يُعد عدنان مندريس واحدًا من أبرز الشخصيات السياسية في تاريخ تركيا الحديث، فهو أول زعيم منتخب ديمقراطيًا في البلاد، حيث وضع بصمته في السياسة والاقتصاد وأعاد الدين إلى الساحة العامة، لكن النهاية كانت مأساوية. فعلى الرغم من إنجازاته الكبيرة داخليًا وخارجيًا، أطاح به أول انقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية، ليُحكم عليه بالإعدام وتتحول قصته إلى رمز للصراع بين القوى الديمقراطية والعسكرية في تركيا.

البداية السياسية والصعود إلى السلطة

ولد عدنان مندريس عام 1899 في مدينة آيدين التركية، وانضم لاحقًا إلى حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه مصطفى كمال أتاتورك. بدأ مندريس مشواره السياسي كعضو برلماني عن الحزب، لكنه سرعان ما انشق عنه في عام 1945 مع ثلاثة نواب آخرين بسبب خلافات سياسية مع زعيم الحزب، عصمت إينونو.

وفي عام 1946، أسس “الحزب الديمقراطي” الذي أصبح بديلاً قويًا عن هيمنة حزب الشعب الجمهوري. تمكن مندريس من الفوز في انتخابات 1950 بأغلبية ساحقة، ليُشكل حكومة وضعت حدًا لسيطرة الحزب الحاكم منذ تأسيس الجمهورية عام 1923.

إنجازات حقبة مندريس

خلال فترة حكمه، شهدت تركيا نهضة واسعة النطاق:

• أعاد الأذان باللغة العربية إلى المساجد بعد أن كان بالأحرف التركية.

• أطلق حملة تنمية اقتصادية شملت تطوير الزراعة والصناعة وتشييد الطرق والمدارس والجامعات.

• تحسنت مؤشرات الاقتصاد، وتقلصت معدلات البطالة، وازدهرت التجارة.
 

ورغم أنه لم يكن “إسلاميًا” بالمفهوم السياسي، إلا أن سياساته أعادت الاعتبار للدين في الحياة العامة، ما أكسبه تأييد شريحة كبيرة من المجتمع التركي.

تركيا في قلب الغرب

على الصعيد الدولي، وضع مندريس تركيا في قلب العالم الغربي؛ حيث انضمت تركيا في عهده إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 1952، وأصبحت حليفًا رئيسيًا للولايات المتحدة في مواجهة الاتحاد السوفييتي، ما عزز مكانة تركيا الجيوسياسية.

التوترات السياسية وسقوط مندريس

مع نهاية الخمسينيات، بدأت تلوح في الأفق بوادر أزمة سياسية واقتصادية:

• تراجعت الأوضاع الاقتصادية، ما أدى إلى خسارة الحزب الديمقراطي بعض مقاعده في انتخابات 1957.

• أثارت سياسات مندريس الداخلية حفيظة القوى العلمانية التي شعرت أن ميراث أتاتورك العلماني بات مهددًا.

• تصاعدت الاحتجاجات في الجامعات والمدن الكبرى مثل إسطنبول وأنقرة، ما أدى إلى اضطرابات وشغب.

وفي 27 مايو 1960، تحرك الجيش التركي بقيادة الجنرال جمال جورسيل ليُنفذ أول انقلاب عسكري في تاريخ الجمهورية التركية.
 

المحاكمة والإعدام

تم اعتقال مندريس مع عدد من الوزراء وقادة الحزب، وبدأت محاكمات صورية على جزيرة “ياسي أدا”. وُجهت له تهم عديدة، من بينها:

• انتهاك الدستور.

• محاولة قلب النظام العلماني وإقامة دولة دينية.

في 17 سبتمبر 1961، تم تنفيذ حكم الإعدام في عدنان مندريس على جزيرة إمرالي، ليُصبح رمزًا سياسيًا بعد وفاته.

رد الاعتبار والخلود في الذاكرة التركية

استمر الشعور بالظلم تجاه إعدام مندريس يتصاعد بين الشعب التركي، حتى قرر الرئيس تورجوت أوزال في عام 1990 إعادة الاعتبار له ولرفاقه. نُقلت رفاتهم من الجزيرة إلى مقبرة خاصة في إسطنبول في جنازة وطنية مهيبة، شارك فيها قادة الدولة وجموع الشعب.

أطلق اسمه على مطار إزمير، وعدد من الشوارع والجامعات والمدارس، وأُعيد اعتباره “شهيدًا للديمقراطية”. كما اعتبر الاستفتاء الشعبي في عام 2010، الذي يُجرّم الانقلابات العسكرية بأثر رجعي، بمثابة انتصار رمزي له.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: إسطنبول أتاتورك الجمهورية التركية عدنان مندريس المزيد عدنان مندریس فی عام

إقرأ أيضاً:

رئيس البرلمان التركي: نرفض أي مقترحات تفضي إلى تهجير الفلسطينيين

أكد رئيس البرلمان التركي نعمان قورتولموش، أنه "من غير الممكن قبول مقترحات تفضي إلى تهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة"، مشددا على أن "مقتل نحو 60 ألف إنسان في حرب الإبادة الإسرائيلية على مدى عام ونصف في غزة، أمر لا يمكن للبشرية أن تقبله".

جاء ذلك في كلمة ألقاها، الاثنين، خلال مشاركته في مؤتمر بطوكيو تحت عنوان "تركيا وآفاق السلام في الشرق الأوسط"، على هامش زيارة رسمية يجريها إلى اليابان.

وقال قورتولموش: "من المؤسف أنه في بيئة شهدت مثل هذه الإبادة الجماعية الكبيرة، ظلت جميع المؤسسات والمنظمات الدولية تقريبا صامتة وعاجزة وفاقدة للإحساس"، مشيرا إلى أنه لن يكون هناك سلام في الشرق الأوسط دون إقامة دولة فلسطينية حرة.

وأوضح أن مفتاح السلام في الشرق الأوسط هو الحل العادل للقضية الفلسطينية، مضيفا أنه "من غير الممكن قبول أو طرح أو حتى الحديث عن مقترحات تفضي إلى تهجير الشعب الفلسطيني من غزة".



وفي الشأن السوري، شدد قورتولموش على ضرورة ضمان وحدة الأراضي السورية، واتخاذ خطوات لتأسيس ديمقراطية ناضجة.

وبيّن أن تركيا عازمة على القيام بواجبها في السير مع الشعب السوري في طريقه نحو الديمقراطية، مؤكدا على ضرورة تطهير سوريا من السلاح وحصره في يد الجيش السوري.

والأسبوع الماضي، كشف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمؤتمر صحفي جمعه مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض، عزم بلاده الاستيلاء على غزة بعد تهجير كامل سكانه من الفلسطينيين إلى دول أخرى.

ومنذ 25 يناير/ كانون الثاني الماضي، يروج ترامب لمخطط نقل فلسطينيي غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهو الأمر الذي رفضه البلدان، وانضمت إليهما دول عربية أخرى، ومنظمات إقليمية ودولية.

وبدعم أمريكي، ارتكب الاحتلال الإسرائيلي بين 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 و19 يناير/ كانون الثاني 2025، إبادة جماعية بغزة خلفت نحو 160 ألف شهيد وجريح من الفلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 14 ألف مفقود.

مقالات مشابهة

  • رئيس الوزراء الفلسطيني: إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطين الطريق الوحيد لتحقيق السلام
  • هل يعود كليجدار أوغلو لزعامة المعارضة التركية؟
  • إصلاحات خط همايوني.. محاولة إنقاذ الدولة العثمانية من الانهيار.. ماذا حدث؟
  • الجوف.. قتلى وجرحى إثر إحباط محاولة تسلل حوثية شرق بئر المرازيق
  • وزير الخارجية: مصر ملتزمة بحل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة
  • الإمارات تنال وسام الشرف من الرئيس التركي على جهودها في تقديم المساعدات في أعقاب زلزال2023
  • رئيس البرلمان التركي: نرفض أي مقترحات تفضي إلى تهجير الفلسطينيين
  • توافق مصري- قبرصي على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية
  • أمن مطار العيون يحبط محاولة تهريب أقراص مهيجة قادمة من تركيا
  • تركيا.. تقلص الفجوة بين الحزب الحاكم والمعارضة