علي جمعة: لا تسألوا الله الصبر بل اللطف
تاريخ النشر: 17th, December 2024 GMT
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}، بهذه الآية الكريمة يبدأ الدكتور علي جمعة حديثه حول فضيلة الصبر ومعناه في حياة المؤمنين، مؤكدًا أن الصبر ليس مجرد احتمال للشدائد، بل هو منهج عميق يحمل أبعادًا إيمانية وروحية.
أنواع الصبر: ممدوح ومذموميوضح جمعة عبر صفحته الرسمية على الفيسبوك أن الصبر ينقسم إلى نوعين: صبر ممدوح وصبر مذموم.
ويضيف: "ينزل الله علينا المحن لا انتقامًا منا، بل حبًا لنا. نحن صنعته، وهو ينظر إلينا برأفة ورحمة، وإذا تجلّى علينا بالجلال كسا ذلك الجلال بالجمال. فالمصائب تأتي لتذكرنا بالله، ولتعيدنا إلى الطريق المستقيم".
الابتلاء... رسالة حب ورحمةيشرح د. جمعة أن الابتلاء ليس عقابًا بل رسالة من الله، تحمل في طياتها تذكيرًا ورحمة. واستدل على ذلك بحديث النبي ﷺ: "زوروا القبور فإنها تذكركم الآخرة". فالمصائب مثل الموت والكوارث تذكّرنا بضعفنا وافتقارنا إلى الله، وتحفّزنا على التوبة والعودة إلى العبادة الخالصة.
الصبر والصلاة... مفتاح الفرجيشير د. علي جمعة إلى ارتباط الصبر بالصلاة في الآية الكريمة، موضحًا أن الصلاة هي صلة العبد بربه، وهي مفتاح لتهذيب النفس والابتعاد عن الفحشاء والمنكر. كما أن الصلاة هي "خير موضوع"، فمن يسجد لله يجد الخير كله.
ويقول: "الصبر في الله ومع الله يرفعنا إلى مرتبة عظيمة، حيث يقول الله: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ}. إنها جائزة عظيمة أن يكون الله مع الصابرين، ويجعلهم في مقام القرب".
لا تسألوا الله الصبر بل اللطفوحذر د. جمعة من طلب الصبر مباشرة في الدعاء، قائلاً: "سيدنا رسول الله ﷺ سمع رجلاً يدعو: اللهم أنزل عليّ الصبر، فقال له: سألت الله البلاء. لا تطلبوا الصبر، بل اسألوا الله اللطف، وإذا نزل البلاء قولوا: اللهم اجعلنا من الصابرين ومع الصابرين".
اختتم الدكتور علي جمعة حديثه برسالة إيمانية عميقة، مفادها أن الصبر ليس مجرد احتمال للشدائد، بل هو باب لمعية الله ورحمته، وهو الوسيلة التي بها يرتقي الإنسان في مدارج الإيمان. وأكد: "الصبر بالله ولله وفي الله هو جوهر العبادة، وهو ما يضمن لنا الفوز بمعية الله ورحمته في الدنيا والآخرة".
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: رسول الله سيدنا رسول الله النبي الدكتور علي جمعة والصلاة علي جمعة حديث النبي علی جمعة
إقرأ أيضاً:
حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردا.. الإفتاء توضح
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال ورد اليها عبر موقعها الرسمي مضمونة:"ما حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا؟ فهناك سيدة تقول: ابني في بعض الأحيان ينادي على والده باسمه مجردًا من دون أن يقصد بذلك الإساءة، وحينما أسمعه أقول له: إن من الأدب ألا تنادي على والدك باسمه مجردًا، فيقول: هذه عادات لا علاقة لها بالشرع، فأرجو من فضيلتكم بيان الحكم الشرعي في هذا الأمر.
لترد دار الإفتاء موضحة: أن مناداة الإنسان أحد والديه باسمه مجردًا حرامٌ إذا كان الوالد يكره ذلك أو يتأذى منه، وهو من العقوق، ويكون مباحًا إن كان هذا سائغًا مقبولًا في العُرف ولا يُقصد منه إساءة ولا يكرهه الوالد، وإن كان الأولى والأكمل والأفضل والمناسب للأدب المطلوب مع الوالد في هذه الحالة أن يحفظ ولده له قدره ومكانته ولا يناديه باسمه مجردًا.
حث الشرع الشريف على توقير واحترام الكبير
الأدب من أهم قواعد التعامل التي قررتها الشريعة الإسلامية، ومن الأدب أن يتعامل الإنسان مع من يَكْبُرُه سِنًّا أو علمًا أو منزلةً أو غير ذلك بالتَّوْقِير والاحترام اللائقين بما يُناسب قَدْره ومنزلته، وقد علَّمَنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن التأدُّب مع الكبير من هَدْيِه الشريف، وتاركه لا شك مخالف لهذا الهدي، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا» رواه الترمذي في "سننه" واللفظ له، والإمام أحمد في "مسنده"، ومعنى التوقير المأمور به في هذا الحديث الشريف أن يُعطيَ الإنسان لِذَوِي الشرف والمنزلة حقَّهم؛ بما يتناسب مع أقدَارِهم، سواء كان هذا الشرف وتلك المكانة لنحو سِنٍّ أو عِلمٍ أو غير ذلك.
قال العلامة زين الدين المناوي في "فيض القدير" (5/ 388، ط. المكتبة التجارية الكبرى): [(لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا) الواو بمعنى أو، فالتحذير من كل منهما وَحْدَه، فيتعيَّن أن يُعامِل كلًّا منهما بما يليق به؛ فيُعطي الصغير حقه من الرفق به والرحمة والشفقة عليه، ويُعطي الكبير حقه من الشرف والتوقير] اهـ.
وجوب بر الوالدين في الإسلام والتحذير من عقوقهما
إذا كان الإنسان مأمورًا بتوقير وإجلال من هو أكبر منه، فإن أولى الناس بهذا الإجلال والتوقير والداه، فقد جمعا بين الكبَر والتفضل على الابن، بالإضافة إلى أن الشريعة قد أمرت بإكرامهما وإجلالهما.
ولا خلاف أنَّ عقوق الوالدين أو أحدهما من كبائر الذنوب؛ فعن أنسٍ رضي الله عنه، قال: سُئِلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم عن الكبائر، قال: «الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ» متفقٌ عليه.
كما أن طاعتهما وبرهما والإحسان إليهما وحسن معاملتهما أمورٌ واجبة مؤكدة جاءت مقرونة بتوحيد الله عزَّ وجلَّ؛ قال تعالى: ﴿وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23].
حكم مناداة الإنسان لوالده باسمه مجردًا ونصوص العلماء الواردة في ذلك
إذا نادى الإنسان أحدَ والديه باسمه مجردًا، وكان الوالد يكره ذلك؛ فإن فعله هذا داخلٌ في العقوق؛ لأنه يعد مُسِيئًا للأدب مع والده مجافيًا له، ويكون قوله غير كريم، وهو خلاف ما أمر القرآن الكريم به.
قال الإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (10/ 243، ط. دار الكتب المصرية): [﴿وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾، أي: لينًا لطيفًا، مثل: يا أبَتَاه ويا أُمَّاه، من غير أن يُسَمِّيَهُمَا] اهـ. وقد جاء مرفوعًا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ، وَمَعَهُ شَيْخٌ، فَقَالَ: «يَا فُلَانُ، مَنْ هَذَا مَعَكُمْ؟» قال: أبي، قال: «فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ» أخرجه الإمام الطبراني في "المعجم الأوسط" (4/ 267-268، ط. دار الحرمين)، وقال: "لم يَرْوِ هذا الحديث عن هشام إلَّا محمد بن الحسن، تفرَّد به: عمرو بن محمد بن عَرْعَرَةَ، ولا يُرْوَى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلَّا بهذا الإسناد" اهـ. فكأنه يشير إلى تضعيفه.
وأخرج ابن السُّنِّيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مرفوعًا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا مَعَهُ غُلَامٌ، فَقَالَ لِلْغُلَامِ: «مَنْ هَذَا؟» قَالَ: أَبِي، قَالَ: «فَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَسْتَسِبَّ لَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ، وَلَا تَدْعُهُ بِاسْمِهِ».
وأخرجه الإمام البخاري في "الأدب المفرد" موقوفًا على أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أنه أَبْصَرَ رَجُلَيْنِ، فَقَالَ لِأَحَدِهِمَا: «مَا هَذَا مِنْكَ؟» فَقَالَ: أَبِي، فَقَالَ: «لَا تُسَمِّهِ بِاسْمِهِ، وَلَا تَمْشِ أَمَامَهُ، وَلَا تَجْلِسْ قَبْلَهُ»، وبَوَّبَ له (ص: 30، ط. دار البشائر الإسلامية) بقوله: [بَابُ لا يُسَمِّي الرَّجُلُ أَبَاهُ ولا يَجْلِسُ قبله ولا يمشى أمامه] اهـ.
وبوَّبَ له الإمام النووي أيضًا في "الأذكار" (ص: 291، ط. دار الفكر) بقوله: [باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ أن يُنادي أباه ومعلّمه وشيخه باسمه.. وروينا فيه عن السيد الجليل العبد الصالح المتفق على صلاحه عبيد الله بن زَحْر -بفتح الزاي وإسكان الحاء المهملة- رضي الله عنه قال: يُقال: من العقوق أن تُسَمِّيَ أباك باسمه، وأن تمشيَ أمامَه في طريق] اهـ.
وقد تواردت عبارات العلماء والفقهاء على تأييد هذا المعنى، قال الإمام النووي في "روضة الطالبين" (3/ 235، ط. المكتب الإسلامي): [وينبغي للولد والتلميذ والغلام، ألا يُسمي أباه ومعلمه وسيّده باسمه، ويستحب تكنية أهل الفضل من الرجال والنساء، سواء كان له ولد، أم لا، وسواء كُنِّيَ بولده، أم بغيره] اهـ.
وقال الإمام الخطيب الشربيني في "مغني المحتاج" (6/ 142، ط. دار الكتب العلمية): [ويُسن لولدِ الشخصِ وتلميذِه وغلامِه ألَّا يُسَمِّيَهُ باسمه] اهـ.
وقال الإمام ابن علَّان في "الفتوحات الربانية" (6/ 119-120، ط. جمعية النشر والتأليف الأزهرية): [باب نهي الولد والمتعلم والتلميذ.. (أن ينادي أباه ومعلمه وشيخه باسمه).. وإنما نهى عن دعاء من ذكر باسمه؛ لأنه خالٍ عن التعظيم المطلوب منه مع من ذكر، وقد نهى الله عباده أن ينادوا النبي -صلى الله عليه وسلم- باسمه، بل يدعونه بوصفه الشريف من الرسالة والنبوة ونحوهما، قال تعالى: ﴿لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ ٱلرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضًا﴾] اهـ.
وقال العلامة ابن حجر الهيتمي في "المنهاج القويم" (ص: 312، ط. دار الكتب العلمية): [ويُنْدَبُ لولده وتلميذه وغلامه ألَّا يُسَمِّيَهُ باسمه] اهـ. وقد بيَّن العلماء أن الأصل في مناداة الوالد أن تكون بما يظهر منه تَبْجِيلُه وتوقيره وكمال اللين معه، وذلك بأن ينادي والديه بنحو: "يا أَبَتَاهُ"، "يا أُمَّاهُ"، وما شابه ذلك مما يليق بمكانة الوالدين.
قال العلامة الشبراملسي في "حاشيته على نهاية المحتاج" (8/ 149، ط. دار الفكر): [كأن يقول.. الولد: يا والدي أو يا أبي] اهـ.
أمَّا إذا لم يكن الوالد يتأذى من ذلك، وكانت مناداة ولده له باسمه مجردًا أمرًا سائغًا ومقبولًا في عُرفه من باب التدليل وتأليف القلب وإنزال الولد بمنزل الصديق لغرض تربوي ونحوه ولا يكرهه الوالد فلا حرج فيه ولا إثم، وإن كان الأولى والأكمل والأفضل والمناسب للأدب والتكريم المطلوب مع الوالد أن يحفظ ولده له قدره ومكانته فلا يناديه باسمه مجردًا، وإنما بما يدل على التوقير والتقدير والاحترام.
الخلاصة
بناءً على ما سبق وفي واقعة السؤال: فمناداة الإنسان أحد والديه باسمه مجردًا حرامٌ إذا كان الوالد يكره ذلك أو يتأذى منه، وهو من العقوق، ويكون مباحًا إن كان هذا سائغًا مقبولًا في العُرف ولا يُقصد منه إساءة ولا يكرهه الوالد، وإن كان الأولى والأكمل والأفضل والمناسب للأدب المطلوب مع الوالد في هذه الحالة أن يحفظ ولده له قدره ومكانته ولا يناديه باسمه مجردًا.