاذ القرارات الضامنة لسيادتها ومصالحها.
إعلاناقتصاديًا وبحسابات منهجية دقيقة سعت أنقرة إلى تقليص حدّة التحسس الإستراتيجي بينها وبين دول الجوار العربي، التي رأت في التوجه التركي محاولة "لعَثْمنة" المنطقة عبر بوابات الاقتصاد، فنجحت في إنشاء مجالس تعاون اقتصادية إستراتيجية مع العراق، سوريا، الأردن ولبنان، كما حقّقت نجاحًا لافتًا في علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي، التي شهدت تطورًا متسارعًا وصل إلى حدود إنشاء منتدى تركي- خليجي عربي، بات اليوم أحد مظاهر التوافق الإستراتيجي في مجالات الاستثمار متعدد التخصصات الصناعية، الزراعية، السياحية والعسكرية.
وسلطت المتغيرات الجذرية في الشأن السوري، الضوء على الدور التركي بشقَّيه؛ المعلن وغير المعلن، في التحضير لعوامل نجاح الفصائل المسلحة المعارضة في السيطرة وبشكل سريع ولافت على دمشق والمحافظات والمدن السورية، وأيضًا في تهيئة الأرضية السياسية لقبول هذه المتغيرات من قبل دول إقليمية وعالمية، باستثناء إيران التي تمثل -وفق رؤى هذه الفصائل ومن ورائها تركيا- الداعم الأساس لنظام الأسد طيلة أكثر من 13 سنة.
ما حدث في سوريا أبرز بشكل كبير وخطير الدور التركي المتوقّع في الشرق الأوسط الجديد، وهو أمرٌ حظي، وما زال، باهتمام كبير من قبل مراكز صنع القرار ومؤسسات الدراسات الإستراتيجية الأميركية والغربية، كما شكّل خارطة طريق جديدة لعلاقات أنقرة مع منظومة دول الخليج العربي، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر، ولعدة أسباب أهمها المتغيرات الإيجابية الحاصلة في سوريا وبدعم تركي مثل تطورًا نوعيًا كبيرًا في تغيير الواقع الجيوسياسي في المنطقة والذي تمثّل بإنهاء الدور الإيراني في سوريا، بما يعنيه من انحسار مشروعها الإستراتيجي في المنطقة.
تركيا الناجحة في تعاملها مع القوى الدولية كالولايات المتحدة، وروسيا، ومعظم دول الاتحاد الأوروبي، سعت لتعزيز نفوذها في المنطقة من خلال سياسة خارجية نشطة، تعتمد على مزيج من الدبلوماسية والقوّة العسكرية، والأخيرة كانت لمعالجة واحدة من معضلات الأمن القومي التركي التي تمثّل الجماعات الكردية في شمال العراق وسوريا مثل وحدات حماية الشعب (YPG)، وحزب العمال الكردستاني (PKK).
إعلانوتقف قضية الجماعات الكردية المسلحة المعارضة للدولة التركية والتي تصنفها كجماعات إرهابية، كأحد العوامل الرئيسية الدافعة للتحرك التركي بثقله المشهود في حسم الأمور لصالح الفصائل السورية المسلحة.
الجماعات الكردية المعارضة لتركيا التي حصلت خلال السنوات الأخيرة على دعم سياسي أميركي – إسرائيلي تمثل بالاعتراف والدعم اللوجيستي لقوات سوريا الديمقراطية (قسَد)، هذه القوات مثلت في فترة ما بعد الأسد (عقدة) الوفاق الوطني السوري.
لكن تركيا التي كانت ترفض أي صيغة تمنح الأكراد دورًا موسعًا في سوريا، باتت تدرك أن تجاهل القضية الكردية لم يعد خيارًا عمليًا، خصوصًا بعد نجاحها في إقناع زعيم حزب العمال، الكردي المسجون في تركيا عبدالله أوجلان بتوجيه رسالة حثّ فيها مقاتلي حزبه على التخلي عن السلاح وحظر نشاطه العسكري؛ لذلك شجّعت أنقرةُ دمشقَ على منح الأكراد حقوقًا متساوية مع بقية مكونات الشعب السوري، في خطوة تعكس توازنًا جديدًا في تعاملها مع هذا الملف، وكان ثمرة ذلك التوجّه التركي توقيع الرئيس السوري أحمد الشرع، وقائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي اتفاقًا يقضي "بدمج" كافة المؤسّسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية والحقول النفطية والمنافذ الحدودية في إطار الدولة السورية، وتحت نظام المواطنة المتساوية.
لقد عززت مجريات الأمور من دور تركيا في الشرق الأوسط الجديد، فالقوتان الكبيرتان في سوريا الأسد إيران وروسيا، تعاملتا مع الدخول التركي المحكم لسوريا بشيء من الواقعية بغية الحفاظ على نفوذهما هناك بعد أن تستقرّ الأوضاع، وتتوضح صورة الموقف المضطرب في ذلك البلد.
ومع انحسار المشروع الإيراني وتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة والضفة، ولبنان، وسوريا، وربما إيران، تبقى تركيا الضامن الوحيد لدول المنطقة التي يمكن الركون إليها للتعامل مع واشنطن وتل أبيب لإيقاف هستيريا العدوان الإسرائيلي، والضغط باتجاه الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلتها إسرائيل خلال عملياتها الدموية والتدميرية ضد هذه الدول.
إعلانإسرائيل تراقب النفوذ التركي في سوريا بحذر شديد، حيث تقدر أهمية العلاقة مع تركيا وضرورة التعامل معها، بخصوصية لتجنب المشاكل الجدية معها؛ فآخر ما تخشاه تل أبيب أن تحادد تركيا عبر بوابة سوريا، كما تولي موضوع الشراكة الإستراتيجية بين دمشق وأنقرة والتي تشكّل قضية إنشاء قواعد دفاع جوي تركية عاجلة وسط البلاد لحماية الأجواء السورية جانبًا كبيرًا من المتابعة.
وهذا يفسّر قيام إسرائيل خلال الفترة التي أعقبت نجاح الثورة السورية بشنّ عمليات عسكرية عديدة داخل الأراضي السورية، كما قضمت مناطق أخرى تشكل مواقع إستراتيجية عسكرية مهمة داخل الأراضي السورية. إضافة إلى سعيها لإثارة ما يزعزع الاستقرار والأمن داخل سوريا لمشاغلة تركيا عبرها تحسبًا لأي تطورات جيوسياسية خلال السنوات المقبلة .
العراق الذي شهد أدوارًا متعددة للمليشيات الموالية لإيران، والتي تعتبر تركيا ندًا عقائديًا لها، تحرك رسميًا لكسب ودّ أنقرة لأسباب عديدة، منها ما يتعلق بإطلاق الحصص المائية لنهرَي دجلة والفرات، وأخرى لكبح جماح المليشيات الكردية التركية في شمال العراق، وفسح المجال الجوي والأرضيّ والاستخباراتي لتركيا لملاحقتها، مع منحها التراخيص لإقامة معسكرات لقواتها في مناطق حيوية بمحافظات دهوك ونينوى كمنطلقات لأعمال عسكرية دائمة.
ومع كل ذلك فإنّ الحكومة العراقية تعلن إدانتها بعضَ العمليات العسكرية التركية داخل العمق العراقي في كردستان العراق. وأيضًا توسّع العمليات العسكرية في المنطقة، وزيادة الحضور العسكري والاستخباراتي في كل الشمال العراقي، لكن بذات الوقت لا تمتلك هذه الحكومة الكثير من أوراق الضغط على أنقرة لثنيها عن ذلك، خصوصًا مع تصاعد موازين التبادل التجاري بين البلدين والتي قدّرت بـ(20) مليار دولار، والمشروع الاقتصادي الإستراتيجي الكبير المتمثّل بـ(طريق التنمية) لربط ميناء الفاو العراقي بالحدود التركية بسكك حديد وطرق برية بقيمة 17 مليار دولار.
إعلانإيران، التي كانت حتى يوم سيطرة الفصائل المسلحة السورية على دمشق، تمثل القوة الرئيسية لنظام الأسد بما تعنيه (القوة) من معانٍ أمنية واستخباراتية واجتماعية وعقائدية، لكن، وخلال أيام معدودة وبشكل دراماتيكي انهارت هذه (القوة) لتحل محلها تركيا، وبشكل أكثر إحكامًا وتحكمًا بمجريات الأمور، وبات الدور التركي من حيث الوزن والتأثير في المشهد السوري والإقليمي، هو الأبرز والأكثر تنظيمًا.
وتتميز أنقرة عن طهران بقدرتها على الحوار الإيجابي في الساحة الدولية والإقليمية والمحلية من خلال قدراتها الاقتصادية والعسكرية المؤثرة في المنطقة دون الولوج في مشاريع مذهبية طائفية ميزت الحراك الإيراني.
كما أن الولايات المتحدة ترحب- خصوصًا بوجود الرئيس الأميركي دونالد ترامب في فترته الرئاسية الثانية- بسوريا المتوافقة مع تركيا، بما يعني تحجيم دور إيران في هذا البلد. سياسات ترامب المعلنة تجاه طهران والإستراتيجية التي ستتبعها إيران في مواجهة هذه السياسات ستعني الكثير في تمكين تركيا من الولوج بقوة إلى الشرق الأوسط الجديد، لأن أية عمليات عسكرية ستوجَّه نحو إيران ستعني تفرّد أنقرة بمشهد الشرق الأوسط المقبل.
لقد حرصت تركيا على طمأنة دول الخليج العربي بموضوع ملء الفراغ في سوريا بعد سقوط بشار الأسد لضمان مصالح جميع الدول، ووقفت المملكة العربية السعودية في مقدمة المؤيدين لهذا التغيير، وكذلك بقية دول مجلس التعاون الخليجي التي رأت ضرورة دعم السلطات الجديدة دوليًا، والحفاظ على وحدة وسلامة أراضي سوريا، ومنع الجماعات المتطرفة من نشر الفوضى فيها وفي المنطقة.
ونجحت تركيا إلى حد كبير في تحقيق التعاون مع الرياض لتنسيق رؤية مشتركة لمستقبل سوريا ومنع أي خلاف أو تنافس قد يؤدي إلى توترات بين البلدين، هذا التنسيق يعني فيما يعنيه كسب الاهتمام الدولي لرفع العقوبات المفروضة على سوريا الأسد والتعامل من النظام الجديد بإيجابية ودعم إعادة إعمار البلاد، وتقديم المساعدات الإنسانية والاقتصادية للشعب السوري، وهو موقف ما كان ليكون قبل أقل من عقد من الزمن، لكن نجاعة السياسة الخارجية التركية الفاعلة آتت تأثيرها في المشهد التركي- الخليجي بوضوح.
إعلانمنذ أكثر من عقدين من الزمن والعالم يسمع ترديد دول كبرى ومؤسسات بحثية عديدة، مصطلح "الشرق الأوسط الجديد"، وقد كانت هذه التلميحات أو الإعلانات بصيغها المختلفة تأتي من قادة تحرّكوا فعلًا تجاه الشرق الأوسط؛ بهدف تغييره مثل الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش ووزراء خارجيته ودفاعه، بالإضافة إلى إفادات وتهديدات قادة إسرائيليين، ومحللين سياسيين، ومراكز دراسات المستقبلات.
وقد ظن الكثيرون عام 2003 أن إيران ستكون لاعبًا أساسيًا في مراكز قوى هذا الشرق الجديد بحسب القدرات التي منحتها لها ظروف سقوط نظام صدام حسين، واحتلال العراق، والتسهيلات الأميركية لانسياحها في هذا البلد، وسوريا، ولبنان وسواها.
لكن إيران لم تحسن التعامل مع هذا المتغير، وسعت إلى تأسيس مشروعها الشرق أوسطي المرتكز على مفهوم "تصدير الثورة"، بما تسبّب في زعزعة الأمن الإقليمي، وظهور التيارات الجهادية الإرهابية التي جعلت الشرق الأوسط منطقة غير آمنة ومصدرًا للإرهاب.
لهذا السبب، ومع تطلّعها النووي غير المرغوب به دوليًا وإقليميًا، فإن الدور التركي بإسلامه "العلماني"وتحالفاته الإستراتيجية مع حلف شمال الأطلسي، وعلاقاته الوثيقة مع المنظومة الغربية والشرقية، وأيضًا محيطه العربي، وتميزه اقتصاديًا كأحد أهم الاقتصادات الفاعلة عالميًا وإقليميًا، يبقى هو الخيار الأمثل لشرق أوسط جديد تعاد به موازنات المنطقة، وتتحدد فيه آمال وتطلعات دوله بما يسمح بظهور مناطق اقتصادية هائلة تجعل طريق السلام والاستقرار والأمن غاية جميع دوله.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline